حسن ميسر صالح الأمين
(لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية - نزار قباني رحمه الله).
تتذكرون جيدًا كم كانت لنا مناشدات ومقالات منشورة طالبنا فيها بتأسيس التجمع الثقافي الموصلي وان يضم تحت عنوانه جميع المجالس والتجمعات والمراكز التي تشكلت بعد فاجعة الموصل في احتلالها من الدواعش الانجاس وما ألمّ بها في تحريرها، ليكون للموصل واجهة ثقافية وادبية ناصعة يصدر منها القرار الوجيه والتوجيه القويم... والخ ولتفرض احترامها من خلال تماسكها ووحدة عناوينها ولتكون كلمتها هي الفصل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالموصل وأهلها، وتتذكرون ايضًا عندما تصدينا وبقوة نحن العبد الفقير المتكلم مع مجموعة خيرة مباركة من عناوين الموصل وكبار شخصياتها، للحيلولة دون ان يكبر الشرخ الموصلي الذي حصل آنذاك ويتسع نفوذه ويكبر مداه، وكنا قد توقعنا مسبقًا فاتفقنا في حينها جميعًا ان لا نلتفت للأقوال المسيئة وكل ما يثبط عزيمتنا واصرارنا فسكتنا عن الاساءة وقبلنا غض الطرف وتحملنا قسوة الكلام من الكثير من الذين كنا نظنهم من الأخيار وبانت حقيقتهم... كل ذلك كان لغرض تحقيق الغاية والهدف المنشود في راب الصدع واعادة اللحمة الموصلية لما كانت عليه من تماسك وتآزر وتعاضد، تلك الصفات الحميدة التي لازلنا وسنبقى نتباهى بها وكذا الغالبية منكم ينشدها ويسعى لتحقيقها، كتب لمسعانا الفشل حينئذ في الموصل نتيجة تعنت البعض، وكتب لنا الأجر والثواب في مسعانا عن ذلك في السماء، ومن بعدها اتسع الشرخ وحدث الانقسام وتفرق القوم وغدوا كغثاء السيل ففقدنا الهيبة في القول والمهابة في الفعل، فلا احترام ولا تقدير ولا كلام مسموع ولا ذكر للبعض محمود وبقيت الموصل تنزف جراحها وتئن تحت قسوة الظروف وقساوة البعض من رجالاتها، وكل حزب بتجمعه فرحون دون النظر الى الموصل وقدسيتها وحتى اخلاقيات البعض تغيرت وشابها الكثير من عدم القبول المطلق بها وللأسف.
واليوم وعلى مدى اكثر من اسبوع وانا اتابع ما يجري من سجالات ونقاشات محتدمة بين فريقين او اكثر حول اعمار جامع النوري ومنارته الحدباء، اود الاختصار في التشخيص بالنقاط التالية:
اولًا: فريق مع الأعمار مقابل اي ثمن، هذا الفريق وجد نفسه مضطرًا للتنازل عن حق الموصل التاريخي والتغافل عن قدرة مهندسيها ومؤرخيها ورجالات التراث فيها نزولًا إلى ابسط عنوان فيهم من عمال مهرة وفنيين بارعين، عندما وافق ان يعمرها غريب ويدخل تاريخها غريب واعلن نهارًا جهارًا ذلك بدافع قوي ومتين هو حب الموصل وحب التعجيل في اعمارها لاغير بعد ان طال الانتظار ولا بصيص امل في الاعمار القريب من قبل الحكومة، اشاركهم الهم ومرارة الصبر وحسرة الانتظار ولست في موضع شك بوطنيتهم واخلاصهم مطلقًا.
ثانيًا: فريق قاتل واستقتل دفاعًا عن حق الموصل التاريخي والهندسي والمعنوي، وأخذ على عاتقة نشر الحقائق محاولًا وبكل جدية واخلاص وصدق إنصاف الموصل واهلها ورد حقها وحقوقها، وهم اصحاب حق واضح وجلي حسب كل الشرائع السماوية والدنيوية والعرفية والعشائرية وغيرها، قوبل هذا الفريق من بعض المتهكمين... بكم هائل من الاتهامات الباطلة والكلام الجارح والأحاديث المسيئة والمدعمة بالحقائق المزيفة وللأسف الشديد، لا حبًا بالموصل كما يدعون ولا في إعمارها كما يقولون ولكن دحضًا لكل الحقائق وطمسًا لدور مدينة بنت تاريخها بثبات وعلمّت غيرها الكثير، متناسين قول رسولنا الكريم (الفتنة نائمة ... لعن الله من ايقظها - حديث نبوي).
ثالثًا: على ضوء الحاصل من مهاترات واتهامات متبادلة بين الجسد الواحد ولمّا تزل ، انبرى كل تجمع ومجلس ومركز وتشكيل وعناوين متفرقة في غايتها ومختلفة في آراءها... ليسحب هذا لفريقه وهذا لفريقه فانعقد في المجلس الفلاني تجمع مؤيد وانعقد في مكان اخر تجمع معارض وفي ثالث تجمع يوضح آلية العمل التي اتبعتها اليونسكو وهي حقائق مُرةً علقمًا من ألِفها الى الياء، ورابع لا يفقه من الأمر شيئًا ولا يمت للموضوع بصلة لا من قريب ولا من بعيد، يدّعي الفهم والخبرة والدراية.
وعلى ضوء ما تقدم من حقائق اقول ان القول الفصل في هذا الموضوع يعود كليًا للمهندس الموصلي المعماري وللهندسة المعمارية حصرًا وهي اعلى مراتب دراسة الهندسة من حيث درجات القبول فيها، ولا احد سواهم من المهندسين (المدني والكهرباء والميكانيك والري والحاسبات والتقنيات وغيرها)، ويفترض بالمهندس الموصلي المعماري وحسب منهاج دراسته ان يربط التاريخ وحيثياته في فكرة التصميم وان يستعين بخبراء التاريخ والآثار وبكبار القوم للاستيضاح حول بعض الامور المبهمة ليكون التصميم ناجحًا ومقبولًا، اي ان المعماري والآثاري حالة واحدة متماثلة في هكذا أمر، وفي هذا أود بيان وتوجيه التساؤلات التالية:
1- المنحة السخية التي تبرعت بها دولة الإمارات مشكورة لاعمار الجامع ومرافقه، لم تشترط من تكون الجهة المصممة او المنفذه وهي منحة لا عودة فيها او الغاء كما يدعي البعض من المتلهفين.
2- ارتكبت اليونسكو خطأ جسيما عندما اعلنت عن المسابقة دوليًا من اول مرحلة، وكان يفترض ان تكون المسابقة عراقية صرفة وان يكون (50%) من التصاميم المقدمة هي للمكاتب الاستشارية والهندسية المعمارية العاملة في الموصل حصرًا، وعندها لا ضير في فوز احد حيث ستظهر الحقائق وينعكس دور هذه المكاتب في الفوز من عدمه.
3- من وافق ومن أرتضى ولماذا لم يرفض عندما قررت وارتكبت لجنة التحكيم خطأ كبيرًا ثان عندما اقتصر الحضور الموصلي على شخصين فقط من مهندسيها الافاضل، وكان يفترض ان يكون (50%) من اعضاء لجنة التحكيم هم من المهندسين المعماريين في الموصل ومن اساتذة التاريخ والآثار من ذوي الخبرة والاختصاص بعدد لا يقل عن (10) وعلى ان يكون حضور المكتب الاستشاري لجامعة الموصل والمعهد الفني وكذلك الشعبة المعمارية في نقابة المهندسين الزاميًا.
4- هل نسي البعض او تناسى عمدًا ان المهندسون العراقيون قد عمروا العراق باكمله وخلال سنتين من وقف العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991، وان للمهندس العراقي سمعته وطيب ذكره على لسان رؤساء دول وحكومات ووزراء في دول العالم كافة والعربية خاصة.
5- هل يعلم ام تناسى البعض ان هناك تصاميم معمارية كاملة ومتكاملة معدة من ثمانينات القرن الماضي لاعمار وتطوير المنطقة القديمة بدءً من راس الجسر القديم (العتيق) وحتى الجامع النوري وما حوله، لاتزال مركونة في رفوف الهندسة المعمارية حيث حالت ظروف البلد آنذاك دون التنفيذ.
6- كنت اتمنى صادقًا ان نجعل من محنة الموصل ودمارها منحة لها من خلال انشاء سوق كبير على غرار ماحول مرقد الكاظم في بغداد وكذلك سوق الحميدية في دمشق وسوق برج حمود في بيروت وغيرها يطلق عليه (سوق نور الدين الزنكي او سوق الزنكي) يمتد من الاستدارة من شارع السرجخانة وصولًا الى شارع الفاروق، يحتوي على آلاف المحالات يمينًا ويسارًا ويتوسط السوق مأذنة الحدباء والجامع النوري بمداخل عديدة من كل اتجاه، وليكون مكملًا لباقي المحلات في السرجخانة وغيرها، واستحقاق تاريخي وأرثًا موصليا سيضاف الى قائمة موجوداتها.
7- سؤال للجميع، ماهو الفرق ان كان المكتب الفائز في التصميم مصريًا او ايطاليًا او فرنسيًا او امريكيًا من حيث الحفاظ على هوية المُدمر التاريخية المراد اعماره، ولا ضير في دخول الشركات من اي دولة ان كان العمل لتشييد مبنى جديد.
8- سؤالي الاخير، تطرق البعض ان مكتب استشاريًا موصليًا سيكون مشاركًا للمكتب المصري الفائز في معرض دفاعه في التأييد، وحيث لا ضير مطلقًا ان كان الأمر معكوسًا، اما ان يعمل المعماري الموصلي او غيره تحت إمرة وقيادة وتوجيه جهة اجنبية وخارجية ايا كانت في اعمار مدينته ومبانيها المدمرة فهذا لا يقبله المنطق كليًا ولا يمكن القبول به، علمًا انه ومنذ الانتهاء من انشاء سد الموصل عام 1986، صدرت توجيهات بأن يكون تصميم وتنفيذ اي مشروع من قبل الكوادر العراقية حصرًا مع الاستعانة بالخبرات الأجنبية والعمالة من شتى بقاع الأرض وهذا ما جرى تطبيقه في انشاء سد بادوش (سنحاريب) المتوقف حاليًا وغيره الكثير من الشواهد التي تم استكمالها (جسر ذو الطابقين في بغداد وبرج المأمون وبرج الزوراء والقائمة تطول ولا مجال لذكر المزيد).
9- مكررًا القول ان الأمر الفصل بيد ذوي الاختصاص والتخصص من المعماريون والآثاريون فيما يكتنزون من علم ودراية، واوجه كلامي لآولئك الذين عثروا على مبتغاهم وماكانوا ينشدون فاتخذوا من الموضوع مادة لهم وبدأوا ينشرون مؤيدين لهذا الفريق وذاك، واقول لهم ولكل من سار على شاكلتهم، ما قاله شاعرنا السوري (حسام الدين جلول) والذي ينطبق كليًا على واقعنا الحالي عندما انشد (ما عاد في هذه الديار تخصصٌ - هذا لعمري مخجلٌ ومعيب) والتكملة كما في الصورة المرفقة.
10- السادة الكرام: في الختام ولغرض أنهاء الجدال المحتدم حول الموضوع وليكون منتجًا لا عقيمًا بعد ان اصبح الأمر واقعًا مفروضًا بسلبه وايجابه، وكما اسلفت ان القول الفصل في هذا هو للهندسة المعمارية ولرجالات التراث والآثار وهي امانة في اعناقهم الى ان يرث الله الأرض ومن عليها... اقترح التالي عسى ان يلقى اقتراحي المتواضع آذانا صاغية ويدخل حيز التنفيذ خلال ايام قلائل لنطوي صفحة اخرى من صفحات الاختلاف وعدم التوحد في الشان الموصلي والله المستعان، والاقتراح هو:
(((ان يقوم المكتب الاستشاري في جامعة الموصل والمكتب الاستشاري للمعهد الفني ونقابة المهندسين في الموصل وكلٌ من الأساتذة الأجلاء (الاستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة والاستاذ الدكتور جزيل الجومرد، الآثاري الموصلي الكبير جنيد الفخري) وكل من يرشحوه للانضمام اليهم مع اساتذة الهندسة المعمارية في جامعة الموصل وممثل اليونسكو (الاستاذ راكان العلاف) وعضو لجنة التحكيم الدكتور (احمد يوسف العمري) وبحضور عدد من المكاتب والشركات الهندسية الرصينة (يتم اختيارهم ودعوتهم من قبل نقابة المهندسين) دون السماح او توجيه دعوة شرفية لحضور اي شخصية بعيدة عن هذه العناوين ولا تمت للتخصص بصلة... بعقد اجتماع موسع في احدى قاعات جامعة الموصل او في قاعة نقابة المهندسين حصريًا (بعيدًا عن المجالس والمراكز والتجمعات التي لا تسمن ولا تغن من جوع) لمناقشه الموضوع من كافة الجوانب ومن ثم إصدار بيان رسمي تحريري مكتوب وموّقع من الجميع، ينشر في كافة الوسائل المتاحة من قنوات تلفزيونية وصحف ومجلات ووسائل تواصل اجتماعي وغيرها، يوضح البيان بكل اسهاب وتفصيل الراي الهندسي والمعماري والآثاري ويعلن نهارًا جهارًا الموافقة من عدمها، ليُسجل ذلك في سفر تاريخ الموصل الخالد الذي لم يك يومًا وسوف لن يكون رحيمًا لمن اساء او غافلًا في مدح من خدم وقدم والله من وراء القصد))).
اكرر الاعتذار عن الاطالة واطمع في الاستئناس برايكم السديد فيما طرحت وتقبلوا وافر الاحترام والتقدير.
حسن ميسر صالح الأمين
25-4-2021
* لمتابعة التعليقات على اصل المقال على الرابط ادناه :
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10224785459165023&id=1269245661
291 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع