الانسحاب المفترض للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي البريكست

                                                 

                        الدكتور مهند العزاوي*

الانسحاب المفترض للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي البريكست

تداولت وسائل الاعلام كثيرا الانسحاب المفترض للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أو بريكزت، وهو انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الاوربي، ويأتي هذا بعد الاستفتاء الذي تم في 23 يونيو 2016 ، حيث صوت 51.9 في المائة لصالح الانسحاب، وتعني كلمة "بريكست" وتعني انسحاب المملكة المتحدة (بريطانيا) من الاتحاد الأوروبي، وبريكزت بالإنجليزية Brexit) ) وهي عبارة عن دمج للكلمتين الإنجليزيتين (British Exit)، وقد اعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تسك ان قادة الاتحاد الأوروبي قد وافقوا على اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد، ودعم القادة الأوربيون وعددهم 27 الاتفاق في بروكسل في نوفمبر 2018، ويأتي ذلك بعد 18 شهرا من المفاوضات بين الطرفين، وبدأت بعدما حركت بريطانيا المادة 50 نتيجة الاستفتاء، الذي صوت فيه البريطانيون عام 2016 بالأغلبية للخروج من الاتحاد الأوروبي، ويتوقع أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس/ آذار 2019 مالم يجري تأجيل.

ورفض مجلس العموم البريطاني بالإجماع، في يناير 2019، اتفاق رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث صوت 432 عضوا في المجلس ضد الاتفاق مقابل تأييد 202 عضوا، ومن المقرر أن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019 في الساعة 11:00 بتوقيت المملكة المتحدة عندما تنتهي فترة التفاوض على اتفاقية الانسحاب ما لم يتم الاتفاق على تمديد.

مبررات التيار القومي البريطاني حول "بريكست"

كل قرار سياسي ذو طابع استراتيجي له أسباب تتعلق بالسلطة والأحزاب والأشخاص والأفكار ، وبالرغم من ان البعض يرى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي "بريكست" يعد خطيئة تقود الى تداعيات ومخاطر كبيرة، تتعلق بالاقتصاد والعمل والمال وامور أخرى الا ان معسكر المطالبين بالخروج له أسبابه[1] التي اقنع ناخبيه بها وهي :

1. مبررات التيار القومي البريطاني الذي تصدر حملة الخروج قدم مقاربة الخصوصية والهوية والاستقلال السياسي والاقتصادي في مقابل مقاربة التنوع والاندماج والتكامل الاممي التي طرحا الاتحاد الاوروبي ومؤيدو البقاء وطرح كخيار معالجة حيال الامن ومكافحة الارهاب والهجرة وتدني معدلات الفائدة والتضخم والاستقلال الاقتصادي

2. الازمة الاقتصادية العالمية: عاشت الاقتصادات الكبرى أزمة مالية واقتصادية ثقيلة منذ عقد من الزمن وما زالت تبعاتها تؤثر حتى الان، ويبرر داعم قرار" بريكزت " بان طريقة تعامل المؤسسات الكبرى وراسموا السياسات المالية حول العالم شابها الكثير من عدم الكفاءة، وفشل الاتحاد الاوروبي من خلال ذراعه المالي المتمثل بالبنك المركزي الاوروبي (ECB)، في حل معضلات هيكلية في الاقتصادات الاوروبية كمعدلات البطالة المرتفعة وتدني معدلات الفائدة وصولا الى اعتماد الفائدة السلبية والفشل في الوصول الى أهداف نمو اسعار المستهلكين (التضخم) الى مستويات 2%. كل هذا جعل الجميع أمام استحقاق المساءلة القاسية من قبل مجتمعاتها.

3. التفاوت في الاداء الاقتصادي: حين فشل الاتحاد الاوروبي في تمكين الدول الصغيرة او ما يسمى بـ “الاسواق الطرفية" في بولندا وقبرص وهنغاريا واليونان والى حد ما في ايرلندا والبرتغال من تحقيق معدلات نمو اقتصادي نموذجي دفع اعداد ضخمة من سكان أوروبا الشرقية الفقيرة للبحث عن الوظائف في اوروبا الغربية الثرية وبالأخص في بريطانيا بسبب برامج الضمان الاجتماعي السخية جدا.

4. يتهم داعمو بركزت انتشار الفساد في التعامل الأوروبي من خلال مشاريع بائسة وسياسات عفى عليها الزمن واموال طائلة مبددة من التحفيز الكمي، ووعود بالفقر المدقع، وهذا الواقع لا يتسق بالأحلام والتطلعات الاوربية عند تشكيل الاتحاد .

5. قارن داعمو بركزت الواقع الحالي بالنموذج السويسري حيث ان سويسرا بلد ليس عضوا في الاتحاد الاوروبي لكنها تملك معدلات نمو اقتصادي وناتجا إجماليا محليا أفضل من المملكة المتحدة ومعدلات بطالة اقل من المملكة المتحدة وعملة أقوى من الجنيه الاسترليني.

6. الهاجس الأمني وتفشي ظاهرة الارهاب

 

تداعيات محتملة

يقف صانع القرار السياسي في المملكة المتحدة امام لوحة معقدة من المخاطر والتهديدات الناجمة من "بريكست" وبدون شك لكل قرار مردودات استراتيجية وخسائر تكتيكية او بالعكس قد يكون هناك مكاسب تكتيكية وخسائر استراتيجية في ظل التحولات المتسارعة في البيئة الاستراتيجية والخروج من قائمة الافتراضات الى الاختلاف السياسي والرؤى المتباينة بين الدول، ولعل من ابرز التداعيات التي من الممكن ان تؤثر على المملكة المتحدة هي :

1. الإجماع الواسع بين الاقتصاديين هو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المرجح أن يقلل من دخل الفرد الحقيقي في المملكة المتحدة على المدى المتوسط والطويل

2. ظهر الدراسات حول الآثار منذ الاستفتاء خسائر سنوية تبلغ 404 جنيهات إسترلينية للأسر المعيشية العادية في المملكة المتحدة من التضخم المتزايد والخسائر بين 2 و 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة

3. عندما تصبح المملكة المتحدة بلدا خارج الاتحاد، سيزول جواز السفر الأوروبي المالي، شأنه شأن جواز السفر التجاري، وجواز السفر الأوروبي ، وأنه سيصبح من غير الممكن إجراء عمليات المُقاصة باليورو في لندن. وقد استفادت المملكة المتحدة مدة طويلة من الاستثناءات مع أنها لم تكن أصلا في منطقة اليورو، ومن غير الممكن أن يستمر ذلك. "

4. سيسمح الخروج لبريطانيا بتقديم الدعم لأي من قطاعات اقتصادها دون الحصول على موافقة بروكسل، لكن في المقابل لا يمكنها أن تعترض على أي دعم ممكن أن تقدمه دول الاتحاد لشركاتها الكبرى.

5. في قطاع الطاقة، قد يؤدي خروج بريطانيا إلى رفع تكلفة الاستثمار في القطاع، وتأخير المشاريع الجديدة، في ظل عجز متوقع في المعروض من الطاقة الكهربائية في البلاد. وسيتردد المستثمر في قطاع الطاقة.

6. في قطاع الطيران، هناك حاليا سياسة الفضاء المفتوح بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ما يعني حرية العمل لشركات الطيران من الجانبين، طبعا الوضع سيكون مختلفا بعد الخروج وهو ما قد يعني ارتفاع الأسعار على المستهلكين.

7. يعتمد التأثير الدقيق على المملكة المتحدة على ما إذا كانت العملية ستكون انسحاب "صلب" أم "لين". وجد التحليل الذي أجرته وزارة الخزانة البريطانية أنه ليس من المتوقع أن يؤدي أي تغيير في خروج بريطانيا إلى تحسين الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة، وقدر منشور الوزارة في نوفمبر 2018 بشأن التأثير المحتمل لمقترح لعبة الداما أنه خلال 15 عامًا سيكون الاقتصاد البريطاني أسوأ بنسبة 3.9٪ مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي[2]

8. وفقا لتحليل " فايننشال تايمز" [3] فإن نتائج الاستفتاء في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول ديسمبر 2017 خفضت الدخل القومي البريطاني بنسبة تتراوح بين 0.6٪ و1.3٪ أي ما يعادل 350 مليون جنيه إسترليني في الأسبوع وقال "باري إيتشنغرين" الخبير الاقتصادي في جامعة "كاليفورنيا" أغسطس 2017 أن بعض الآثار السلبية لعدم اليقين الناجمة عن استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت واضحة حيث انخفضت ثقة المستهلك البريطاني وانخفض الإنفاق إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات، وفي نوفمبر 2017 أفيد بأن البنوك الأوروبية قد خفضت أصولها ذات الصلة بالمملكة المتحدة بمقدار 350 مليار يورو خلال 12 شهرًا بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الاتجاه قبل الموعد النهائي للانسحاب في مارس 2019

من خلال مناقشة العوامل الأساسية في قرار بريكزت، وتحديدا المبررات والتداعيات المحتملة يبدوا ان الخلاف الاوربي بلغ مرحلة معقدة في ظل الازمة الاقتصادية المعقدة التي طال عمرها لعقد واكثر، من دون حلول ناجعة تذكر، وقد برر دعاة القرار بان ظاهرة الفساد في المؤسسات الاوربية نتاج للفشل المزمن في معالجة المخاطر والتهديدات الاقتصادية والامنية والاجتماعية، فضلا عن التحديات المستقبلية التي تصل الى درجة التهديدات المحتملة، وبالرغم من التداعيات والمخاطر الاقتصادية والمالية التي ذكرت اعلاه نتيجة الانسحاب المحتمل، الا ان خيار القفز من سفينة الاتحاد الاوربي قد يكون قرار صائباً، كما تراه رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" في محاولة العودة الصلبة للتأثير الدولي، وإيجاد الحلول المنفردة بعد ان فشلت المعالجات الاتحادية لعقد من الزمن، وبالرغم من التحديات المطروحة الا ان المملكة المتحدة تمتلك البعد الامبراطوري، ذو النفوذ والتأثير في رقع حيوية واستراتيجية بالعالم، وقد يكون الخروج له اثر إيجابيي على المدى الاستراتيجي البعيد، كما تراه "ماي" وحزبها، ويبقى رسم السياسات وصنع القرار من اصعب العمليات التي تحتاج الى تحليل ودراسة معمقة، واتخاذ القرار في بيئة ديمقراطية وخبرات مجلس العموم البريطاني، يعد امرا معقدا لن يمر بسهولة، ستكشف الأيام نتائج هذا الجدل وقد تطرأ متغيرات دولية تحول دون تطبيق القرار.

‏11‏ شباط‏، 2019

*رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع