اللواء فوزي البرزنجي
٤-أحداث خلفية وقعت خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية
1. المقدمة
أ. سبق إن كتبنا مقال بعنوان (معارك مُحَمَدْ رَسُولُ الله في قاطع الفيلق الاول في السليمانية - القسم الثالث) ونشر في مجلة الكاردينيا الثقافية الغراء بتأريخ 19 تموز 2013 ، الراغبين الإطلاع على المقال مراجعة الرابط أدناه .
https://www.algardenia.com/maqalat/31978-2017-09-
ب. دَرَسَنا في مادة التأريخ العسكري أستاذ التأريخ المرحوم العقيد الركن إدريس إبراهيم في الكلية العسكرية سنة ( 1964 – 1966 ) خلال الحرب العالميتين الأولى والثانية عندما يشتد وطيس المعارك ويتكبد الطرفين المتحاربين خسائر بشرية كثيرة من حق القادة الميدانيين أن يعقدو هدنه مؤقتة يلتزم بها الطرفيين لأخلاء الجرحى وجثامين القتلى .
ج . خلال سنوات الحرب (العراقية – الإيرانية ) حدثت معارك كثيرة على طول خط الحدود العراقية الإيرانية البالغة 1200 كيلومتر و أعطى الجيش العراقي الباسل تضحيات كثيرة ، لكن لظروف المعارك السريعة والصعبة ، كثير من جثامين الشهداء بقت في الأرض المعركة لم يتم إخلائها حتى بعد توقف المعارك و إستقرار الموقف بسبب عدم إصدار تعليمات الى القيادات الميدانية لعقد إتفاق هدنة مؤقتة مع قيادات الجانب الأخر لإخلاء جثامين القتلى من الطرفين .
د. مقالنا هذا يتعلق بحدث في غاية الأهمية ألا وهو إخلاء جثامين شهداء الجيش العراقي الباسل الذين ضحو بأرواحهم دفاعاً عن أرض العراق من الأرض الحرام من داخل الأراضي الإيرانية ، حدث لمرة واحدة فقط من قبل تشكيل لواء المشاة التاسع عشر في قاطع لسان ميشاف في السليمانية في هذه المعركة .
2. طبوغرافية حوض بنجوين ولسان ميشاف
أ. يتشكل مضيق(بنجوين) من وادي ضيق محصور بين سلسلتين جبليتين
من جهة اليمين السلسلة الجبلية المشهورة قمتها بإسم ( قمة قايه ) ومن جهة
اليسار السلسلة الجبلية المشهورة قمتها بإسم ( قمة هرزله ) طول المضيق أكثر ممن 8 كليومتر ، يكون مسار الروبار في اليمين جهة سلسلة قاية ومسار الطريق في اليسارجهة سلسة هرزلة ، شمال سلسلة قمة قايه توجد سلسلة جبلية تبدأ من الحدود (الإيرانية - العراقية )من جهة الشرق وتتجه نحو الغرب تنتهي بالطريق العام ( سيد صادق – بنجوين) تسمى (جبل حديد) ويشرف جبل حديد على مدينة وحوض بنجوين .
ب. يشكل حوض بنجوين سَهْلاً مُنْبَسِطاً نسبياً وواسع وتتواجد فيه عوارض جبلية متعددة كلما إتجهنا نحو الشمال والشمال الشرقي حيث مدينة (كرمك ) وشرق المدينة منطقة لسان(ميشاف) ويسميه البعض(منقارالبط ) ويبلغ عمقه 33 كيلومتراً ، على شكل نتوء داخل الأراضي الإيرانية على كتفه الأيمن مرتفعات جبلية يبلغ إرتفاع أعلى قمة فيها 2155 متر وعلى كتفه الأيسر مرتفعات جبلية شاهقة أكثر إرتفاعاً من الكتف الأيمن يبلغ إرتفاع أعلى قمة فيها 2950 متر، كما توجد هضبة جبلية مشهور إسمها بين منتسبي قطعات فرقة المشاة السابعة تقع إلى جهة الغرب من مدين ( كرمك ) تسمى جبل شيخ حسن .
ج. الطرق
أولاً. يخرج من مدينة بنجوين طريق غير معبد يتجه نحو الشمال بإتجاه مدينة (كرمك) بعد مدينة كرمك يسيرهذا الطريق بإتجاه الشرق في حوض لسان ميشاف يصل إلى المخفر الحدودي العراقي الكائن في نهاية لسان ميشاف.
ثانياً. ترتبط مدينة بنجوين بطريق يربطها بمدينة مريوان الإيرانية ، في السنوات التي تواجد فيها العدو الإيراني داخل الأراضي العراقية قام بفتح طريق من مدينة مريوان الإيرانية يمر من قاعدة لسان ميشاف ويتجه شمالاً إلى مدينة بانه الإيرانية الكائنة شمال لسان مشاف .
3. سير الأحداث
يوم 8 آب 1988 أُذْيْعَ بيان وقف إطلاق النار سكتت أصوات المدافع وحل الهدوء وبدأ تحرك المقاتلين بحرية في المنطقة ، أصْدَرْتُ أمراً بإخلاء جثامين الشهداء التي تعذر إخلاءها أثناء الإشتباكات مع العدو إلا أن شهداء السرية الثانية من الفوج الأول داخل الأراضي الإيرانية في مكان مرتفع جدا وبعيد نسبياً عن إنفتاح مواضع بقية سرايا الفوج ، حدثت مفارقة ذهب
جنديين من السرية المذكورة لجلب الماء من عين الماء التي تقع في الحدود
خارطة لسان ميشاف 1/ 250000
شرح التأشيرات على الخارطة
أ. الأسهم الحمراء هو الطريق الخارج من فتحة مضيق بنجوين الشمالية مروراً
بمدينة بنجوين حتى مدينة كرمك وصولاً إلى المخفر الحدودي نهاية لسان ميشاف .
ب. الدوائر الحمراء الدائرة الأولى مدينة بنجوين والدائرة الثانية مدينة كرمك .
ج. الأسهم الزرقاء هي تقدم وحدات لواء التاسع عشر ، السهم الأول من اليسار الفوج الثالث والسهم الأوسط الفوج الأول والسهم الأيمن الفوج الثاني .
د. المكعب الأحمر هو المخفر الحدودي العراقي في نهاية لسان ميشاف.
المشتركة بين العراق وإيران وحدث بينهما وبين جنود إيرانيين يتحدثون اللغة العربية حوار عن الحرب وويلاتها وطلبا التعاون لإخلاء قتلاهم من الأراضي العراقية.
عقد إتفاق ميداني لإخلاء جثامين الشهداء
أخبرني آمر الفوج بهذا الحادثة لذا خولته التفاوض مع المسؤول من الجانب الإيراني على أن يقدموا لنا المساعدة بإخلاء شهدائنا من الأراضي الإيرانية الذين ذكرت آنِفاً عددهم 22 شهيداً ، طلبوا من آمر الفوج نقل جثث قتلاهم التي خسروها في معركة تحرير جبل سركيو ، من هذا إستنتجت إنهم على علم بأن قتلاهم قتلوا في المعركة التي خاضها لواء المُشاة التاسع عشر وذكرت تفاصيلها في القسم الثاني من معارك (مُحَمَدْ رَسُولُ الله) التي حدثت بتاريخ 4 تموز 1988 ، وافقت على هذا الطلب بدون الرجوع إلى مقر فرقة المشاة الرابعة للأسباب التالية :
أولاً. إكْرامَاً لشهدائنا كي لايبقوا في الأراضي الإيرانية وإستحالة التعرف على جثثهم إذا تُرِكُوا لفترة طويلة .
ثانياً. لأسباب إنسانية وشرعية لعوائلهم كي يقوموا بدفنهم ويتابعوا إنجاز معاملاتهم التقاعدية.
ثالثاً. إستحصال الموافقات العسكرية لمثل هذه الحالة يتطلب موافقة أعلى القيادات العسكرية وهذا يستغرق وقت طويل وقد يرفض الطلب.
رابعاً. كنت على علم بأن اللواء سيصدر له أمر بالحركة من القاطع وفي هذه الحالة الوحدة البديلة التي ستستلم المسؤولية لا تعرف مكان إستشهادهم.
خامساً. لذا طلبت من الوحدات إرسال ممثلين من سراياهم يعرفون أماكن
دفن القتلى الإيرانيين وكَلَفْتُ بهذه المهمة عناصر الفصيل الكيمياوي لوجود أكياس بلاستيكية لديهم لنقل الجثث ، في اليوم التالي ذهبوا إلى جبل سركيو وأخرجوا الجثث من أماكن دفنها ووضوعها في الأكياس البلاستيكية وعادوا ، في اليوم الثالث تم نقل الجثث الى قاطع الفوج الثالث الأقرب مسافة إلى الأراضي الإيرانية كُلِفَ أحد آمري سرايا الفوج الثالث بإجراء عملية تبادل الجثث ، الجانب الإيراني التزم من جانبه بنقل جثامين شهدائنا الى المكان وتمت عملية التسليم والإستلام بدون حادث.
سادساً. وتم نقل جثامين شهدائنا ،بواسطة مأمورين من الفوج الأول إلى ذويهم ليتسنى إقامة مراسيم دفنهم .
سابعاً. بعد عملية الإستلام والتسليم أَخْبَرْتُ بموقف الحركات اليومي مقر فرقة المشاة الرابعة ، عند إطلاع قائد الفرقة على الموقف كلمني المرحوم اللواء الركن عصمت صابر عمر قائد فرقة المشاة الرابعة عن كيفية إجراء التبادل شرحت له الأسباب إقتنع بهذا العمل .
ثامناً. لكن بعد وقت قصير كلمني المرحوم اللواء الركن سلطان هاشم أحمد قائد الفيلق الأول وعاتبني على عدم إستحصال الموافقات المسبقة على هذه العملية ، أخبرته عندما كُنْا تلاميذ في الكلية العسكرية عِنْدَ
دراستنا للسوق والتعبية والتأريخ العسكري ، من حَقْ القادة الميدانيين عَقِدْ هُدْنَة مؤقته لإخلاء الخسائر والآن الحرب توقفت وللأسباب التي ذكرتها سابقاً قُمْتُ بهذا العمل .
تاسعاً. هذه الحادثة ذكرتها هُنا لإنها الأولى والآخيرة التي حدثت خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت 8 سنوات .
بعد أيام قليلة صدر أمر بحركة لواء المُشاة التاسع عشر من هذا القاطع إلى قاطع آخر لتنفيذ واجب جديد .
اللواء المتقاعد فوزي البرزنجي 29 آيلول 2021
4823 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع