علي المسعود
فيلم “التسليم” يفضح رعاية وكالة المخابرات المركزية لبرامج تعذيب باسم الأمن القومي...!!
في الوقت الذي كانت تنكر فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية استخدامها لأساليب التعذيب في استجواب المعتقلين والمشتبه فيهم ، خاصة بعد أحداث 11- من سبتمبر. لكن بعض الأفلام التي أنتجتها الماكينة الهوليوودية فضحت تلك الأساليب منذ مدة طويلة ، قبل أن تقوم وكالة الاستخبارات الأمريكية بإصدار تقرير يتضمن تفاصيل مصورة عن أساليب التعذيب التي انتهجتها ، بما في ذلك التهديد بالانتهاكات الجنسية التي استخدمت ضد المعتقلين، أوالحرمان من النوم، والحبس في مساحات صغيرة والإهانة وعملية محاكاة الغرق المعروفة بـ”الإيهام بالغرق” . على مدار السنوات المنصرمة أنتجت هوليوود عشرات الأفلام التي وُظفت فيها استخدام تلك الأساليب التي اتبعتها وكالة المخابرات المركزية ( سي . أي . أيه ) ، لتعزيز فكرة حق أمريكا في انتهاج كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة في محاربة ما تسمية الإرهاب المحتمل ، كما حدث في فيلم (“زيرو دارك ثلاثون ) ، أو”نصف ساعة بعد منتصف الليل”، 2012، إخراج كاثرين بيجلو، ومن بطولة جيسيكا شاستاين وجيسون كلارك ، كذلك فيلم “غير وارد” عام 2010 ، من بطولة صامويل جاكسون وكاري آن موس ومايكل شين والذي تدور أحداثه في الولايات المتحدة ، ومن الافلام المهمة فيلم “التسليم” في عام 2007 والذي كان من بطولة جيك جيلينهال وريس ويذرسبون وعمر متولي، وتدور قصة الفيلم حول مهندس كيميائي مصري يعيش في أمريكا ومتزوج من أمريكية أثناء عودته من رحلة عمل في جنوب إفريقيا تقوم مجموعة من ال(سي آي إيه) باختطافه من المطار وإرساله إلى أحد سجون السي آي أيه السرية خارج أمريكا (في احد الدول العربية ) ليتم التحقيق معه في قضية تفجير ، يتعرض هذا المهندس لتعذيب وحشي في السجن . هذه القصة السينمائية لم تكن نتيجة لخيال كتاب السيناريو ، بل لها وجود واقعي نعيشه إلى الآن فيما يتعلق بقضية : الحرب على الإرهاب وقوانينه أو بالأصح غياب قوانينه ، وبل وحتى عنوان فيلم( التسليم ) ، هو مصطلح استخباراتي يستخدم الآن ضمن ما يسمى ببرنامج تسليم المطلوبين ، وخلاصة البرنامج أنه لا ضرورة لتسليم المطلوبين رسميا من وإلى بلدانهم ، بل للاستخبارات المركزية الأمريكية والتي لها الحق في تجاوز كل هذه القوانين وتسليمهم واستلامهم بهدوء وبعيدا عن الأنظار حسب بروتوكول استخباراتي وشخصي جدا ، ويشير تعبير “التسليم الاستثنائي”، بحسب تعريف الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إلى “ممارسة غير قانونية لاختطاف مواطنين أجانب لاعتقالهم واستجوابهم” في سجون أمريكية سرية في الخارج ، وهي ما يُعرف باسم “المواقع السوداء”، أو في دول معروفة باستخدام التعذيب حيث يتم استجوابهم لديها . فيلم "التسليم " او الترحيل من أخراج المخرج “جافن هود” (من جنوب إفريقيا ، وقد سبق وأن فاز فيلمه “تسوتسي” بجائزة الأوسكار في عام 2006 عن أفضل فيلم بلغة أجنبية ). وكاتب السيناريو هنا هو( كيلي ساني) ، ومن بطولة الممثلة القديرة ميريل ستريب ، والممثل جيك كالينهال والممثل عمر متولي والامريكية (ريس ويزسبون ) ، وعرض اول مرة عام 2007 . يفتتح الفيلم بمشهد في مدينة في شمال افريقيا ( لم يتم تحديد المدينة أو الدولة ، ولكنها تبدو من بلدان المغرب العربي) حيث تسبب حادث في الساحة الرئيسية في في هذا البلد في تعطل سيارة عميل وكالة المخابرات المركزية دوغلاس فريمان (الذي يلعبه جيك جيلينهال) ، مع عميل آخر لوكالة المخابرات المركزية ديكسون (يلعبه ديفيد فابريزيو) في حركة المرور عندما تنفجر قنبلة تسبب في مقتل عميل وكالة المخابرات المركزية ديكسون بسبب الانفجار مع سقوط العديد من الأشخاص الأبرياء . هذا يجعل دوغلاس بأن يكون المشرف المؤقت لوكالة المخابرات المركزية في المنطقة بديلا عن العميل ديكسون . ومن مكان أخر، ومن عاصمة جنوب افريقيا تنتقل كاميرا مخرج الفيلم الى مشهد توديع المهندس أنور الإبراهيمي (الممثل عمر متولي) ، بعد انتهاء مهمة عمل في جنوب افريقيا وفي طريقه للمطار ، المهندس أنور الإبراهيمي يعيش في مدينة شيكاغو الأمريكية، وهو متزوج من أمريكية (الممثلة ريس ويزسبون)، يتصل بزوجته الحامل في شهورها الاخيرة وهي تلهو مع ابنهم الصغير(جيرمي ) ، ويسالها هل حاولت الاتصال به لانه وجد في هاتفه مكالمة لم يرد عليها ولم يحدد رقم المتصل ، وعند سؤالها عن مكانه ، يخبرها زوجها أنور أنه لازال في كيب تاون وهو في طريقة للمطار للقاء بهم . ويتحدث مع ابنه الصغير الذي يسأله بان لاينسى هديته ـ ومن ثم يرسل تحياته الى أمه التي تعيش معهم . و يخبرها بموعد وصوله شيكاغو في الساعة 7.45 . في الجانب الاخر ، ويقوم دوجلاس بعمل ديكسون في توصيل التقارير الى واشنطن و الى( سي . أي ايه) . وعند الاتصال بالمديرة ” كورين ويتمان ” وتقوم بالدور ( ميريل ستريب) يبلغها بوفاة العميل ديكسن بعملية تفجير أنتحارية ولم تعلن لحد الان اي جهة عن مسؤليتها عن االتفجير، وبتتبع نظام الاتصالات يكون المصري الاصل المهندس أنور الابراهيمي الذي ستبهط طاترته بعد ساعات في شيكاغو هو المشتبه به ، ويوضع في دائرة الشك وعلى أثر هذا الحادث يتم احتجاز الشاب المصري أنور الإبراهيمي وهو يعمل مهندس كيميائي بالولايات المتحدة ، ويحمل بطاقة خضراء ومتزوج من سيدة أمريكية وله طفل منها وهي حامل بطفل آخر ، وتعطى المديرة كورين التفويض في القاء القبض عليه عند نزوله من الطائرة ـ وتقترب منه ضابطة من امن المطار وتساله" هل انت انور الابراهيمي؟ وحين تكون الاجابة بنعم ، تخبره لدينا رسالة طارئة لك ، يفاجئ ويسأل :" وهل الامر يتعلق بزوجتي الحامل”، ولكنه في الحال يغطى راسه بالكيس الاسود وينقل الى منطقة خارج المطار للتحقيق معه ، بعد أن أزيل إسمه من الرحلة ومسح كافة البيانات المتعلقة به ، (حذف بيانات المسافر 16) والذي هو انور الابراهيمي ، وحتى حقيبة السفر تم رفعها ومصادرتها . وتسأل المخابرات المركزية انور عن مواطن مصري اسمه رشيد سليمي أعلن مسؤوليته عن الانفجار الذي حصل في شمال افريقيا وراح ضحيته الدبلوماسي الامريكي . وينكر أنور علاقته بالحادث أو بالمدعو رشيد ، ويؤكد بانه كان على طائرة قادمة من جنوب افريقيا وبعد 16 ساعة طيران وقت الانفجار ، لا بل كان على موعد مع زوجته وعائلته، لكن رجال ال(سي اي ايه) لم يقتنعوا برد أنور الابراهيمي ، ويسأله المحقق عن سجل الاتصالات الواردة الى هاتفه من قبل الارهابي رشيد وهذا كافي لأدانته، ويعود فيسأله المحقق :" هل حاولت صنع قنبلة؟، وهل لك خبرة في تصنيع القنابل؟، المشكلة انك عملت في برنامج حكومي يتعلق بالمتفجرات ؟” ـ يخبرهم بأنه مهندس ويطلب التحدث مع محامي ، ماذا كنت تفعل في كيب تاون؟، يرد: “حضور مؤتمر للمهندسين الكيميائيين ودعيت من قبل مؤسسة استخراج الوقود في جنوب افريقيا” ويتوسل بالاتصال بزوجته لكن المحقق يرفض طلبه بشده . وفي صالة الاستقبال في المطار لاتزال زوجته منتظرة الزوج ويدها بيد الطفل ابنهم في صالة الوصول ، وعندما تسأل موظفي المطار عن اسماء الركاب لاتجد اسم زوجها من ضمن لركاب الطائرة ، في حين توكد جهة المغادرة في كيب تاون عن وجود اسمه ضمن رحلة المغادرة ، وتسال كيف يكون راكب طائرة ومسجل ضمن المغادرين ولايصل الى الجهة الاخرى في رحلة مباشرة ؟. في شمال افريقيا تعلن منظمة جهادية اسمها “الحازم” مسؤوليتها عن التفجير الانتحاري ويطلب دوغلاس بريمان الذي حل محل العميل المقتول رغم عدم قناعة مديرة مكتب ال( سي اي أيه ) كولين ويتمان وتحسبه محلل معلومات وليس أبن أوى وهو المطلوب في تلك الوظائف ، وعندما يخبر ها المحقق ( لي ماير) ويقوم بالدو الممثل القدير ( جي كي سايمون) ، خضعنا المشتبه به أنور الابراهيمي لاختبار كشف الكذب وتبين صدقه ، ماذا نفعل الان؟ لاننا لانستطيع لفترة أطول ، ترد بسرعة ضعة على الطائرة ". يتم ترحيله بعد ذلك إلى الدولة ( العربية ) في شمال أفريقيا التي تم فيها التفجير بأمر من مسؤولة الأمن القومي الأمريكية لأن القوانين الأمريكية لا تسمح باحتجازه لعدم وجود أي دليل يربطه بالحادث ، يتم تعذيب أنور بطريقة بطريقة بشعة للاعتراف بأنه على علاقة بمنفذ التفجير وهو مصري ويدعى رشيد ، ولكن أنور يصر على أنه لا يعرف بينما قد اتصل رشيد بنمرة هاتفه في السابق . عباس الفوال رئيس جهاز الشرطة الذي بقوم بتعذيب أنور الابراهيمي له مشاكله الخاصة ، يقلق على ابنته الكبرى فاطمة (زينب عكاش) التي كانت تتسكع مع خالد (موا خواس) ، شاب فقير وهوفنان وعاطفي وصاحب ابتسامة حزينة ودراجة نارية، وتتحداه ابنته في اصرارها على علاقتها بالشاب خالد ، وهذا الشاب يظهر فيما بعد ارتباطه بجماعة ارهابية و من خلال علاقته بابنة عباس الفوال يسعى للوصول اليه وقتله أنتقاما لقتل الاخير لاخيه ، وتهرب البنت من البيت وتلتحق معه ، ويكشف مشهدأ لهما سوية مشاركتهما في مسيرة لجماعة ( كفاية)، حيث يصدح صوت المغني اللبناني مارسيل خليفة (منتصب القامة أمشي .. مرفوع الهامة امشي)، في هذه الأثناء، تهاجمهم الشرطة وتعتقل أفرادا منهم لكنها تنقذ من أيدي رجال الشرطة ، في نفس الوقت رئيس الشرطة عباسي فوال ويقوم بالدور (إيغال ناؤور) ، يقوم بتعذيب أنور في زنزانة رطبة غامضة ، وفي مكان آخر، ومن اخرى من العالم، تتابع زوجة انور رحلة البحث عن زوجها واين أختفى ، وتسافر الى واشنطن لهذا الغرض، وتطلب مساعدة صديق قديم وهوآلان سميث (بيتر سارسجارد) ، الذي يعمل في طاقم واحد السناتور هوكينز (آلان أركين) ، ويؤكد لها في البداية من خلال اتصالاته بشخصيات لها علاقة بالامر الجميع اكدوا له ان زوجها أنورلم تطأ قدماه ارض المطار ولم يدخل امريكا ، وان الافارقة الجنوبيون قد فعلوا خطأ ما ، لكن زوجة انور ترفق له صورة لبطاقة إئتمان زوجها وفيه يثبت صرف مبلغ مقدار 70 دولار من السوق الحرة في مطار كيب تاون خلال فترة انتظاره اقلاع الطائرة، وكذالك ياصديقي الن ان زوجي انور كان على متن الطائرة ولكن أين أختفى؟، تستمر الزوجة في السعى للكشف عن مكان زوجها ” أنور الابراهيمي”، وهو في الحقيقة معتقل في دولة عربية من دول شمال افريقيا ، ويسلم دوغلاس فريمان رئيس جهاز الشرطة عباس الفوال مجموعة الاسئلة المطلوب اجابتها من قبل المتهم أنور الابراهيمي، ويقبل عباس الفوال ولكن بشرط أن لا يتدخل في التحقيق؟، ويدخل “أنور الابراهيمي في دوامة فنون التعذيب الوحشي الذي يجيده الجلاد العربي المتمثل بعباس الفوال . بعد تجريده من ملابسه والمعتقل الابراهيمي يصرً بان هناك خطأ ، صحيح هو مصري لكنه لا يعرف من هو رشيد سليمي وليس له علاقة به ، وعند اتصال مديرة الاستخبارات كولين ويتمان بالعميل بريمان دوغلاس للاستفسارعن المعلومات التي حصلوها من أنور الابراهيمي، يخبرها فريمان بانه غير متعاون ، ولا اعتقد لديه معلومات تساعدهم وهذه تجربته الاولى في المشاركة التعذيب ، ترد عليه كولين بعنف ، امريكا لا تعذب ّ؟؟ ، وكما يأتي علي لسان مسؤولة المخابرات التي تجسد دورها وبأقتدار كبير الممثلة" ميريل ستريب" فإن أمريكا لا تعذب أحدا ولكنها تهتم فقط بالمعلومات ، ولكنها لا يعنيها كيف استخرجت الأنظمة المتعاونة هذه المعلومات من الأشخاص الذي تخلت عنهم أمريكا سواء كانوا مواطنين يحملون جنسيتها أم لا ، هنا تأخذ فكرة التخلي معني أكثر تجريدية وشمولا فهو ليس تخلي الإدارة الأمريكية فقط عن بعض ممن يحملون جنسيتها في مقابل حماية أمنها القومي ، ولكنه تخليها عن مبادئ الديمقراطية والعدالة والحرية الإنسانية التي تنادي بها وتعتبر نفسها قبلتها في العالم أجمع . وللمفارقة تحت وطات التعذيب يعطي أنور ألابراهيمي اسماء وهمية لاعضاء التظيم الارهابي (الحازم) ، وحين يبحث دوغلاس في محرك البحث في ألانترنيت عن الاسماء التي حصل عليها ، يكتشف إنهم اعضاء فريق منتخب مصر بكرة القدم المشارك في عام 1990 وهو العام الذي سافر فيه أنور من مصر واستقر في الولايات المتحدة الامريكية ، بعد تعذيب أنور الابراهيمي يعترف أيضاً أنه شارك مع مجموعة في عملية التفجير وقد تلقى منهم مبلغ 40.000 دولار ، يشعر رئيس الشرطة عباس الفوال بالانتصار ويتحدى فريمان ، ولكن المراقب دوغلاس فريمان لا يقتنع بنتائج التحقيق ذلك لأن أنور كان دخله يزيد عن 200000 دولار ، وليس من المعقول أن يضحى بحياته وزوجته وابنه مقابل هذا المبلغ الصغير . تنجح زوجة انور الابراهيمي وصديقها "ألن سميث " في الوصول الى مفتاح حل لغز أختفاء الزوج وهي المرأة الحديدية كولين ويتمان ، وعند الاتصال تتهرب منهم بعد معرفتها سبب الاتصال وهو مصير انور الابراهيمي ، و يشرح الان لزوجة انور الحالة بان وكالة (سي أي ايه) تسميه ترحيل استثنائي ، والذي بدا في عهد الرئيس الامريكي بيل كلينتون ، حين أرادت الوكالة أن تكون قادرة على ترحيل الاشخاص المشتبه بهم بالارهاب بدون الحاجة الى التطبيق الرسمي لتسليم المتهم الى حكومته . من المفترض أن يستعمل هذأ الترحيل فقط في الظروف الاستثنائية ، لكن بعد احداث التاسع من سبتمبر جرى تطبيقه بشكل كبير ، أساسا تخول الحكومة حجز وترحيل اي شخص يشتبه في تورطه في الارهاب في سجون سرية خارج الولايات المتحدة ، تقاطعه الزوجة ” الن ، لكن زوجي أنور ليس ارهابي !!، وليس له علاقة بالتطرف ، وهو اساسا يدرب فريق كرة القدم الخاص بأبني جيرمي وبالاضافة الى ذالك ، هو لم يقدم على طلب الجنسية هو يملك البطاقة الخضراء ويدفع الضرائب “، وفي أحدى اللقاءات الرسمية ، يلتقي الصديق ألان بكولين ويتمان وعند سؤالها عن أنور الابراهيمي ، تنكر معرفتها بهذا الاسم وليس لها صلة به ، ويدخل معها بجدل بخصوص حرية المواطن التي ينصها الدستور ، وبسبب هذا النقاش يتعرض الن الى سخط ولوم من السيناتور على تدخله في عمل وكالة الاستخبارات الامريكية ويطلب منه ترك القضية، وعند لقائه بزوجة انور الابراهيمي ثانية، يعتذر عن ابداء المساعدة ويقترح عليها الاتصال بمحامي لوجود دليل على اتصال زوجها بمنظمة ارهابية يطلق عليها الحازم ، ويعتذر منها بالاستمرار في تلك القضية ، وليس لدية شئ يقدمه من لأجلها ، لكنها لاتيأس، وفي أحدى المرات تفاجئ زوجة المعتقل انور السيدة كولين ويتمان قبل موعد اجتماعها بالسيناتور وتقدم لها نفسها ” أنا إيزابيلا الابراهيمي ، زوجة أنور الابراهيمي ، رجاءا فقط اخبريني أين زوجي؟” ، ترد كولين ” ليس لدي معلومات عن زوجك مدام ابراهيمي”، سيدتي لدينا ابننا عمره 6 سنوات ماذا اخبره عن محنة ابيه؟، وتصرخ منفعلة بوجه كولين “زوجي عندك”، وفي الختام ، يقرر دوغلاس تهريب أنور الابراهيمي من السجن باطلاق سراحة وعلى مسؤؤليته مستغلا انشغال رئيس الشرطة عباس الفوال في البحث عن ابنته الهاربة لقناعته ببراءته وليس له اي علاقة بالارهاب . وفي قصة موازية ، فاطمة ابنة عباس فوال (زينب عكاش) تهرب مع صديقها خالد (موا خواس)، وعلمت فاطمة أن خالد ينتمي إلى جماعة إرهابية ، حين تكتشف دفترًا به صوراً خالد وأخوه يلوحان ببنادق كلاشينكوف ؛ خالد في حزن يقف على جثة أخيه. و يتبين أن خالد سينتقم لأخيه ، وبعد أن أدركت أن والدها المسؤول عن مقتل شقيق خالد وهوعلى وشك أن يغتاله خالد وينفذ الهجوم الانتحاري، ركضت إلى ساحة البلدة وتواجه خالد الذي يتردد ، ولكنه يقتل على يد منظمي الهجوم ، وينفجر الحزام الناسف وتقتل فاطمة في الانفجار ـ يندفع عباسي إلى شقة خالد ويكتشف أن جدة خالد حزينة على فقدان أحفادها . يدرك عباسي أن ابنته ماتت وهي تحاول حمايته ، يتضح بعد ذلك أن الفوالي هو المستهدف من التفجير ، وأن خالد صديق ابنته فاطمة هو من قام بالتفجير ، وقد استغل فاطمة ليعرف مكان والدها لينتقم منه لأنه عذب أخيه حتى الموت ، وقد ماتت فاطمة في التفجير ولكن والدها لم يعلم بالخبر سوى بعد مرور أسبوع ، هذا هو نفسير المشهج الافتتاحي للفيلم وهو مشهد الانفجار ، أما مصير انور الابراهميمي بمساعدة دوغلاس فريمان الذي ينجح في فضح العملية ونشرها في الواشنطون بوست بعد اتصاله برئيس التحرير الذي ينشر الخبر باطلاق سراح رجل برئ تم ترحليه وتعذيبة باشراف الاستخبارات الامريكية. ويقوم فريمان بتحرير أنور ومنحه أوراقه للعودة إلى الولايات المتحدة عن طريق أسبانيا ، ثم يتصل بجريدة الواشنطن بوست وينشر قصة أنور بها مما يضع مستشارة الأمن القومي في موقف حرج ، وفي مشهد الختام يصل انور الابراهيمي الى بيته ويجد ابنه يلعب بكرة القدم امام يهرع اليه ، وتخرج زوجته حاملة مولودها الجديد وتفاجئ به .
بعد عرض الفيلم الأمريكي “التسليم ” في أكثر من دولة ، صدر تحذير من المراسل البريطاني الشهير روبرت فيسك في مقال له بعنوان “تحذير”: هذا الفيلم قد يغضبك يتساءل فيه عما إذا كان الفيلم يمثل موجة جديدة من أفلام هوليوود ، خاصة بعد ظهور أفلام تتناول حقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط مثل “سيريانا” و”ميونيخ “، التي تتناول أثر سياسات الولايات المتحدة الخارجية على هذه المنطقة من العالم ، يطرح فيسك -المراسل الخاص لجريدة إندبندنت البريطانية بمنطقة الشرق الأوسط- في مقاله تساؤلاً و هو : “هل يمكن أن يكون الواقع أكثر غرابة من خيال السينمائيين خاصة في هذه القضية؟ ، ربما هناك اوجه شبه بين قصة الفيلم وقصة حقيقية لمواطن ألماني من أصل لبناني اسمه خالد المصري ، اختطفته عناصر تابعة للسي أي إيه من مقدونيا، في يوغوسلافيا السابقة، حيث كان في إجازة، ومن ثم شحنته سراً إلى بغداد ، وبعدها لأحد المعتقلات السرية للسي أي إيه في كابول، السجن السري المذكور أسمه “حفرة الملح” حيث قضى خالد المصري، خمسة أشهر تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب، منها الاغتصاب، كما قال في الصحف الأمريكية لاحقاً ، وعندما اكتشفت ال(سي أي إيه )متأخرة أن خالد المصري الذي اختطفته واعتقلته وعذبته أشهراً هو غير خالد الشيخ الذي تبحث عنه ، لم تعرف ماذا تفعل ، فأفرجت عن خالد المصري الألماني-اللبناني على طريق مهجور في دولة “ألبانيا”، بلا مال، وبثياب رثة، فاعتقله الألبان لشكهم أنه “إرهابي”. وعندما تمكن في النهاية من العودة إلى منزله في ألمانيا ، وجد أن زوجته قد أخذت الأولاد وذهبت لبيت أهلها في لبنان ، لأنها اعتقدت أنه هجرهم! ، وعندما حاول رفع قضية في المحاكم الأمريكية ضد السي أي إيه لاختطافه واعتقاله وتعذيبه ، منع من دخول الولايات المتحدة وهو ومحاميه الألماني ، وأعيد إلى ألمانيا، لأن اسمه لا يزال على لائحة الإرهاب”!! وكل ما سبق تفاصيل حقيقية نقلتها وسائل الإعلام .
وتعليقا على الفيلم الامريكي ( التسليم) ، قال الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وهو أكبر منظمة حقوقية أمريكية، ” رغم أن التسليم هو مجرد فيلم ، فإن ممارسة التسليم الاستثنائي أمر حقيقي “، وأضاف الاتحاد “أن الحكومة الأمريكية قامت، باسم الأمن القومي، برعاية “برامج تعذيب” تتجاوز حدود القانون ، وتهدد القيم الأمريكية”. ويشير تعبير “التسليم الاستثنائي”، بحسب تعريف الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إلى “ممارسة غير قانونية لاختطاف مواطنين أجانب لاعتقالهم واستجوابهم” في سجون أمريكية سرية في الخارج، وهي ما يُعرف باسم “المواقع السوداء”، أو في دول معروفة باستخدام التعذيب حيث يتم استجوابهم لديها . يُشار إلى أن الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية قد تقدم بدعويين ضد الحكومة الأمريكية وشركة الطيران التي يسرت رحلات التسليم التي قامت بها وكالة المخابرات المركزية للمشتبهين بالإرهاب. والقضية الأولى مرفوعة من خالد المصري ضد جورج تينيت، المدير السابق للسي آي إيه، والثانية مرفوعة بالنيابة عن خمسة من ضحايا برنامج عمليات التسليم ضد شركة جيبيسين داتابلان، وهي فرع لشركة طيران بوينج الأمريكية العملاقة، بسبب تورط الشركة في برنامج “التسليم الاستثنائي”، لكن الحكومة الأمريكية طالبت برفض الدعوى ضد شركة جيبسين داتابلان، متذرعة بوجود “أسرار خاصة بالدولة” وراء القضية . تنوعت الآراء حول الفيلم عند عرضه في الولايات المتحدة ، في حين ذكر الناقد أندريا تشانس أنه يتناول موضوعا يستحق البحث والمناقشة، قارن الناقد ويلي وافلي بين الفيلم وأمثاله من الأفلام السياسية التي تناولت الممارسات الأمريكية ضد الإرهاب مثل بابل وسيريانا وقال:” أراد صناع الفيلم أن يكون سياسيا قويا لكنه جاء صادما بشكل أكبر”. الفيلم من إخراج الجنوبي الإفريقي “غافين هود”، ظهر لأول مرة على نطاق واسع مع فيلم “تسوتسي” وحاز فيه على جائزة الاوسكارلأفضل فيلم بلغة أجنبية . فيلم” التسليم ” من بطولة ريس ويذرسبون الحائزة على جائزة الأوسكار، و”جايك جيلينهال”. وفي أولي بطولاته السينمائية يقف الممثل الأمريكي عمر متولي ، ليجسد دور المهندس المصري أنور الابراهيمي الذي تختطفه عناصر متواطئة مع رجال ال( سي . أي . أيه) ، وتعرضه لعمليات تعذيب جسدي ونفسي صارخة تنتهي بانتزاع اعترافات كاذبة منه بتورطه في صنع قنابل مستخدمة في عمليات إرهابية ضد الأمن القومي الأمريكي ، عمر متولي (٢٨ عاما) وهو من أب مصري تزوج هولندية، وقد ولد عمر في الولايات المتحدة . وقد لفتت موهبة عمر أنظارالنقاد الذين أشادوا به وتوقعوا أن يكون له شأن بين ممثلي هوليوود ، لا سيما وقد قدم دورا مناسبا لملامحه العربية وأصوله المصرية ، وهي فرصة قلما تكررت في هوليوود طوال تاريخها، حيث كان يجري غالبا الاستعانة بممثلين ذوي بشرة وشعر داكنين، بغض النظر عن أصولهم ولهجاتهم التي غالبا ما كانت تأتي مشوهة وخليطا من لهجات عربية مختلفة ، عمر متولي بدأ التمثيل وعمره ١٢ عاما في المسرح، قدم مسرحية ثم أخرج مسرحيتين صغيرتين عرضتا علي مسرح برودواي وحققتا نجاحا معقولا ، وكانت بدايته السينمائية حين اختاره المخرج ستيفن سبيلبيرج ليشارك في فيلمه (ميونيخ) ، قدم فيلم «التسليم» واستطاع أن ينافس بأدائه المميز لشخصية أنور الإبراهيمي زميليه ريس ويذرسبون وجاك جالينهال . في الختام ، فيلم التسليم” معالجته بطريقة رغم أنها ليست محايدة قد لا تصدمك عندما تعلم أن صانعي الأفلام يعارضون التعذيب والاختطاف والانتهاكات الأخرى – ومع ذلك يحاول أن يكون منصفًا ومدروسً، بغض النظر ، النتيجة فأنه فيلم يدور ظاهريًا عن السياسة الأمريكية ويكشف عن المخاطر الأخلاقية للتسليم والتعذيب والسرية ، ولكنه يختتم بفيلم يحمل سمة أخلاقية ، و يشير الى حقيقة وهي ” أن العنف يولد العنف في الشرق الأوسط ” ، إنها نقطة لصالح فكرة الفيلم واهدافه .
1007 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع