عودة الظلال القاتمة!

                                

                           زينب حفني

هل رسالة الفن تنحصر في توعية الناس دينيّاً على أمور دينهم، أم أن دورها أوسع وأشمل من ذلك بكثير؟! هل الفن جزء لا يتجزأ من ثقافة الأمم وانعكاس لحضارتها، أم أن الفن صُنع من أجل التسلية والترفيه عن النفوس؟!

هل الفن قائم على الإسفاف والانحلال كما يُروّج المتزمتون، أم أنه فرع من فروع الإبداع الإنساني يُسهم في بناء صرح حضارات الشعوب؟! هل مطالبة عدد من شيوخ الدين بأن ينحصر دور الفن في بث تعاليم الدين ونشر مبادئه مطلب واقعي، أم أنها نظرة نمطيّة ضيقة ليس لها علاقة بمسار الفن من قريب أو بعيد؟!

التنقيب عن أعمال الفنانين وإنْ مضى عليها سنوات، أصبحت "الشمّاعة" التي يستخدمها عدد من المحامين المحسوبين على التيار الإسلامي! وكان الفنان الكبير عادل إمام قد تعرّض العام الماضي إلى حملة شرسة، بأنه قام بتشويه صورة الدين الإسلامي في عدد من أفلامه، إلا أن المحكمة قامت بتبرئته. وها هي الكرّة تُعاد من جديد، ويتم توجيه إصبع الاتهام للفنان القدير محمد صبحي من قبل الدكتور حسام أبو البخاري أحد المحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين"، والذي يُلقبه البعض بقاهر العلمانيّة، حول مسلسل "يوميات ونيس"، الذي حقق شعبية كبيرة بكافة أجزائه إبّان سنوات عرضه على مستوى العالم العربي، في أنّ المسلسل علماني بامتياز، وأن فكرة العلمنة المختلطة بالعاطفة والأخلاق كانت واضحة في كل مشاهد المسلسل!

قرأتُ رد الفنان محمد صبحي على د. البخاري حول الاتهام الموجه له بالقول: "لو راجع البخاري المسلسل جيداً لوجد الكثير من المشاهد يستدلُّ فيها ونيس بأحاديث شريفة وآيات قرآنية، ولكنّي كفنان مسلم لا أتاجر بالإسلام في فنّي، ولا أدّعي امتلاكي ناصية الفكر الإسلامي، ولا أستعرض به، ولكن أشم رائحة غريبة! هل يريد منّي أستاذنا الفاضل أن أقدّم عملاً أحطّم في أبنائنا القيم والمبادئ، وأدمّر وجدانهم، وأخاطب غرائزهم كي يكونوا فاسدين ثم نعلمهم الإسلام، أم علينا أن نعدَّ أبناءنا على القيم والأخلاق التي لم أخترعها، وإنما استقيتها من القرآن الكريم والأحاديث النبوية؟! أنا لا أصنعُ أحداثاً عن كيفية الوضوء والصلاة، أو أعرّف الناس بمناسك الحج والصوم لأنني لا أقدّم أعمالاً وثائقيّة، وإنما أقدّم فنّاً راقياً".

جاء رد الفنان المثقف صبحي رائعاً، والتهمة بلا شك مُخيفة! وهو ما جعلني أرفع حاجبيَّ عجباً على ما آل إليه حال الفن في مصر التي كانت في الماضي، البوصلة التي يتجه إليها كافة الفنانين العرب للنهل من خبرة مبدعيها عند بدايات مشوارهم الفنّي! وهو ما يدفعني للسؤال.. ما مصير الفنون في مصر؟! هل سنجد في المستقبل القريب فنّاً منقباً بالخمار، لا يتحدّث إلا عن تاريخ الإسلام وتعاليمه وفتاوى الحلال والحرام، متجاهلاً عن عمد الغوص في مشاكل المجتمع، توجساً من وقوع صانعيه في دائرة المساءلة القانونيّة؟! هل الشعب المصري الذي يعتنق معظم أفراده دين الإسلام، بحاجة لأن ينحصر دور فنّه في نشر مبادئه، أم أن بث تعاليم الدين تكون من فوق منابر المساجد، ومن خلال مناهج تعليم دينيّة معتدلة تُخاطب العقول؟!

الفن لا ينفصم عن الحريّات العامة، وكلما كانت مساحة حريّة التعبير واسعة، كانت الفنون أكثر جمالاً وأقوى جرأة في فضح الواقع، وكلما كانت مساحة الحريات ضيقة، كانت الفنون أقل تعبيراً عن الواقع المعاش! وهذا لا ينطبق فقط على فن السينما والمسرح والبرامج والمسلسلات التلفزيونيّة، بل يشمل الفنون الأخرى من أدب وشعر ورسم وغيرها. فهل نحن مقبلون على عصور الظلام بمجتمعاتنا العربية؟!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

609 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع