جــودت هـوشــيار
طوال الأشهر الماضية ، لم يتوقف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن المطالبة بأجراء أنتخابات مبكرة - تحت أشراف حكومته بطبيعة الحال – تسفر عن حصوله على أغلبية مريحة تمكنه من حكم البلاد و العباد حسب أهوائه بلا حسيب او رقيب ومن دون أن يزعجه شركاؤه في الحكومة بالأنسحاب منها حينا والأعتراض على سياساته و أسلوبه في أدارة دفة الحكم بمفرده حينا آخر
قبل الأنتخابات المحلية لمجالس المحافظات التي جرت مؤخراً ، كان السيد المالكي على ثقة تامة بأنه سيفوز بالأغلبية التي يطمح اليها وأنه سيحكم قبضته على المحافظات الجنوبية، مما يمهد له الطريق لأكتساح الأنتخابات البرلمانية القادمة في عام 2014 وتأليف حكومة أغلبية تشترك فيها الكتل المنضوية في ائتلاف " دولة القانون " ، ولكن " تــُهــٍب ألــَـريـٍـاحِ بــُمـِا لاتــِشتـٌهيُ ألـِـسفــُن " ! فقد تعرض حزب المالكي الى أنتكاسة مريرة وموجعة في تلك الأنتخابات ، لن يفيق منها سريعا. فقد أظهرت النتائج النهائية المعلنة من قبل " مفوضية الأنتخابات " فقدان ائتلاف دولة القانون لتسعة وعشرين مقعداً مقارنة بالأنتخابات الماضية عام 2009 على الرغم من أنضمام كتل جديدة الى الائتلاف واعتبر أكبر الخاسرين فيها ، حيث حصل ائتلاف دولة القانون في المحافظات الأثني عشر ، التي جرت فيها الأنتخابات على 97 مقعدا ، بينما حصل كل من تحالف المواطن للمجلس الاعلى وقوائم التيار الصدري على 118 مقعدا ، وجاء حزب الدعوة بزعامة المالكي في ذيل قائمة الفائزين ضمن ائتلاف " دولة القانون " بحصول الحزب على 13 مقعداً فقط .
وقد أثارت هذه الأنتكاسة خيبة أمل كبيرة في أوساط حزب الدعوة الأسلامية و لكن ماكنة الدعاية المالكية الممولة من خزينة الدولة ، أخذت تصور الأمر وكأن المالكي هو الرابح الأكبر في الأنتخابات وهذا نقيض الواقع تماما واستمرارلأسلوب التضليل الذي دأب المالكي و المقربون منه على انتهاجه طوال السنوات الثمانية العجاف الماضية ، واذا كان المالكي قد نجح في خنق الأصوات الحرة داخل حزبه المطالبة بالأصلاح والتغيير، الا ان أنصار الحزب في المهجر مازالوا يتمتعون بمسقف حرية أعلى في التعبيرعن آرائهم ، تلك الحرية ، التي يفتقدها زملائهم في الداخل ، وهؤلاء الأنصار يقلقهم الهزيمة لحقت بحزبهم العتيد ويدركون جيدا أن ذلك كان نتيجة مباشرة لعزوف الملايين من الناخبين عن الاقتراع بسبب اليأس من حكومة المالكي الفاشلة وعجزها عن اعادة البنى التحتية المدمرة وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية وفرص العمل رغم انفاق مئات المليارات من الدولارات التي ذهب الجزء الأكبر منها الى جيوب الطبقة الحاكمة الفاسدة .
هذا العزوف الذي لم تشهده الأنتخابات السابقة من محلية وبرلمانية ، يثبت بالدليل القاطع تضاؤل القاعدة الشعبية للحزب وهو نذر شؤم لمستقبل الحزب ودوره في العملية السياسية العراقية .
لقد رأى أنصار حزب الدعوة الأسلامية في المهجر من واجبهم توجيه رسالة الى الأمين العام للحزب السيد نوري المالكي يطالبونه فيها بمراجعة و تغيير سياساته و الأقتراب من نبض الشارع العراقي وعدم اطلاق الوعود الوهمية و العمل على تلبية الحد الأدنى من الخدمات الأسايبة للشعب العراقي .وتحمل الرسالة عنوان ( رسالة من أنصار حزب الدعوة الإسلامية في المهجر إلى السيد المالكي حول خسارة الحزب في إنتخابات المحافظات )*
تقول الرسالة :
نحنُ لفيف من أنصار حزب الدعوة الإسلامية في المهجر, ودَدنا أن نًخاطبكم خطاب ودٍ ومحبة من خلال هذه الرسالة المُقتضبة, حيث لم يَسُرنا تراجع الحزب وخسارته في إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة وجاء في مرتبة متدنية في إئتلاف دولة القانون بعد "المستقلون وحزب الفضيلة ومنظمة بدر وتيار الإصلاح وتحالف العشائر العراقية".
وهذا مايحز في النفس ويجعلنا في قلق شديد حول مستقبل الحزب في الساحة السياسية العراقية وخاصة المحافظات الشيعية ال 10. نرجوا أن يتم مراجعة ودراسة الأخطاء والسلبيات والأخفاقات وتشخيص مكامن الضعف بغية تقويمها وإصلاح إنحرافها, هل من المعقول أن ينال حزب ناشئ وجديد وحديث العهد, كحزب الفضيلة على 20 مقعد بينما ينال حزب الدعوة الإسلامية العريق والحاكم لثلاث حكومات متتالية آمدها ثماني سنوات تقريباً,على 13 مقعد فقط ؟!.
هذا يستحق دراسة معمقة وعقد ندوات لكوادر وأنصار الحزب في كافة دول العالم عبر شاشة تلفزيونية مفتوحة مع جنابكم للإستماع إلى كلام أنصاركم والإستئناس بآرائهم خاصة بعد إنحسار قاعدة الحزب في الداخل. من أجل تقويم النتائج في الإنتخابات البرلمانية المقبلة القريبة لأن حصول الحزب في البرلمان المقبل على 13 مقعد ربما لايَسمح له بالحصول على منصب رئيس الحكومة لدورة رابعة للحزب وثالثة لكم, وهذا أكيد حيث سيطالب به حزب الفضيلة وبدر والمستقلين والإصلاح , ويقلب الطاولة عليكم من داخل إئتلاف دولة القانون. خاصة بعد أن أعلن حزب الفضيلة عن حصوله على المركز الأول في خمس محافظات فاز بها "دولة القانون" وطالب الحزب بمنصب المحافظ في ثلاث محافظات منذ الأن وهذا يعني أن الخلاف داخل دولة القانون على المناصب سيظهر على السطح لاحقاً وهذا في غير صالحكم خاصةً لو أنشق الفضيلة عن دولة القانون وربما يلتحق به باقي الكتل .. أنتهي "
ورغم أجماع الشعب العراقي على فشل حكومة المالكي ، التي أوصلت العراق الى ما هو عليه الآن من تأخر وبؤس وصراعات ، فأن المالكي و المقربون منه دأبوا على تضليل الجماهير بالوعود المعسولة و الأنجازات الموهومة ، وقد برهنت الأنتخابات الأخيرة ان " حبل الكذب قصير " وان الناخبين لم يعودوا يثقون بوعود المالكي و طاقمه الحاكم .
و تشخص الرسالة بوضوح أخطاء المالكي في الحكم وفي مقدمتها التغاضي عن الفساد والمفسدين "وعدم محاسبة المسؤول المقصر أو الفاشل أو الفاسد والوقوف بجانبه وعدم السماح للبرلمان ومجلس المحافظة بمحاسبته فضلاً عن إستجوابه."
و تستنكر الرسالة أعتماد المالكي على الكوادر البعثية العسكرية و المدنية ومغازلة حزب البعث المنحل ، وتطالب بأبعاد عزت الشابندر المقرب من المالكي قائلة : " بديلكم في البرلمان ومستشاركم عزت الشاهبندر, أساء اليكم كثيراً بدفاعه المستميت عن أصدقائه البعثيين محمد يونس الأحمد ومشعان الجبوري, وتهجمه مؤخراً بكلام بذيئ على مؤسسة هامة في الدولة "مفوضية الإنتخابات المستقلة" لأنها مارست حقها الدستوري ومنعت مدان ومشبوه من المشاركة في الإنتخابات, يُعد إنتهاك للقانون من قبل قائمة تدعي تطبيق القانون, فإسقاط التهم عن مشعان الجبوري برعاية دولة القانون, عليه إستفهامات كثيرة "
وتتحدث الرسالة عن الوعود الكاذية بتوفير الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء و تطالب بــ " التوقف عن التصريحات الغير صحيحة التي تقول للمواطن للسنة السابعة على التوالي "الصيف المقبل ." تنعمون بكهرباء كاملة" وعندما يحين الصيف والحَر تتصاعد ساعات الإنقطاع الى 20 ساعة.
- البطاقة التموينية تقلصت وتبخرت والشعب جائع ويتسائل المواطن الفقير ويقول لماذا كان ... صدام يعطي 20 مادة في التموينية والمالكي في أحس الأحوال يعطي 3 مواد, يجب أن ترفعوا عدد المواد إلى أكثر من 20 مادة حتى تثبتون أنتم أفضل من صدام في هذا الجانب وكما نعلم الأموال متوفرة وبكثرة" .
- يجب عليكم النزول للشارع أسبوعياً والسماع من المواطن لهمومه ومشاكله ...وحل كل تلك المشاكل ومنها أزمة السكن والمجاعة وفقدان الأمن.... أخيراً: نرجوا وبسرعة فائقة التحالف مع كتلة المواطن وتشكيل مجالس المحافظات, لأن تحالف كتلة المواطن وكتلة الأحرار معاً يعني خروج دولة القانون صفر اليدين أو كما يقال من المولد بلا حمص, وهذا ما يجعل الكتلة بعيدة عن دائرة الضوء ويترتب عليه عواقب وخيمة. انتهى الأقتباس "
هذا ما يقوله أنصار حزب المالكي بالحرف الواحد ولا أعتقد أنها بحاجة الى توضيح أو تعليق! المالكي و القياديون في حزب الدعوة و بقية الشلة من الأنتهازيين الملتفين حول المالكي ، لزموا الصمت المطبق حول هذه الرسالة ولم يتجاسر أحدهم على التطرق اليها رغم أهميتها البالغة .
شرعية المالكي المتآكلــة ؟
كتبة المالكي و المنتفعون من نظامه يتساءلون : لماذا مطالبة المالكي بالأستقالة وهو الرجل المنتخب من الشعب والبرلمان ؟ بمعنى أنه ما يزال يتمتع بالشرعية حسب زعمهم !. المالكي جاء الى الحكم بصفقة سياسية وليس على اساس نتائج الأنتخابات التشريعية ، فقد كان ائتلاف العراقية هو الفائز في الأنتخابات التشريعية التي جرت في عام 2010 وكان زعيم الائتلاف الدكتور أياد علاوي هو الأحق بتشكيل الوزارة .
المالكي ، الذي وقع على " أتفاقية أربيل " وأقسم أغلظ الأيمان أنه سينفذ بنودها بحذافيرها وفي توقيتاتها الزمنية المحددة ، ضرب هذه الأتفاقية عرض الحائط بعد نيل ثقة البرلمان على اساسها وفي نفس الجلسة التي شهدت تكليفه بتشكيل الوزارة ، وهي تشكيلة لم تكتمل لحد الآن ! .
لم ينتخبه البرلمان ليصبح طاغية العراق " الجديد " في زمن يتساقط فيه الطغاة كأوراق الخريف الذابلة .
ولم ينتخبه لينتهك الدستور و القوانين وحقوق الأنسان ، ولم ينتخبه لأقصاء وملاحقة غرمائه السياسيين بتهم زائفة ، ولم ينتخبه لأرتكاب المجازر وحمامات الدم .
شرعية المالكي تآكلت وسقطت منذ ان وجه نيران أسلحة جيشه الى صدور العراقيين المحتجين فى كل ناحية من العراق من الموصل حتى البصرة في تظاهرات 25 شباط 2011.
واذا كان المنتفعون من حكم المالكي يحاولون قلب الحقائق وتضليل الرأي العام بحكاية الرجل المنتخب من الشعب والبرلمان ، فأن الأرقام لا تكذب وهي أدلة دامغة لا يمكن الألتفاف عليها. تقول الأرقام ان نسبة المشاركة في الانتخابات لم تتجاوز 50% بحسب مفوضية الانتخابات، وهو ما قللت من شأنه منظمات معنية بمراقبة الاقتراع مؤكدة انها لم تتجاوز الـ 45% في احسن الاحوال.
وحصل حزب المالكي على 13 مقعدا من اجمالي 387 مقعداً أي حوالي 3% من عدد المقاعد رغم أنه سخّر امكانيات الدولة وآلتها الأعلامية لحملته الأنتخابية و أجبر عناصر القوات الأمنية على التصويت لصالحه في الأقتراع الخاص .
واذا قسنا " شرعية " المالكي على أساس عدد الناخبين الذين صوتوا لحزبه في المحافظات الأثني عشر ، التي جرت فيها الأنتخابات يتضح لنا ان حزب الدعوة حصل على أصوات حوالي 1.5% من عدد الناخبين المسجلين الذين يحق لهم التصويت .
بعد هذه الحصيلة الهزيلة ، هل بقيت للمالكي أية شرعية ؟ . المالكي هزم شر هزيمة في عقر داره – ان صح التعبير – ولا يتمتع بثقة الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي .
الأنتخابات الأخيرة أسقطت " شرعية " المالكي المزعزمة وعلى " التحالف الوطني" البحث عن البديل ، اذا كان يريد الأحتفاظ بالسلطة !
وهذا رابط رسالة أنصار حزب الدعوة الأسلامية المنشورة في موقع " صوت العراق "
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=133380#axzz2ScwEay7w
جــودت هـوشــيار
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
4101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع