ثورة التقنيات العسكرية المعاصرة

                                                  

                    الدكتور مهند العزاوي*

ثورة التقنيات العسكرية المعاصرة

تشكل بيئة الحرب تحديا كبيرا للقادة العسكريين في ظل التغيرات والتحولات الحربية المعاصرة ، فضلا عن تنوع الأدوات والأساليب والمسالك في مسارح النزاعات والصراعات ، والحروب المركبة المستعرة في الشرق الأوسط خصوصا ، والعالم عموما، لاسيما الحروب المتحركة المتعلقة بمحاربة الإرهاب ، التي تتخذ نمط مختلف عن الحرب النظامية، وتتسق تماما بسياق الحرب المركبة،[1] بعد التحول اللافت في توجهات التنظيمات الإرهابية التي أضحت تبحث عن السلطة والأرض والمال أسوة بالكيانات الموازية ( الجماعات الفاعلة الغير حكومية) ، مما يفرض على القادة العسكريين تحديات واقعية ، ويتطلب إعادة التفكير في كيفية خوض هذه الحروب ، باستخدام الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذاتية ، وأجهزة الاستشعار في كل مكان ، فضلا عن التقدم الفضائي والجوي، وتبدوا تكاليف هذه القدرات باهضه قياسا بالكلفة الرخيصة التي يسلكها صناع التنظيمات الإرهابية ، والكيانات الموازية بغية الحصول على مبررات الوجود العسكري والتأثير المباشر في لوحة المصالح الاستراتيجية الدولية .

تقنيات جديدة ومشاكل قديمة

نشرت مجلة الشؤون الخارجية ( Foreign Affairs Magazine) في اذار 2019 بحث بعنوان "الثورة الجديدة في الشؤون العسكرية" (The New Revolution in Military Affairs)[2]، واذكر بعض مما أورده "كريستيان بروس"[3] في البحث عن التحديات الواقعية التي تعترض الجيش الامريكي في سباق التطور التقني المعاصر، والنمطية التقليدية لسياقات الحرب مع المنافسين كالصين وروسيا كما ذكرها، وتحت عنوان "التقنيات جديدة والمشاكل قديمة" ذكر ان الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الناشئة ستغير طريقة خوض الحرب ، لكنها لن تغير طبيعتها؟ سواء كانت تتضمن أقواس طويلة أو شفرة مصدر، ستكون الحرب دائمًا عنيفة وذات دوافع سياسية ، وتتكون من نفس الوظائف الأساسية الثلاثة التي يتعلمها المجندون الجدد في التدريب الأساسي: الحركة ، وإطلاق النار ، والتواصل.

وستعمل التكنولوجيا على تقليل الحاجة إلى شبكات لوجستية عسكرية واسعة ، ومحفوفة بالمخاطر ومكلفة من خلال تمكين إنتاج السلع المعقدة في نقطة الطلب بسرعة وبتكلفة رخيصة وبسهولة، كما ستغير التكنولوجيا بشكل جذري كيف تطلق الجيوش النار ، وستصبح الهجمات الإلكترونية ، والتشويش على الاتصالات ، والحرب الإلكترونية ، وغيرها من الهجمات على برامج النظام ، بنفس أهمية الهجمات التي تستهدف أجهزة النظام ، إن لم يكن أكثر من ذلك ، وسوف يتسارع معدل إطلاق النار ، أو مدى سرعة إطلاق النار ، بفضل التقنيات الجديدة مثل الليزر ، وأجهزة الميكروويف عالية الطاقة ، وغيرها من أسلحة الطاقة الموجهة ، ولكن ما الذي سيزيد بالفعل معدل إطلاق النار هو أنظمة ذكية تقلل بشكل جذري الفترة الزمنية بين الوقت الذي يمكن فيه تحديد الأهداف ومتى يمكن مهاجمتها.

تقنية "واجهة الدماغ الحاسوبية"

ستغير التقنيات الحديثة الاتصالات العسكرية ، وستكون شبكات المعلومات القائمة على تقنية 5G قادرة على نقل كميات أكبر من البيانات بسرعة أكبر بكثير، وإعطاء الجيوش القدرة على معالجة أحجام البيانات ، وحل فئات المشاكل التي تتجاوز القدرة من أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية ، والأكثر إثارة من ذلك هو أن ما يسمى تقنية "واجهة الدماغ الحاسوبية" تمكن البشر بالفعل من التحكم في الأنظمة المعقدة ، مثل الأطراف الاصطناعية الآلية وحتى الطائرات غير المأهولة ، بإشاراتهم العصبية ، ببساطة أصبح من الممكن للمشغل البشري التحكم في عدة طائرات بدون طيار، عن طريق التفكير في ما يرغب أن تفعله هذه الأنظمة مجتمعة ، وكما ذكر البحث ان كل هذه التقنيات ستحل محل افتراضات عمرها عقود ، وحتى قرون ، حول كيفية عمل الجيوش، إن الجيوش التي تتبنى هذه التقنيات وتتكيف معها ، ستهيمن على من لا يفعلون ذلك في هذا الصدد ، ويقصد سباق حيازة التطور التقني التسليحي .

استبدال العنصر البشري بالقدرة اللامهولة

يعد التفكير الاستشرافي من اعقد المسائل لاسيما في الجوانب العسكرية ، وسياق اعداد الدولة الحرب ، وما طرحه "كريستيان بروس" مثار اعجاب كونه يحاكي التطور التقني المعاصر، وسياق تطوير ادوات القوة ، وكيفية الحصول على منصة التفوق على الخصوم في ظل وجود الحروب والصراعات ، والبيروقراطية السياسية ، فضلا عن تحديات التمويل المالي ، والتحديات الأساسية لنظرية الاستبدال بدلا من التطوير، بلا شك ما ذكره وفقا لقدرات الولايات المتحدة ، وتفوقها العالمي ، يعد منطقيا لأنه يفكر بعقل استراتيجي ، ويشرح بيئة التنافس المحموم لدى الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي ، وتحديدا تطوير القدرات العسكرية ، وهذا المجال ليس متاحا لكل الدول، فضلا عن توجهات الشركات الكبرى العاملة في هذا الفضاء الحيوي.

ويعتمد هذا التوجه بالدرجة الأولى على استخدام القدرات الفضائية المتقدمة كفاعل أساسي بديلا عن النمطية الحربية البسيطة ، والعمل على استبدال العنصر البشري بالقدرة اللامهولة ، وهي محفوفة بمخاطر كثيرة من الناحية العسكرية والاجتماعية ، نظرا لتنوع بيئة الحروب ، واختلاف اطارها الجيوعسكري ، وتنوع المسالك الحربية ، فضلا عن كلفة الخدمات الفضائية ، والوقت المطلوب للتدريب واتقان الاستخدام ، ناهيك عن تسريح الموارد البشرية القتالية المحترفة مما يرفع مخاطر الاضطراب المجتمعي ومنسوب العنف المسلح ، لاسيما ارتدادات البطالة على المجتمع العسكري ، مما يؤدي الى انعكاسات يصعب تحديد اضرارها 

مسلك الحرب الرخيصة

تستخدم دول عديدة مبدا الكلفة الرخيصة بالحرب ( الحرب الرخيصة) التي تعتمد على التشكيلات الغير نظامية بغض النظر عن مسمياتها وراياتها المزيفة ، وذلك من خلال المغذي الأيديولوجي ، وحفنة دولارات كراتب شهري ، ومعدات واسلحة خفيفة ومتوسطة مدعمة ببعض الأسلحة الثقيلة التقليدية ، ولو قورنت هذه الكلفة بالقدرات النظامية الجوية والصاروخية والفضائية سنجد ان الفارق واسع في الكلفة والمردود أيضا ، وكما يبدوا ان هذا النمط من الحرب مشاع في الشرق الأوسط حاليا من خلال تناسل وانشطار التنظيمات والمليشيات المسلحة الإرهابية ، واستنساخ نماذجها في دول عديدة دون الاخذ بنظر الاعتبار المخاطر الأمنية والاجتماعية بمدياتها الاستراتيجية التي تؤسس للدول الفاشلة ، وتبتلع الدول الفاعلة ، وفي المعايير الحربية تشكل هذه التنظيمات المسلحة ذات الكلفة الرخيصة عامل استنزاف ، يطيل امد الحرب امام الجيوش النظامية ، وتؤسس لبيئة العنف والإرهاب ، والتفكيك المجتمعي ، والتغيير الديموغرافي وتعمل على ديمومة تجارة الحروب الغير نظامية ، الا ان التقنيات الحديثة القليلة الكلفة التي جرى ذكرها أعلاه كالطائرات الغير مأهولة والأسلحة الليزرية المتطورة ، تستطيع ان توقع خسائر بشرية ومعنوية في هذه الجيوش الكبيرة الحجم ذات التسليح البسيط ، فضلا عن قدرتها تعطيل منظومات القيادة والسيطرة البدائية وتفكيك شفرة اتصالاتها .

يبقى فن الحرب والعلوم العسكرية حيوي ومتطور ويبحث عن ما هو جديد ولكل مسلك إيجابيات وسلبيات فضلا عن الكلفة والمردود وسرعة تحقيق الأهداف باقل وقت وكلفة ممكنة.

*خبير عسكري – رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

‏1‏ أيار‏ 2019

[1] انظر مهند العزاوي ، الحرب المركبة ، موقع مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

[2]

https://www.foreignaffairs.com/articles/2019-04-16/new-revolution-military-affairs

[3] كريستيان بروس هو رئيس قسم الاستراتيجية في Anduril Industries ، وهو زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ، ومؤلف كتاب قادم عن مستقبل الحرب. كان يشغل سابقًا منصب مدير أركان لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي. هذا المقال مقتبس من ورقة قدمت إلى مجموعة استراتيجية أسبن في أغسطس 2018

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع