جبار عگار وأغنية (ياعين موليتين) وسميرة توفيق*
جرت العادة على أن يكلف أحد كبار موظفي المؤسسة بالعمل كمدير مناوب أيام الجمع والعطل الرسمية.
وذات جمعة وكنت مكلفاً بتلك المهمة شاءت الظروف أن يكون أول من يتصل بي من المسؤولين الرئيس أحمد حسن البكر نفسه، سألني: من؟
قلت: إبراهيم.
قال: ( اسمع ابني إبراهيم لا تخلوا جبار عگار يغني بعد بالإذاعة، ما يعرف يغني على الربابة). وأغلق السماعة.
وجبار عگار هو صاحب أعذب صوت عرفه الغناء البدوي على الربابة وهو وريث والده النجم الشهير في الغناء على الربابة (سعيد عگار). لم يفكر الرئيس في مصير المسكين ولا في أسرته، وكانت الإذاعة مورد رزقه الوحيد.
وجبار عگار هو أحد منافسي الملا ضيف الجبوري الذي يعشق الرئيس غناءه بلا حدود. وقد توقعت أن يكون الملا ضيف نفسه هو المحرض الخفي على
منع منافسه العتيد جبار عگار أعذب وأرق وأجمل صوت شعبي عراقي ورثه عن والده الشهير سعيد عگارصاحب الصوت الأكثر جودة ونقاوة والأكثر تمكنا من الربابة.
جلست أفكر لأجد الحل. وكنت أعمل في تلك الأيام رئيساً لقسم الموسيقى إضافة إلى رئاسة قسم المذيعين. طلبت جبار عگار وصارحته بما حدث فأصابه الهلع. قلت له: لا تقلق، سأجد لك طريقاً آخر تعيش منه. وسألته: هل تستطيع أن تغني مع الفرقة الموسيقية بدل الربابة؟ قال: لم أجرب، ولم أتعود على مصاحبة الإيقاع والآلات الموسيقية الأخرى غير الربابة.
رجوت أحمد الخليل (الملحن والمطرب الكبير وكان رئيس لجنة فحص الألحان والأصوات) أن يتفرغ له، وأوعزت للفرقة الموسيقية بالتفرغ لحين تطويعه لقواعد الموسيقى وقيودها وإيقاعاتها وتعويده على الغناء الموقع النظامي. وبالفعل تمكن في النهاية من تسجيل أربع أغانٍ لا باس بها، إحداها (يا عين موليتين) التي شاعت بسرعة وانتشرت بشكل واسع وغير متوقع. ومن يومها تحول جبار عگار إلى نجم لامع تطلب الجماهير أغانيه ضمن برنامج (ما يطلبه المستمعون). وحين طلبت وزارة إعلام الإمارات في عام 1971 مشاركة فنانين عراقيين في احتفالات تأسيس الدولة، كان جبار عگار أحد الموفدين، فاكتسح الجميع، ووجد تكريماً من الحكام والمواطنين في الإمارات لم يحصل عليه سواه.
وفي عام 1972 زارت بغداد المغنية اللبنانية سميرة توفيق فأحبها الرئيس أحمد حسن البكر ظنا منه بأنها بدوية، فأوعز لوزير الإعلام آنذاك شفيق الكمالي بأن تقوم الإذاعة بتكليف سميرة توفيق بتسجيل عدد من الأغاني العراقية بصوتها.
وكانت أغنية ياعين موليتين إحدى تلك الإغاني بعد استئذان جبار عگار نفسه. وللعلم أيضا أم جبار عگار لم يكن أول من غنى هذه الأغنية بل سبقته صديقة الملايا ووالد جبار عگار وكثيرون آخرون. والحقيقة أن الأغنية تراث عراقي قديم لا يعرف مؤلفها ولا ملحنها، وقبل جسر الحديد العراقي (الصرافية) الذي يظن كثيرون أنه كان هو المقصود في الأغنية. وقد انتشرت الأغنية كثيرا خارج العراق ويجهل أغلب المشتغلين العرب بالغناء والموسيقي أصلها، ويظنون أنها أردنية، أو لبنانية أو سورية، ويخطيء آخرون باعتبارها إنية حديثة لحنت خصيصا لسميرة توفيق.
*من كتاب دولة الإذاعة – إبراهيم الزبيدي ( دار الحكمة – لندن 2002)
769 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع