مهند العزاوي*
ملفات العراق على صفيح ساخن
دخل العراق مرحلة حرجة ومصيرية نظرا لهشاشة النظام السياسي ، وتغول النفوذ الإقليمي السياسي والعسكري والاقتصادي ، وهيمنة منظومة الفساد والافساد على أموال وثورات العراق ، إضافة الى تحركات الكيان الموازي ضد المسار الحكومي ، فضلا عن تناسل وانشطار المليشيات الولائية ، وتململ فلول الإرهاب.
وشهد العراق على مدى عام ونصف عمليات عسكرية لا متناظرة ضد القوات الامريكية ، نفذتها القوة الوكيلة لإيران Proxy forcesفي العراق ، واستخدمت فيها الطائرات المسيرة والصواريخ المختلفة والكاتيوشا ، ومن المرجح ان تلك العمليات قد خطط لها فيلق القدس الإيراني ، ونفذها وكلائه في العراق ، كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة ، ونهج مماطلة وكسب الوقت ، حتى يتم تبديل إدارة ترامب في الانتخابات القادمة كما يخططون له ، وهنا الرهان الإيراني على عامل الوقت وعلى حساب العراق.
إرهاب متعدد الاوجه
يعصف بالعراق إرهاب متعدد الأوجه ، ويلاحظ ان تنظيم داعش الإرهابي قد حصل على تسهيلات مرور الى العراق قادما من حدود مختلفة وبشكل مفاجئ ، مما يثير التساؤل عن الدول التي تقدم التسهيلات له، ويبدوا انه ينتهج حرب العصابات بعد ان طرد من الأرض العراقية ، وقد باشر جهاز مكافحة الإرهاب بالمعالجة وضرب اوكارهم التي شغلوها حديثا ، لاسيما ان هناك جهات تعمل على إعادة مشهد 2014 للصورة ، لتبرير استخدام السلاح ووجود مليشيات ، ومن الضروري احكام الحدود العراقية بقوة ، وعدم السماح لمرور الإرهابيين من خلالها ، وتعزيز الدور الاستخباري وتنويع المعالجة بوسائل حديثة، واستخدام التمركزات العسكرية .
وبرز مؤخرا ضمن سياق التمويه والتشتيت والمناورة مسميات لمليشيات حديثة التكوين بعد تعيين "إسماعيل قآاني" قائدا لفيلق القدس الإيراني على اثر مقتل "قاسم سليماني" قرب مطار "بغداد" في العاصمة العراقية ، وابرزها "عصبة الثائرين" و"أصحاب الكهف" و"قبضة المهدي"، مجموعات تبنت تهديدات للقوات الامريكية وهجمات استهدفت قواعد عسكرية ، وينتمي عناصرها لمليشيات موالية لإيران في العراق ، وهي كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وهدفها زعزعة ما تبقى من استقرار العراق عبر استدراج القوات الأمريكية إلى المواجهة مع إيران والموالين لها على الأراضي العراقية .
وقد غرد رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" على حسابه في تويتر في 18-6-2020 قائلا ((الصواريخ التي استهدفت الجندي المجهول في بغداد ، تسعى الى تهديد استقرارنا ومستقبلنا وهو أمر لا تهاون فيه. لن اسمح لجهات خارجة على القانون باختطاف العراق من اجل احداث فوضى وإيجاد ذرائع لإدامة مصالحها. ماضون في عهدنا لشعبنا بحماية السيادة واعلاء كرامة الوطن والمواطن))
وطرح مستشار رئيس الوزراء "هشام داوود"[1] عدة محاور تناولتها وسائل الاعلام على راسها قائلا (ان السلاح خارج القوات الرسمية والحشد سلاح غير قانوني ، وعلى الأحزاب الاختيار بين العمل العسكري او السياسي ، وان قصف الصواريخ يعد عمل ارهابي خارج عن القانون )، ويضمن الدستور العراقي حصر السلاح بيد الدولة وحظر تشكيل المليشيات[2]، فضلا عن ان القانون العراقي يعاقب على ذلك ، ويعد هذا الملف المعقد من ابرز التحديات ام الحكومة العراقية ، لأنه مرتبط بالأمن الوطني المتعلق بالسيادة والاقتصاد ، والامن المجتمعي ومحاربة الفساد والجريمة المنظمة
قصف إيران وتوغل تركي شمالي العراق
يشكل الملف الكردي احد ابرز التحديات المعقدة في مسار الاستقرار السياسي في العراق ، نظرا لما يحتويه من تداخلات وقرارات متباينة ، واشكالية المركز والاقليم ، وتصدير النفط والعائدات والمنافذ ، وتمدد التشكيلات الكردية من ايران وتركيا الى العراق، والاختلافات الاقتصادية ، ويعد من الملفات التي تحتاج الى تقييم لاسيما في ظل التحركات العسكرية النظامية التركية والإيرانية تجاه شمال العراق ، ويعد تمدد حزبي العمال الكردستاني التركي وحزب كوملة الإيراني نحو الأراضي العراقية وإقامة معسكرات ، مؤشر مقلق في لوحة الامن القومي العراقي ، مما يدخله في صراعات إقليمية مزمنة .
ويبرز في اعلى اللوحة العسكرية العراقية على نحو متزامن، تعرض شمال العراق لقصف إيراني ، وتوغل قوات تركية داخل إقليم كردستان العراق[3]، وقد قصفت المدفعية الإيرانية قرى حدودية تابعة لبلدة حاجي عمران بمحافظة أربيل في إقليم كردستان العراق ، وكانت القرى والسلاسل الجبلية الحدودية الواقعة بالقرب من بلدة حاجي عمران تعرضت الثلاثاء والأربعاء الماضي لقصف مدفعي مكثف من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني.
وبدأت قوات برية تركية بالتوغل، فجر يوم الأربعاء، داخل أراضي إقليم كردستان العراق بعمق أكثر من 10 كيلومترات بالقرب من منطقة باطوفه الحدودية التابعة لبلدة زاخو في اقصى شمال محافظة دهوك". وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت سابقا، أن عملية التوغل جاءت بعد سلسلة غارات في عمق أراضي إقليم كردستان العراق، تتم في إطار ما سمي بعمليات "المخلب النمر"، التي تستهدف مواقع منسوبة إلى حزب العمال الكردستاني، وقد استنكرت الحكومة العراقية تلك العمليات
خلاصة
تشير مخرجات الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق الذي جرى يوم الخميس 11-6-2020 لتنظيم العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة وخاصة الجانب الأمني الى مرحلة ساخنة في مجال التوازن السياسي ، ومعقدة من حيث التنفيذ في ظل الأمور السالفة الذكر ، لاسيما ان النظام السياسي الذي أرسته الولايات المتحدة في العراق اصبح عبئا وغير مجدي ، ولوحظ مؤخرا تحرك الأحزاب السياسية الحالية للعمل على إعادة المعادلة الطائفية من جديد ، واحياء المثلث الطائفي ، والسماح بعودة السياسيين الذين جرى توجيه تهم لهم في عهد المالكي ، وكما يبدوا انه استباق لمرحلة الانتخابات المقبلة من خلال إعادة تأهيل تيار الاسلام السياسي (سني شيعي) متوافق متقارب بالتوجهات والمصالح والتبعية، ومن المرجح ان تعزز بأحداث دراماتيكية تنطلق من عمق طائفي لتصنع جمهورها ، بالرغم من رفض الشارع العراقي لهذه المعادلة ورموزها ، اذ من الضروري الاخذ بنظر الاعتبار معالجة الملفات المعقدة ، وفق مبدا تداخل وحرق المراحل ، مع الاخذ بنظر الاعتبار معالجة الملفات المجتمعية المهمة كمعالجة وباء كورونا وحسم ملف المغيبين والمعتقلين والنازحين والتعافي الاقتصادي التدريجي وصولا الى بيئة انتخابية صالحة .
*خبير استراتيجي مختص بالشأن العراقي
الجمعة، 19 حزيران، 2020
[1]
https://www.youtube.com/watch?time_continue=813&v=fb6qqv7bxeA&feature=emb_logo
[2] المادة 9 الفقرة ب، يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة
[3] . سكاي نيوز .. قصف إيران وتوغل تركي شمالي العراق.
4703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع