بيلسان قيصر
البرازيل
كاتبة عراقية الأصل
الخارجية العراقية والدبلوماسيون الدمج
بعد فضيحة السفير العراقي في الأردن وزوجته المصون وهي تلتصق بالمطرب راغب علامة بطريقة الفيلم العاطفي تيتانك، وهي أمام زوجها، فكيف كان الحال في إنشغال أو تغيب زوجها؟ وبسلاطة لسان لا مثيل لها ووقاحة تثير الإستغراب، لا تعتذر عن عملها المخجل وتعتبر الأمر شأن شخصي، متناسية انها تمثل العراق وليس عائلتها، ولا زوجها الدعوجي. وهذه حالة لا مثيل لها في التأريج الدبلوماسي العراقي، فقد كانت زوجات الدبلوماسيين يدخلن في دورات لتعلم البروتوكول والأتكيت في دائرة المراسم في وزارة الخارجية، علاوة على الإرشادات والتوجيهات التي يقدمها الأزواج والزوجات الدبلوماسيين للأزواج. لذا كانت الدبلوماسية العراقية في عصرها الذهبي، ولا توجد دبلوماسية تضاهيها سوى الدبلوماسية المصرية، فقد أنجبت عمالقة في الفكر الدبلوماسي مثل وسام الزهاوي ورياض القيسي وأكرم الوتري ونزار حمدون ووهبي القره غلي، ووداد عجام وطه شكر والمئات غيرهم.
وفي حالة أغرب منها خرجت الى العلن فضيحة الجوازات الدبلوماسية التي وزعت لكل من هب ودب دون رقيب أو حسيب. فقد حذر تقرير امريكي من ان الجواز الدبلوماسي العراقي مهدد بعدم الاعتراف به بسبب ارتفاع عدد الحاصلين عليه خلال مدة لا تتجاوز 15 عاما ، ويقول التقرير الذي نشره (مايكل روبين) الذي يعمل في (معهد أمريكان إنتربرايز) انه وبحسب اتفاقية جنيف يحق لكل دولة عضو في الأمم المتحدة إصدار (1000) جواز دبلوماسي (لكل 100) مليون نسمة من عدد سكانه. واضاف ان اليابان التي يبلغ عدد سكانها (125) مليون نسمة اصدرت الف جواز فقط الذي هو اقل من استحقاقها اما العراق الذي لا يتجاوز عدد سكانه الاربعين مليون نسمة فقد اصدر لغاية عام 2021 مايقارب (15000) جواز. بمعنى اذا افترضنا ان عدد نفوس العراق (40) مليون، فأنه يفترض ان يصدر بحدود (400) جواز سفر دبلوماسي.
وأشار المحلل الإستقصائي بأنه في ظل هذه الفوضى العارمة في إصدار الجوازات الدبلوماسية فقد ساهمت بخلق ما يسمى فقاعة النخب السياسية في العراق والواسطة والفساد والرشاوي. حيث غالبا ما تتم عملية نقل الأموال والمصوغات الذهبية عبر الحقائب الدبلوماسية التي لا تخضع للتفتيش وفق احكام إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ونستذكر رزم الدولارات التي نقلها المهووس إبراهيم الجعفري، وكشف أمرها في مطار الحريري في بيروت وتمت مصادرتها من قبل سلطات المطار، او ربما كانت لعبة الغرض منها تمويل حزب الله اللبناني بطريقة مسرحية! المهم راحت الأموال العراقية في جيوب الغير، والشعب يأكل من المزابل. وهذا الأمر حصل مع عدد من المسؤولين العراقيين في بيروت وايران وسوريا والدول الأوربية، حيث صودرت الأموال التي كانوا يسعوا الى تهريبها. ومن المؤلم حقا أن يشبه المحلل الإستقصائي العراق بالصومال وافغانستان حيث ان هذين البلدين اصدارا جوازات دبلوماسية ووزعاها مثل الحلوى المجانية على المقربين من السلطات الحاكمة، تصوروا العراق ذو التأريخ الدبلوماسي اللامع، يقارن بالصومال وافغانستان، يا لخيبة الخيبات، اين أوصلنا شيعة السلطة وذيولهم من السنة؟
وجاءت الفضيحة الثالثة عند قيام (دبلومسي دمج) بمتابعة لعبة كرة القدم على جهاز الحاسبوب خلال إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، متناسيا انه يمثل العراق في أهم محفل دولي، وهذه الفضائح ما هي إلا عُشر الفضائح التي لم تتسرب الى الإعلام، وتتستر عليها وزارة خارجية (الدبلوماسيون الدمج). ففضائح الوزارة لا تعد ولا تحصى ومنها تجارة الدبلوماسيين بالسكاير والمشروبات الروحية التي لا تخضع الى الضرائب في الدول المعتمدين فيها، فيبيعونها الى تجار في السوق السوداء، ومعامل إنتاج المعجنات حيث يستخدمون نسب من الكحول مع المعجنات، وهذا أمر معروف سيما في أوربا، ناهيك عن التلاعب بجوازات السفر والرشاوي وغيرها.
عندما كنت أكتب المقال سألت عمي وهو دبلومسي سابق من الكادر المتقدم عما يستذكره في هذا الصدد، فقال لي، في أحد إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كان أحد الدبلوماسيين من الكادر المتقدم حاضرا خلال الإجتماع، وكان النقل يتم مباشرة، وخلال الإجتماع تابع الرئيس صدام حسين الإجتماعات، وتباغت برؤية الدبلوماسي الرفيع ـ وهو من فطاحل الوزارة باللغة الأنكليزية ومترجم لعدة كتب وله خبرة وباع في العمل الدبلوماسي ـ وكان يمضع العلكة في فمه ويلوك بها خلال الإجتماع، فأصدر توجيها لوزير الخارجية بنقل الموظف الى الوزارة فورا، وحرمانه من النقل الى أية سفارة في المستقبل، ورغم انه كان بدرجة وزير مفوض، لكنه لم يرقى الى سفير إسوة بأقرانه او ممن كانوا دون درجته الدبلوماسية، وبقي يعمل في ديوان الوزارة، وحًرم من الإيفادات لحين عام 2003 حيث رفع الحظر عنه، وقد توفي رحمه الله قبل بضعة سنوات، لذا تأدبا، وليس من اللائق أن نشير الى إسمه، ومعظم كوادر الوزارة القدامى يعرفون هذا الموضوع.
أما عن الجوازات الدبلوماسية الحالية، فقال لي، ان الجواز الدبلوماسي يتمتع به الدبلوماسي خارج العراق فقط، وعندما ينتهي عمله في الخارج وينقل الى ديوان وزارة الخارجية، تسحب دائرة المراسم في الوزارة الجواز الدبلوماسي منه، ويمكنه الحصول على جواز سفر عادي، لكنه في حال سفرة مثلا للخارج فيمكن ان يقدم طلبا الى دائرة المراسم لتزويده بجواز السفر الدبلوماسي، وبعد الإستفسار منه عن الغرض من السفر، يقرر رئيس دائرة المراسم منحه من عدمه.
وفي حال الإيفادات للوزراء، فيتم منحهم جوازات سفر دبلوماسية، وتسحب منهم عند عودتهم الى العراق وإنتهاء مهمتهم او إيفادهم، وكذلك تمنح الى رجال المخابرات عندما تكون لهم مهمام خاصة في الخارج، وغالبا ما تكون بأسماء مستعارة، علاوة على حراس السفارة، وعادة يكونوا إثنين وهم من جهاز المخابرات، ومما أذكره بهذا الصدد ان حامل البريد السياسي (من المخابرات جميعهم حينها) الى دولة اوربية جاءنا بجواز سفر دبلوماسي بإسم مستعار، وبعد شهرين جاءنا نفسه بجواز سفر دبلوماسي يحمل اسما آخر، وهذه حالة نادرة، ولا نعلم ان كشفته الدولة الأوربية أم لا، أم تغاضت عنه؟
أما النواب في المجلس الوطني (البرلمان) فيتم تزويدهم بجواز سفر خدمة، وليست دبلوماسية، ويكون عادة لهم شخصيا فقط، وليس لزوجاتهم وابنائهم.
بالنسبة للدبلوماسيين تكون جوازات سفرهم دبلوماسية حمراء اللون، وتمنح لزوجاتهم وابنائهم (دون 18 سنة) فقط خلال مدة عملهم في خارج العراق، وتسحب منهم خلال إنتهاء مهام عمل الزوج او الزوجة الدبلوماسية، وفي بعض الأحيان ولحالات الضرورة القصوى قد يمنح الموظف الإداري جواز سفر دبلوماسي لتسهيل عمله أوعدم توفر كادر دبلوماسي كاف في السفارة.
وأثار عمي إنتباهي لأمر ملفت حقا للإنتباه، قائلا في فترة التسعينيات من القرن الماضي، بسبب الوضع المالي الصعب للعراق بسبب الحصار الإقتصادي الجائر، أغلقت بعض السفارات، وأخرى كان يديرها دبلوماسي واحد فقط، وقال عمي انه عمل في دولة اوربية هو والسفير فقط، مع خمسة عمال محليين، وقال: كنت الشخص الثاني، اي نائب السفير، والقنصل، والمستشار الثقافي (لدي 50 طالب بعثة) ، والمحاسب، ومسؤول البريد السياسي، والموظف الإداري، وبسب تغيير السفراء وطول فترة تقديمهم اوراق الإعتماد والمباشرة في السفارة والتي تمتد لمدة تصل الى ستة أشهر او اكثر، كنت أشغل جميع هذه الظائف إضافة الى مكان السفير كقائم بالأعمال المؤقت، وكانت السفارة تمشي على أفضل ما يرام، ولم يشكو أحد من أبناء الجالية سوء معاملة او تأخر في إنجاز معاملته، مع ان الرواتب كانت ضئيلة جدا وبالكاد تكفي لسد المعيشة وربما إدخار جزء يسير، وغالب الأيام أداوم مساءا وخلال العطل الإسبوعية والرسمية أيضا، وأغادر السفارة بعد إنتهاء الدوام بساعتين على أقل تقدير.
أقول: اليوم يوجد العشرات من الموظفين الدبلوماسيين والإداريين ومعظمهم من ابناء المسؤولين، مع هذا فالسفارات على أسوأ ما يكون، والخدمات سيئة، والمعاملات تتأخر، والتعامل مع أبناء الجالية سيء للغاية.. سبحان الله اين كنا وكيف صرنا!
ملاحظة
سنعود الى زاويتنا أفكار شاردة، ولأهمية هذا الموضوع اعطيناه أسبقية.
554 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع