الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
الشذوذ الجنسي = اللواط تاريخه وأضراره وعقوبته في الإسلام
اللِّواط في اللغة هو اللُّصوق ، و لاطَ الرجلُ لِوَاطاً و لاوَطَ ، أَي عَمِل عَمَل قومِ لُوطٍ أي وطء الدُّبُر، و سُمي لواطاً لالتصاق اللواطي بالملُوطِ به ، أو لأنه فعل فعل قوم لُوط .
و اللواط هو الإتصال الجنسي بين ذكرين ، و هو نوع من أنواع الممارسات الجنسية الشاذَّه .
أما إتصال النساء بالنساء فهو ( السحاق ) .
سيكون تناولنا للموضوع ضمن المحاور التالية :
المحور الأول : اللواط في التاريخ :
لم يبتلِ اللهُ - سبحانه وتعالى - بهذه الكبيرة قبلَ قوم لوطٍ أحدًا من العالَمين، وعاقبَهُم عُقوبةً لم يُعاقِبْ بها أحدًا غيرهم، وجمَع عليهم من أنْواع العقوبات بين الهلاك، وقلب دِيارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السَّماء، وذلك لعِظَمِ مَفسَدة هذه الجريمة .
وتقول دائرة المعارف البريطانية ( طبعة 82 المجلد 16/604 ) إن إتصال الرجال بالرجال جنسياً لم يكن معروفاً – فحسب – عند الإغريق ، ولكنه كان يحضى بالتقدير ، لذا فإن الآداب اليونانية تمدح الشذوذ الجنسي وتشيد به . ويعتقد كثير من الباحثين أن ذلك كان محصوراً في علية القوم فقط ، بينما يعتقد آخرون أن المجتمع اليوناني بأكمله كان يشيد بالشذوذ الجنسي . ))
(( وإنتقلت عادة اللواط من الإغريق إلى الفرس وإلى الرومان وتتناقض نظرة اليهود مع نظرة الإغريق للواط ، فقد جاء في التوراة لعن اللوطية ومعاقبتهم بالقتل ))
(( وإنتقلت هذه النظرة من اليهودية إلى المسيحية التي لم تنظر فقط إلى العلاقات الجنسية الشاذة بأنها قذرة ، بل نظرت إلى العلاقات الجنسية السليمة بين الأزواج على أنها قذرة أيضاً ، والتي مجدت نظام الرهبنة )) وتواصل دائرة المعارف البريطانية حديثها فتقول (( ولكن نظام الرهبنة بمنعه الزواج أدى إلى إنتشار اللواط بين رجال الكنيسة ، وإلى المساحقة بين راهباتها ))
ويقول مقدم الدراسة د. كبلر في دائرة المعارف (( في الواقع لا يوجد أي مجتمع إنسني بدائي أو متحضر يسمح بالشذوذ الجنسي ويمدحه ما عدا ما كان في مجتمع الإغريق وفي اليابان القديمة . . وفي الطبقات الحاكمة العليا النازية ، وحديثاً جداً في الدول الإسكندنافية ، وهولندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية ))
المحور الثاني : الأضرار الاجتماعية للواط :
-1 نزع الحياء والمروءة من قلوب من يمارسون فاحشة اللواط . والقلق المسيطر على فاعل اللواط من اكتشاف أمره . وعدم ائتمان ممارسي هذه الفاحشة المسمومة حتى على أطفالهم أو إخوانهم في البيت من الإنجراف في هذا المستنقع .
2- كثرة المحن والمصائب التي يتعرض لها أهل اللواط ، فقد تجر ممارسة هذه الفاحشة إلى عواقب عظيمة ، كانتقام بعضهم من بعض بالقتل أو غير ذلك .
-3تعطل كثير من الفتيات عن الزواج بسبب انتشار هذه الفاحشة المحرمة ،واكتفاء البعض بعمل اللواط .وعدم رغبة الكثير من أهل الغيرة على الأعراض تزويج بناتهم لمن يعرفون أنه قد مارس هذه الفاحشة .
4- الذم والبغض من الناس لفاعلي اللواط ، واتصافهم بأسوأ الألقاب كالفاسق والمجرم وما شابه ذلك. واحتقار من يفعل هذا الفعل القبيح من قبل أفراد المجتمع ، فلا يكون له مكانة في قلوب الناس . وإلحاق الخزي والعار بأفراد الأسرة كافة ، بسبب ممارسة اللواط من قبل أحد أفراد الأسرة .
المحور الثالث : الأضرار الصحية الناجمة عن هذا العمل :
1 - التأثير على أعضاء التناسل والإصابة بالعقم : بحيث يضعف مراكز الإنزال الرئيسية في الجسم, ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية, ويؤثر على تركيب مواد المني, ثم ينتهي الأمر بعد قليل من الزمن إلى عدم القدرة على إيجاد النسل, والإصابة بالعقم, مما يحكم على اللائطين بالانقراض والزوال .
وكذلك من شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة, وقد يبلغ به الأمر إلى حد العجز عن مباشرته, وبذلك تتعطل أهم وظيفة من وظائف الزواج وهي إيجاد النسل . ولو قدر الله لمثل هذا الرجل أن يتزوج - فإن زوجته تكون ضحية من الضحايا ؛ فلا تظفر بالسكن, ولا بالمودة, ولا بالرحمة التي هي دستور الحياة الزوجية, فتقضي حياتها معذبة معلقة, لاهي بالمتزوجة ولا بالمطلقة .
2– التأثيرات الموضعية : فاللواط سبب في تمزق المستقيم, وهتك أنسجته, وارتخاء عضلاته, والتهابه, وفقد السيطرة على المواد البرازية, وعدم استطاعته القبض عليه, ولذلك تجد بعض الوالغين في هذا العمل دائمي التلوث بهذه المواد المتعفنة, بحيث تخرج منهم بدون شعور.
3 - الأصابة بالأمراض غير الجنسية : فاللواط قد يسبب العدوى بالحمى التيفودية, والدوسنتارية, وغيرها من الأمراض التي تنتقل بطريق التلوث بالمواد البرازية الحاوية مختلف الجراثيم ، وكذلك الإصابة بالديدان وقمل العانة .
4– الإصابة بالأمراض الجنسية : تنتشر الأمراض الجنسية في الشاذين جنسياً بصورة مرعبة
وهذه هي :
- مرض الإيدز(AIDS) = متلازمة العوز المناعي = فقدان المناعة المكتسب : هو أخطر جميع الأمراض الجنسية قاطبة . والرأي الغالب الآن بأن سبب هذا المرض هو وجود فايروس
(HIV ) الذي ينتقل عبر المني أو الدم إلى جسم الشخص فيؤدي بتكرار ذلك الانتقال إلى إضعاف جهاز المناعة وخاصة الخلايا اللمفاوية من نوع ( T4 ) ، ثم تبدأ أعراض المرض بما يشبه الأنفلونزا( حمى ، وسعال ، ونقصان في الوزن ) ويستمر أسابيع دون أن تخف الأعراض ، ثم يأتي الالتهاب الرئوي المتسبب عن الطفيلي ( Pnemocystitis Carnini ) ، وقد يقضي على المريض ، وإذا لم يقض عليه ، يأتي دور الطفيلي ( Cryptospodosys ) الذي يسبب إسهالاً شديداً مميتاً ، وإذا لم يصب بهذا الطفيلي فإنه يصاب بالورم الخبيث .
- الزهري : هو إحدى ثمار اللواط : وتسببه جرثومة لولبية الشكل اسمها (تريبوينما باليديم )وهي جرثومة صغيرة ودقيقة جداً بحيث لا ترى بالعين المجردة. سببه العلاقة الجنسية المحرمة, والوطء في نكاح محرم غير صحيح, ولا يمكن أن يحدث مطلقاً نتيجة وطء حلال, أو علاقة جنسية غير محرمة ومن أعراضه تقرحات على الأعضاء التناسلية, ومنها ما يكون داخلي, فيظهر على كبد المريض, وأمعائه, ومعدته, وبلعومه, ورئتيه, وخصيتيه .
- السيلان : وهو ثمرة من ثمرات الشذوذ الجنسي المنتنة ويعتبر السيلان من أكثر الأمراض الجنسية شيوعاً في العالم, إذ بلغ عدد المصابين به سنوياً حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 1975م 250مليون شخص ، وأكثر الناس عرضة لهذا المرض هم الشاذون جنسياً
نتائجه :يحدث التهابات شديدة في الأعضاء التناسلية, يصحبه قيح وصديد كريه الرائحة.
ويعد هذا المرض من أهم الأسباب التي تؤدي بالمصاب إلى العقم ، ضيق مجرى البول
والتهاب القناة الشرجية .
- الهربس : ومن تلك الأمراض الجنسية المخيفة مرض الهربس, ينتقل هذا المرض بالاتصال الجنسي إلى الأعضاء التناسلية, أو الفم عند الشاذين,
وتبدأ أعراضه عند الرجال بالشعور بالحكة فتهيج المنطقة, وتظهر البثور, والتقرحات على مقدمة القضيب, والقضيب نفسه, وعلى منطقة الشرج عند الذين يلاط بهم, وهذه البثور الصغيرة الحجم الكثيرة العدد يكبر حجمه, ويزداد ألمه, وتتآكل, فتلتهب من البكتريا المحيطة, فيزداد المرض تعقيداً ويخرج منه سائل يشبه البلازم, ثم صديد, وربما يمتد الالتهاب إلى الفخذ, ومنطقة العانة, فتتضخم الغدد اللمفاوية, وتصبح مؤلمة جداً .
- أمراض أخرى : ويصاب الشاذون جنسياً بأمراض أخرى نكتفي بذكر أسمائها فقط خشية الإطالة ، مثل التهاب مجرى البول من غير السيلان الذي تسببه الكلايميديا والميكوبلازما وغيرها من المكروبات . القرحة الرخوة. ثواليل الشرج . فطريات وطفيليات الجهاز التناسلي. الورم البلغمي الحبيبي التناسلي . التهاب الكبد الفيروسي. مرض الجرب ، فيروس السايتوميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج .
المحور الرابع : عقوبة اللواط في الإسلام :
ليس في المعاصي مفسدةٌ أعظم من مفسدة اللواط، وهى تلي مفسدةَ الكفر، وربما كانت أعظمَ من مفسدة القتل؛ ولهذا كانت عقوبة اللواط من أعظم العُقوبات في الدُّنيا والآخِرة.
روى إبن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن وجَدتُموه يعمَلُ عملَ قوم لوطٍ، فاقتُلوا الفاعل والمفعول به)).
ولعن الرسول - صلى الله عليه وسلم-اللوطي ثلاث مرَّات : ثبَت عنه - صلى الله عليه وسلم-أنَّه قال: ((لَعَنَ الله مَن عَمِلَ عملَ قوم لوط، لَعَنَ الله مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، لَعَنَ الله مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط))، ولم يأتِ عنه - صلى الله عليه وسلم-لعنة الزاني ثلاث مرَّات في حديث واحد، وقد لعن جماعةً من أهل الكبائر فلم يَتجاوَز بهم في اللعن مرَّة واحدة، وكرَّر لعن اللوطيَّة وأكَّد ذلك ثلاث مرات، واتَّفق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-على قتْله، لم يختلفْ فيه منهم رجلان ..
ذهَب أبو بكرٍ الصدِّيق، وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وجابر بن زيد، وغيرهم من جمهور الأئمَّة، والإمام أحمد في أصحِّ الروايتين عنه، والشافعي في أحد قولَيْه ( رضي الله عنهم جميعاً )
- إلى أنَّ عقوبته أغلَظُ من عُقوبة الزنا، وهي عُقوبة القتل، مُحصَنًا كان أو غير مُحصَن.
والدليل على هذا أنَّ الله - سبحانه - جعَل حدَّ القاتل بيد الولي، إنْ شاء قتَل وإنْ شاء عفَا، بينما حتَّم قتل اللوطي حدًّا كما أجمع عليه أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-ودلَّت عليه سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-الصحيحة الصريحة التي لا مُعارِض لها، بل عمل عليها أصحابُه وخُلَفاؤه الراشدون - رضي الله عنهم أجمعين. ولكن اختلفت أقوالهم في صِفة قتْله .
حرق اللوطي: قد ثَبَتَ عن خالد بن الوليد - رضِي الله عنه - "أنَّه وجد في بعض نواحي العرب رجلاً يُنكَح كما تُنكَح المرأة، فكتب إلى أبي بكرٍ الصدِّيق - رضِي الله عنه - فاستَشار أبو بكرٍ الصدِّيق الصحابة - رضِي الله عنهم - فكان عليُّ بن أبي طالب أشدهم قولاً فيه فقال: ما فعل هذا إلا أمَّة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أنْ يحرق بالنار، فكتب أبو بكرٍ إلى خالد فحرقه".
إلقاء اللوطي من أعلى بناءٍ ثم رميه بالحجارة:قال عبد الله بن عباس: "ينظر أعلى بناء في القرية فيُرمَى اللوطي منها مُنكبًّا، ثم يُتبع بالحجارة"، وأخَذ عبد الله بن عباس هذا الحدَّ من عُقوبة الله لقوم لوط .
المحور الخامس : دواء اللواط :
من المعلوم أن كل عقوبة جرى لها حد في الدنيا والآخرة ، فصاحبها على خطر عظيم من مقت الله وسخطه ، وأنه بذلك متعد لحدود الله ، ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ، وقد تحل عليه لعنة ربه سبحانه وتعالى إن لم يتداركه ربه بتوبة نصوح قبل أن تغرغر الروح ، ففاحشة عقوبتها ما ذكرناه سابقاً حق على مرتكبها أن يخشى عذاب الله وعقوبته ، وحق له أن يرجع إلى ربه قبل فوات الأوان ، وقبل أن يطبع على قلبه الران ، فيهلك بالعصيان ، ويكون حطباً للنيران ، نعوذ بالله من الخسران .
والطريق الذي يمنَعُ من حُصول هذا الداء يأخُذ سَبِيلين :
السبيل الأول: غض البصر؛ فإنَّ النظرة سهمٌ من سِهام الشيطان، وفي غضِّ البصر عدَّة منافع:
1- أنَّه امتثالٌ لأمر الله الذي هو غاية العبد في دُنياه وفي آخِرته، فليس للعبد في دُنياه وآخِرته أنفع من امتثال أوامر ربِّه - تبارك وتعالى - فالذي يسعَدُ في الدُّنيا والآخِرة هو مَن يمتَثِل أوامرَ الله، ومَن يشقى في الدُّنيا والآخرة هو الذي يُضيِّع أوامرَ الله.
2- أنَّه يمنَعُ من وُصول سهْم الشيطان المسموم الذي قد يكونُ فيه هَلاكُه إلى قلبه.
3- أنَّه يُلبِس القلب نورًا كما أنَّ إطلاقه يُلبِسه ظُلمة؛ ولهذا ذكَر الله - سبحانه - آية النور عقيب الأمر بغضِّ البصر؛ قال - تعالى -: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30].
ثم قال إثْر ذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: 35]؛ أي: مثَل نوره في قلْب عبده المؤمن الذي امتَثَل أوامرَه واجتنب نواهيَه، وإذا استنارَ القلب أقبلَتْ وُفودُ الخيرات إليه من كلِّ ناحية، كما أنَّه إذا أظلَمَ أقبلتْ سحائب البلاء والشر عليه من كلِّ مكان؛ من بدع وضلالة، واتِّباع هَوًى، واجتناب هُدًى.
السبيل الثاني: اشتغال القلب بما يصدُّه عن الوقوع في الفاحشة، ويحولُ بينه وبين الوقوع فيها:
النفس لا تترك محبوبًا إلا لمحبوبٍ أعلى منه، أو تخشى مكروهًا لو حدث لها سيكون أضرَّ عليها من فَوات هذا المحبوب، والمقصود هنا أنْ يكون القلب محبًّا لله - تعالى - إذ لا يمكن أنْ يجتمع للقلب حبُّ المحبوب الأعلى وحبُّ ما دونه، بل هما ضدَّان لا يَتلاقيان، بل لا بُدَّ أن يُخرِج أحدُهما الآخَر، فمَن كانت قوَّة حبِّه كلها للمحبوب الأعلى الذي محبَّةُ ما سواه باطلةٌ وعذابٌ على صاحبها، صرَفَه ذلك عن محبَّة ما سواه، والمحبَّة الصادقة تقتَضِي توحيد المحبوب وألاَّ يشرك بينه وبين غيره في محبَّته، ومن أعرض عن محبَّة الله وذكره والشوق إليه، ابتلاه بمحبَّة غيره، فيُعذِّبه بها في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخِرة، فإمَّا أنْ يعذِّبه بمحبَّة الأوثان، أو بمحبَّة الصلبان، أو المردان، أو بمحبَّة النساء، أو محبَّة العشراء والإخوان، أو محبَّة ما دُون ذلك ممَّا هو في غاية الحقارة والهوان، فالإنسان عبدُ محبوبِه كائنًا مَن كان، كما قيل:
أَنْتَ القَتِيلُ بِكُلِّ مَنْ أَحْبَبْتَهُ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ فِي الهَوَى مَنْ تَصْطَفِي
فمَن لم يكنْ إلهه مالكَه ومولاه، كان إلهه هَواه؛ قال - تعالى -: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].
الخلاصة هنا هي: أنَّ هذا الداء يتعلَّق بالقلب وليس بداءٍ عضوي، ودواؤه إنما يكونُ بعلاج القلب وإصلاحه وإصلاح إرادته؛ حتى يعودَ إلى فطرته التي فُطِر عليها، فتصلح أفعاله كما يصلح البدن بصحَّته وصلاحه ويعود إلى حاله الطبيعي.
ومع الإقرار بفاعليَّة سُبُلِ الوقاية من هذا الداء؛ كالحثِّ على الزواج، ومقاومة ما من شأنه أنْ يُثِير الغرائز المحرَّمة، والاهتمام بالأطفال وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة، ومُراقَبة تحرُّكاتهم مُراقَبةً تامَّة، ومعرفة مَن يُصاحِبون ومَن يُخالِطون، وتنبيههم بكافَّة الطرق والوسائل التي تَقِيهم من الوقوع في حَبائِل اللوطيين ولو بالطريق المباشر، وغير ذلك، فإنَّ علماء المسلمين ركَّزوا على الطريقين اللذين ذكَرناهما.
ونصائحنا من أجل الخلاص من هذا الداء هو الأخذ بهذه الأمور :
الأمر الأول: يجبُ أن يتَّضِح له أين يضع التركيز لديه؟ بعضُ الأشخاص يضعون التركيز على الحدثِ المشين، والشعور بالألم والذنب، ويصرف وقته مُنشَغلًا بهذا الأمر، وهذا غيرُ مُفِيد في الواقع، وما يجب عمله هو توجيه التركيز نحو هدفٍ واضح ومحدَّدٍ، واتخاذ قرار العودة إلى الطريق الصحيح، والإقلاع الكامل عن الفعل المشين.
هذا القرار فعلٌ، وليس مشاعر، إنه سلوكٌ ينبني على هجران ومقاطَعة كلِّ ما كان له عَلاقة بالفعل المشين، وبالأشخاص، والأماكن المرتَبِطة به، ومن ثَمَّ الانشغال بأمور إيجابيَّة تملأ الوقت وتصلح الأمر.
الأمر الثاني: يجب أن يكونَ لديه شعورٌ حقيقي بالتقزُّز من الفعل المَشِين، وامتلاك رغبة حقيقيَّة في العودة إلى الطريق الصحيح، وعدم المماطَلة في التوبة، وتعويض الأوقات الضائعة بشكلٍ صحيح. وليتذكَّر أنَّ الصحابة - رضوان الله عليهم - فعلوا أفعالًا مشينة قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام فرُّوا إليه، والتزموا بتعاليمه، وغفر الله - عز وجل - لهم ذنوبهم.
الأمر الثالث: مِن الخطورة بمكانٍ الاعتمادُ على رحمة الله - عز وجل - مع الاستمرار في ممارَسة الفعل المشين، ومن ثَمَّ تغزوه المشاعرُ السلبية التي تُحبِط أي محاولة للإصلاح، ويأخذ بالشخص للمزيد مِن الغِواية، وتمضي السنوات إلى أن يصبحَ مِن المستحيل العودة إلى الطريق القويم .
الأمر الرابع: يجبُ أن يعرف ماهيَّة مفاتيح السعادة لدى الإنسان؛ فمفاتيح السعادة تَكمُن في قُدرة المرء على بناءِ شبكة عَلاقات اجتماعية جيِّدة مع الأشخاص الصالحين الجيِّدين، ومعرفة الأمور التى تميَّز بها، والمواهب التي منحها الله - عز وجل - إيَّاه، ثم يبني حياته عليها، وأن يكونَ مِعْطاء مُنجِزاً فعَّالاً، هذه أدواتٌ مساعِدة؛ لكي يعِيد التفعيل لحياته، والتخلص مِن المشاعر السلبية التي يمرُّ بها.
ختامًا: هناك وسيلةٌ فعَّالة يجب أن يستعينَ بها طوال الوقت، وهو الدعاء، والانصياع لأمره، والتذلُّل على بابه، ومناجاته، وبث الشَّكوى له، ومن ثَمَّ الاستمتاع بعبادته، ليس خوفًا منه فحسْب، بل تقرُّبًا إليه وحبًّا به.
1656 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع