الفيلم الأوكراني(دونباس) يصور سياسة التضليل والتعتيم في نقل الاحداث في أوكرانيا

                                                         

                               علي المسعود

      

الفيلم الأوكراني(دونباس) يصور سياسة التضليل والتعتيم في نقل الاحداث في أوكرانيا

منذ أكثر من ثماني سنوات، تشهد منطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا نزاعا مسلحا عنيفا بين القوات الحكومية وميليشيات محلية مدعومة من روسيا. والآن، تحذر دول غربية من أن موسكو تخطط ربما لغزو وشيك لأوكرانيا، قد يحصل في أي لحظة . يشكل النزاع الدائر في شرقي أوكرانيا محور للعديد من الافلام التي صدرت في السنوالت الاخير منها والتي تبرز عبثية هذه الحرب وتلقي الضوء على الرعب الذي يشعر به الاهالي و الناس المدنيين ، بثّ الرعب في نفوس السكان أمر لا يغفله أحدٌ . العديد من الأفلام تناولت الصراع الذي جرى في عام 2014 في شرقي أوكرانيا ويطلق عليها أيضاً الحرب في دونباس . الجدول الزمني للحرب في دونباس من 1 يناير 2015 إلى 31 مارس 2015 ، (دونباس) هي واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في أوكرانيا وإنها منطقة صناعية إستراتيجية تقع في شرق أوكرانيا وتضم مقاطعات دونيتسك ولوهانسك .

وكانت مسرحًا لحرب أهلية استمرت سبع سنوات وتسببت في مقتل أكثر من 13000 شخص . فيلم كتبه وأخرجه “سيرجي لوزنيتسيا” بعنوان (دونباس) والذي يحاول فيه رصد الرعب في المنطقة من خلال مسرح من العبثية والموت المجاني . يمزج صانع الأفلام والأفلام الوثائقية الأوكراني “سيرجي لوزنيتسا” بين موهبته في الحقيقة والخيال في فيلمه” دونباس” الذي تشكل حكايته ثلاث عشرة قصة منفصلة كل منها على حافة السكين بين الرعب والكوميديا وهو صرخة ضد مجتمع فقد إنسانيته ومن خلال أجزاءه المقسمة إلى 13 حكاية ونشاهد تلك الكوابيس التي تبرز الطبيعة المدمرة للصراع بين القوميين الأوكرانيين ضد مؤيدي روسيا لجمهورية دونيتسك الشعبية في شرق أوكرانيا . الفيلم مبني على أحداث حقيقية وعنوانه (دونباس) على اسم منطقة في شرق أوكرانيا . الرعب يبدأ من المشهد الافتتاحي للفيلم الروائي “دونباس” (2018) للأوكراني المعروف سيرغي لوزنيتسا، الذي يبدأ بإعداد مجموعة “كومبارس” لتأدية مشهد انفجار مزيَّف، وهلع الناس وفرارهم. ومع نهاية الفيلم، يعود المُخرج إلى المشهد نفسه، مُطوِّرًا إياه على نحو دموي، مع تحوّل الـ”كومبارس” إلى قتلى فعليًا. لكن، هل كان قتلهم مُتعمَّدًا؟ . افتتاحية الفيلم في مقطورة ونرى فيها مجموعة من الممثلين والممثلات يقومون بعمل مكياجهم فيها ، ثم يأمرهم مساعد الإنتاج بالخروج على الأرجح لتصوير مشهدهم ، ولكن هذا ليس في فيلمًا طويلًا أودراما تلفزيونية يشاركون فيها بل هذه دعاية أو قصة إخبارية مزيفة مع سماع دوي تفجيرات مصطنعة في الخلفية وحافلة محترقة .
لعمل ريبورتاج صحفي لأخبار مزيفة يتم بثها على أنها ريبورتاج حقيقي (نلمح المقطع لاحقًا في الخلفية) . إمرأة كانت تشكو قبل لحظات لفنانة مكياج من عدم استمتاعها بعملها ، تتصرف فجأة كشاهدة مذهولة على التفجيرات. تشكو قائلة: “من المستحيل أن تعيش هكذا”. “كل صباح أستيقظ ممتلئًا بالخوف”. في الحكاية الثانية امرأة(أوليسيا زوراكوفسكايا) تقتحم أجتماع لمجلس المدينة وتهجم على عضو مجلس المدينة وتلقي على رأسه سطلاُ من البراز بعد أن إتهمته بتلقي الرشوة . من هناك ، يقفز بنا المخرج بسهولة إلى حكاية أخرى وهذه المرة في مخزن مستشفى الولادة ، حيث يوضح بوريس ميخائيلوفيتش (بوريس كامورزين) وهو مسؤول حكومي إنتهازي في منشأة طبية متداعية للموظفين أنهم مجهزون بالكامل بالأغذية والأدوية ، متفاخرًا بكيفية تنظيفها وفضح كبير الأطباء الفاسدين وطرده ، بوريس ليس ليس نزيها بل لص يرتدي زي المليشيات ، وهو ليس محصنًا من سوء المعاملة عندما يحاول عبور نقطة تفتيش على جانب الطريق ، يتزامن مع مرور حافلة مليئة بالركاب الذين يقدمون حواراتهم الداخلية حول المنازل التي يعودون إليها في منطقة الصراع وهم يقدمون لمحة عن حالة عدم الاستقرار وغياب الآمن التي يعانون منها المتضررين من هذا النزاع بعد تهجيرهم من بيوتهم أثناء عبورهم إلى منطقة دونيتسك .
في أحد المشاهد ، يتم ربط الرجل الأوكراني على عمود إنارة في جمهورية دونيتسك الشعبية التابعة لروسيا وعلى صدره لافته مكتوب عليها (الفاشي) ، ويتم تشجيع المارة على السخرية منه، ويسخر منه سكان البلدة رجالًا ونساءً على حد سواء من كبار السن والشباب . ينفخ أحد الشباب الدخان في وجه الرجل الملطخ بالدماء ويوجهون اللكمات والضربات و سرعان ما يتجمع حشد من الكراهية ، حيث تقوم امرأة عجوز بسحق طماطم في وجهه والبصق ورمي الأشياء عليه ، والتقاط صور سيلفي معه من هواتفهم الذكية والدم يغطي وجهه ، وضربه في النهاية حتى الموت ، كلا المشهدين تم تصويرهما بمحاكاة شجاعة لدرجة أنك ستجد نفسك على الأرجح تنظر بعيدًا. المهاجمون الغاضبون لا يشبهون الممثلين. إنه مشهد تقشعر له الأبدان لأنك لا تعرف حقًا كيف يتجرد الانسان من انسانيته ويتحول الى وحش !! . يتعرض الصحفي الألماني مايكل والتر (غير المعتمد) ومترجمه للاستهزاء من قبل الجنود ، و ينقلنا المصور الذي دخل ملجأ يفتقر إلى التدفئة وحتى المرافق الصحية ، حيث يعيش عشرات الأشخاص في ظروف بدائية ، تصل الى الملجأ أمرأة شقراء (إيرينا بليسنيايفا) ترتدي فستانًا ضيقًا لامعًا ، وحذاء ذو كعب عالٍ ومعطف من الفرو يُظهر تباينًا حادًا وهي تحاول إقناع والدتها المسنة بالانضمام إليها لانها جلبت لها العار في السكن في هذا القاع ، وبعد أن غادرت وهي تعاني الإحباط نراها في المكتب حيث تعمل مديرة لمكتب الرئيس البلدي، حيث يستمع رئيسها (فاديم دوبوفسكي) باهتمام ضئيل إلى امرأة (زانا لوبجان) من الكنيسة تريد ترتيبات مدعومة للجولة التي تقوم بها لجميع أنحاء المنطقة للترويج للأنفصالين . بعد ذالك تصبح القصص المتبقية من الفيلم أكثر وحشية من أي وقت مضى ، في مشهد أخر ، يذهب سمعان (ألكسندر زاموراييف) إلى مقرالجيش عندما أخبر بالعثورعلى سيارته المفقودة ، ولكن بدلا من استلامها يضطر إلى تسليم السيارة لغرض استخدامها للمجهود الحربي بعد تهديده ، وأضافة لذالك، فأنه يبتز من قبل المليشيات ويجد نفسه مع مجموعة كبيرة من رجال الاعمال والاغنياء وهم يتوسلون اهاليهم وأقرباءهم في ارسال الفدية مقابل حريتهم لانهم مختظفون من قبل المليشيات .
في مشهد فوضوي لحفلة زواج يُشار فيه إلى زوجين يتصرفان بشكل غريب وفوضوي ، حفل الزفاف هو لجندي يتصرف فيه الزوج بشكل مجنون وسخيف ويحضره أصدقاؤه من الميليشيات الانفصالية الروسية ويتم فيه غناء نشيد نوفوروسيا (“روسيا الجديدة”) وسط العناق والرقص الجنوني ، بينما عرض أحد الضيوف بحماس لقطات من فيديو من الهاتف للرجل ألاوكراني(الفاشي) وهو يتعرض للتعذيب والذي رأيناه للتو في مشهد من الجزء السابق . إنه لأمر مرهق أن نشاهد الهمجية وهي تزداد سوءًا. وينتهي الفيلم في الحكاية الاخيرة (13) في مقطورة الماكياج التي افتتح بها الفيلم ، ولكن الخاتمة كانت مروعة حيث يدخل رجلا مرتدياً زيا عسكرياً من المليشيات ويطلق وابل من الرصاص ويقتل جميع الممثلين وتستنفر أجهزة الشرطة بوجود ثلاثة عشر جثة في المقطورة . وتعكس تلك الخاتمة صورة قاسية لمجتمع ينحدر فيه التفاعل البشري إلى مستوى من البربرية يتماشى مع العصور القديمة أكثر من ما يسمى بالعالم المتحضر المعاصر ، عالم تآكلت فيه الروابط بين الناس ودمرتها الأنانية ، قتال بين ألاخوة ألاعداء ، الاخوة صاروا اعداء أحدهما يقتل ألآخر، إنها أرض محروقة تسكنها كائنات كريهة أفواهها وأرواحها ذابلة .
لا أحد يخرج نظيفًا من هذه الحرب لانها فتحت جروحاً قديمة وأثارت سنوات من العداوات الخبيثة على كلا الجانبين والاحتراب المدمر لكل ماهو جميل في النفس البشرية التي يظهر فيها الفساد والإجرام والإذلال بكافة أنواعه منتشراً خلال هذا النزاع أمر شائع . في كل مشهد تعمل كاميرا(أوليغ موتو) كمؤرخ صامت وشاهد يسجل كل جريمة وأي تجاوز للقيم الانسانية . صمم لوزنيستا الذي بدا مسيرته كوثائقي فيلمه من حوالي 13 رسمًا تخطيطيًا – كل منها على ما يبدو مبني على قصص من الحياة الواقعية ، يعود تاريخها إلى 2014-2015 – التي تم تجميعها معًا في صورة مجمعة تراكمية تجمع بين الكوميديا السوداء والسريالية . تكتسب حلقات الحبكة أهمية إضافية عندما يكشف السياق عن نفسه ويكون التأثير مخيفًا بشكل خاص عندما تأتي الحلقة الأخيرة من هذه الرحلة الدائرية (مرة أخرى) والعودة الى البداية بخاتمة هي فاجعة مع الإحساس بالرعب الذي يكشف أن البشر ليسوا أكثر من بيادق يمكن الاستغناء عنها على رقعة الشطرنج للحرب . الافتقار إلى بنية السرد في الفيلم تجعل المشاهد بعض الأحيان يكافح تمامًا في ربط اللحظات والمواقف في أجزاء الفيلم ومع ما يحدث . ويبرز ذكاء المخرج ومهاراته في التعامل مع المشاهد وعلى نطاق مثير للإعجاب هنا بشكل خاص في المراوحة بين صدمة المشهد وتأثيره العاطفي وتحولاته من الكوميديا القاتمة والمؤلمة والسريالية ، حيث يتجلى الأول في مشهد يفشل فيه رجل أعمال ، بشكل مؤلم ، في إدراك أن سيارته الرياضية متعددة الاستخدامات قد صودرت للتو من قبل الدولة وأنه الآن مجبر وجنبًا إلى جنب مع مجموعة كاملة من الرجال في نفس الوضع محجوزين في غرفة وهم يحاولوا الخروج من هذا المازق ليخرجوا بفدية وينالوا حريتهم . هذه كوابيس ، يأتي الطرف الآخر من هذا الطيف في مشهد يتم فيه ربط جندي أوكراني أسير ، تم تصويره كشيطنة على أنه “متطوع في فرقة الإبادة” ، بعامود إنارة ليتم إهانته من قبل المارة وقبل أن يتم اقتياده في النهاية وإعدامه خارج نطاق القانون .
إذا كانت هذه الكراهية هي أحد أقسى حالات عالم نوفوروسيا هذا ، فإن حلقة أخرى تأخذنا إلى ملجأ تحت الأرض وهو مكان للمدنيين اليائسين من جميع الأعمار للهروب من القصف ، مما يعرضنا للألم الصامت للضحايا الحقيقيين في هذا الصراع . فيلم (دونباس) صراع شرس في مكان لا تزال فيه ذكريات الحرب العالمية الثانية ، والولاءات القبلية فيما يتعلق بروسيا التي أنقذت أوكرانيا من ألمانيا النازية والفاشية – ولكن أيضًا ، على الجانب الآخر . لم يذهب المخرج ألاوكراني “سيرجي لوزنيتسيا” إلى روسيا منذ عام 2014 ، قبل الأحداث الجسيمة التي تم تصويرها في فيلمه الوثائقي الملحمي “ميدان”. توجت الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدى شهور في أوكرانيا بفتح قوات الأمن النار على المتظاهرين ، مما أسفر عن مقتل 100 منهم . فر رئيس الدولة آنذاك فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا. رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم ، وبدء نزاع دموي في منطقة دونباس الشرقية وأودت بحياة أكثر من 10000 شخص . يصف لوزنيتسا الاضطرابات في أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بأنها تمرد مستمر ضد الإمبراطورية المجاورة. يقول: “الناس لا يريدون أن يكونوا في الاتحاد السوفيتي مرة أخرى. “إنهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا من إمبراطورية كبيرة. إنهم لا يريدون اتباع أوامر الكرملين ” ، ويضيف “أن مأساة روسيا هي أنها محكوم عليها بتكرار نفسها ، الجحيم ليس عندما تحدث أشياء مروعة بل أن الجحيم عندما تحدث ألاشياء المروعة مرارا وتكرارا “. يقر لوزنيتسا بأن هذا الجحيم يغذي عمله وخياله. وكما هو متوقع ، أتهمت وسائل الإعلام الحكومية الوطنية في روسيا المخرج لوزنيتسا بإنتاج أفلام “معادية لروسيا” صراحة. قد لا يكون فيلم” دونباس” مؤيدًا لأوكرانيا ، لكنه معادٍ لروسيا بتحد. حين يظهرمزاعم الجنود أنهم يقاتلون ضد الفاشيين ، ويؤدون باستمرار النصر الروسي على النازيين في الحرب العالمية الثانية. ولكن ممارساتهم وسلوكهم مع المدنيين من خلال مصادرة سيارات الأشخاص وأرهابهم ، فإنهم يتصرفون نفس الشيء الذي يدعون أنهم يقاتلون ضده . ومع ذلك ، فإن الفيلم ليس من جانب واحد تمامًا ، حيث يوضح المخرج لوزنيتسا دوافعهم للتصرف بهذه الطريقة ، لقد فقدوا عائلاتهم وأصدقائهم في الحرب ، وهم يريدون الانتقام من الأوكرانيين بأي وسيلة ممكنة”. هذا يقود الفيلم إلى مستنقع أخلاقي لا يمكن لأحد أن يخوض فيه وراء هذا انتقاد للكرملين نفسه ، الذي سيدعي أنه لا علاقة له بالصراع في أوكرانيا ، وأن القوات الموالية لروسيا تتصرف من تلقاء نفسها. على النقيض من ذلك ، وصف المخرج أندريه زفياغينتسيف فيلم (دونباس) أفضل فيلم باللغة الروسية في العقد . الفيلم سيناريو للكاتب والمخرج” سيرجي لوزنيتسا ” ومن بطولة فاليريو أندريوتا ، نينا أنتونوفا ، فاليري أنتونيوك . على الرغم من أن الفيلم يعلن عن نفسه على أنه كوميديا سوداء ، إلا أن روح الدعابة الحزينة التي لا يمكن أن تأتي إلا مع تجربة مباشرة للحياة داخل فوضى منطقة الحرب . في فيلمه دونباس ، يخلق سيرجي لوزنيتسا شعورًا حزيناً إتجاه ما هو غير ملموس ، وبالتحديد سياسة منهجية للتضليل والتعتيم في نقل الاحداث والتي يتم الترويج لها بشكل كامل في تصوير الفيلم من الجزء الاول والأخير من قبل فريق تلفزيوني في التسلسل الافتتاحي كما في المشهد الافتتاحي لتصوير التقرير التلفزيوني المفبرك حين يقوم مدير الإنتاج التلفزيوني بتوجيه الممثلات الهواة والمكياج في مقطورة الى الخاتمة في إطلاق النار عليهن في مشهد ماساوي ودموي. صور المخرج لوزنيتسا مجتمعًا دمره الفساد والابتزاز وانعدام القانون والانقسام ، يحكمه بلطجية عسكريون وشبه عسكريون يرتدون ملابس مموهة في حالة حرب مع بعضهم البعض ، ومع ظلال من الانتماء السياسي والولاءات تظهر الشخصيات وتعاود الظهور من دراما صغيرة إلى أخرى ، صورّ الفيلم في كريفي ريه على نحو 300 كم غرب دونيتسك . المخرج والكاتب سيرجي لوزنيتسا ولد عام 1964 وُلد لوزنيتسا في بيلاروسيا عندما كان ذلك البلد جزءًا من الاتحاد السوفيتي ، نشأ في كييف بأوكرانيا وتطورت حياته في أوكرانيا. أخرج 18 فيلمًا وثائقيًا وثلاثة أفلام روائية ، تم اختيارهم جميعًا في مسابقة مهرجان كان السينمائي وفيلم ” دونباس” هي تجربته الرابعة . أُطلق عليه لقب “مايسترو البؤس” و “تاجر الأوقات السيئة في فن السينما”. فاز سيرجي لوزنيتسا بجائزة ( نظرة معينة) ، المرموقة لأفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي في عام 2018 وقد استحق هذا التقدير .
تم تصوير الفيلم بأسلوب يجمع بين الواقعية الجديدة لفليني ولقطات وثائقية زائفة ، ولم يفشل الفيلم أبدًا في استحضار الأجواء الحقيقية المخيفة والمخيفة في وقت الحرب – وقد تعزز التأثير كثيرًا بسبب شبه الغياب شبه التام للممثلين المحترفين وانتشار الإضافات المجندين من سكان دونباس الذين طالت معاناتهم. بشكل ملحوظ ، الفيلم لا يصور أبطالًا ولا فائزين. جميع الشخصيات في قصة 13 مترابطة بشكل فضفاض والتي تشكل الفيلم هم ضحايا من نوع ما ، حتى لو كان العديد منهم هم الأشرار في نفس الوقت . ينتشر العنف والدعاية والخوف والكراهية في هذا الفيلم المظلم شبه الوثائقي. إنها تجعل المشاهدة مروعة في كثير من الأحيان. يسلط المخرج الضوء على العديد من سمات الصراع: البيروقراطية على المستوى السياسي ، والخوف على المستوى البشري ، والمواقف البلطجية التي يشعلها التوتر ، وما إلى ذلك. هناك الكثير لتفكيكه ، وإن كان ذلك من جانب واحد فقط ، حيث يركز دونباس من لوزنيتسا على القوات الانفصالية الداعمة لروسيا في شرق أوكرانيا . فيلم يتسم بالواقعية من التصوير السينمائي المذهل والأداء البسيط والقوي من طاقم عمل يفتقر إلى أي أسماء نجوم. ليس هذا التألق والشهرة ستنجح على الإطلاق ، تكمن قوة دونباس في مدى تشابهه مع الواقع ، وهو أمر مرعب .
. لا توجد خطب سياسية . ولا تمجيد لابطال مزيفين . في فيلم “دونباس ” أظهر لنا المخرج لوزنيتسا بدلاً من ذلك ركنًا من أوكرانيا هزه تعفن أخلاقي وفكري عميق. قد لا يكون الفيلم ممتعًا ، لكنه يعالج الصراع الاجتماعي السياسي المستمر بوضوح وحيوية وإحساس بالغموض لم يستطع سوى عدد قليل من صانعي الأفلام العاملين الآخرين حشده. يستحق دونباس وقت أي عاشق للسينما لديه اهتمامات موازية في السياسة العالمية . فيلم دونباس يجعل سياسته محسوسة بشكل مباشر أكثر. نرى شخصيات تمر عبر نقاط التفتيش العسكرية التي تحتفظ بها كل من الحكومة الأوكرانية والانفصاليين ؛ في حين أن أفراد الجيش الأوكراني يستخدمون أساليب التخويف الصامتة لتخويف الأشخاص الذين يعبرون من وإلى الأراضي المحتلة ، فإن نقاط التفتيش العسكرية الانفصالية هي موسم مفتوح للمضايقات الفظيعة والتفتيش التعسفي. كما تبدو القوات الانفصالية ببغاوات في نقاط الحديث التي تشبه الألمان بـ “الفاشيين” التي تمكنت روسيا الموحدة من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية ، وهي نقطة صرح بها فلاديمير بوتين نفسه علنًا فيما يتعلق بالحرب في دونباس. في المشهد الأكثر إزعاجًا بعمق في الفيلم ، يربط الجنود الانفصاليون رجلاً معتقلًا بعمود إنارة. يصبح الرجل ، الذي يلف كتفيه العلم الأوكراني ، هدفًا صامتًا للهجوم البغيض الذي يلقيه عليه المتعاطفون مع الانفصاليين. إنهم يتحولون إلى العنف ضد الرجل العاجز بسرعة، وهي صورة الى اي بلاد يغيب القانون فيه و تسود لغة السلاح الذي تفقد الدولة السيطرة عليه، وتنتعش الوضى والخراب والاغتيالات في عالم ضائع بين الهويات المزيفة وسطوة المليشيات. صورة قاسية لمجتمع ينحدر فيه التفاعل البشري إلى مستوى من البربرية يتماشى مع العصور القديمة أكثر من ما يسمى بالعالم المتحضر المعاصر . مع كل حكاية أوقصة جديدة يتم الكشف عنها في فيلم” دونباس” غوص عميق في التصوير الدقيق للأمراض الاجتماعية التي تسببها الحكومات الغازية والشمولية ، حيث يتم الرد عليها برد فعل متساوي في القوة ومتعاكس في الاتجاه .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع