إعداد /اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي
فكرة التجنيد الألزامي رؤية واقعية
١-عام
آ. عمل الجيش العراقي منذ تأسيسه عام ١٩٢١ بقانون التجنيد الإلزامي، وعد هذا النوع من الخدمة، خدمة وطنية أو خدمة العلم كما كانت توصف في وقتها، يخضع لها العراقيون جميعاً حال بلوغهم سن الثامنة عشر، مع بعض الاستثناءات الخاصة بالشهادة والابن الوحيد، وغيرها استثناءات ثبتت في سياقات القانون، زادت أو قلت تبعاً للظروف السائدة وطبيعة الحكومات في العهود الجمهورية على وجه الخصوص.
ب. إن قانون الخدمة الإلزامية الذي شرع في الدولة سابقاً، كان يلبي حاجتها العسكرية والأمنية في حينه،ويلائم ظروف البلد ووضعه الاقتصادي، الا إنه وفي المحك أي أثناء التجريب العملي في القتال ثبت أن أداء المجندين يقل في مستواه كثيراً عن أداء المتطوعين، ثم أن القانون وبسبب الاجحاف في تطبيقه إبان الحروب أصاب المواطن العراقي الشاب بحيف كبير إذا زادت سني الخدمة الإلزامية لبعض المواليد عن عشر سنين، الأمر الذي أثر سلباً على مجرى حياة الشباب وحرف مسيرتهم سلباً عن الطريق المأمول.
٢. فكرة التجنيد في الدولة بعد ٢٠٠٣
آ. لقد الغت الدولة في مرحلة إعادة بنائها بعد العام ٢٠٠٣ فكرة التجنيد الالزامي، تماشياً مع معطيات سائدة بينها:
- فلسفات الجيوش الحديثة المتطورة في الاعتماد على المتطوعين على وفق عقود بينهم وبين المؤسسات العسكرية، تكفلها القوانين.
- استجابة الى أفكار تكونت عند بعض المكونات عن الخدمة العسكرية.
ب لقد استمر حال الخدمة العسكرية تطوعية الى وقتنا الراهن، الا أنه وفي الأعوام الأخيرة التي حدث فيها تطورات حرب مع داعش، تعالت أصوات من بعض الأحزاب والكتل وأعضاء في البرلمان، تدعو الى إعادةالعمل بقوانين التجنيد الإلزامي معللة مطالبها هذه لعوامل تتعلق بالآتي:
ـ الحاجة الى إعادة اللحمة الوطنية لمكونات التركيبة الاجتماعية العراقية التي تقترب من التفكك.
- حشد الجهد البشري لقتال داعش.
- استيعاب أو إشغال عدد كبير من الشباب في سني المراهقة لفترة زمنية مؤقتة.
ج. إن المطالبة بالتجنيد الالزامي خفتت حدتها نسبياً بعد أن حققت القوات المسلحة نصراً على داعش، لكنها عادت في البرلمان ثانية خلال هذه الفترة الزمنية، وتكونت مساعي لسن وتمرير قانون يعيد العمل بهذا النوع من الخدمة العسكرية.
٣. المآخذ الدارجة على الخدمة الإلزامية
آ. إن حالة الخدمة الإلزامية، مثلها مثل باقي الحالات لها من الإيجابيات كما عليها من السلبيات، واذا ما عرجنا على الإيجابيات التي تتعلق بتمتين عرى العلاقات والوحدة الوطنية، إذ يتيح العمل بهذا النوع من الخدمة الى الشاب الكردي من السليمانية على سبيل المثال الخدمة في البصرة، والتعرف على طبيعتها وتعلم لغة أهلها، وقد تمهد له ظروف الاختلاط الاستمرار في العيش في محيطها، وتتعلق برخص التكاليف إذ أن الراتب الذي سيخصص للمكلف أقل بكثير من المطوع، وبكثرة العدد حيث الزيادة المحتملة لموجود الوحدات وعموم الجيش وباقي أفرع القوات المسلحة.
ب. ان الإيجابيات التي يوردها بعض المؤيدين لعودة الخدمة الإلزامية لا تلغي أو تقلل كم السلبيات التي يمكن أن تترتب على وجود هكذا نوع من الخدمة بعضها على سبيل الايضاح:
أولا. عودة العمل بمفهوم الكم في القوات المسلحة على حساب النوع، وهذا النوع من العمل تكون في المعتاد كلفه النهائية أعلى والعائد منه أقل.
ثانياً. الجيش الحالي والشرطة وعموم القوات المسلحة لا تعاني نقصاً في الموجود، إذ أن الاعداد الميسورة كافية وربما تزيد عن الحاجة في بعض الأحيان، عليه سيكون إضافة أعداد من المكلفين عبئ على المنظومة الإدارية، وإضافات لا حاجة لها في الأصل.
ثالثاً. الحرب لم تنتهي، واستعدادات المكلف للتضحية والقتال أقل بكثير من المطوع، لذا قد يكون الصدام مع داعش في معارك قوية، سبباً لحصول حالات هروب بين المجندين تؤثر على مستويات الضبط لدى منتسبي القوات المسلحة.
رابعاً. إن المنظومة الإدارية الحالية في عموم القوات المسلحة لم تكتمل بالمستوى الذي يؤهلها على تحمل عبى آلاف الشباب الذين سيلتحقون في حال تنفيذ القانون.
خامساً. الشباب في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والديمقراطية المنفلتة غير الشباب في الأزمنة التي سبقت، إذا أنهم في الوقت الراهن غير منضبطين، ميالين للمطالبة بحقوهم عن طريق التظاهر، مشاعرهم الوطنية ضعيفة، على هذا سيكون التحاق آلاف منهمبضوء التجنيد الالزامي ومع أي تقصير اتجاههم بالأرزاق وربما زيادة في التدريب والواجبات، قد يدفعهم الى التظاهر داخل الثكنات العسكرية، الأمر الذي سيكون اتجاهات للعسكريين تتنافى والضوابط والقيم العسكرية.
سادساً. شهدت تجربة العسكر الجديد رفض منتسبين في وحدات بمناطق جنوبية الالتحاق بوحداتها حال تلقيها أوامر التحرك الى مناطق أخرى وسط وشمال العراق، وإذا كان هذا التوجه على ندرته موجوداً بين المطوعين فسيكون مضاعفاً عند المكلفين، عندها سيمهد التجنيد الاجباري الى تكوين حالات تمرد في الجيش هو في غنى عنها.
سابعاً. إن وضع إقليم كوردستان العراق وضعاً خاصاً، ووحداته العسكرية والأمنية شبه مستقلة، وبالتالي سيكون من غير المرغوب لدى الشباب الأكراد الذين يحمل آبائهم وأجدادهم خبرات سلبية للخدمة السابقة في الجيش أو غير المقبول لهم نفسياً الالتحاق بصفوف الوحدات الموجودة في الوسط والجنوب، وفي حال رفضهم سيواجه القانون والدولة مواقف رفض قد تتحول الى مواقف هدم للعملية السياسية.
ثامناً. سيكون في ميزانية العراق في الوقت الراهن والى سنين مقبلة، عجز مالي ليس بالقليل، وعملية التجنيد الالزامي عملية تحتاج تخصيصات مالية كبيرة، لتهيئة مراكز تدريب وايواء ونقل وتجهيز، ستكون الميزانية عاجزة عن تأمينها وفي حال الإصرار على التشريع فتضاف أعباء عجز على الميزانية تنهك اقتصاد العراق وتتسبب في وجود مشاكل تضاف الى المشاكل الموجودةفي الوقت الراهن.
تاسعاً. شهدت تجربة التجنيد الالزامي في الجيش السابق أي قبل ٢٠٠٣ مشاكل فساد في المحسوبيات وتقديم الرشى كان لها الدور الكبير في تدني مستوى الضبط والالتزام وهدم المشاعر الوطنية، وإعادة العمل في التجربة ذاتها في الوقت الحاضر الذي يعاني منه المجتمع العراقي أوجه فساد أضعاف مضاعفة عن السابق، عليه ستكون تجربة التجنيد الالزامي في حال إقرارها تجربة فيها المجازفة كبيرة لاحتمالات حدوث حالة فوضوا وتحلل ضبطي وقيمي تؤثر سلباً على عموم القوات المسلحة.
٤. الاستنتاجات
آ. ظروف العراق النفسية والإدارية والسياسية غير ملائمة عملياً للعمل بفلسفة التجنيد الالزامي في الوقت الراهن.
ب. ان كم السلبيات في حال تشريع القانون وتطبيقه تفوق الإيجابيات.
ج. الظرف السياسي والأمني غير ملائم لتشريع مثل هكذا قوانين.
د. سيلاقي التطبيق ممانعة حد التمرد على التنفيذ من أبناء كردستان والمناطق العراقية النائية والمنعزلة، وربما من أهل الريف العراقي بشكل عام.
هـ. وجود جنود لخدمة الزامية مؤقته باب فساد يصعب غلقها.
٥. المقترحات
آ. بذل المزيد من الجهد لدراسة سلبيات وايجابيات الموضوع ومن جهات بحثية ونفسية وعسكرية وقانونية معتمدة، تقدم للحكومة رأياً صحيحاً.
ب. السعي الى تأجيل مناقشة الموضوع في البرلمان الى وقت آخر يلائم عملية المناقشة.
ج. اشراك الجهات العلمية والأكاديمية في ورش عمل تعد في مراكز بحوث حكومية لمناقشة الموضوع وتحديد سبل التعامل معه.
٦.الخاتمة
آ. لكل قانون مبررات صدوره، والغاية من مساعي إصدار قانون لتنظيم العمل بالخدمة العسكرية، جاء على لسان المطالبين هو لخدمة الدولة العراقية والمساهمة في إعادة بنائها على أسس علمية صحيحة، وبالتأسيس علي المعطيات المذكورة يتبين أن تشريع هذا القانون، لا يخدم بناء الدولة، بل ويعيقها اقتصادياً وإدارياً.
ب. إن ظروف البلاد الحالية، لا تتحمل التأويل والاختلاف في موضوع لا يشكل أهمية كبيرة لبناء الدولة، عليه يكون تأجيل مناقشته خياراً صائباً.
1722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع