قصة قصيرة - للنقاش فنون

                                                        

                             احمد الكناني


قصة قصيرة - للنقاش فنون

في تلك الليلة الشتائية اجتمع أصدقاء أحمد من الجامعة في صالة بيته ، يرتشفون الشاي ويتبادلون أطراف الحديث

و بدأ نقاش بينهم عن موقف حصل معهم في صباح ذلك اليوم بالجامعة .
كل منهم يدلو برأيه ويعلق على ذلك الموقف و ارتفعت أصواتهم بين معارض ومؤيد، وبين من يقترح حلول ومن يريد أن يقنع الآخرين برايه ...
قرع باب الصالة العم حسن والد أحمد ، فنهض أحمد مسرعًا ليفتح الباب ، وإذا بوالده يقف مبتسمًا ... فعرف أحمد أن صوت نقاشهم ارتفع حتى وصل لغرفة والده ، فاعتذر عن الازعاج ، وبرر موقفهم بأنهم يتناقشون في موقف حصل معهم في الجامعة صباحًا .
اندفع عادل والذي كان آخر من تكلم في ذاك الموضوع قبل أن يُقرع الباب قائلا :
- عم حسن بالله تفضل وأحكم بيننا
دخل العم حسن الصالة مبتسما ، فقام الأصدقاء جميعًا ليسلموا عليه .
- فجلس بينهم قائلًا : اسمحوا لي ، لن أتدخل بينكم ولن أسمع قصتكم ، إنها أموركم وزمنكم ... لكنكم تذكروني بحماسي أيام الشباب ، للنقاشات ولإثبات إني دائمًا على حق ...
واليوم أقول لكم ، مستحيل أن اكون دائمًا على حق ، ومن المستحيل يكون للحقيقة وجه واحد.
نظر الشباب لبعضهم البعض ، والتفتوا للعم حسن متعجبين لكلامه !!...
أكمل العم حسن :اسمحوا لي أن أسألكم سؤالًا بسيطا جدًا
- رد الجميع : تفضل
- قال : ابريق الشاي الذي أمامكم على الطاولة وسط الغرفة ،هل هو واضح لكم ؟..
- رد الجميع : نعم.ش
- هل ممكن أن تحددوا لي يد الابريق من أي جهة
تعالت الأصوات ..البعض قال : على يمين ، والبعض قال: من خلف ، وآخرون قالوا : من أمام ..!!
- ضحك العم حسن وقال : يا جماعة الابريق أمامكم لما إجاباتكم مختلفة ؟!!..
-قال عادل: يا عمي على حسب مكان جلوسنا ، تختلف مكان اليد ...
- أومأ العم حسن برأسه قائلًا : أحسنت يا عادل ، ووجهات النظر في أي قضية تختلف على حسب وضعك ونظرتك والمعطيات التي عندك عنها... بالتالي أي موضوع يتحمل أكثر من وجه .
- قال أحمد : وكيف نعرف من أخطأ ومن أصاب
- يا ولدي : ليس بالضرورة أي قضية يكون فيها صح أو خطأ ، إلا إذا كسرت قاعدة من قواعد الحياة المتعارف عليها .. لكن بشكل عام ، ممكن أن تكون وجهات النظر المطروحة كلها صحيحة ، كما في مثال يد الابريق عندنا .
الآن سأقول لكم بعض النصائح التي تعلمتها من الحياة فيما يخص فن النقاش ..
-قاطعه عادل :فنٌ للنقاش ؟!!...
ضحك العم حسن وقال : نعم يا ولدي ،
• من المهم مراقبة اسلوب كلامك في أي موضوع عرض عليك مناقشته ، لا تشخصن الأمور ، أنت تناقش سلوك فرد في موقف معين وليس قيمة الفرد ، بعضهم يستخدم اسلوب السخرية أو التسخيف للرأي الآخر ... وهذا اسلوب مرفوض تمامًا ، وقد يؤدي لفقدك صداقاتك أو علاقاتك الطيبة مع الآخر .
نظر الكل باتجاه عادل الذي ركز عينيه على إبريق الشاي هربًا من اتهام أصدقائه له ، باعتناق ذاك الأسلوب بالنقاش ..
أكمل العم حسن كلامه إن من أهم قواعد النقاش أيضًا:
• أن لا نصدر أحكامًا مسبقةً ، غير قابلة للتعديل ، فيد الإبريق إن كان موضعها من الأمام ، أو على اليمين لا تغير في القضية شيء ، إن للإبريق يد تساعد لسكب السائل منه ..
ارتفع صوت عادل :صح ياعمي فعلًا موضع يد الإبريق لا يهم ...
ضحك العم حسن قائلًا :
•لا ترفع صوتك في النقاش ، من يرفع صوته يعطي إيحاء إنه غير متأكد من معلوماته، ويستعمل الصوت العالي ليغطي عدم تأكده .
•أيضًا من المهم في فن النقاش : الإصغاء ، كيف نتعرف على فكر الآخر إذا لم نصغي لطرحه ؟!!...
لكن ، من المهم جدًا أن نصغي لنفهم ، وليس الإصغاء لنجادل ونرد لنثبت إن الآخر على خطأ...
توقف العم حسن وقال ضاحكًا : لتصبوا لي كأسًا من الشاي معكم يا شباب ، هل أنتم بخيلون حتى لا تضيفوني ؟!!...
ضحك الشباب وقام أقربهم الى الطاولة ليصب له كأس من الشاي ...
أكمل العم حسن كلامه :
•إن التركيز على النقاط المشتركة بين المتناقشين ، موضوع جدير بالاهتمام ، وهناك طريقة ذكية لتكسب بها ثقة الطرف الآخر واحترامه ، وهي أن لا تقاطعه أثناء الحديث ، ولا ترد على طرحه حتى ينتهي من شرح كامل فكرته ، فإذا ما انتهى لخص حديثه بنقاط ، كأن تقول : أفهم من حديثك إنك تقصد ... واذكر النقاط التي أنتم متفقون عليها ، ثم حدد وجهة النظر التي أنتم المختلفين فيها ... من هنا تكسر جو التحدي بينكما ، وفي نفس الوقت تركز على النقطة التي يجب نقاشها من غير أن تتشعب المواضيع ، وتنتقل من فكرة لأخرى ، فتتسع هوة الخلاف بينكم .
قال عادل : والله فكرة جميلة لم تخطر لي من قبل ، كان كل همي أن أثبت أن رأيي صحيح ، ولو سأستخدم قبضة يدي ..وتظاهر بأنه يلكم الهواء ....
ضحك الجميع لخفة دم عادل ، فهو صاحب قلب طيب مع أن صوته عالي ..
قال العم حسن ضاحكًا : تلك أسوء طريقة تناقش بها يا عادل .
ليس من الضرورة يا ولدي أن تكسب كل نقاش.
النقاشات فعلًا لتبادل الآراء ، وتوسيع المدارك بالطلاع على وجهات النظر المختلفة ، بحيث تغطي جميع جوانب القضية قدر الإمكان ...
وليس فقط لأقول : (هاأنا ذا الذي يفهم ويعرف .و..و..و..
ولا تنسى أيضًا إن من فنون النقاش : أن تتحلى بالشجاعة لتعتذر ، وتطلب المسامحة ، لو احتاج الأمر .
فأحيانًا ننفعل ونخطئ بحق صديق أو قريب في غمرة اندفاعنا في النقاش .
صاح عادل : وسأعتذر أيضًا ، ورمى نفسه أرضًا ممثلًا إنه فقد وعيه من هول الأمر ، فارتطمت قدمه بالطاولة وانقلب إبريق الشاي ..
فقام سريعًا معتذرًا عن سلوكه ، وسط ضحكات الجميع .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

705 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع