علي المسعود
مصطفى العقاد.. عبقري الرسالة الذي أغتاله الاسلام المتشدد ؟؟
شاهدت قبل فترة قصيرة فيديو للمخرج الراحل مصطفى العقاد وهو يتطرق الى فيلم الرسالة والصعوبات التي واجهته في تنفيذ الفيلم و أدارة الممثلين ، ( رابط الفديو في الاسفل ) جعلني اتوقف أمام هذه الشخصية الفريدة و الفنان العبقري في أعماله الفنية .
قلّما شغل مخرج قلب الجدل السياسي والثقافي عبر العالم كما فعل مصطفى العقاد (1930 ـــ 2005) عبر فيلمه الاستثنائي (الرسالة) بنسختيه العربية والإنكليزية (1976) . أراد السينمائي الأميركي من أصل سوري من هذا العمل تقديم رواية قواسم مشتركة مقبولة من جميع الأطراف عن قصّة الإسلام الأوّل . وقبل المباشرة في إخراجه لفيلم الرسالة استشار مصطفى العقاد علماء الدين المسلمين لتفادي اظهارمشاهد أو معالجة مواضيع قد تكون مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي . ورأى الفيلم كجسر للتواصل بين الشرق والغرب وخاصة بين العالم الإسلامي والغرب ولاظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام ، بدأت قصة (الرسالة) بعد تنفيذ العمليّات الفدائيّة التي نفّذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في السبعينيّات ، والتي ألقت بظلال قاتمة على صورة المسلم العربي في الاعلام الغربي . هذا ما استدعى البحث عن أدوات تعيد ترميم بعض الجسور مع الجمهور الغربي من خلال إظهار الإسلام كدين مسالم ، تولى تاجر السلاح والسفير السعودي المتجوّل عدنان الخاشقجي مهمّة العثورعلى المخرج المناسب ، ليجد بضربة حظ هائلة مصطفى العقاد، المخرج السوري الذي صنع مهنته في أجواء هوليوود، وما لبث يعيش هاجس فنان عبقري يحلم بتقديم صورة جديدة عن العرب بدلاً من تلك الصورة التي استوطنت السينما الأميركية بوصفهم أوغاداً ولصوصاً تافهين !! .
دفع خاشقجي مقدّم الفيلم، وانطلق العقاد إلى تحضيراته. لكن الرياض بدت مترددة في استكمال التمويل بعدما توضحت رؤية الفيلم الإخراجيّة ، تحسباً لردود أفعال قد تتسبب بها أوساط الوهابيّة المتطرفة التي كان توجه السلالة الحاكمة. ولذا فإن العقاد اضطر لاستكمال بقيّة التمويل من وزراء وأمراء من الكويت والبحرين ، وشرع في تصوير فيلمه بالقرب من مراكش . تطوّر الموقف السعودي الرسمي خلال السنتين اللتين عمل فيهما العقاد على الفيلم باتجاه مزيد من التصلّب . ويبدو أن العقّاد رفض التوقف عن استكمال فيلمه ، فمارس السعوديون ضغوطاً على ملك المغرب الذي كان بحاجة لغطاء الملكيّات العربية الأخرى لمشروعه الاستيطاني في الصحراء الغربيّة ، فأُمر بوقف التصوير في موقع الفيلم بالقوّة ، أحسّ المخرج مصطفى العقّاد بالخذلان والخيانة، لا سيّما أن الفيلم كان يحتاج إلى ستة أشهر أخرى قبل إنجازه وأن خسائره الماديّة المباشرة نتيجة للتوقف ستتجاوز ستة ملايين دولار أميركي . هنا لجأ إلى العقيد معمّر القذافي والذي أعجب القذافي بكفاءة العقاد بعد إطلاعه على مقاطع من الفيلم ، وتبنى انتاجه بالكامل وإستكمال تصويره في ليبيا . وكانت تلك فاتحة علاقة عمل طويلة للعقاد مع العقيد أثمرت لاحقاً فيلمه الأفضل فنيّاً (عمر المختار) عن سيرة أيقونة المقاومة الليبيّة ضد الاستعمار الإيطالي .غضب السعوديون من عناد العقاد ، فمنعوا عرض الفيلم ووجهوا الأنظمة الرجعية العربية لمنعه كذلك . وهو ما وافق الرئيس السادات عليه ، فسحب الأزهر مباركته المكتوبة للفيلم ومنع على إثرها في مصر والمغرب ودول الخليج . إلا أنّه نجا من المنع في لبنان بسبب دعم المجلس الشيعي الأعلى وموسى الصدر شخصيّاً الذي سبق أن بارك سيناريو الفيلم منذ البداية ، وكذلك في الأردن حيث كان الملك حسين صديقاً شخصيّاً للعقاد . وقد دفع السعوديون أبواقهم الصحافية عبر العالم لتشويه الفيلم وإظهار نقاط ضعفه . بل إنّ جريدة «الأهرام» المصرية استبقت العرض بقولها إنّ أنطوني كوين (بطل النسخة الإنكليزيّة من الفيلم) سيلعب دور النّبي . تسبب عرض الفيلم في احتجاجات بين الجاليات المسلمة في الغرب ودعوات لسحبه من العرض توجت بعمليّة اختطاف رهائن في واشنطن قتل فيها شخصان قبل أن ترضخ الأجهزة الأمنيّة لطلبات الخاطفين وتلغي العروض الافتتاحيّة التجاريّة للفيلم عبر الولايات المتحدة ، لكن هذه الحرب على العقّاد وحصار السعوديّة لـ (الرسالة) في العالم الإسلامي ، لم يمنعا الجمهور المسلم من الإقبال على الفيلم ، لا سيّما من خلال أشرطة الفيديو المقرصنة. ووجد فيه كثيرون دعاية جيّدة للفكرة الإسلاميّة ، ورشّح كفيلم وموسيقى الموسيقار " موريس جار" لجائزة الأوسكار.
فيلم(الرسالة) قدّمه العقاد بنسختين: إحداهما للمنطقة العربية التي شارك فيها عدد من الممثلين العرب، كان بينهم عبد الله غيث ومنى واصف وأحمد مرعي ومحمد العربي . وأخرى عُرضت فى الدول الأجنبية بمشاركة الفنان الشهير أنطوني كوين، ، والملاحظ أنه بعد مرور هذا الزمن فان عدداً من عناصر العملين اللذين صورهما «العقاد» باتوا في الدار الأخرى مثل: عبد الله غيث الذي أبدع في تجسيد دور حمزة، وكذلك لاعب الدور نفسه في النسخة العالمية أنطوني كوين، فيما بقيت إيرين باباس (92 عاماً) ومنى واصف (76 عاماً) من لعبتا دوري هاتين النسختين على قيد الحياة . مصطفى العقاد اسم رسـخ في عقول وقلوب الملايـيـن من المسلميـن والعرب حول العالم ، وجسد ذهب ضحيـة إرهاب تجنـّى على ديـن الرسالة ليفرض واقعه الأسود الذي لا يحمل سوى رائحة الموت صاحب الرسالة والمختار قضى سنيّ عمره الأخيـرة باحثاً عن تمويـل مشروعه الجديد حول صلاح الديـن ، ذلك الحلم الذي تم اغتياله مرات ومرات على يد أمراء العرب ووزرائهم ، قبـل أن تمتد يد الغدر له في آخـر عرس حضره مع ابنته، ذلك العرس الذي انقلب إلى عنوان أشهر قصائد لوركا… عرساً للدم . في الحادي عشر من نوفمبر- تشرين الثاني 2005 رحل مصطفى العقاد وفي ذهنه الكثير من المشروعات والأحلام ، بعد أن ظلّ خير شاهد على تخلفنا وعلى خيباتنا وانكساراتنا وهزائمنا، وهو الذي قدّم للغرب الصورة المشرقة عن العرب وعن الإسلام ، فكان خير مدافع بفنه وأعماله السينمائية العظيمة عن هويتنا . وصدق العقاد في روايته لهذا الفصل البائس من معركته مع الجهل والإرهاب في أحد اللقاءات بقوله: " لقد عانيت من المسلمين المتعصبين أكثر مما عانيت من اليهود في هوليوود!! " . وفي الختام ، أقدم لكم هذه المقابلة مع الراحل مصطفى العقاد وهو يتحدث عن فيلم " الرسالة "التي اعتبرها درسا في الاخراج والتمثيل ، واتمنى لكم متعة المشاهدة .
ع. المسعود
رابط الفديو :
https://www.youtube.com/watch?v=BFhGxeUG48Qhttps://www.youtube.com/watch?v=BFhGxeUG48Q
558 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع