الخصوصية الوطنية في خطاب الصدر الأخير وضرورة التفعيل

                                               

                             د. عمر الكبيسي

وصف السيد مقتدى الصدر بكلام واضح وتشخيص دقيق أزمة العراق الحادة وحالة العراقيين بأنها مأساوية تتطلب وعياً واصطفافا ًوطنيا يعمل على إزاحة المالكي دون تأخير بعد أن بلغ السيل الزبى من أزمة مسدامة تهدد العراق دولة وكيانا ً وشعباً والحل لا يكمن في انتظار الانتخابات البرلمانية القادمة بل في بناء موقف سياسي تتوحد فيه جهود القوى الوطنية والسياسية الحريصة على وحدة الوطن وصولا الى إقالة المالكي وتشكيل حكومة إنقاذ جديدة .

خطاب السيد مقتدى لا ينظر اليه بمعزل عن تصريحاته السابقة الناقدة للسياسين عموما بما فيهم أعضاء تياره وقادته ففي كل مراجعاته كان ينتقد من هذا الجانب او ذاك كونه واحدا من الكتل الفاعلة ضمن الإئتلاف الوطني الذي شكل الحكومة والأكثرية البرلمانية . تلك المواقف يمكن احتسابها تحذيرية و وقائية لما وصل الحال اليوم بأداء سلطة وحكومة هو جزءٌ ربما يمكن إصلاحها وهذا ما دفع الى العمل على تنقية تياره أولا من خلال إجراءات داخلية فاعلة لكنه في تصريحاته الأخيرة كان الأمضى والأدق في التعبير بقوله ان حياة العراقيين اليوم مهددة ببقاء المالكي وأن هذا الشعب يجب ان لايسكت أو يصمت لقاء الوضع الحالي الذي الحقته السلطة به متمثلة بالحكومة ورئيسها المالكي وهو بهذا الخطاب لا يتردد من ممارسة نوع من النقد الذاتي باعتبار تياره اسهم في تنصيب المالكي بإصرار وأمام أداء البرلمان المتهاوي بالرغم من وجود كتلته المتماسكة فيه.
 لقد خاطب السيد مقتدى الصدر هذه المرة الشعب العراقي ليدلي بدلوه وينهض بنفسه للتغيير وليس الكتل المتصارعة فيما بينها وهو يدرك جيدا اليوم أن العراقيين يقتلون يوميا بلا تمييز شيعة وسنة وتركمانا ويزيدين ومسيحيين ليس بسبب سياسات امريكية او صهونية فحسب وإنما بسبب توافق إقليمي لا يريد للعراقيين الخير بل يضمر  لهم الموت العشوائي وبإرادة ساسة عراقيين قائمين على تنفيذ هذا الأداء الحكومي الكارثي الذي حرم العراقيين ليس فقط من حقوقهم الطبيعية من حياة كريمة بل ومن حقوقهم الدستورية في الأمن والكرامة وحماية القانون الذي فرض عليهم حالة طائفية من التفجيرات والمجازر الجماعية ذات الطابع الطائفي والعرقي المقيت في الجنوب والوسط والشمال والتي لقوات المالكي وجهازه الامني يدٌ طولى في تصعيدها والتغطية عليها .
يدرك السيد الصدر وهو الذي أسهم بالوقوف والتصدي لقوات الإحتلال قبل رحيلها ، أن أميركا ومن معها من قوى وأنظمة لا تريد للعراق خيراً وان سكوتها عما يجري في العراق بالرغم من نفوذها السياسي المتواجد هو جزء من أهداف احتلالها للعراق ، وإن دول المنطقة التي أسهمت وساندت الاحتلال لا تتقاطع بالنوايا فيما يخص مستقبل العراق مع المشروع الأمريكي وإلا لماذا كل هذا الفساد في الإدارة والمال والسياسة ؟.
ما يحتاجه السيد مقتدى الصدر وتياره  وكل الساسة و التيارات التي تريد للعراق عزة وكرامة اليوم هو إعادة تقويم وتماسك وحدة العراقيين وشد لحمتهم بكل أطيافهم ومكوناتهم وحراكهم واعتصاماتهم ومطالباتهم المشروعة  تحت خطاب المواطنة والوطنية التي لا تتناقض بل هي من صلب عقيدة الأديان والمذاهب والمكونات للحفاظ على العراق و وحدته وما تبقى من ثرواته وكفاءاته من خلال موقف وطني شعبي شامل بالمطالب والوسائل والغايات في عموم العراق وضاحية العاصمة بغداد  وبالتنسيق الكامل والرؤى الواضحة والقيادات الواعية لتحقيق التغيير الذي أسقط في ساحات أخرى أنظمة وطواغيت هم أعتى قوة وتمكنا من المالكي وحكومته وأقل خطورة وظلما مما تحمل من أخطاء وجرائم بحق شعبه .
 حين استعرض تصريحات السيد عمار الحكيم وطروحاته وتغيراته في نهج المجلس الإسلامي الاعلى أجد توافقا من خلال الإصرار على مبدأ المواطنة وتجنب العنف الميليشاوي والمحاصصة الطائفية والتقسيم وتبني مشروع الدولة الوطنية المدنية الواحدة وليس الدولة الدينية لا أجد خلافا بينهما في التشخيص والحل مع تصريحات الدكتور اياد علاوي والسيد أسامة النجيفي وصالح المطلك الذي كان يوحدهم خطاب الكلتة العراقية ومشروعها الوطني كما طرحوه بغض النظر عما حصل بعدئذ من اصطفافات غذِّاها السيد المالكي تارة باحتواء منظمة بدر وجناحها العسكري وقيس الخزعلي وحزب الله والصحوات الجديدة  وتارة  بضم شخوص وكتل منشقة من العراقية تحت مظلة دولة القانون او بالتوافق معها بطريقة تتنافى مع مفهوم دولة القانون ككتلة حاكمة لدولة ينفرد بها حزب الدعوة المرجعي في أجهزتها الأمنية والإقتصادية والسياسية والقضائية ، في حين ان المالكي ذاته في مؤتمره الأخير وحديثه المتشائم مع من وصفهم بالنخبة يؤكد أن العراق يمر في مرحلة خطرة وانه ينزلق الى الهاوية والجحيم وأن المحاصصة والدستور والبرلمان الحالي لن يحقق السلطة المؤهلة لإنقاذ العراق وبالتالي فهو يدرك ان العملية السياسية التي نصبته وكلف بإدارتها هي عملية فاشلة و واهية ، الشيء الوحيد الذي يختلف فيه أنداد المالكي داخل العملية السياسية مع المالكي هو أنهم يعزون سبب الفشل الى أداء المالكي على الواقع  والذي ينفرد بترسيخ هذه العملية الى خدمة مصالحه  ومصالح حزبه كيفما يشاء وبشكل غير دستوري  فيما يصر المالكي على أن النتيجة لهذه العملية السياسية وخيمة بسبب ما يكنه له شركاءه فيها من مكائد ومطبات ، لكن الحقيقة التي لا تخفى على الجميع ، هو أن العراق في ظل حكومة المالكي وبرلمان النجيفي ورئاسة الطالباني ماضِ الى الهاوية والمجهول ، فلماذا لا يحدث التغيير بكل الوسائل المتاحة ، وإذا فشل الجميع ، فهل أن شعبنا العريق قد أجدب واستكان ؟.أليس الشعب الواحد في المصير والمعاناة هو الأجدر بالحراك والتغيير قبل فوات الأوان ؟. لكنَّ الحقيقة التي يجب ان تذكر هي  : أن شعبنا اليوم هو أسير للساسة الذين الذين خدعوه وتمردوا عليه وعندما فشلوا نجدهم اليوم يستنجدون به بعد أن استنفذ الشعب ثقته بهم ولم يعد يصدق بأنهم ممكن أن يكونوا أدوات للتغيير والإصلاح .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع