عائشة سلطان
الشغف
من أكثر العبارات التي تتداولها أدبيات التنمية وتطوير الذات «اتبع شغفك ولا تتخلَ عن حلمك»، فحين يحدثك أحدهم بأكثر الكلمات تأثيراً عن أولئك الذين نالوا ما حلموا به، ووصلوا لمساعيهم، برغم كل الصعوبات التي اعترضت طريقهم، لأنهم اتبعوا ما آمنوا به، تشعر بأنك مستعد لمناطحة الجبال، وصولاً لما تؤمن بأنه حقك، وبأنك قادر على بلوغه.
لكن الأمر ليس مجرد حماس عاطفي، فإن مشجعي كرة القدم، هم أكثر الناس هوساً بها، لكنه الهوس الذي يدفع للتخريب دائماً، انتصاراً للعبتهم!
إن الإنسان بحاجة للشغف الحقيقي، الذي يدفعه بقوة، لكنه يستلزم أدوات وشروطاً أخرى كثيرة، فإذا قرأت حكاية الفتى الذي رحل من إيطاليا إلى مصر مقتفياً حلمه، الذي قاده إلى أقدم الأهرامات، ليعثر على كنزه الذي حلم به، رغم مصاعب الطريق، كما جاء في الرواية الشهيرة (الخيميائي) للبرازيلي باولو كويلو، ستعرف أن الطريق لمصر لم يكن ميسراً، وأن الإيمان لم يغادر قلب الفتى لحظة.
في القرن الثامن عشر، بزغ نجم طفل عبقري، هو موزارت، أبدى هوساً شديداً بالموسيقى، وجلس لأول مرة على آلة الهاربسكورد، وهو في الثالثة من عمره، ما أثار اهتمام الجميع، وفي الخامسة من عمره، وضع أحد أكثر أطفال النمسا هوساً بالموسيقى، أولى قطعه الموسيقية، وتعلّم العزف على الكمان.
وفي السادسة من عمره، عزف موزارت في العاصمة النمساوية فيينا، أمام الأرستقراطيين وأفراد الأسرة الحاكمة، وأثار ذهول الجميع، بسبب صغر سنه، فأثار إعجاب الإمبراطورة ماريا تيريزا، وابنتها ماري أنطوانيت، المرأة التي ستصبح ملكة فرنسا المستقبلية.
ولقد زرت مدينة موزارت، ومنزله في سالزبورغ، إحدى أجمل مناطق النمسا، وشاهدت كيف يزدحم الناس لتتبع آثار وحياة موزارت، وشراء الأسطوانات التي تخلد المقطوعات الخالدة التي ألّفها، حتى إن مجموع ما يبيعه موزارت في العالم وهو ميت، أكثر من مجموع ما يبيعه مشاهير الغناء الأحياء.
إن حياة موزارت القصيرة (توفي وعمره 38 عاماً)، واحدة من أكثر قصص الشغف إثارة للإعجاب والدهشة.
612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع