تعرف احد؟‏

                                      

                       د.نوف علي المطيري

في الشهر الماضي أرسل لي أحد القراء العراقيين رسالة استغاثة يطلب فيها المساعدة في علاج طفلته التي تعاني تشوها في إحدى قدميها فوقعت في حيرة من أمري،

فالأمر يتجاوز حدود طاقتي وبريدي يمتلئ في كل يوم بالعديد من الرسائل التي يطلب فيها أصحابها العون والمساعدة ولكنني عزمت على البحث عن من يساعد الطفلة الصغيرة ويخرجها من العراق من أجل العلاج وكانت المهمة صعبة في ظل رفض والدها لتسليط الأضواء على حالة أبنته فهو يخشى على عائلته – كما هو حال الآلاف من السنة – من بطش الحكومة العراقية فالطائفية أصبحت شغلها الشاغل ونهب ثروات الشعب العراقي مما حول حياة الملايين من العراقيين إلى جحيم لا يطاق وحول العراق الذي كان يعد أغنى دولة عربية إلى أفقر دولة ومكان لا يأمن فيه الإنسان على نفسه وعائلته ويعاني في الحصول على حقوقه وأبسط الخدمات مما يضطره إلى أن يبحث عن حقوقه في العمل والعلاج خارج بلاده.

"تعرف احد؟" من أكثر الأسئلة التي تستفزني وتشعرني أننا نتسول الحقوق ولكنني اضطررت إلى طرحها على من أعرف وعلى من لا أعرف من أجل مساعدة تلك الطفلة المسكينة. وكانت محاولاتي المستمرة والحثيثة في طرق أبواب بعض الشيوخ والأمراء ورجال الأعمال من أجل علاج الطفلة تقابل في كل مرة بالرفض واللامبالاة وأحيانا بالإنكار الشديد لطلبي المساعدة لشخص مجهول لديهم! وأكثر ما أثار سخريتي أن أحدهم قبل فترة أهدى فنانة عربية سيارة غالية الثمن بينما يبخل اليوم في مساعدة طفلة لا تطلب سوى علاج قدمها. وبين اتصالات الأب المكلوم وخوفه على حياة طفلته وبين الأبواب التي كانت تقفل في وجهي في كل مرة أطلب مساعدة الحالة الإنسانية شعرت بالحزن الشديد فالمواقف كشفت لي زيف شعارات البعض وكذلك حرص البعض على مساعدة الحالات التي تظهر في وسائل الإعلام حتى يقال عنه المحسن الكبير ويمتدحه الشعراء ويثني عليه العامة.

بعد أن أعيتني الحيلة وأوصدت الأبواب أمامي وقلت الخيارات تناقشت مع الأب وقلت له إننا مجبرون على نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك دخول الإعلام في قضية ابنته فبدون وسائل الإعلام لن نجد من يقدم العون والمساعدة للطفلة فوافق على مضض ونشرتها – ويالتني لم أفعل – فقد وصلني بعد نشر النداء الإنساني على صفحاتي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي إحدى الإذاعات الخليجية اتصال من الأب شعرت فيها بانكساره وشعوره بالألم لطرح قضية ابنته في الإعلام فحتى تلك المحاولات لم تثمر عن نتيجة فقلت له: لقد طرقنا جميع الأبواب ولكننا نسينا أن نطرق بابا واحدا. فقال لي: ما هو؟ فقلت: باب الله. فهو الباب الوحيد الذي لن نحتاج فيه إلى سؤال الآخرين "تعرف أحد؟" فالتوكل على الخالق قولا واعتقادا هو من سوف يسوق لنا الخيرين وما علينا إلا الصبر والدعاء والاجتهاد في مساعينا حتى يسخر الله لطفلتك أحد الصالحين فيأخذ بيدها ويقدم لها العون والمساعدة.

ماراثون طرق الأبواب من أجل تلك الطفلة المسكينة تجربة اثرت كثيرا في وكم تمنيت لو أنني مررت بها من قبل. فرغم أنها كانت مليئة بالمرارة وشعوري بالإحباط واليأس وأحيانا الصدمة بشخصيات كنت أتوسم فيها حب الخير. إلا أنها كانت تجربة مثمرة علمتني عددا من الدروس أهمها التوكل على الله ليس باللسان فقط بل بالاعتقاد القلبي ثم الاجتهاد في البحث عن الأسباب لتحقيق أحلامنا بدلاً من اللجوء إلى الآخرين وترديد سؤال "تعرف أحد؟" وكما قال الدكتور سلمان العودة في آخر حلقة من برنامجه وسم: "يالله إن عرفتك فلن أحتاجهم".
د.نوف علي المطيري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع