علي المسعود
(سيد الحرب) فيلم يوثق رحلة رصاصة من محل صناعتها حتى رأس الضحية؟؟ Lord of War
تجارة الأسلحة أو تجارة الموت كما يسميها البعض تحقق مكاسب عالية جدا، وخصوصا أن هذه الأسلحة مطلوبة وبشكل كبير في بعض دول الشرق الأوسط وافريقيا و أمريكا اللاتينية (وبالتخصيص الأسلحة الخفيفة)، وبالتالي هي تجارة منتشرة جدا وبشكل لا يمكن أن يتصوره القارئ ، تكمن المشكلة أن تجارة الاسلحة في هذا العالم غير منظمة و بالتالي بؤس كبير في المناطق المستخدمه لها بشكل شبه يومي . تجارة السلاح هذه التجارة المهولة والكبيرة والتي تقدر بترليون وستمائة وخمسين دولار، هذا هو حجم تجارة السلاح في العالم، أما اللاعبين الاساسين في هذا الملعب ، وهم المصدرين الاساسين لتجارة الاسلحة، هم الولايات المتحدة الامريكية وتبلغ حصتها من هذه التجارة حوالي 30% و روسيا %23 والمانيا11% وفرنسا7% والمملكة المتحدة 4% وهم الاعضاء الدائمون في مجلس الامن ، والمفارقة هؤلاء الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن وهم مسؤولين عن السلم والامن الدولين في العالم. وهذه الدول تستحوذ مانسبته 75% من صادرات السلاح في العالم. بالاضافة الى هذه الدول ، هناك دول اخرى تنتج و تعمل في تجارة السلاح مثل، هولندا و الصين و ايطاليا و السويد وسبانيا وكذالك اسرائيل في المرتبة الحادي عشر، أما الاسواق الرئيسية لتجارة الموت، فهي المنطقة العربية و دول قارة اسيا، وكذالك دول افريقيا وأمريكا اللاتينية. ومن الافلام التي تصور العالم السري لتجارة السلاح فيلم (سيد الحرب)، وهو من تأليف وإخراج آندرو نيكول ومن بطولة الممثل نيكولاس كيج والممثل (جاريد ليتو)، مع الممثل ((إيثان هوك)، وهو قصة حقيقية عن صعود تاجر السلاح، وهو حكاية الشاب يوري اورلوف المهاجر والقادم من اوكرانيا ، الذي بدأ كتاجر سلاح بسيط في حي بروكلين في نيويوك ثم تدرج الى ان يكون واحد من اهم تجار السلاح في العالم ، بصفقات اسلحة مع ديكتاتوريات من دول افريقية ومن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. الفيلم عبارة عن رحلة رصاصة من المصنع الى راس الضحية، الفيلم يتحدث عن عدد من الامور و يقدم وجهات نظر مثيرة للإهتمام فهو يسلط الضوء على تجّار السلاح و ظروف نشأتهم و حالة الغموض التي يعيشون بها و خاصة مع عائلاتهم و قبل كل ذلك يسلط الضوء على من يحمي تجارة الإسلحة و من هم المشترين الدائمين لها. يبتدئ الفيلم بهذه اللقطة المميزة وذات الدلالالة العميقة: يوري أورلوف ينفث دخان سيجارته بينما يجول ببصره على مسرح قتال محتدم ومغطى بالحرائق والرصاص. يعود لينقل بصره إلى الكاميرا ويتحدث:"هناك أكثر من 550 مليون سلاح ناري في جميع انحاء العالم ، أي قطعة سلاح واحدة لكل 12 شخصا على هذا الكوكب، السؤال الوحيد هو: كيف نسلح الأحد عشر الآخرين؟". ثم يظهر مشهد آخر يقوم فيه المخرج أندرو نيكول بتصوير دورة حياة رصاصة بداية من المصنع إلى أن تحط رحالها داخل راس أحد الأطفال في منطقة حرب في أفريقيا يقاتل ربما دفاعا عن ديكتاتور أو دفاعا عن رايته المقدسة، هذا المشهد مؤثرو قوي جداً، وهذه هي رسالة الفيلم براي وهي رسالة مخيفة . حين بدأ المخرج شريطه السينمائي من ملاحقة " تاريخ رصاصة"، وتاريخ رصاصة، يعني أراد تسجيل محطات سير انتاج الاسلحة وتعليبها وتخزينها ثم نقلها إلى ساحات الحروب أو إلى امكنة تخطط الدول الكبيرة لتفجير الاقتتال فيها لتصريف البضاعة من منتوجاته، يفتتح الفيلم بمتابعة "رحلة الرصاصة"، كيف تصهر المواد الأولى؟، وكيف تجمع؟، وكيف تصقل؟، وكيف تخلق الرصاصة؟، وكيف توظب في صناديق؟، وكيف تنقل إلى المستودعات؟، وكيف تشحن علناً أو سراً؟، وكيف تباع إلى تجار اسلحة؟، وكيف يقوم هؤلاء التجار بنقلها بوسائل مختلفة وبتفاهمات مع رجال دول أو زعماء عصابات تهريب؟، وأخيراً كيف تصل إلى ميليشيات ورؤساء احزاب أو قبائل؟، وفي النهاية كيف تستقر هذه "الرصاصة" بعد رحلات طويلة في رأس طفل افريقي لا يبلغ العاشرة من عمره؟. كل هذه المحطات تشكل مجتمعة «رحلة مسار رصاصة» بدءاً من المواد الأولية ومصنع الانتاج وانتهاء في رأس طفل مجهول في بلد إفريقي .
من هذه اللقطات يبدأ المخرج بسرد سيرة تاجر اسلحة روى قصته في كتاب نال الكثير من الشهرة في تسعينات القرن الماضي، والكتاب يروي بدقة شبكات التهريب والصفقات والدور اللامسئول الذي تقوم به الدول الكبرى (محطة الانتاج) في تأليب الناس والتحريض على الحروب وزرع سياسات تدفع نحو الفتن والاضطرابات، وذلك لهدف إجرامي، وهو تسويق انتاج الاسلحة.
قصة الفيلم عن تاجر اسلحة يروي وقائع حكايات تهريب هذه البضاعة لإبقاء الشعوب المسكينة والمستضعفة اسيرة اقتتال اهلي أوطائفي لا ينتهي ، ويراد له ألا ينتهي حتى لا تتوقف مصانع القتل عن العمل، فالحروب إذاً، مفتعلة في معظمها وهي جزء من سياسات دولية، وهي نتاج احتكارات تسيطر عليها عصابات (مافيات) تضغط على حكوماتها لافتعال مشكلات دائمة في العالم حتى يبقى العالم غير مستقر وغير مطمئن ويحتاج دائماً إلى شراء اسلحة وتخزينها لمواجهة مصير مجهول. يبدأ الراوي وهو" يوري أورلوف" (تاجر الاسلحة) بسرد سيرته الشخصية، فهو أوكراني الأصل عاش والده في ظل النظام السوفياتي، وحتى يضمن خروجه من ذاك المعسكر السياسي ادعى والده بأنه يهودي. فاليهود فقط يسمح لهم بمغادرة اراضي الاتحاد السوفياتي، وهناك استمر والده الادعاء بأنه يهودي، بينما الاسرة كانت مسيحية وغير آبهة بأصلها الديني. والتستر باليهودية كان لهدف وحيد، وهو ضمان الخروج من المعسكر السوفياتي. "يوري أورلوف" هو أمريكي من أصل الأوكراني هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة بدعوى كونها يهودية وتدير الآن مطعم كوشير في إحدى ضواحي نيويورك، منذ البداية أدرك يورى أورلوف أن المطاعم تستغل شيئا واحدًا هو غريزة حب الطعام لدينا، وبالمثل فإن الرغبة فى القتل كامنة لدى البشر جميعًا. يعمل مع اخية في مطعم والده، يوري (نيكولاس كيج) يريد من هذه الحياة أكثر من العمل في مطعم والديه ، في أحد الأيام يدخل يوري إلى المطعم فيحدث اشتباك بالأسلحة بين أشخاص، هذه الحادثة جعلت نظرته للحياة ولنفسه تتغير، "السلاح" ذلك الشيء المرعب الذي يقضي على حياة إنسان في رمشة عين، استهوى تفكير يوري، نرى بعدها يوري في المطعم وهو يتأمل في رصاصة موضوعة في يده، شعر بأن قدره مرتبط بها.. قدر مرتبط بإحدى أهم التجارات في العالم، قدر يكون اسمه "تاجر سلاح"، يتلقى درسه الأول من تاجر سلاح شهير ناجح، يعترف هذا التاجر بأنه يمد العراق وإيران معًا بالسلاح فى حرب الخليج الأولى والمبرر الأخلاقى لديه هو أنه يتمنى أن يخسر الطرفان معًا، ومع الوقت تزدهر أعمال" يوري" ويعرف مفاتيح هذه التجارة وكيف يبيع أى شيء لأى طرف. ويصف يوري تجارته :"ان تجارة السلاح مثل تجارة المكانس الكربائية تجري اتصالاتك ، تحجز الرصيف، تأخذ الطلب ، لقد زودت كل جيش إلا جيش الخلاص، لقد بعت اسلحة "عوزي" الاسرائيلية الصنع الى المسلمين، بعت رصاص شيوعي الصنع للفاشيين، حتى إني وردت الى إفغانستان، عندما كانوا يقاتلون السوفيت أمثالي، أنا لم ابع أبدا ل" أسامة بن لادن" ليس بسبب دوافع إخلاقية". لقد صارت أسلحته موجودة فى اكثر مكان من مناطق الصراع الملتهبة فى العالم، "في منتصف الثمانينيات، أسلحتي أستخدمت في أكبر عشر بقع حروب في العالم".
في مشهد أخر يوصف تجارة السلاح قائلآ: "هناك ثلاثة انواع أساسية من صفقات السلاح، أبيض، وتكون شرعية، وأسود وتكون غير شرعية، ولوني الشخصي المفضل الرمادي"). يقنع يوري شقيقه فيتالي بالاشتراك معه ليكونا إخوة في السلاح، كما هما شقيقان في الواقع، لكن فيتالي يتوقف عن نشاطه بعد إدمانه تعاطي الهيروين، وهو ما يضطره لقضاء أوقات طويله في إحدى مصحات علاج المدمنين تأخذه بعيدا عن شرور أخيه، يوري وبسبب ما يمتلكه من دهاء وخبث يتمكن من أن يصل الى واحدة من أشهر ملكات الجمال التي كان يحلم بها منذ صغره وهي آفا فاونتين التي تقوم بدورها الجميلة الممثلة "بريديجيت مويناهان". يتزوج منها بعد مكيدة يدبرها لها، ويرتبطان دون أن تعلم شيئا عن طبيعة أعماله ونشاطاته، ومن دون أن تكشف أيا من أكاذيبه. بعدها وبدلا من أن يوجه تركيزه لأسرته يظل يتابع أخبار الحروب ونزاعات الشعوب، ممنيا نفسه بما يمكن أن يجنيه من ثروات من دماء ضحايا أية حرب أو فتنه تندلع هنا أو هناك. إذ نراه في أحد المشاهد يتابع أخبار انهيار الاتحاد السوفياتي بشغف وتركيز شديدين يمنعانه عن الاستماع لأخبار أول خطوات صغيره التي تزفها إليه زوجته ووالداه. وبدلا من أن يقبل الصغير ويسعد لحاله، نراه يوجه قبلاته لشاشة التلفزيون والى وجه ميخائيل غورباتشوف الذي كان حينها يعلن نبأ إنهيار بلاده، ومعنى انهيار الاتحاد السوفيتى : هو أن مخازن السلاح صارت مفتوحة، وأن أكداس السلاح متاحة للجميع. هذا بازار أسلحة حقيقى، هناك دبابات وسفن حربية وطائرات هليوكوبتر يشتريها من جنرالات روس فاسدين. فانهيار المعسكر السوفياتي الاشتراكي كان نعمة مضافة إلى تاجر الاسلحة وعشرات شبكات التهريب التي حصلت على افضل التقنيات والانواع بأسعار رخيصة، الامر الذي وسع من دائرة الحروب وأحدث سلسلة ارتدادات سياسية ضربت اكثر من مكان جديد في العالم الثالث. وهذه نقطة ذكية ارادها مخرج الفيلم من خلال هذا الربط (السرد) بين لجوء أسرة سوفياتية تحت بند «حقوق الإنسان» إلى اميركا ثم عودة الاسرة نفسها إلى دول الاتحاد المنهارة من باب تجارة الموت. فبين حقوق الإنسان وترويج بضاعة القتل سلسلة حلقات، تبدأ من الاتحاد السوفياتي وتنتهي فيه. بالطبع يكتشف تاجر السلاح كنزًا هو أفريقيا. حيث يدور 11 صراعًا فى 32 بلدًا (وقتها).ويشد العزم في البحث عن مخازن الاسلحة في اوكرانيا والعثور على مخازن سرية للأسلحة، وهو ما يعني مكاسب مادية لا تحصى ليوري، وصفقات سرية بائسة يقتات من ورائها على دماء الشعوب. فبالنسبة له هذه فرصته التاريخية لكي يذهب ويحصل على ما يستطيع من أسلحة من الدول التي انفكت عن الاتحاد السابق. ومن هذا الباب (سرقة مستودعات الاسلحة) يعود الابن إلى الاتصال بشبكة الاقرباء والاصدقاء في أوكرانيا وروسيا وتشجيعها على نهب المخازن ونقلها وتوزيعها على حروب متفرقة في العالم. وبالفعل يتوجه إلى بلده الأصلي »أوكرانيا«، ليلتقي بقريب له برتبة جنرال، فيقنعه بأن يغريه بالمال وينجح في تحويله إلى فاسد، وتبدأ عمليات سرقة الأسلحة من جميع الأنواع خفيفة ومتوسطة وثقيلة، يتوجه بها إلى إفريقيا، حيث القتال القبلي والمذابح المرعبة. فيجد سوقاً كبيراً خصوصاً في ليبيريا وسيراليون وأكثر البلدان تلك التي تمتلك ثروات معدنية وأحجار كريمة، الماس وسواها، يقيم علاقة قوية مع زعيم حرب يدعى "باتيت " في عاصمة ليبيريا مونرفيا، وهي اشارة الى الديكتاتور- (تشارلز تايلور) رئيس سابق لدولة ليبريا في الفترة من(2 أغسطس 1997 - 11 أغسطس 2003 . وهو واحدا من أشهر قادة الحرب في أفريقيا. وخلال الحرب الليبيرية الأهلية الأولى في 1990 أنتخب كرئيس للدولة ، وتم نفيه بعد ذلك وهو يحاكم الآن في المحكمة الجنائية الدولية من قبل المحكمة الخاصة بسيراليون لمواجهته تهم بإرتكاب جرائم حرب- وهو يقتل من دون أدنى شفقة، لكن هذا لا يؤثر على يوري أورلوف، الذي يعرف كيف يجد تبريرات لتجارته، كأن يقول "إن الناس الذين يموتون بوسائل النقل أكثر عدداً من الذين يقتلون في الحروب"، وهو يفعل كل شيء ممكن لكي ينجح في حياته المهنية والخاصة. يسافر إلى ليبيريا التى تحولت لخراب ومستنقعات قذرة وعاهرات، حيث الدكتاتور الذى يحكم البلاد يقوم بتسليح جيش من الأطفال. هنا فى (كوكب) مونروفيا كما يسميه" يوري" يصل ثمن البندقية كلاشنكوف إلى ثمن دجاجة. الدكتاتور يدفع له أجره بالماس، لهذا يسمونه (ماس الدم). يجد" يوري " نفسه في عالم الأسلحة والوصول لمكاسب مالية أكبر مما حلم به طوال حياته. وبعد أن يلامس مربح هذه التجارة، يحاول يوري بسرعة أن يرفع من مستواه التجاري ويصبح تاجر أسلحة مستقل وواسع الإطلاع، يسافر من دولة إلى أخرى ويبيع منتجاته لأي شخص قادر على شرائها من زعماء ومدنيين وحتى أعداء لأمريكا في ذروة الحروب ، لكن السلاح الأهم بالنسبة له هو بندقية الكلاشنكوف، كما يقول له أحد ضباط الانتربول: هذا هو السلاح الأخطر، تسعة من كل عشرة مسلحين يستعملونه، هذا هو سلاح الدمار الشامل الحقيقى، بينما لن يستعمل أحد السلاح النووى أبدًا. في حوار ل" يوري" مع أحد تجار السلاح سبق و ان رفض التعاون معه يقول له: "لايوجد في تجارة السلاح مكان للسياسة بعد ألان، أنا ابيع اسلحتي لليسار و اليمين، وأبيع للمسالمين". كان يجري اتصالاته بالشفرة:" كنت اتحدث بالشفرة على الدوام ، قاذفات الصواريخ كانت تسمى " الامهات" والصواريخ " الاطفال" أيه.كي 47 الهجومية كانت تسمى " الملاك الملك ". وكان يحمل عدة جوازات سفر و باسماء عديدة ، بريطاني و اسرائيلي و اوكراني وجوازات اخر، حسب الصفقة والجهة التي يسافر اليها ، وكذالك أعد ستة حقائب مختلفة ، تعتمد على شخصيته في ذالك و طبيعة المهمة او الصفقة، والمنطقة التي سيزورها من العالم في ذالك اليوم. لقد تفوقت ثروة تاجر السلاح على أكاذيبه، ثم على خيالاته، فى مشهد قوى من مشاهد الفيلم المميزة ، حين ترغم طائرات الانتربول طائرة تاجر السلاح المحملة بالسلاح والذخيرة على الهبوط فى سيراليون. يختار التاجر الهبوط على الطريق السريع وليس المطار، وإلى أن يلحق به رجال الانتربول يفتح الطائرة وينادى الأهالى المحتشدين:( "تعالوا الى هنا، أخدم نفسك ، وخذ سلاح ، أوقات سعيدة ، هيا أخدموا انفسكم لاتوجد تكاليف ، كل شئ ذهب ، أسلحة..أسلحة..أسلحة!، تعالوا الان ..اسلحة ..اسلحة ..أسلحة، ذخيرة ، قنابل و بنادق، و رصاص، خذوهم كلها خذوا الشحنة كلها ..هيا، بندقية.. وقنابل،ذخيرةّ!قنابل!أسلحة!". بنادق.. بنادق.. تعالوا وخذوا بنادق!.. ذخائر.. ألغام.. ألغام!... أخبر صاحبك وجارك!".. ويهرع الصبية وتهرع الفلاحات يتخطفن هذه الأسلحة غالية الثمن كأنه يوزع دجاجًا. أطفال فى السابعة حملوا مدافع آر بى جى أو قنابل.. نساء يحتجن إلى لقمة طعام يحملن البنادق ولا يعرفن ما يصنعن بها، خلال عشر دقائق صارت الطائرة نظيفة تمامًا، وهكذا لا يجد رجال الانتربول أى دليل يدينه عندما يصلون!!. والأطرف هو أن الأهالى يفككون حتى الطائرة قطعة قطعة لدرجة أنها تتلاشى تمامًا خلال الليل. يوري الذي نراه في النهاية يخسر كل شيء، يتم القبض عليه في المطار، أخوه تم قتله في إفريقيا الوسطى أثناء صفقة مع أحد زعماء قوات مسلحة حين أنبه ضميره ودمر شحنة سلاح كانت موجهة لقتل قبيلة، فكان موته بأسلحة كلاشينكوف اشتريت من أخيه!، أما زوجته فقد تركته وأخذت ابنه معها لأنه وعدها بأن يترك التجارة لكنه أخلف وعده، أما عائلته فتبرأت منه لأنه كان السبب في إقناع أخيه بترك العمل في مطعم العائلة والذهاب للتجارة بالسلاح فكل اللوم على موته كان على رقبته. لنصل بعدها إلى لقطة الاستجواب والتي لخصت الكثير من الأمور وأظهرت بضع من حقائق التجارة العالمية للسلاح. حين يتم القبض علية ونلاحظ الانتصار المرسوم على وجه المحقق ويقوم بالدور الممثل "إيثان هوك" بالقبض عليه بعد سنين طويلة من المطاردة ، لكن سرعان ما تلاشت تلك حينما رأى عدم الاكتراث من طرف يوري، وجعله في حالة استغراب، لقطة الاستجواب والتي لخصت الكثير من الأمور وأظهرت بضع من حقائق التجارة العالمية للسلاح، يظهر يوري أورلوف، تاجرالسلاح الماهر والعنيد، بعد سنوات من التملص والمراوغة وهو في قبضة ضابط الانتربول "ايثان هوك" الدؤوب والناحل، جاك فالنتاين، وبقدر من الهدوء واللامبالاة يقول له تاجر السلاح يوري: "أكره أن أخيّب أملك، لأنّه بعد قليل سيطرق الباب ضابط أرفع رتبة منك. سيهنّئك على إنجازك، ولكن سيطلب منك أن تخلي سبيلي، لأنّ رئيس بلادك يحتاج إلى أشخاص مثلي". كانت نهاية صادمة وقوية هي التي تعطي الانطباع بواقعية الفيلم المريرة وقوته أيضا، حين يضيف تاجر السلاح "أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية هو في واقع الأمر المصدر الأكبر لهذه الأسلحة والمسئول الأكبر عن موت الشعوب ودمارها. فعلا يفلت يوري من قبضة العدالة بتوصية من مسئول كبير يمتلئ كتفه بكثير من الشارات والنجوم، هذا الحوار سيجعل المشاهد يفهم لماذا سيتم إخراجه كأنه شخص ذو حصانة عالية ويلخص العديد من الأمور. الفيلم هو كشف للجهات المستفيدة من الحروب والصراعات في الشرق الاوسط ، وتقسيم الشرق الأوسط عن طريق اذكاء نار الفتن والصراعات العرقية و الطائفية، ومد أصحابها بالسلاح ، ليدخل الجميع فى حالة اقتتال كما يظهر فى الفيلم، وفى جملة معبرة من جمل الحوار يقولها الديكتاتور الافريقى لتاجر السلاح "هذا الحمام من الدماء لا يمكن ايقافه"، كان فيلم (سيد الحرب) إعترافا من السينما الأمريكية، بازكاء نار الفتن فى العالم الثالث، وجعل شعوبه وقودا لحروب تصب فى مصلحة الطامعين فى ثرواته. ولا يشهد الفيلم توقف سيد الحرب عن ممارسة نشاطه بل يعود اليه رغم خسارته لأخيه فى احدى العمليات و انفصال زوجته وولديه عنه بسبب افتضاح أمرة و أيضا انكار والديه له بسبب تسببه فى موت أخيه و لكن سيد الحرب لا يعرف الخسارة ولا يتوقف لأن هذا هو ما يجيده " تجارة الموت وحمامات الدم، ويظهر في مكان ما من الوطن العربي !.
نهاية الفيلم كانت مفاجأة المخرج، فالمشاهد يتابع بدهشة تلك الحكايات المتعلقة بهذا العالم المجهول والمشبوه. ويتابع أيضاً ملاحقة الشرطة القضائية لعمليات التهريب، وحين تعتقله ويبدأ التحقيق القضائي مع تاجر الاسلحة يكتشف المحقق (المفتش) ان هذا النوع من التهريب شرعي ومشروع ومغطى قانونياً من أعلى مسئول في الدولة وهو رئيس الولايات المتحدة.
نهاية الفيلم محزنة سياسياً وهي تشبه بدايته المحزنة انسانياً. رئيس اكبر دولة في العالم مسئول غير مباشر عن قتل ذاك الطفل الافريقي في منطقة نائية كانت ضحية ذاك الحبل السري الذي يربط بين صناعة شريرة وتجارة حروب، وضحاياها مجرد بشر اختارتهم الدول الكبرى ساحات للاختبار وحقولاً لتجربة تقنيات القتل في صوره المختلفة والمجنونة. في نهاية فيلم ( سيد الحرب)، يتوجه يوري أورلوف إلى الكاميرا وبصوت مسترخي قائلا: "أتعرفون من سيرث الأرض؟". ثم يتولى الرد على نفسه: "تجار السلاح ، لأن كل شخص سيكون مشغول بقتل الآخر، هذا هو سر البقاء".
إنها أشياء حقيقية عن تجارة السلاح. ويقال أن حبكته مستوحاة أساسا من سيرة حياة تاجر الأسلحة الروسي الشهير فيكتور باوت، الذي ألقت القبض عليه السلطات التايلاندية في أحد فنادق بانكوك في مارس 2008، وتتهمه الولايات المتحدة الأمريكية بالاتجار غير الشرعي ولا تزال تطالب بتسليمه. الفيلم يحمل ايضاً إشارة ذكية عن استخدام الأطفال فى الحرب، وفى احدى جمل الحوار بين تاجر السلاح "يورى" وديكتاتورأفريقي مهووس بالقتل و أكل لحوم معارضيه وفي احدى الدول الافريقية، عن استخدام الأطفال فى الحرب يجيبه ذلك الديكتاتور، "أن رصاصة يطلقها طفل عمره 14عاما ، تقتل مثل الرصاصة التى يطلقها رجل عمره 40 عاما"، وهو منطق يخلوا من الإنسانية. وبينما يصور الفيلم حالة من تجسيد لوحشية ذلك الديكتاتور الأفريقى في أكل لحم معارضيه، يرويها "يورى" بطل الفيلم، تأتى اللقطة المحورية ، حينما يقع تاجر سلاح منافس ليورى فى قبضة ذلك الديكتاتور، وفى لمسة صداقة و تقدير من ذلك الديكتاتور ليورى، يحمل ذلك المنافس الى يورى مقيدا و يطلب منه قتله، ولكن يورى يرفض ذلك. وفى لقطة تلخص فكرة الفيلم، يمسك الديكتاتور بيد يورى و يضعها على زناد المسدس ويضغط عليها ، فتنطلق الرصاصة التى تقتل المنافس، ويجسد ذلك جملة حوار رائعة يقولها له الديكتاتور القاتل الافريقى " "أنت تريده يموت، ولكنك لاتريد ان تفعلها بنفسك، لذا سنفعلها معأ، سوف تكون تلك تجربة ثنائية".
الفيلم يعود بنا إلى فترة الثمانينات والتسعينات التي شهدت الحرب السوفيتية الأفغانية والحرب اللبنانية الأهلية والحرب العراقية الإيرانية والحروب المتعددة داخل أفريقيا وبعدها سقوط الإتحاد السوفيتي وغير ذلك من الحروب ، هذه الحروب وخاصة الكبرى منها تترك مخلفاتها العسكرية خلفها ، ويعود السبب في ذلك أن شحنها وإرجاعها يكلف أكثر من شراء بضاعة جديدة وخصوصا في ذلك الوقت و بالتالي لابد من وجود مستفيد من هذه الأسلحة ، وهنا نرى الجنرالات الفاسدة ، وخصوصا أن فترات الحروب تشهد تزعزع لسلطة الدولة ناهيك ان بعضها يسقط و بالتالي أسلحة غير تابعة لأية سلطة ( وهذه النقطة كانت بارزه بعد سقوط الإتحاد السوفيتي) ، والتنافس بين تجار الاسلحة للحصول على المخلفات قبل بعضهم البعض و بإسعار متفاوته، وكذلك أن الجنرالات كانت تعرض على من يشتري خمس دبابات مقاتلة واحدة مجانا ً ( اشتر خمسة واحصل على واحدة مجانا ). في هذا الفيلم الذي تم إخراجه سنة 2005 نرى المخرج والكاتب "أندرو نيكو" وهو يحاول تقديم رسالة أخلاقية سياسية غير معتادة في أفلام هوليود التي دائما ما تركز في أفلامها على الأرباح فقط أو تتناول قضايا ومواضيع سطحية وتافهة، تلك الرسالة الأخلاقية هي ما أعجبتني في هذا الفيلم ، حيث نرى بأنه يطلق جمل صريحة ورنانة عن خطورة تجار الأسلحة في العالم ويوضح استمرار حلقات الرعب والمجازر في الدول النامية التي تعاني من الويلات والحروب الأهلية المزمنة والتي تعصف بثرواتها وشعوبها ومستقبلها. أهم وجهات النظر التي يقدمها الفيلم تتمثل في أن أكبر منتج ومصدر للسلاح في العالم هم الولايات المتحدة وبريطانيا والصين و روسيا وفرنسا وهم نفسهم الأعضاء الدائمين العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدة ! ، وهم من يطالبون دائما بنشر السلام و الديمرقراطية في هذا العالم. هناك رسالة في الفيلم أراد الكاتب وهو المخرج في نفس الوقت إيصالها، هذه الرسالة التي أتمنى أن أراها كثيرا في العديد من الأفلام مستقبلا وفي مختلف القضايا التي نعاني منها ويعاني العالم من تبعياتها أيضا، لكن هل ستنتهي الحروب يوما ما؟! لا أعلم الغيب.. لكن ما دامت تجارة الأسلحة مربحة لدرجة هائلة لا تصدق وتدعمها دول تسيطر على اقتصاد العالم،فإن كان رؤساء هذه الدول هم أكبر التجار وهم أكبر المستفيدين منها ومن الحروب التي تندد بها وتدعمها في الخفاء، لذا فإن هذه الحروب لن تنتهي، ولا يوجد شيء اسمه "السلام العالمي" فمن يتحدث عن هذا السلام هو نفسه الذي سيدعم أطراف النزاع في العالم بأدوات القتل لكي يحققوا هذا السلام، كأن الفيلم هو توسيع للمشهد الأول للرصاصة التي تخرج من المصنع وتستقر في رأس أحدهم. أي إنه تفصيل لتلك الرحلة التي تقطعها الرصاصة بين مقر صناعتها ورأس ضحيتها". مخرج الفيلم هو المخرج والكاتب النيوزيلندي "أندرو نيكول" المولود في بارابار أومو عام 1964 وبدأ حياته المهنية في لندن عبر بعض الإعلانات التليفزيونية قبل انتقاله إلى لوس أنجلوس لصناعة الأفلام وفي عام 1997 أنتج وألف أول أعماله ألا وهو فيلم" كاتاكا"، تلك الرائعة التي تتحدث عن الخيال العلمي والهندسة الوراثية في حين كانت أبرز أعماله فيلم سيد الحرب عام 2005 ، أعمال نيكول جميعها تقدم أفكارا جديدة ذات مضامين عالية، لكن العمل الأخير جاء ليقدم رسالة أشد بلاغة وأعظم أثرا من سواها، وكيف لا وهي تمس البشرية جمعاء. هي رسالة ما كانت هوليوود لتقدمها بأي حال من الأحوال لما تحويه من نقد لاذع وصريح ومباشر لبعض سياسات البيت الأبيض، وكيف لها ذلك، وهي وواشنطن توأمان لا ينفصلان يكمل كل منهما سياسات الآخر، ويوفران غطاءا لتجاوزات بعضهما وانتهاكاتهما على المستويين المحلي والعالمي. نيكول كتب فيلمه الأخير ( سيد الحرب ) وأخرجه وساهم في إنتاجه، ليقدم من خلاله رسالة نقد لاذعة ومؤثرة لتجارة السلاح في أميركا، أو لما أشار لكونه تجارة الموت، وذلك عبر فيلم درامي ساخر يمتلئ بكثير من الكوميديا السوداء. هذا الفيلم بقدر ما يسخر من كل ما يحدث في العالم اليوم إلا إنه يطلق صرخة عالية في وجه تجار الموت، ويدعو الى الوقوف في وجوههم بسن قوانين أكثر صرامة، وبالسعي وراءهم وتعقبهم. نهاية الفيلم ذكية، وهي لا تقل براعة عن بدايته. فالبداية تحدثت عن «تاريخ رصاصة» ورحلتها الطويلة من المصنع لتستقر في رأس طفل افريقي. والنهاية تحدثت عن ان هذه التجارة شرعية ومطلوبة من رؤساء الدول الكبرى لأنها تعتبر من ادوات استقرار الصناعات الحربية. وهذه الصناعات لا تستمر إذا توقفت الحروب وسياسات التأليب والتهييج واستدراج الناس والدول إلى التورط في صراعات ومعارك تحتاج إلى تمويل وتجهيز وذخائر وتلك الرصاصة التي سافرت من مكان إلى آخر لتستقر في رأس طفل افريقي ، هي بداية تنقل الكثير وتحدد وجهة الفيلم منذ دقائقه الأولى وتنقل رسالته بأبلغ ما يمكن. لذلك جاء الفيلم ليجمع بين الرواية والتوثيق ويمزج سيرة شخص عمل بنشاط في هذا الحقل وتجربته الطويلة في ممارسة نقل ادوات القتل من امكنة الانتاج إلى ساحات الحروب على انواعها. يقول "يوري أورلوف" تاجر السلاح في احد المشاهد من الفيلم ((من يرث الأرض وما عليها فى النهاية هم تجار السلاح، لأن الباقين مشغولون بقتل بعضهم!!!.
"سيد الحرب" هو فيلم ضد الحرب، وحتى يعطي قوة لفكرته المضادة لصناعة الاسلحة، وعلى جانب أخر يظهر لنا الفيلم ،كيف تنفق أموال صفقات الأسلحة التى تقوم على قتل الألاف من البشر باسلوب التطهير العرقى، من خلال اظهار جانب من حياة " يورى" تاجر السلاح ،الذى يتاجر بالموت ولكنه على الرغم من ذلك عاشق ولهان، لا يألوا جهدا فى لفت انظار من يحبها ، وهى عارضة الأزياء السوفيتية أيضا " ايفا فونتين "، فهو ينفق ببذخ شديد عليها لكى يبهرها، فتقتنع بالزواج منه، و هى تعلم أن ثراؤه الفاحش لا يأتى عن طريق شرعى. ألفيلم كذالك يشرح كيف تعبث تلك الدول بمجتمعات الدول الفقيرة - ومن ضمنها دولنا طبعا فهي من تبيع الأسلحة وتذكي الحروب، وهي من تقود مبادرات السلام التي تستلم على إثرها جوائزها المختلفة!!.
بالاضافة الى كون الفيلم رسالة أخلاقية وسياسية، لكن في الوقت نفسه صرخة غاضبة حمل الاطفال الى السلاح، و بالتالي تحولهم الى قتلة ماجورين . في هذا الفيلم كان اداء الممثل نيكولاس كيج رائعا ومتقنا ، ومنذ أن بدأ حياته كممثل ونيكولاس كيج يلعب عدة أنواع من الشخصيات، لعب الأدوار الطيبة والشريرة، شخصيات طيبة تتحول إلى شريرة والعكس كذلك. تقريباً أي شخصية ممكن أن تفكر فيها. يمكن له إضافة لمسة حقيقية إلى أغلب أدواره، نيكولاس كيج الذي دخل إلى عالم السينما عن طريق فيلم " فتاة الوادي" في العام 1983، ثم عمله مع الممثل شين بن بإدارة ريتشارد بنجامن في فيلم " سباق مع القمر " في العام 1984، تبعه في عمل رائع حول حرب فيتنام في العام نفسه، تحت عنوان "بيردي" من إخراج آلان باركر. ثم جسد سيرة الرياضي الأسطورة نيد هنلين الكندي في فيلم "ذا بوي إن بلو" من إخراج شارلز جاروت. لكنه لمع تماماً في العام 1986 في الفيلم الكوميدي " زواج بيجي سوت".
صرح نيكولاس كيج بعد الانتهاء من الفيلم:" أن العمل في هذا الفيلم جعله يعايش عالم تجارة السلاح بشكل حقيقي ، وأنه غير ما تقرأه في الصحف أو تشاهده في التليفزيون .. تلك الدائرة بين تاجر السلاح و زبائنه في العالم بين ديكتاتور أو متطرف .. جعلني ذلك معجب بشدة بالفيلم"، وأضاف كيج –الحاصل على جائزة الأوسكار أفضل ممثل عن فيلم" مغادرة لاس فيغاس:"أنهم أضطروا أثناء تصوير الفيلم إلى التعامل مع تجار أسلحة حقيقين ، لكنهم أكتشفوا أشياء مذهلة ،"إن الأمر لا يتوقف على بنادق ، وأنما قد يكون الإتفاق مع التاجر حول 50 دبابة ، يأتي لك بهم في الوقت والمكان المحدد من جمهورية الشتيك".
ناقش الفيلم مراكز القوى الدولية التي تشعل الحروب لكي تخلق لنفسها أسواقاً ويعلق كيج على ذلك قائلاً : "إنه أمر مروع أن تعرف أن أعضاء مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة ، هم أكبر تجار سلاح في العالم ، إنه مجلس اللاأمن". وبسبب استنادً الفيلم إلى الأحداث الحقيقية ،جعله أكثر إمتاعًا وهو في نفس الوقت صادمًا في بعض الأماكن. هذا الفيلم الذي يجب أن يحصل على المزيد من الثناء ويشاهده المزيد من الناس لأنه قد يكون قصة قوية لبعض المشاهدين ويكشف الجانب الخفي من تجارة السلاح. والفيلم قصة "يوري أورلوف" الذي يتمتع بذكاء كبير في أساليب تحقيق صفقاته، ويستطيع أن يهرب من ملاحقة الشرطة الدولية له والإيقاع به.والذي ينتمي هذا الشاب إلى عائلة مهاجرة من الإتحاد السوفييتي السابق، جاءت إلى أرض الأحلام الأميركية، فاكتسب أخلاقيات المجتمع الرأسمالي، بكل أبعاده التبريرية المركبة لحب الربح، حتى لو كان على حساب دماء الشعوب الفقيرة المتناحرة فيما بينها ، وبسبب التخلف الذي تفرض استمراريته الدول الكبرى على الدول الفقيرة، الذين يبدون لا حول لهم ولا قوة إلا الإذعان لما يخطط لهم في دوائر شركات ومصانع السلاح. فيتقاتلون، ولا يجنون سوى الدمار والموت لشعوبهم مقابل أن يحقق تجار السلاح الأرباح الهائلة والدولارات المغمسة بدماء المساكين. والفيلم بهذا اقترب جداً من الأفلام الوثائقية، ويطرح قضية إنسانية بكل معانيها في وجه الماكينة الرأسمالية المهتمة فقط بقيم السوق التي تقضي على البيئة والمصالح الروحية للبشرية، ومن ثم تدير ظهرها لمعاني الحياة السامية. والمستويات الفنية للفيلم جيدة، لكن هذا غير مهم كثيراً في نوعيات هذه الأفلام التي تحمل قضايا وتريد إيصال فكرة إلى محطة السؤال حول سلوكيات الأفراد في مجتمعات الاقتصاد السريع وانعكاسه على مفاهيمهم الأصلية. في هذا الفيلم يطلق الكاتب و المخرج النيوزلندي" نيكول" جمل صريحة ورنانة عن خطورة تجار الأسلحة في العالم ودورهم الرئيسي في استمرار حلقات الرعب والدماء في الدول النائية التي تعاني من الحروب الأهلية المزمنة. "سيد الحرب " فيلم جدير حقا بالمشاهدة فهو يكشف أمام المشاهد عالما خفيا مذهلا ،لا يتصور وجوده من حيث درجة التجرد من الانسانية، التى تحتوى عليها هذه التجارة.
علي المسعود
المملكة المتحدة
هامش:الجمل المحصورة بين الاقواس ماخوذة من حوارات الشخصيات في الفيلم.
560 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع