إلقاء القنابل, والاعتراف المتأخر بشهادة شاهد من أهلها

                                                  

                                 د.نسيم قزاز

إلقاء القنابل, والاعتراف المتأخر بشهادة شاهد من أهلها

هناك من يدعي أن رمي القنابل اليدوية على مباني بعض الشركات والمحلات اليهودية قد ساهم في اندفاع أبناء الطائفة للتسجيل, وخاصة القنبلة اليدوية التي أُلقيت في 14 كانون الثاني/يناير. من عام 1951 أثناء عملية التسجيل في "كنيس شمطوب" والتي أودت بحياة خمسة أشخاص من اليهود. وتبنت وسائل الدعاية والإعلام العربية هذا الادعاء متهمة الحركة الصهيونية السرية بالقيام بهذا العمل الشنيع بغية النيل والحط منها إعلامياً ودحض ادعاءات القائلين إن سياسة الاضطهاد والقمع التي مارستها السلطات العراقية ضد المواطنين اليهود كانت من العوامل الرئيسية التي دفعت بهم إلى الهجرة. وترسخت هذه التهمة عند الجماهير والشعوب العربية وباتوا واثقين حتى يومنا هذا إن من قام بهذا الجرم هم اليهود.
والسؤال هنا : هل كان هنالك دافع حقيقي, لدى أعضاء الحركة الصهيونية في العراق, يستوجب القيام بإلقاء قنابل لحث اليهود للإسراع في التسجيل؟. فإذا ما راجعنا عدد الذين سجلوا للتخلي عن جنسيتهم العراقية في يوم إلقاء القنبلة, سيتضح لنا أنه لم يكن هناك مبرر أو دافع منطقي لذلك.

فحسب التقارير البريطانية والأمريكية بلغ عدد اليهود الذين أسقطوا جنسيتهم العراقية في 15 كانون الثاني/يناير من عام 1951, 85.893 نسمة, وكان قد سافر منهم إلى إسرائيل 23.345 نسمة وفي الانتظار للتسفير حوالي 62.000 نسمة. وكذلك ذكرت صحيفة الزمان في عددها الصادر في 28 كانون الثاني/يناير 1950, إن ما يزيد على 30 ألف يهودي قد نقلوا وهناك حوالي 75 ألفاً ينتظرون دورهم.
يظهر من هذه الأرقام إن حركة التسجيل كانت تجري على قدم وساق ولم يكن هناك داع لإلقاء قنابل لخلق جوِّ من الرعب في نفوس اليهود كي يسرعوا للتسجيل.
ويقول المثل العربي "حبل الكذب قصير" وفي هذه المرة بقي الحبل طويلاً حتى عام 2013 وهو العام الذي صدر فيه كتاب "تاريخ الحركة الصهيونية في العراق ودورها في هجرة اليهود عام 1950-1951" للأستاذ شامل عبد القادر. ورد في صفحة 214 من هذا الكتاب فقرة تحت عنوان "اعتراف متأخر", جاء فيه أن مؤلف الكتاب التقى عام 1994 السيد (م. ش. ع.), وهو حسب قوله : أستاذ فاضل ومثقف وصحفي كبير في صحافة العراق القومية إبان الحكم الملكي, وعرف بنشاطاته العروبية والقومية في صحافة حزب الاستقلال والقوميين العرب. وكان م. قد اطلع على بعض الحلقات المنشورة لي [لمؤلف الكتاب] عن تهجير يهود العراق في مجلة (الف باء), وقال لي :
"هل تعرف أن كل ما كتب عن إلقاء القنابل ضد اليهود في بغداد عام 1950 كان خطأ في خطأ!!"
استغربت وقلت له : كيف؟ أجابني :
"سأعترف لك لأول مرة عن تفجيرات العام 1950!!"
انتبهت إليه وهو يروي أسراره للمرة الأولى :
"في تلك السنة قرر السويدي تهجير يهود العراق ولكن أكثرية اليهود رفضوا التسفير وإسقاط الجنسية عنهم وكنت أنا وقتذاك في ’حزب الاستقلال’ وكنا في الحزب قد شكلنا جماعة قتالية برئاسة المرحوم عدنان الراوي ومني و(ط. ب.). وأخبرنا الراوي إن تردد اليهود يحتاج إلى عمل, وكنا في الحزب نتمنى ترحيل كل اليهود من العراق, وفعلاً تقرر تفجير ’كازينو البيضاء’ الذي يرتادها عدد كبير من الشباب اليهودي, وأخبرنا الراوي إنه سيزودنا بالقنابل لإلقائها بالكازينو لإلقاء الرعب في قلوب اليهود, وفعلاً بعد أيام جاء الراوي وكلفنا أنا و(ط) برميها على الكازينو باليوم المعيّن من نيسان عام 1950. هجمنا بالقنابل على الكازينو ورميناه على اليهود الجالسين فيها وهربنا واختفينا في منزل استأجرناه قرب فتحة شارع أبو نواس بالقرب من الكازينو واختفينا فيه".
وفي هذا الصدد ذكرت جريدة اليقظة في العدد 796, الصادر في 10 نيسان/كانون الثاني 1950, حادث انفجار في التاسع من الشهر, وقع في الشارع الفرعي الموصل بين شارع أبي نواس وشارع السعدون بالقرب من كازينو البيضاء, أصيب على أثره إصابات بالغة أربعة يهود من رواده. وقامت الشرطة بمداهمة بيوت اليهود وحوانيتهم المجاورة ولم تعثر على شيء.

من المنطق هو إن القائمين بإلقاء القنابل على المحلات التي تواجد اليهود فيها عام 1950 و1951 لم يكونوا من اليهود, بل من العناصر العروبية المتطرفة التي مارست العنف وإلقاء القنابل على محلات اليهود ومعابدهم من منتصف ثلاثينات القرن المنصرم ثم ساهمت في أعمال القتل بمذبحة الفرهود عام 1941, واستمرت بملاحقة أبناء الطائفة اليهودية بعد أحداث الوثبة وإقامة دولة إسرائيل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

847 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع