الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
زَها حديد... ملكة المنحنيات- الجزء الثالث
لقد أنجزت ملكة العمارة زَها حديد الكثير من التصاميم المعمارية لمنشآت ثقافية وخدمية منتشرة في مختلف أنحاء العالم. ونفذت 950 مشروعاً في 44 دولة، منها متحف الفن الإيطالي في روما، ومتحف سينسياتي في الولايات المتحدة، وجسر أبوظبي، ومركز لندن للرياضات البحرية الذي تم تخصيصه للألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012. ومحطة الأنفاق في ستراسبورج، والمركز الثقافي في أذربيجان، ومحطة البواخر في سالرينو، وفضاء التزحلق على الجليد في إنسبروك، ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو.
هذا فضلا عن تصميمها للكثير من البنايات لمكاتب إدارية، وقاعات ومعارض، ومشاريع لتطوير المساكن.
قالوا عنها:
قبل ثلاث سنوات التقيتُ بالمهندس المعماري (محمد علي الجبوري) ممثل مكتب زَها حديد في لندن والذي ألقى محاضرة في كلية الهندسة/ جامعة الموصل وعنوانها: (عمارة زَها حديد: عبقرية التصميم ومِهنيّة التنفيذ). وقد ذكر أن مكتب زَها حديد كان يضم قرابة الخمسمائة شخص، وأن المكتب يعمل كخلية نحل وترده الطلبات الكثيفة من مختلف أنحاء العالم، وكانت تديره زَها حديد بكفاءة عالية.
كما تحدث عن زَها حديد وعن عالَمها الإبداعي وشخصيّتها القويّة التي رفعتها إلى القمّة في عالم العمارة المهندس (وسيم بديع الحلبي)، وهو أحد المهندسين الذين عملوا مع زَها حديد في وقت مُبكر.
ويستذكر الحلبي مشاركة المعمارية حديد في مسابقات لمشاريع هندسيّة كثيرة. ولم تكن الأهمية تكمن في الربح أو الخسارة آنذاك، بل في الأفكار الهامّة التي تجمعها في كتاب لتنشرها في ما بعد. ويذكر الحلبي أنها "شاركت في مسابقات أكثر مِمّا نفّذت مشاريع. "
كما يذكر الحلبي أن الألمان هم أكثر من عمل مع زَها حديد. وأن أول مبنى لفت الانتباه كان مبنى للإطفاء تابعاً لمصنع المفروشات الكبير "فيترا". ويضيف الحلبي أن "أهميّة زَها حديد كانت في ثقافتها العميقة، وهي مُلمّة بأمور كثيرة: تزور المتاحف الفنيّة وتهتم بالأعمال السينمائيّة على أنواعها، ولا تترك شيئاً على علاقة بالعين إلا وتهتم به، حتى ولو كانت مجلات متخصّصة بالشَّعر والماكياج وغيرهما، تبحث في ما تُصادفه عن الأفكار وتُغني عينها وتغذّيها، تعمل ليلاً نهاراً ولا تتعب. لقد فرضت زَها حضورها بقوّة شخصيّتها التي كانت سبب قبولها في الجامعة".
وفاتها وتركتها:
تُوفيت زَها حديد في 31 مارس عام 2016 عن عُمر ناهز 65 عامًا، إثر إصابتها بأزمة قلبية بشكل مفاجئ في إحدى مستشفيات ميامي بالولايات المتحدة، حيث كانت تخضع لعلاج من اتهاب رئوي في وقت وفاتها. وقد دُفنت في مقبرة لندن Brookwood Cemetery بجوار والدها وشقيقها فولاذ محمد حديد.
لقد تركت زَها حديد إرثا معماريا شامخا في أرجاء المعمورة فضلا عن ثروة مالية كبيرة تُقدَّر ب 215 مليون دولار.
لقد حدثت إشكالات بين ورثة زَها حديد الأربعة، وبعد أربعة أعوام من المفاوضات، تم الاتفاق بينهم على أن تؤول معظم الأصول التي امتلكتها زَها حديد إلى مؤسستها الخيرية.
وثمة خطط لتأسيس متحف، وإتاحة مِنح دراسية تركّز على دعم التعليم المعماري وتوجّه بالأخص للنساء العربيات. ومن المقرر أن تنتقل الأسهم في شركة (زَها حديد للهندسة المعمارية) إلى ائتمان للموظفين تفرض عليه ضرائب أقل، على أن يديره (باتريك شوماخر)، مُساعِد زَها حديد الذي تولّى إدارة شركتها لفترة طويلة.
كم كنا نتمنى لو فعلت زَها حديد كما فعل رجل أعمال الأرمني كالوست سركيس كولبنكيان (1869-1955) بتخصيص جزء من ثروته للأعمال الخيرية في داخل بلدها الأم العراق.
آثارها وتكريمها:
لقد نالت زَها حديد شهرة عالمية واسعة وأضحت المعمارية الأولى في العالم، وقد نفذت 950 مشروعا هندسيا عملاقا في 44 دولة.
لقد نالت زَها حديد شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية، وحصلت على وسام التقدير من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، كما أنها أوَّل امرأة عربية تحصل على جائزة بريتزكر المعمارية.Pritzker Architecture Prize
وحصلت زَها حديد على شهادة تقديرية من أسطورة العمارة الياباني كنزو تانغه، وفازت بأرفع جائزة نمساوية عام 2002، واُختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010 حسب تصنيف مجلة التايمز.
لقد ضمَّنت اليونسكو زَها حديد ضمن لائحة فناني السلام وأثنت على جهودها في مجال الفن المعماري ودورها في رفع مستوى الوعي العام للحوار الفكري والتميّز في مجال التصميم والإبداع وتفانيها في خدمة المُثل العليا وأهداف المنظمة. كما اختارتها مجلة تايم الأمريكية من ضمن المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في العالم.
وبعد فوز زَها حديد في مسابقة تشييد مركز روزنثال للفن الحديث في أوهايو عام 2004، فازت بجائزة بريتزكر والتي تعادل في قيمتها جائزة نوبل.
وفي العام 2006، منحتها الجامعة الأمريكية في بيروت درجة الدكتوراه الفخرية تقديرًا لمجهوداتها، إضافة إلى حصولها على وسام الإمبراطورية من رتبة كوماندور من فرنسا.
وفي 2007، مُنحت زَها حديد جائزة توماس جيفرسون للهندسة المعمارية، تقديرًا لمساهمتها الجدية والمتفردة في الهندسة المعمارية. وهي جائزة تُمنح للمعماريين منذ عام 1966 بشكل سنوي.
وفي 2012، حصلت حديد على الوسام الإمبراطوري الياباني ووسام التقدير من الملكة إليزابيث، كما اختيرت كأفضل الشخصيات في بريطانيا. وأصبحت زَها حديد عضوًا شرفيًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب والجمعية الأمريكية للمعماريين.
وفي 2014 نالت زَها حديد جائزة متحف لندن للتصميم لتصميمها مركز حيدر علييف في أذربيجان. وفي 2016 فازت بجائزة ريبا: الميدالية الذهبية الملكية للعمارة. وأصبحت زَها حديد أول امرأة تحصل على هذه الجائزة والتي هي أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني اعترافا بالإنجاز التاريخي في مجال الهندسة المعمارية.
لقد قامت الجامعة الأمريكية في بيروت بتكريم المعمارية الشهيرة بعد وفاتها، حيث قامت بعمل معرض لأهم أعمالها في 2016 بمعهد (عصام فارس) للسياسات العامة والشؤون الدولية، والتي قامت حديد بتصميمه وتم افتتاحه عام 2014، كما تم عرض صور من حياتها وأسرتها وعائلتها والمجوهرات التي قامت بتصميمها.
وفي بغداد، وتقديراً للمنجزات الهندسية التي قدمتها المعمارية العراقية العالمية زَها حديد، قامت بلدية الأعظمية، بعمل جدارية تحمل صورتها أمام حديقة مزروعة بأنواع الأزَهار.
وتقع الجدارية عند التقاطع المقابل لجسر الصرافية، وتبدو زَها في اللوحة ترنو إلى الحديقة المفروشة بالثيل والأزَهار والمحاطة من كتفيها بالحجر الأبيض. وقد جاءت المبادرة من أمانة العاصمة وبمشاركة من (وجدان الماجد)، الأستاذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد.
وفي العام 2016 قرر البنك المركزي العراقي إقامة نصب تذكاري للمعمارية الراحلة زَها حديد بمبناه الجديد.
من الانتقادات الموجهة لزَها حديد أنها لم تُقدّم لوطنها الأم العراق مشروعا معماريا يليق ببلد الحضارات، إلا أن بعض المصادر تفيد أن حديد قدّمت تصاميم للعراق وبدون مقابل، إلا أنها لم تلقَ اهتمامًا من قِبل الجهات المعنية.
لقد كتبتْ زَها حديد في مذكراتها عن بلدها العراق: "أليس من الغريب أن أعيش ٩٦٪ من عمري في بريطانيا.. وأنا لازلت أحن لتلك الأرض.. لم أزرها.. لا أعرف أي شيء عنها.. أهلها ليس لي علم بردّات فعلهم.. وكيف يعيشون وماهي صفاتهم العامة.. لكن شيء عظيم.. ولا يفُسر يجذبني لها كلما مرَّ ذكرها في ممرات العمر.. وكلما أذاعوا شراً عنها في نشرات الأخبار... يفز قلبي كالتي ماتت أمها"!!
رحم الله بنت العراق زَها حديد النموذج المُميز من المرأة العراقية الماجدة والتي أثبتت بالدليل القاطع سمو العقلية العراقية وشموخها إذا ما توفرت لها البيئة المناسبة. وكم كنا نتمنى لو تركت زَها حديد أثرا طيبا في بلدها وفي التربة التي نَمَتْ وترعرعت فيها لكي تستذكرها الأجيال القادمة.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
https://www.youtube.com/watch?v=JS_r7l_yRmI
628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع