الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
العراق واستمرار الفوضى
رغم انتهاء الانتخابات العراقية دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الصراع السياسي والرفض الشعبي لما أفرزته تلك العملية من نتائج، ورغم إقرار البعض بأن هناك تغيرات في المشهد، إلا أن هناك مشاكل كثيرة قد تواجهها الكتلة الصدرية في تشكيل الحكومة القادمة، الأمر الذي قد يدخل البلاد في فراغ سياسي وصراعات حزبية جديدة.
مهما كانت أوجه الخطاب السياسي بعد انتهاء الانتخابات لتحديد مسارات العمل الميداني وفتح آفاق لخلق بيئة واسعة في رسم ملامح الحياة السياسية، تبقى الصراعات الحزبية والمصالح الفئوية والارتباطات الخارجية هي التي تتحكم في طبيعة تشكيل الحكومة العراقية القادمة، وستحدث العديد من الأزمات والاختلافات السياسية بين الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، ونرى الآن الأصوات التي تتعالى في رفض نتائج الانتخابات والتهديد باستخدام جميع الوسائل ومنها المواجهة المسلحة مما يعرض البلاد إلى حالة من التأزم والانفلات الأمني،قد تكون للتحالفات السياسية التي تسبق عملية تشكيل الحكومة وطبيعة تكوينها عاملا يساهم في تخفيف حالة الاختلاف القائم الآن، خاصة وأن هناك من يعترض ويرى أن مشروعه السياسي قد تلاشى أو تراجع بعد النتائج التي تفاجئ بها، والحكومة القادمة عليها أن تضع في مقدمة برنامجها إصلاح البنية السياسية والمنظومة الاقتصادية، ومعالجة الأزمات الاجتماعية وتحسين الحالة المعيشية ومكافحة البطالة وتجارة المخدرات، ورفع القدرة المالية للبلاد في مواجهة العجز المالي والديون الخارجية المستحقة.
وهناك توقع ان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سيعود مجددا لرئاسة الحكومة القادمة أكد المحلل السياسي أن، الأمر مرهون بشكل التوافقات القادمة وهى التي جاء بها الكاظمي، فإذا توصلت الأطراف إلى شكل توافق جديد فبالتأكيد سيكون مصطفى الكاظمي من أبرز المرشحين، أما إذا أخذ الصدر على عاتقه وتحالف مع كتل أخرى خارج المكون الشيعي وشكل الكتلة الأكبر ومضى قدما في سبيل الإصلاحات، فيعتقد أنه سوف يرشح شخصية من التيار الصدري نفسه.
أن العملية الانتخابية لم تحدث تغيرا كبيرا في نوعية النواب، بل سوف تأتي بنفس النوعية حتى وإن كانت هناك أحزاب قد نجحت على حساب أخرى، لكنها لن تغير من المعادلة العراقية ولن تنجح.
الحكومة سوف يقومون بتشكيلها لاستعادة الوضع السياسي الصحي للبلاد، لكن يبدو أن المعادلة الموجودة منذ العام 2003 لن تتغير، بالتالي سوف نعود إلى المربع الأول، و في كل الأحوال نجاح أي حكومة يجب أن يرتبط بالإرادة الشعبية التي ترفض الوجود الإيراني، فلا يمكن تحجيم دور طهران من خلال نفس الطبقة السياسية، بل عن طريق الجبهة الرافضة لها والتي تتشكل من الغالبية العظمى من الشعب العراقي.
ويبدو ان العراق، مستمر في حالة الفوضى، التي تنوعت بين احتجاجات وقطع طرق رئيسية، كما اندلعت صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية بعد محاولة منعهم من قطع الطرق.
وفي عدد من المحافظات قام عدد من المتظاهرين بقطع الطريق من خلال إحراق الإطارات، ما أدى الى عرقلة السير بعد قطع طرق مهمة.ولاقت النتائج التي أعلنتها المفوضية، اعتراضات من عدة قوى سياسية أعلنت رفضها لتلك النتائج لاسيما التي تضم الأذرع السياسية لفصائل الحشد الشعبي في العراق.
باحث أميركي يحذر
حذر باحث أميركي من أن عجز العراق عن إجراء إصلاحات جوهرية في نظامه السياسي واقتصاده سينتهي بثورة لا تبقي ولا تذر.في مقاله بمجلة "ناشونال إنترست" (The National Interest)، يتوقع مايكل روبن الباحث المقيم بمعهد "أميركان إنتربرايز" (The American Enterprise Institute) أن تتسم الثورة القادمة بالعنف وألا تفرق كثيرا بين الأحزاب.
وقال إن الثورة المتوقعة ستسفر عن أزمة مهاجرين أشبه بتلك التي تواجهها حكومة إقليم كردستان العراق "الفاسدة"، وستؤدي إلى الإطاحة بالقادة السياسيين الحاليين بالجملة "إما إلى القبور مبكرا أو المنفى".وبنظره، فإن نزول الشباب العراقي إلى الشوارع في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 –احتجاجا على الفساد المستشري والحكومة العاجزة التي يقودها رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي- كان بمثابة طلقة تحذير.
ويرى الكاتب أن المحتجين حينها كانوا على استعداد لمنح القادة العراقيين فرصة لإجراء إصلاحات، لكن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي أهدرها، بحسب مايكل روبن.ويصف كاتب المقال الكاظمي بأنه "لا يتمتع بالجاذبية" وأنه "ضعيف سياسيا" في بلد يعج بالشخصيات اللامعة، مشيرا إلى أن المهمة التي أوكلت إليه ارتكزت على وضع حد لحالة العجز التي يعاني منها العراق، والإشراف على الإصلاحات الجوهرية وقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة.غير أن الكاظمي أخفق في المهمة رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على رئاسته للفترة الانتقالية، على حد تعبير الباحث الأميركي الذي أوضح أن النظام الانتخابي العراقي لطالما كان معقدا.
وأنحى باللائمة في ذلك على رئيس سلطة الائتلاف المؤقت السابق في العراق بول بريمر وموظفي الأمم المتحدة الذين اتفقوا على إجراء انتخابات بنظامي التمثيل النسبي والترشح بالقائمة الحزبية بدلا من الدوائر الانتخابية، وكان هدفهم من ذلك السرعة في إنجاز المهمة.لكن حالة عدم الاستقرار طويلة الأجل التي تسبب فيها هذا النظام الانتخابي كانت جلية، فقد كان المرشحون مدينين لقادة أحزابهم ببقائهم السياسي، عوضا عن خضوعهم للمساءلة أمام ناخبيهم.
ويمضي مايكل روبن إلى القول إن الكاظمي لم يستخدم موقعه السياسي المهم أو سلطته الأخلاقية لرعاية الإصلاحات الجوهرية التي سبق لرئيس الجمهورية برهم صالح أن اقترحها على عادل عبد المهدي، مضيفا أن تلك الإصلاحات كانت ستساعد في استقرار العراق لو وجدت طريقها للتنفيذ.
وبدلا عن ذلك، أفرغ نواب البرلمان المنتخبون في ظل النظام الانتخابي القديم -الذي كان يشجع على المحسوبية والفساد- الإصلاحات من معناها الحقيقي. ووفقا للباحث الأميركي، فإن الزعماء السياسيين العراقيين أنفسهم منخرطون اليوم في المساومات والمقايضات السياسية ذاتها التي تثريهم وتساعد في تمكينهم، لكنها تبعدهم عن العراقيين الذين يدعون أنهم يمثلونهم.
ويزعم مقال ناشونال إنترست أن الإصلاحات قد تثير عداء الزعماء السياسيين، الذين يحتاج الكاظمي إلى دعمهم للاستمرار في منصبه بعد الانتخابات. وربما يكون البيت الأبيض ودوائر الاستخبارات ممتنين للكاظمي على الوعد الذي قطعه بالتصدي للمليشيات المدعومة من إيران، لكنه بدا -من وراء الكواليس- متساهلا معهم مثل أسلافه من رؤساء الحكومات المتعاقبة.
واستشهد كاتب المقال بأمثلة على الفساد والمحسوبية الضاربة أطنابها في العراق، من بينها كشوفات الرواتب المتضخمة، والمغالاة في التعيينات على الوظائف، وقيام مسؤولين حكوميين بمنح أنفسهم مكافآت في شكل قطع أراض تقدر بملايين الدنانير.
ولا ينفك الكاظمي عن التظاهر بتأييده الإصلاحات، بيد أنه لا يمضي إلى أبعد من ذلك؛ لأنه إذا فعل فقد يعادي المصالح الراسخة لأناس هو في حاجة إلى دعمهم له الآن في وقت تتحول فيه مهمته من الإصلاح إلى تمديد فترة ولايته.
إن ما ينقذ الكاظمي اليوم وينقذ النظام الذي يشرف عليه ليس نجاح الإصلاحات، بل ارتفاع أسعار النفط، في حين يستمر تعداد سكان العراق في الازدياد ليصل إلى أكثر من 45 مليون نسمة بحلول عام 2025، وسيتجاوز عتبة 50 مليونا بنهاية العقد الحالي.
2707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع