يرحم الله أيام زمان

                                         

                          خالد القشطيني

نسمع أن كثيرا من المصريين أخذوا يحنون لحسني مبارك ويترحمون على أيامه. ومن العراقيين سمعت الكثير ممن أخذوا يترحمون على صدام حسين ويحنون لأيامه الآمنة.

ولكن هناك في الواقع آخرون راحوا يحنون للإنجليز ويترحمون على أيام الانتداب. وأكثر من ذلك، هناك بيننا من يحنون لأيام ما قبل ألف سنة ويسعون بالنار والقنابل لإرجاعنا لعهود الخلافة.

هذه ظاهرة تسجل لشعوب الشرق الأوسط. لا يسيرون للأمام غير بضعة أميال حتى يكتشفوا بأن مشوارهم هذا كان غلطا وعليهم العودة من حيث بدأوا. وهكذا تراهم دوما لا يفكرون إلا في ما سلف ولا يحلو في أعينهم غير الماضي. انعكست هذه الظاهرة في كثير من الحكايات الفولكلورية والحكم الشعبية.

قالوا: إن أحد الولاة أساء ولايته بشكل عذب الناس وأرهقهم بظلمه وتعسفه. مات وتلاه ابنه في الولاية ولم يكن بأحسن من أبيه قط، بل كان أسوأ وأقسى. خرج رجل من أحد حكماء البلد وراح يطوف في الأسواق ويردد «يلعن الله من سبقوني ويلعن الله من لحقوني».

استغرب القوم من كلامه وفعله فسألوه ماذا تقصد؟ أجابهم فقال: يلعن الله من سبقوني في معرفة هذا الوالي ولم يحذروني منه فأيدته. ويلعن الله من لحقوني في تأييد ابنه قبل أن يأتوا إليّ ويسألوني لأحذرهم منه! علما بأن هذا جرى في زمان غير زماننا. جرى في زمن كان عقلاء القوم فيه أحرارا يطوفون في الأسواق ويقولون ما يؤمنون به. في زماننا هذا وفي بعض دولنا لا يجرؤ العاقل ولا الجاهل أن يقول ما في ذهنه في الأسواق ولا حتى في بيته وبين أهله.

وعلى غرار هذه الحكاية وردت حكاية تناظرها في الدلالة والمعنى. قيل إن سلطانا من السلاطين تعجرف وطغى وسام شعبه سوء الظلم والعذاب. خرج ليحارب ويذود عن عرشه وملكه. سار على رأس جيشه ممتطيا حصانه الأشم ومن ورائه أفواج جنوده يمشون على أقدامهم الحافية.

وقف الجمهور يتفرجون على المشهد قانطين ساكتين. ولكن كانت بينهم امرأة عجوز راحت تصفق له وتنادي بأعلى صوتها: أبقاك الله يا جلالة السلطان. أعادك الله إلينا منتصرا ظافرا... إلخ.

استغرب السلطان من كلامها وحماسها وتصفيقها له. كان يعلم أنه لا أحد بين الناس يحبه. فما شأن هذه المرأة العجوز؟ أتقصد أن تسخر منه وتهزأ به؟

فنادى عليها. وجاءه الجند بها. فسألها، ما الذي تقصدينه يا أمَةَ الله؟ انطقي بالحقيقة ولك الرأي والأمان! وبعد أن اطمأنت من صدق كلامه، وهو شيء نادر من أمثاله من الطغاة، قالت: يا سيدي السلطان. كان والدك ظالما وقاسيا علينا فدعونا الله أن يخلصنا منه. واستجاب الله لدعائنا خلصنا منه فمات. وجئت أنت في محله وإذا بك أكثر ظلما وقسوة من أبيك. ونحن الآن خائفون أن يحصل لك شيء فيخلفك ابنك ويكون أسوأ منك. وها أنا أدعو الله أن يبقيك لنا!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1466 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع