الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
احتلال العراق اكبر جرائم العصر
كانت الحروب وما تزال ظاهرة لازمت وجود البشر منذ القدم، وتعبر عن نزاع مسلح يدور بين دولتين أو أكثر ، داخل إقليم الدولة الواحدة ،كما يشير المصطلح إلى حالة القتال واستخدام القوة المسلحة وكافة أشكال العنف المفرط بهدف تحقيق مصالح إستراتجية وإضعاف القدرات العسكرية للعدون ومع تطور أساليب القتال ظهر نهج جديد يقوم على خصخصة الحرب كإستراتجية أمنية جديدة إذ تجري الحروب على نحو متزايد عن طريق شركات عسكرية وأمنية خاصة تؤدي وظائف كانت في السابق حكرا على القوات المسلحة النظامية، فأصبحت الحروب تدور بطريقة مختلفة ، وتترتب عنها اثأر قانونية تعكس مستوى التغيير النمطي الذي بلغه. الأمر الذي اثر بشكل مباشر على مستوى العلاقات الدولية، إذ استخدمت هذه الشركات كأداة جديدة في العلاقات الدولية
جريمة كشفت زيف ولا أخلاقية الغرب
شكل العدوان الامريكي البريطاني الفارسي الصهيوني على العراق ثم احتلاله في نيسان 2003 بكل ملابساته ونتائجه معاناة جديدة للشعب العراقي نتيجة الخروقات الخطيرة للقانون الدولي الانساني التي لازمته والمكيفة على انها جرائم حرب مست بكل المواثيق الدولية لحقوق الانسان خاصة المادة 08 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، الأمر الذي يستوجب ضرورة مساءلة الغازي وقواته وتوقيع العقوبة المناسبة على أفعالهم تحقيقا للعدالة الدولية . و ذلك بإجراء المحاكمات إما أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وإما أمام القضاء الوطني سواء في العراق بعد تحريره او حتى في الولايات المتحدة الامريكية ، مع مراعاة الجدية وتفادي المحاكمات الشكلية.
ان تحليل الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق يؤكد أنها جريمة لا أخلاقية ولادينية ولاسياسية ولاإنسانية، ، لقد أثبت الواقع الدولي العجز في منع الحروب ، خاصة العدوان من طرف الدول العظمى التي تسعى لإضفاء الشرعية على استعمالها المفرط للقوة. وهو ما ينطبق على الولايات المتحدة وبريطانيا في عدوانهما على العراق في عام 2003 م التي تثبت الوقائع إلى أن الدول المعتدية احتلت العراق بدعوى محاربة الإرهاب، وانها حرب لم تكن عادلة بكل المقاييس سواء من وجهة النظر الموضوعية، أو القانونية، أو السياسية، أو الأخلاقية بل إنها تشكل عدوانا على دولة مستقلة عضو مؤسس في الأمم المتحدة، وأن ادعاءات ودوافع الولايات المتحدة وبريطانيا للعدوان على الشعب العراقي واحتلاله وتدمير بلدهم، ما هو إلا محاولة لتبرير سياستهما الامبريالية العدوانية الانفرادية.
توظيف التكنلوجيا والمعلومات
ان تفاقم الاوضاع المزرية في هذا العصر جعلت من الحرب وكأنها أصبحت للبعض مسألة حتمية لاسيما بعد أن تفاقمت فيه القضايا والمشكلات وتسيدت امريكا على بقية دول العالم وسعت إلى فرض نظام قطبي واحد ، وبدا واضحا ان امريكا تتفنن باستخدام الحرب النفسية بأساليبها المختلفة وتعتبرها اداة من ادواتها الهامة في التأثير على الاخرين ، وأنها كثيرا ما نجحت في تحقيق أهدافها طالما أنها تتطرق بنجاح للمداخل النفسية والعلمية وللأساليب الفنية الملائمة لكل هدف ولكل جمهور وموضوع . والحرب النفسية الامريكية البريطانية(باعتبارهما حليفان امبرياليان لم ينفك عضدهما ومصالحهما لحد الان) تظهر جلية في اوقات الازمات والحروب التي تفتعلانها لأن هذه الاوقات تعتبر أرضا خصبة لبروز أساليبها المختلفة من دعاية وغسيل مخ وتهويل وشائعات وغيرها . والدعاية الامريكية البريطانية المتصهينة تساهم بتفجير الحروب أو تبريرها مهما كانت ظالمة وعدوانية. وتشيد كافة العلوم بالحرب النفسية وتعتبرها سلاحا فتاكا وشديد الفعالية والتأثير قبل واثناء وبعد المعارك والحروب . وهي تساهم مع الأسلحة المادية المتطورة في تحقيق الانتصار السريع وبأقل الخسائر في الأرواح والمعدات(وهنا يمكن ملاحظة نجاحات روسيا في مواجهتها لاوكرانيا).
كان العراقيون مستهدفون من كل مكان وخاضوا حروبا جسام من اجل الحصول على حقوقهم، وكان آخرها مقاومة الاحتلال الامريكي البريطاني الفارسي الصهيوني التي استخدم فيها الاعداء ما لم يستخدم من قبل من تكتيكات واساليب اعلامية وسياسية وعسكرية ، ويمكن الاشارة الى طبيعة الحرب النفسية وخصائصها وانواعها وأساليبها مع التركيز على الدعاية والشائعات والتهويل الاعلامي الذي استخدم ولا يزال ضد الشعب العراقي وتحديدا الاساليب الفنية التي استخدمتها امريكا وحلفاؤها في الحرب النفسية والدعاية . الدراسة وتوظيف أهم المفاهيم الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي برزت في ادبيات الدراسات الأمنية الاستراتيجية في الوقت الراهن وفي الاهتمامات الدولية لدى الخبراء والقائمين على السلطة وذلك بسبب طبيعة التغير الجذري الذي طرأ على مفهوم وأساليب القتال الحربي وإدارة المعارك. مع ملاحظة أهمية العامل التكنولوجي واستغلال ثورة المعلومات التي تتحكم في الشؤون العسكرية من خلال صياغة مفاهيم عسكرية جديدة، متجاوزة بذلك مختلف المفاهيم العسكرية الكلاسيكية. كما أن القدرة التكنولوجية باتت من اهم معايير تحديد القوة بحيث غيرت ثورة تكنولوجيا المعلومات من طبيعة الصراعات وأساليب القتال والاشتباك الحربي. وهي ضمان لنجاح معارك وحروب اليوم وحتى المستقبلية حيث يكون النصر لمن يتقن فنون الحرب الجديدة ويتحكم في تكنولوجيا المعلومات، وتهيئة مسرح العمليات العسكرية، واستخدام الأسلحة الذكية.....
دور مراكز الفكر والرأي في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، والتي أصبحت من أبرز سمات المجتمع السياسي الأمريكي، وأحد أهم المحددات الرئيسية في صناعة سياسته الخارجية. تضطلع مراكز الفكر والرأي بدور هام في صنع وتوجيه السياسية الخارجية الامريكية، من خلال تحديد أولويات القضايا الاستراتيجية التي تواجه الولايات المتحدة وتقديم خياراتن استراتيجية مناسبة للدور الامريكي في الشؤون الدولية معتمدة في ذلك على مجموعة من الاليات والاساليب التي تمكنها من التأثير في عملية صنع السياسة الخارجية.
معنى اخر للمصطلحات
في كتب السياسة ومصطلحاتها اعتاد جمهور النخبة والاكاديميين على استخدام مصطلحات الدولة الديمقراطية ، الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي وغيرها من المصطلحات في احاديثهم اليومية ونقاشاتهم السياسية والاجتماعية في الاوساط العلمية، لكن قياسا على الحالة العربية وتحديدا العراق بعد 2003م اصبحت مفاهيم الدولة العاجزة والحكومة الغائبة واستشراء الفساد المفسر الوحيد للأوضاع المؤلمة والمرعبة التي عاشها العراق كدولة ومجتمع ومؤسسات، والتي خلقت فجوة كبيرة عن مواكبة التقدم والتطور الذي كان سيشهده العراق جراء التغيير السياسي مع صعوبة تجاهل جرائم القمع والاستبداد والفساد السياسي والتمييز الطائفي والعرقي والثقافي، وما ينتج عنها من كوارث اجتماعية وإنسانية وتجريف للدول وتعريض أمنها للخطر.
ان جريمة احتلال العراق لا تتجزأ، سواء من جانبها الأخلاقي أو من جانبها القانوني رغم ظهور ذيول للمحتلين تحاول تبرير جرائم هذا الاحتلال تحت الدعاوى الإنسانية تارة، والديمقراطية تارة أخرى، والحريات تارة ثالثة، والوطنية تارة رابعة.. لدرجة أن اللغط الدعائي وتخبط الرأي العام وازدواجية المعايير في السياسيات المحلية والإقليمية والدولية حوَّلَت تقرير تشلكوت مثلا إلى مجرد تقرير أخلاقي ارتكب العديد من الأخطاء، وعلى رأسها افتراضه أن الوسائل السياسية لم تستنفذ قبيل غزو العراق، وافتراضه أيضا وجود حل لمشكلة كيفية احتلال العراق وإعادة بنائه بعد الغزو، واعتقاده أن حكومة بلير فشلت في إيجاد حل، لأنها لم تفكر بشكل كاف في المشكلة.
الدعاية الغربية تبرر الجريمة
لاحظنا كيف ان وسائل الدعاية الغربية توظف خبراتها التاريخية في تفريغ القضايا من مضمونها، وتحويل أعتى الجرائم إلى مجرد جرائم أخلاقية ،قد تستحق الإدانة، ولكنها لا ترقى إلى أن تعرَض أمام المحاكم الجنائية الدولية، وفي الحقيقة، لا يمكن أن تتصرف وسائل الإعلام والوكالات الغربية بهذا الشكل من دون توجيهات ودعم سياسي ومالي ضخم، سواء من رجال الأعمال أومجموعات المصالح أو من جانب الساسة أو الطغم السياسية الحاكمة في بلادها وأجهزة الاستخبارات،بمعنى ان هناك توجه عام، سياسي ودعائي واستخباراتي، في الغرب على تفريغ جريمة غزو العراق واحتلاله من مضمونها وتحويلها إلى مجرد جريمة أخلاقية عادية .
ان اعتراف رئيس الوزراء البريطاني والمسؤولون الأمريكيون بكل شئ، وما اثير من موجة اعتراض من جانب القادة العسكريين الذين تلقوا الأوامر من المسؤولين في السلطات ،هذا الاعتراض في حد ذاته يؤكد أن القادة العسكريين الذين نفذوا أوامر الساسة ولا يهمهم من بعيد أو قريب الجرائم الأخلاقية أو السياسية أو جرائم الحرب والإبادة، لأنهم – بحكم عملهم ومهنتهم – يقومون بتنفيذ الأوامر ويحصلون على رواتبهم وأوسمتهم ومعاشاتهم التقاعدية ومجدهم من الدقة في التنفيذ بصرف النظر عن عدد القتلى والجرحى والمقعدين والمشردين والنازحين واللاجئين، وتدمير الدولة كلها.
من جهة أخرى، فإن إنكار القادة العسكريين من قوات الاحتلال، وإصرارهم على عدم ارتكاب جرائم، يؤكد على إدانة القادة السياسيين في جرائم حرب وإبادة. ولكن الدساتير والقوانين الغربية تحفظ للساسة حقوقهم في الأخطاء المدمرة والمصيرية، وفي الإفلات من تبعات القرارات الإجرامية التي تتسبب في إبادة البشر وتدمير الدول.
الفوضى المستمرة
لقد ادت الفوضى التي شهدها العراق إلى انخراط عصابات إجرامية منظمة ومخطط لها مسبقا في نهب القصور الرئاسية، والمدارس، والفنادق، ومراكز الشرطة، وقواعد الجيش، والمكاتب الحكومية، وكل مكان أو مؤسسة يحتاجها العراق لإعادة الإعمار، وبسرعة مخيفة،هذه العصابات الإجرامية التي نهبت وقتلت وحرقت ودمرت المرافق والجيش والبنى التحتية، تظهر جرائم الإعلام إلى جانب جرائم الساسة والقادة العسكريين، إذ أنه من الضروري الحديث عن جرائم الإرهاب والعصابات الإجرامية. ومن الطبيعي ان الأحداث التي تجري في العراق هي التي تؤثر على الرأي العام ووسائل الإعلام الضعيفة التي تعمل بالوكالة عبر النقل والتدليس، وبالتالي، نجد أنفسنا أمام حل مثالي، ألا وهو أن الإرهاب والعصابات هما المتسببان الرئيسيان في دمار العراق.
ان أوضاع حقوق الإنسان في العراق كانت وستبقى خطيرة منذ نيسان عام 2003، وتتفاقم خطورتها بسبب تصاعد الهجمات المسلحة التي تشنها المليشيات وهجمات مكافحتها التي تشنها القوات العراقية والدولية التي تقودها الولايات المتحدة. وقد ارتكبت القوات الأمريكية والمليشيات على السواء انتهاكات خطيرة لقوانين الصراع المسلح، بما فيها جرائم الحرب.
ان الحكم الاستبدادي الذي يواجهه الشعب العراقي بعد احتلال بلدهم، والكم الهائل من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي طالت كل الشعب العراقي دون أن يُعاقب مرتكبوها لحد الان ، وغياب مطلق لنظام العدالة الجنائية نتيجة خضوعه لجهاز أمن بعيد عن سلطة الدولة المتهرئة التي انشئها المحتل وما دب فيه من فساد بسبب هيمنة المليشيات التابعة لنظام ولاية الفقيه في طهران وقم التي توسعت في استخدام القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي،وكان ضحايا حكومات الاحتلال من جميع مكونات ألشعب العراقي. كما أدت سياسات الحكومات وفسادها وتبعيتها للاجندات الخارجية إلى تدمير البنية الأساسية للبلاد وتقويض اقتصادها،ولايبدو من سير الاحداث المتشابكة المصالح بين الطبقة السياسية الفاسدة التي همها الاوحد هو مغانمها من السلطة وكأنهم يعيشون في بلد تم تغييب كل شعبه بل ان لاوجود له في حساباتهم!!
1138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع