أحمد عبدالسلام
ها هي الاعتصامات الشعبية تصل شهرها الرابع، وسط إصرار متبادل، فالحكومة ممثلة بنوري المالكي تصر على عدم تلبية المتظاهرين السلميين، وتناور وتداهن وأحيانا لجأت إلى العنف المسلح وقتلت في جريمة بشعة من الجرائم ضد الانسانية، أعداداً كبيرة من المتظاهرين في الحويجة والموصل والفلوجة،
وبالمقابل فإن المتظاهرين مصرّون بقوة على الإستمرار في التظاهر والاعتصام حتى تتحقق مطالبهم كاملة، التي ابتدأت مطلبية خدمية تطالب برفع الحيف واطلاق سراح السجناء والمعتقلين وبالأخص النساء، والغاء المادة (4) إرهاب التي تستخدمها الحكومة سيفا مسلطا على رقاب أهل السنة. فضلا عن حالة التهميش والاقصاء التي يشعر بها أهالي المحافظات المنتفضة.
وقد برزت في البدء على استحياء مطالبات وشعارات "الإقليم هو الحل"، ولكن مع ازدياد القمع الحكومي للمتظاهرين، واستخدام السلاح والقتل، وتصاعد الهجمات الارهابية على المساجد وقتل العديد من الأبرياء على يد الميليشيات الطائفية المدعومة من الحكومة، أو المتستر عليها على أقل تقدير، وخيبة أمل المعتصمين في عشائر وجماهير جنوب العراق التي آثرت الصمت إن لم نقل الوقوف مع نوري المالكي علنا، فازدادت وتوسعت مطالبات المعتصمين والمحتجين باللجوء إلى خياراعلان الاقليم، للخلاص من ظلم حكومة نوري المالكي الطائفية.
لقد بات شعار "الإقليم هو الحل" شعارا علنيا يرفعه عامة الناس ومثقفوهم وعلماؤهم، في المحافظات المنتفضة، وازدادت اعداد المقتنعين بأن لا حل سوى الإقليم في الوقت الراهن.
ولو تم تحليل ما هي الخيارات التي يراها المعتصمون لوجدناها لا تخرج عن الآتي:
أولا: خيار النجاح في الضغط السياسي لإسقاط نوري المالكي واستبداله بآخر من ضمن التحالف الوطني (الشيعي) متناسين أن التحالف المذكور اختار المالكي بعد مخاض عسير ومداولات وحسابات وتوافقات، وقبل هذا وذاك بإيعاز وتدخل صريح من قبل إيران الداعمة علنا للمالكي، ولايمكن ابدا انكار خضوع هذا التيار بمختلف تشكيلاته للضغط الايراني المعلوم والمعروف وغير الخفي، وهذا التحالف ليس على استعاد لتلبية مطالب العرب السنة حتى ولو كانت لاتكلفهم شيئا، فكيف بالقبول بخيار الاقليم الذي يمثل تحديا لإرادتهم، وكلنا شاهدنا السفير الايراني متحدثا من خلال القنوات الفضائية وهو يقول: "لن نسمح باقامة اقاليم في العراق لأنها تمثل تهديدا وتحديا لإيران؟".
وقد رأينا بأم أعيننا كيف حاولت بعض الكتل سحب الثقة عن المالكي فلم تفلح لأكثر من سبب: عدم اكتمال النصاب المطلوب من المصوتين، وقلة عدد الأعضاء السنة (الحقيقيين)، وانسحاب أعضاء كتلة المالكي لإحباط كل جهد يستهدفه. بل وحاول بعض النواب جاهدين استجواب المالكي – الذي هو دون سحب الثقة - فلم يفلحوا.
يجب أن نقر بأن (الشيعة) بفضل الإحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق، تفردوا بمسك زمام الحكم وسيطروا على كل السلطات؛ والدستور صار لعبة بأيديهم، إن وافق رغباتهم سلوه سيفا مسلطا ضد غيرهم، وإن خالفها فسروه وفق ما يريدون قسراً.. أو ضربوا به عرض الحائط جملة وتفصيلاً، فالدستور صار كالقانون يعزفون عليه ليلا ويبطشون بخصومهم به نهارا، هكذا يفعل القوي الذي لا يعرف للقبول بالآخر سبيلا. وهذا حال السياسة التي تعترف بصاحب القوة لا بصاحب الحق.
يؤمن كثير من أهل السنة وغيرهم، أن التحالف الشيعي سيبقى هو المسيطر، وجتى لو وافق على استبدال المالكي بغيره، فمن سيكون بديله: الجعفري؟ صولاغ؟ هادي العامري؟ عادل عبدالمهدي؟ ... ومشكلة أهل السنة ليست مع شخص بقدر ما هي مع نفوذ إيراني تدميري. وهل كان السنة أحسن حالا إبان حكم سلفه ابراهيم الجعفري؟ لكي يرجون خيراً من خلفه؟ ألم يستبشر الكثير منا لذهاب الجعفري (الذي أقسم على "تطهير" بغداد من أهل السنة) فإذا بنا نقع بيد من هو أكثر منه إجراما وكراهية علنية لأهل السنة؟
ثانياً: الخيار الثاني: تقسيم العراق
رغم أن هذا الخيار مرفوض من السنة والشيعة معا، ولكل أسبابه ونواياه، إلا أنه أمر متوقع في ظل حكومة مركزية شيعية تسعى لاستئصال السنة. كما إن المنادين بخيار الإقليم أنفسهم لا يؤيدون هذا الخيار – على عكس مزاعم الذين يُماهون بين الفدرالية والتقسيم قسرا.
الخيار الثالث: الإقليم
معلوم للقاصي والاني ، أن العراقيين يتالفون من ثلاثة شعوب رئيسة: الشيعة، والسنة والكرد ؛ ولا ينكر هذا الواقع إلا جهول أو كذوب. والعراق اليوم بكل مقدراته بيد مكون واحد هم الشيعة؛ مع مشاركة حقيقية للكرد ووضع مثالي لهم في ظل إقليمهم الذي حفظوا به كيانهم وكرامتهم. أما العرب السنة فليس لهم إلا الذبح والاعتقال والتهجير والإهانة.
في ظل هذا الوضع المزري، أمام السنة خياران رئيسيان: إما الرضا بما يجري لهم ليبادوا أو يتشيّعوا؛ أو امتلاك القوة التي تُمكنهم من إنقاذ مكوّنهم ثم فرض أنفسهم كشركاء حقيقيين لغيرهم. فالاقليم فرصة لا تعوض لاسترداد كل الحقوق والصلاحيات المسلوبة كحق وضع مناهج التعليم ، والسلطات الثلاث (ومنها القضاء الذي نُذبح بسكينه)، وحرس الإقليم، والمشاركة في إدارة المنافذ الحدودية، واستغلال الثروات...الخ.
وهل مصائبنا إلا من القضاء الفاسد الذي يمسك به المالكي خنجرا لذبحنا ومطبعة لطباعة مذكرات الاعتقال وأحكام الإعدام زورا بحقنا؟ وهل مآسينا إلا من قوات الجيش وسوات التي تجر رجالنا ونساءنا من غرف النوم إلى المعتقلات حيث القتل والتعذيب والاغتصاب؟ أليست قوات الجيش الشيعي هي من تعيث في أراضينا قتلا وتفجيرا وتهجيرا؟ وهل البطالة التي تضرب مناطقنا إلا بسبب نهب الحكومة لثرواتنا وغمطها لحقنا من الميزانية؟
الإقليم حل لهذه المشاكل وغيرها، وعلينا السعي لتحقيقه إن أردنا المحافظة على أرواحنا وديننا وأعراضنا وأرزاقنا. أما من يزعم أن الإقليم تقسيم فهو إما جاهل مكابر أو كاذب ذو مآرب. وإني لأعجب من جرأة هؤلاء القوم على تكذيب اللغة والتاريخ والجغرافية والمنطق ليفرضوا أوهامهم على أهل السنة ليضلوهم ويبعدوهم عن منفذ الخلاص!
انظروا إلى أكثر الدول تقدما ورفاهية واستقرارا تجدوها دولا فدرالية كالولايات المتحدة وألمانيا وكندا وسويسرا وماليزيا. فهل يسطيع أحد أن يزعم أن هذه الدول مقسمة؟
خيارات أخرى
هناك خيارات أخرى إضافية ينادي بها بعض أهل السنة، وهي:
إسقاط الحكومة/ الدستور: الحكومة ليست طائرة ورقية - أو حتى حقيقية - لكي تسقط بسهولة. إنها جاءت بأصوات الملايين من سكان المحافظات الشيعية التي هي اليوم ضدنا حتى في حقوقنا المشروعة، فما بالكم بحكم انتظروه قرونا؟! وحتى الكرد سيكونون ضد إسقاط دستور منحهم إقليما تمنوه عقودا.
وعليه فإن على أصحاب هذا الخيار إقناع (أهلهم في الجنوب) بالوقوف معهم في سعيهم لإسقاط الدستور أو الحكومة أو حتى استبدال المالكي إن كانوا يرون فيهم شركاء فعليين في الوطن والوطنية.
ثم ما هي وسائلكم في تحقيق هذا المطلب؟ هل الأمور بالعواطف والأماني والشعارات؟
استمرار الاعتصامات: الى متى؟
لا شك أن الاعتصامات وسيلة فاعلة لإنكار المنكر ورد المظالم واسترجاع الحقوق؛ لكن سؤالي هنا: لو استمر الاعتصام عقدا من الزمان فما الذي يمكن أن يتحقق من دون خطوات جدية ملموسة ضمن رؤية استراتيجية وقيادة ميدانية وتكتيكات حقيقية؟
كثيرا ما يردد قادة الاعتصام: (سوف نواصل اعتصامنا السلمي حتى تحقيق المطالب). وهذه العبارة منطقية لو كنا في سويسرا أو السويد؛ أما في العراق فهي كمن يقول: (سوف أستمر في الصراخ "أريد عنبا .. أريد عنبا" حتى يسقط عنقود العنب في يدي).
وإن كان هناك من يعول على تحرك المجتمع الدولي وتأييده لقضيتنا، فهاهم أشقاؤنا السوريون يبادون عن بكرة أبيهم منذ أكثر من سنتين ولا من ناصر ولا من مجيب.
أما من يعول على التفاوض بين المعتصمين والحكومة فهو كمن يعول على عقد صلح بين ذئب وخروف.
المواجهة المسلحة: هذا الخيار لا يقول به عاقل في ظل اختلال التوازن وغياب المشروع والقيادة والآليات والقوة الإقليمية الراعية والداعمة. وهنا تبرز بعض الأسئلة التي أتمنى من دعاة المواجهة المسلحة الإجابة عليها: هل ستقاتلون الحكومة دفاعا عن المحافظات السنية فقط أم الشيعية كذلك؟ إن قلتم "السنية فقط"، فأقول: وهل ستسعون إلى تشكيل حكومة خاصة بالسنة أم عامة لكل العراقيين سنة وشيعة وكردا؟ إن كان الجواب "للسنة فقط" فمعنى ذلك أنكم تريدون إما التقسيم أو الإقليم.. لكن بعد أن تدخلوا البلاد والعباد في حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس، فهل لكم طاقة بكل هذا؟ وإن قلتم إنكم ستقاتلون الحكومة دفاعا عن المحافظات العراقية جميعا، فأسألكم: ومن قال لكم إن المحافظات الشيعية أو الكردية تريد ذلك؟ وهل ستنجحون في تحييدهم- على الأقل؟
الذي أراه – والله أعلم - أن المواجهة المسلحة وشيكة في ظل إصرار الحكومة على تجاهل مطالب المعتصمين وإصرار المعتصمين على مواصلة اعتصاماتهم. ولا يمكن أن تستمر هذه الصورة على ما هي عليه خاصة مع حكومة تجيد اختلاق الأزمات والمسوغات لاستخدام القوة ضد المعتصمين السلميين – من جهة، وملايين من الثائرين ضد الظلم والتهميش الذين يفضلون خيار السلاح على العودة إلى بيوتهم والتراجع عن حقوقهم.
وإذا كانت المواجهة المسلحة هي الخيار المتوقع- فمن الحكمة اختيار الإقليم للأسباب التالية:
أولا: النتيجة الحتمية للمواجهة المسلحة هي التقسيم أو الإقليم؛ وعليه فمن الحكمة اختيار الإقليم الذي هو أقل تكلفة (إن وجدت) وأفضل نتيجة.
ثانيا: إن أدت مطالبتنا بالإقليم إلى الحرب فسيكون الطرف الآخر هو البادئ بها لا نحن، لأن الإقليم حق دستوري.
ثالثا: لو نشبت الحرب إثر مطالبتنا بهذا الحق فسيشكل لنا هما جامعا وهدفا شرعيا دافعا يستحق القتال من أجله. ولهذا أهيب بكل سني واعٍ غيور – والنخب خاصة- أن يثقفوا لهذا الخيار الاستراتيجي قبل فوات الأوان.
خيار الأقليم ليس رجس من عمل الشيطان بل هو خيار دفعنا إليه بسبب سياسات الحكومة الظالمة، والمد الطائفي الذي عم البلاد والتدخل الايراني الفض.. وليس من حل في الوقت الحاضر غير الاقليم
هذا ما نراه حلا لمآسينا، وهو اضطرار لا اختيار؛ فعلى الذين يعارضونه ويخوّنون المنادين به أن يتقدموا بحل بديل.. أو ليصمتوا.
881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع