أ.د. سيّار الجميل
خفايا ودلالات -الحلقة 8: العقيد الركن عبد الوهاب الشواف 1918- 1959م
لا يمكن فهم حركته في الموصل 1959 الا بعد معرفة من يكون !
مقدمة
لعب العمل السياسي والتناحر الايديولوجي والإرهاب السياسي والديني .. فضلا عن المصالح الشخصية والوصول الى السلطة .. أدوارًا رئيسية وخطيرة ومتخلفة في سياسات الشرق الأوسط. من المستحيل فهم تعقيدات السياسة الإقليمية دون فهم المكائد السرية التي تكمن تحت السطح. وتأتي هذه " الرؤية " بعد دراسة متعمقة لدور العمل السري في السياسة العراقية والعلاقات الداخلية المتشظية بين عامي 1958 و 1959. ودور هذه الشخصية المضطربة التي تسمّت حركة الموصل بأسمه تاريخيا سواء قبيل او اثناء انفجار الموصل في 8 آذار / مارس 1959 ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قاد حركة التغيير ضد الحكم الملكي في العراق فجر 14 تموز / يوليو 1958.
سأتحدد في هذه الحلقة ، بموضوع شخصية عبد الوهاب الشواف ولا اتشّعب الى موضوعات أخرى سعى غيري الى تغطيتها سواء ما يخص دور الحكومات الأجنبية في التلاعب بالانقلابات العسكرية العديدة في العراق كجزء من الصراعات في أواخر عقد الخمسينيات من القرن الماضي وخصوصا الفجوة التي برزت بين تقاليد الرجال الساسة المحنكين وبين حكم الضباط الانقلابيين العراقيين، وهي الفجوة التي جرّت العراق الى مستنقع عدم الاستقرار في مرحلة سادت فيها الحرب الباردة دوليا والحرب الباردة عربيا ، وخصوصا دور السلطة في الاقليم الشمالي السوري على عهد الجمهورية العربية المتحدة من قبل رئيس الأمن عبد الحميد السراج وهو عرّاب المعارك السرية مع لبنان والأردن والعراق منذ عام 1957بتوجيه مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر (1) ..
دعوني اقف عند شخصية عبد الوهاب الشواف الذي ينقسم العراقيون ازاء تاريخه بين مؤيد ومناصر لحركته الانقلابية في الموصل كونه " ثوري " وبين معارض له أشد المعارضة كونه " متآمر " .. ان اسئلة عدة تدور في ذهن المؤرخ وهو يقرأ ما نشر حتى الان عن حركة الشواف 1959 ، وعلى الرغم من وجود اسرار ينتظرها المستقبل ، الا ان أجوبة واضحة ينبغي ان تقال بصدد حركة الشواف في الموصل عام 1959 ، اذ انها وليدة ما حدث يوم 14 تموز 1958، وهذا هو الذي سنعالجه في الحلقة القادمة من خفايا ودلالات.
أسئلة التاريخ
ينبغي ان نتساءل بعد مرور عقود من السنين على هذا " الحدث " الذي تسمّى باسم الشواف ، او غيره من الاحداث التي عصفت بحياة مجتمعاتنا العربية ، وخصوصا في العراق : هل كانت هناك في الواقع اسباب حقيقية وطنية للصراع بين ابناء الوطن الواحد ؟ ومن زرع الفتن السياسية من خلال صدام الايديولوجيات ابان الحرب الباردة ؟ هل كانت التبريرات مقنعة للعقلاء وقت ذاك عندما صمتوا خوفا من ان يدفعوا الاثمان الغالية ؟ هل فكر المرء قليلا في خطاب اولئك الذين تنازعوا سياسيا وعقائديا وايديولوجيا باسم "الوطن" ضد الرجعية والاستعمار وهم جميعا - كما توضح بشكل مفضوح - كانوا يسعون من اجل السلطة ؟ لماذا زج الجيش نفسه في صراعات السياسيين المؤدلجين ؟ لماذا فشلت كل السياسات التي مارسها العسكر في الحكم ؟ ولماذا اختلقت قوى وميليشيات اوليغارية منذ 14 تموز 1958 وحتى اليوم تحت مسميات : المقاومة الشعبية والحرس القومي والجيش الشعبي وصولا الى الحشد الشعبي ؟ لماذا لم يزل حتى اليوم من يؤيد هذا على حساب ذاك ؟ واجد ذلك حتى لدى المؤرخين الذين يستوجب ان يكونوا موضوعيين منصفين لا يحيدون عن طريقهم ، ولكننا لم نزل نجدهم يميلون حيثما يتوافق ذلك مع عواطفهم او اهوائهم او تربوياتهم السياسية او مع المناخ السياسي لكل نظام سياسي وشعاراته ؟ اتمنى اكون مغردا خارج كل الاسراب بعيدا عن تمجيد هذا والتصفيق لذاك على حساب ادانة هذا وذاك ، فالكل احملهم مسؤولية الأحداث المأساوية التي عصفت بحياة العراق وتاريخ العرب المعاصر .
اتجاهات المؤرخين المتنافرة
لقد كتب العديد من المؤرخين والكتاب العراقيين والاجانب عن حركة الشواف في الموصل 1959، وقد سجّل بعض الضباط الذين عملوا برفقته مذكراتهم عنه وتوصيفهم له وتكلموا عن شخصيته واجابوا على تساؤل مهم : هل كان له دوره الحقيقي في الحركة التي تزعمها في الموصل ؟ وهل كان قد خطط ذلك بنفسه بذكاء ؟ وهل خدعته القوة الموهومة بتحقيق الانتصار ؟ فمن المؤكد انه لم يضع في حساباته الفشل وبهذه السرعة اذ فوجئ بالطائرات من بغداد تدك معقله في الغزلاني بدقة متناهية ! وقبل الاجابة على هذه التساؤلات اقول بأن السنوات القادمة تنتظر الكشف عن وثائق تاريخية جديدة عدا المتوفرة حتى الان سواء كانت رسمية ام شخصية سواء كانت بالعربية او الكردية .. فضلا عن ان الروايات التي أوردها البعض اغلبها شخصية وليست رسمية .. اما التفاسير والشروح والتحليلات العلمية ، فلم تزل نادرة او انها تقع في دائرة الانحياز لهذا الطرف او ذاك ، اذ لم تزل هناك رؤى متباينة بين القوميين والناصريين والبعثيين والوطنيين الديمقراطيين والشيوعيين والاسلاميين والاستقلاليين والكرد البارتيين وقوى العشائر والبعض من قوى اليمين من الملكيين .. وبين آونة واخرى نقرأ معلومات لا تعرف مصادرها الحقيقية ، ذلك ان الحركة قد اشتركت فيها مختلف العناصر العسكرية والمدنية ضد الشيوعيين والمتعاطفين معهم من القاسميين واليساريين الراديكاليين . وثمة من صبغ كتاباته بالادعاءات والاكاذيب وجعل من نفسه بطلا في الاحداث على هذا الجانب أو ذاك .
عبد الوهاب الشواف : من يكون ؟
هو العقيد الركن عبد الوهاب الشواف (1918-1959) ( تذكر اغلب المراجع ان ولادته عام 1916 ببغداد ، ولكن تحققت ان ولادته كانت عام 1918 ) ( 2) وهو الذي قاد حركة التمرد ضد حكم عبد الكريم قاسم في مدينة الموصل التي كانت تعيش اوضاعا انقسامية مريرة في 8 آذار من عام 1959، والتي عرفت باسم (ثورة الشواف). وهو من اسرة دينية معروفة سنية ومالكة للأراضي. (3)، وكان والده طه الشواف اديبا وعالماً فقيهاً وعمل قاضياً في بغداد. أكمل عبد الوهاب الدراسة الإعدادية ببغداد، وانخرط في الكلية العسكرية ، وكان عبد السلام عارف من رفاقه في الصف ويسبقهما الطبقجلي . وتخرج فيها برتبة ملازم ثم انتسب إلى كلية الأركان العراقية وتخرج فيها، كما انتسب إلى مدرسة الضباط الأقدمين ملتحقا بمدرسة كبار الضباط في بريطانيا. (4) وتفوق فيها. وتدرج في السلك العسكري، ويخطئ مهدي هيرافي في كتابه بقوله أن الشواف كان يميل أيديولوجيًا إلى حزب البعث (5)، في حين يقول المؤلف خوان روميرو إنه كان يميل إلى الحزب الوطني الديمقراطي ، الذي كان اشتراكيًا معتدلاً. (6) وثمة من قال بأنه كان يميل الى الماركسية والافكار الشيوعية، ويرى الزعيم الكردي مسعود بارزاني ان الشواف كان ديمقراطيا (7) . فكيف تغيّرت افكاره ليكون زعيما لانتفاضة قومية يقف من ورائها جمال عبد الناصر ويضع الشواف صورة عبد الناصر في مكتبه ؟
دوره في تنظيم حركة 14 تموز / يوليو 1958
نعم ، كان أحد الضباط السبعة البارزين الذين خططوا ونفذوا انقلاب 14 تموز / يوليو. ( في أحد السيناريوهات العديدة التي خطط لها الضباط الأحرار، كان الشواف وزميله الضابط أحمد محمد يحيى يشنان التمرّد مع عودة وحدات جيشهم إلى أبو غريب ، بالقرب من العاصمة بغداد ، من الرطبة ، في الصحراء الغربية للبلاد. في أوائل مايو/ ايار 1958. وقد رفض يحيى الشروع في المناورة ، ولكن الضباط الأحرار في بغداد لم يقدموا الدعم للشواف. لاحقًا ، تم ثني الشواف عن بدء الانقلاب من قبل أحد قادة الجماعة وهو عبد الكريم قاسم ، الذي كان يخشى أن يؤدي أي نجاح من جانب الشواف إلى تحدي دور قاسم القيادي في المستقبل.(9) بمعنى ان الخلاف الشخصي كان متجذّرا بين قاسم والشواف قبل اشهر من 14 تموز / يوليو وقد بقي الاثنان ضمن الهيئة العليا للضباط الأحرار (10). ويبدو واضحا ان الشواف ابن العائلة البغدادية الشهيرة كان يستخف بكل من قاسم وعارف كونهما من طبقة اجتماعية ادنى ، فكان ان حقد عليه الاثنان ، ولم يكن الشواف متملقا لاصحاب الرتب العليا ، بل كان يرى نفسه فوق الجميع . لقد حز في نفسه كثيرا أن يكون مجرّد آمر موقع وهو العضو القديم في هيئة الضباط الأحرار ، وقد انتمى الى التنظيم منذ العام 1953 ؟!
مع نجاح ثورة 14 تموز / يوليو 1958 ، بمصرع الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء نوري السعيد ، خشي النظام العسكري الجديد منذ اللحظات الاولى من الموصل التي استقبل اهاليها الحدث بالزغاريد في قلب المدينة وبكل فئاتها السكانية باستثناء انصار النظام القديم ، وتم تنصيب عبد الوهاب الشواف حاكمًا عسكريًا عامًا بمرسوم صدر يوم 14 تموز . ولكن خصمه عبد السلام عارف اصر على ابعاده الى الموصل فتولىي منصب قائد الحامية الأقل نفوذاً يوم 15 يوليو / تموز. فحزّ ذلك في نفس الشواف ، خصوصا وانه يعتبر نفسه اكبر مكانة اجتماعية من القائدين الاثنين ، واعتبر هذا خفضًا غير مبرر من قبل هذا الذي نصّب نفسه قبل ساعات زعيما للبلاد عبد الكريم قاسم وصاحبه الذي جعله نائبا له ، وفسر ذلك على أنه وسيلة لإبقائه بعيدًا عن بغداد ، مركز السياسة العسكرية العراقية. (11) وقد كان احد ابرز المشاركين في اللجنة العليا للضباط الاحرار – كما رأينا - .
ابعاده الى حامية الموصل
كان قد انضم لحركة الضباط الأحرار في عام 1953 والتي قدر لها ازالة النظام الملكي واعلان النظام الجمهوري في 14 تموز/ يوليو 1958، فنصّب مباشرة حاكماً عسكرياً عاماً، وفي 15 تموز / يوليو ، ألغي تعيينه بأمر من عبد السلام عارف، ونقل آمراً لحامية الموصل، وبدا واضحا ان خلافا كان قد جرى بينه وبين قائدي الانقلاب قاسم وعارف ثم اشتد الخلاف في مطلع آذار / مارس 1959 حين أمر قاسم بعقد (مهرجان انصار السلام) في الموصل مستهدفا من عقده تدمير الجبهة القومية فيها والمتماسكة ضده وضد الحزب الشيوعي ، وبالرغم من تحذيرات الشواف وسفره الى بغداد وتحذيره قاسم من مغبلا الامر ان عقد المهرجان ، لكنه فشل في إقناع عبد الكريم قاسم، فتمرد عليهِ وأعلن الانتفاضة من إذاعة محلية ، وكان البيان الأول لهذه الانتفاضة يدعو قاسم للتخلي عن السلطة، لكن حركته جوبهت بالقوة العسكرية، فقد أصدر قاسم أوامره بقصف الحامية ومراكز الانتفاضة الأخرى، فقاد الهجوم الطيار خالد سارة قائد السرب وقصف مقر الشواف فجرحه، وعند نقلهِ إلى المستشفى تصدى لهُ احد الشيوعيين فأرداه قتيلاً، وفي رواية أخرى أن الشواف مات منتحراً، وأغلب الروايات المحلية تؤكد سحل جثته في شوارع الموصل والتمثيل بها من قبل عناصر من المقاومة الشعبية - كما ذكر ذلك عدد كبير من شهود عيان - ، اذ بدأـت انتفاضة شيوعية مضادة . وهناك من يقول بأن جثته نقلت إلى بغداد، ودفنت في مقبرة الغزالي، وبعد.
انقلاب البعثيين على قاسم في 14 رمضان 1963 / 8 شباط نقل رفاته إلى جامع أم الطبول حيث مقابر رفاق انتفاضته من الذين أعدمهم النظام القاسمي بعد أن حوكموا في محكمة المهداوي . . ويستخف به سعيد ابو الريش كون شخصيته صغرى واقل تأثيرا في القيادة (12) . لكن زعيم كردستان العراق اليوم السيد مسعود البارزاني ، يرى أن الشواف كان "أحد أبرز الضباط الأحرار من ذوي الميول الديمقراطية"- كما ذكرنا سلفا - .
سايكلوجية الشواف الصعبة
اخبرني بعض من عرف عبد الوهاب الشواف عن قرب وتعامل معه او كان تحت امرته أنه كان ضابطا لا يعرف الابتسامة أبدا ، وكان عصبي المزاج، قليل الصبر متسرعا غاضبا ولم يهتم بمن يقدّم له التحية، ولم يعر الاخرين اي اهتمام .كان ناقما على النظام الملكي لأسباب تافهة ، ولكنه كان يعشق السلطة والتفرّد بالقرار.. ويسعى لأي منصب كبير في الدولة مهما كان الثمن .. وبدا واضحا من موقف اخويه اثر تمرده ببقاء ولائهما للزعيم قاسم بالرغم من موقف قاسم منه وتوصيفه له بابشع الصفات وقد جلبا لنفسيهما العتب الاجتماعي . وقد حدّثني عنه كل من صديق اسماعيل وكنعان الملاح وعبد الباسط يونس – رحمهم الله - أنه كان انسانا صعب المراس والمزاج ، ولم يتورّع عن شتم قاسم ، ولكنه اهتاج عندما وصله ان احد القضاة شتم قاسم وناصر معا !! لم يعرف الا مكتبه اثناء الدوام ونادي الضباط من اجل السهر فيه . لقد خالفه حتى اخوته ، ولكنه كان لا يعبأ بأحد. ويقال – نقلا عن أحد مرافقيه - انه كان ممتعضا من خطاب عبد السلام عارف في الموصل بعد 14 تموز / يوليو 1958 الذي اثار التهكم والاستهزاء ! هنا اقول : ان صدقت هذه الاوصاف عنه ، فهل كان رجلا عاقلا في مغامرته الملتبسة ؟ واذا كان ديمقراطي النزعة ، فهل من السهولة عليه ان يتزعم حركة اشتركت فيها عدة اطراف غير متجانسة ابدا : قوميون وناصريون وبعثيون واستقلاليون واسلاميون وعشائريون كرد وعرب .. الخ وهل من السهولة ان لا ينصت الى الطبقجلي الذي ارجأ توقيت الحركة ؟ وهل كان تأجيله للحركة حتى لو كان اسبوعا حسب رأي عبد الناصر ، انه سينجح فيها ؟ كان كل طموحه ان يكون زعيما للعراق .. فما معنى ان يكون عبد الكريم قاسم زعيما وهو لا !!!؟ ولكن ان قادت الصدف بنجاح الضباط الاحرار في قلب نظام الحكم الملكي ، فليس معنى هذا ان يكون العراق مرتعا للانقلابات العسكرية وهذا ما جرى على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين .. وقد صيغت كلها باسم الثورات !
وأخيرا وليس آخرا،
اقول رحم الله الجميع وغفر لهم متمنيا أن يتعلم الجميع من تجاربهم التاريخية من اجل بناء المستقبل .
الملاحظات والمراجع
(1) التفاصيل في : سيار الجميل ، العراق وعبد الناصر : الرهانات المستحيلة في الذاكرة العربية : كشف وثائقي عن حقائق تاريخية جديدة ، ط1 ( بغداد : مكتبة دجلة ، 2022)، ص 228 – 229.
(2) نقلا عن مقال المؤرخ ابراهيم خليل العلاف " العقيد الركن عبد الوهاب الشواف 1916-1959 " معتمدا على : هاشم عبد الرزاق صالح الطائي في رسالته للماجستير غير المنشورة والموسومة ( ثورة الموصل القومية 1959 :دراسة تاريخية ) التي قدمها الى مجلس كلية الاداب بجامعة الموصل سنة 1999
(3) عن آل الشواف ، انظر : يونس الشيخ إبراهيم السامرائي البغدادي ، مجالس بغداد ط1 ( بغداد : المكتبة العالمية ، 1985 ) ، ص 108- 109 . وحميد المطبعي ، موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ، ج2 ، ط1 ( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1996) ، ص 156.
(4) Ghareeb, Edmund (2004). Historical Dictionary of Iraq. Scarecrow Press.. p. 220.
(5) Heravi, Mehdi (1973). Concise Encyclopedia of the Middle East. Public Affairs Press. Concise Encyclopedia of Middle East. 1973, p. 27.
(6) Romero, Juan (2010). The Kurds And the State: Evolving National Identity in Iraq, Turkey, And Iran. University Press of America 2010, pp. 107–108.
(7) Barzani, Massoud (2003). Mustafa Barzani and the Kurdish Liberation Movement. Palgrave Macmillan. 2003, p. 213.
(8) Ghareeb, loc. Cit.
(9) معلومات استطعت ان احصلها منذ زمن طويل عن كل الهيئة ، وذلك من أحد الضباط الأحرار هو الزعيم الركن خليل سعيد ببغداد عام 1988 ، وأكدها لي لاحقا العقيد صديق اسماعيل الكتبي في الموصل عام 1992 .
(10) يذكر حنا بطاطو ان زعماء الانقلاب الثلاثة هم عبد الكريم قاسم ومحي الدين عبد الحميد وناجي طالب ، ولكن يضاف لهم كل من الزعماء ناظم الطبقجلي وعبد العزيز العقيلي وخليل سعيد . اما العقداء الذين شاركوا في اللجنة العليا ، فهم سبعة ضباط ، هم : رجب عبد المجيد وعبد الوهاب امين عبد الوهاب الشواف وعبد السلام عارف ومحسن حسين الحبيب وعبد اللطيف الدراجي وطاهر يحيى ولحق بهم عبد الرحمن عارف . اما من كان برتبة مقدم ، فهم : عبد الكريم فرحان ووصفي طاهر واحمد حسن البكر . راجع : حنا بطاطو ، العراق ( الكتاب الثالث ) : الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار ، ترجمة : عفيف الرزاز ، ط2 ( بيروت : مؤسسة الابحاث العربية ، 1999) ، ص 95 .( وقد تأكدت من الاسماء المذكورة في اعلاه من المرحوم الزعيم خليل سعيد الذي اضاف اسماء لم يذكرها حنا بطاطو ) .
(11) “IRAQ: The Revolt That Failed”. Time. 23 March 1959.
(12) Aburish, Said K. (2004). Nasser, the Last Arab.(New York City: St. Martin’s Press.), p. 179.
الصور المرفقة : عبد الوهاب الشواف وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف
انتظروا الحلقة القادمة من خفايا ودلالات ، وفيها تحليل الالتباسات في حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل 8-9 آذار / مارس 1959 .
تنشر هذه الحلقة يوم الخميس 29 ايلول / سبتمبر 2022 على الموقع الرسمي للدكتور سيّار الجميل
----------------------
خفايا ودلالات
الحلقة 9 : حركة الشوّاف الانقلابية في الموصل 1959 :
موضوع ملتبس في صراع من اجل السلطة صبغته الايديولوجيات !
مع تحريف الحقائق وتزييف التناقضات
أ.د. سيّار الجميل
مقدمة :
نتواصل في حلقتنا التاسعة هذه بما انتهينا اليه في الحلقة السابقة من خفايا ودلالات .. وكما ترون ان هذا "الموضوع" يعد ملتبسا على اشد انواع الالتباس. ومن يغامر بالبحث فيه فهو كمن يمشي على الجمر، ليس لخطورته حسب ، بل لزحمة تناقضاته وكثرة الاراء المنقسمة حوله. وكلها تاتي من مواقف سياسية مضادة لبعضها الآخر . ناهيكم عن بقاء الصراعات الايديولوجية عن تفاصيله التاريخية. ولم تزل المواقف المحتدمة عنه بين الشيوعيين واليساريين والقاسميين وبين القوميين والبعثيين. والناصريين والعارفيين. وبين الاسلاميين والاستقلاليين. وبين العرب والكرد. وبين اهل المدينة وابناء الاطراف . ومن المضحك ان اي طرف منهما يتهكم بالاخر ويسخر منه ، بل ويتهمه بالعمالة والمأجورية ، ولم اجد حتى يومنا هذا بحثا نقديا وموضوعيا واحدا يقف على مسافة بعيدة من كل الاطراف وتناقضاتها المريرة . ان من السخرية بمكان بقاء الخصوم يتهم احدهم الاخر ويكشف عن عورات لا اساس لها من الصحة ، بل وان كل من الطرفين يرفض اية موضوعية ولا يقبل ان يدين نفسه ويعترف بحجم اخطائه التي انتجت الكارثة التاريخية والتي لا يمكن تفسيرها الا نتاج صراع الايديولوجيات في القرن العشرين ! وحتى هذا اليوم فان البعض من القادة والزعماء غدوا اشبه برموز مقدسة لا يمكن نقد اخطائهم، ولا توضيح جناياتهم ولا قرارتهم التي قادت الى فواجع وهزائم منكرة نعاني من تداعياتها حتى يومنا هذا !
ثورة الموصل والموت والسحل
حلل المؤرخ حنا بطاطو العوامل التاريخية لتفاقم الاوضاع السياسية وعزاها الى اسباب طبقية اجتماعية ضمن صراع المجتمع المحلي نفسه ، وقد غالى كثيرا في هذا " الموضوع " وهو لا يدرك طبيعة ذلك المجتمع ابدا ، مما يجعل احكامه خاطئة في اكثر المواطن (1 ) ، فالمجتمع الموصلي لم يكن مفككا الى هذه الدرجة التي تسمح بتراكم البغضاء والاحقاد ، اذ ان التباينات السياسية قد ولدّت الانقسامات الاجتماعية باستثناء حالات متوارثة لدى العشائر – التي لم يعرفها حنا بطاطو - مع بعضها الاخر مثل تنازع شمر مع البو متيوت الذي غدا سياسيا بعد ان كان عشائريا بولاء شمر للملكية وولاء البومتيوت لقاسم ! كان التعايش سائدا في المجتمع حتى العام 1958 م، وخصوصا في مجتمع الموصل. ان ثورة الموصل ضد الزعيم قاسم لها اسبابها المباشرة ، وقد تسارعت الانقسامات السياسية هلاميا في داخل المدينة بتفكك المجتمع الى معسكرين اثنين : معسكر شيوعي وأخر قومي وبدأ يتفاقم بشكل سريع سواء في داخل المدينة ام بين مجتمعها المحلي في الداخل وبين اطرافها وتوابعها المتنوعة التي ناصبتها العداء .
عبد الناصر بين قاسم وعارف والشواف
وقف الزعيم قاسم مع اليسار العراقي وبالاخص الشيوعيين العراقيين في حين كان الرئيس عبد الناصر على الطرف الاخر ومعه كل القوميين والبعثيين والحركيين العراقيين ، بمن فيهم الشواف ، وقد تنافس الطرفان على النفوذ الإقليمي. وبحلول شباط / فبراير 1959 ، كان قاسم قد اعتقل منافسه عارف ، على الطرف القومي والمطالب بالوحدة مع عبد الناصر، وكان ان طرد كل الضباط العراقيين الوحدويين من القيادة العسكرية كما كان قد طرد من قبلهم كبار القادة العراقيين الاعلى رتبة منه بعد نجاح انقلابه ضد الملكية .. وكان الشواف يأمل ان يكون بديلا لعارف وشغل منصبه كوزير للداخلية لكن قاسم تجاهله وابقاه آمرا لحامية الموصل ، وهو المنصب الذي احتقره الشواف منذ التحاقه به في يوم 15 تموز / يوليو 1958 (2 )
هكذا ، بدأ التآمر من قبل الضباط المؤيدين للوحدة في المنفى اذ جعلوا مصر ملجأ لهم للاطاحة بقاسم بمساعدة عبد الناصر ورئيس استخبارات المنطقة الشمالية (سوريا) وهو عبد الحميد السراج. ( 3) وكان هذا الأخير على معرفة تامة بقاسم وعارف مذ التقاهما لأكثر من مرة قبل 14 تموز / يوليو 1958 في صحراء الاردن مبعوثا من عبد الناصر (4) وبدا الشواف ساخطًا بالفعل على قيادة قاسم ، ولا اعتقد انه نفسه قد بدأ تأثيره بشكل أكبر على القوميين العرب العراقيين ، بما في ذلك حزب البعث ، للتحرك ضد قاسم . بالتعاون مع السراج الذي نسق الشواف عمليات تهريب أسلحة إلى الموصل من سوريا والذي عرف برشاش بور سعيد .( 5) اذ ارى ان الشواف قد وقع نفسه تحت تأثير القوميين وخصوصا المقدم محمود عزيز وتنظيمه فضلا عن تأثير بعض الشخصيات المعارضة للزعيم قاسم (6) . وكان قاسم اذكى من الشواف في التخطيط للقضاء عليه وسحق المعارضة في الموصل في حين نستشف من سيرورة الاحداث ان الشواف لم تكن له اية خطة هجوم ذكية ، ولا اية احترازات أمنية ، ولا اية دفاعات للتراجع .. وقلب نظام الحكم ليس مجرد ارسال طائرة لقصف وزارة الدفاع لم تصل الى هدفها ، او اذاعة بيان باسمه من اذاعة بائسة لم تسمع ! وكان ذلك جراء تسرعه وتهوّره وظن الجميع ان بيان رقم واحد من الموصل سيسقط حكم قاسم !
الموصل : قاعدة جيوتاريخية للانتفاضات
1/ احتقان الموقف : مهرجان انصار السلام وانفجار الموصل
كان قاسم ، على علم تام بتنامي قوة المعارضة ضده في منطقة الموصل ومحاولة درء تمرد محتمل ، اذ سمح لأنصار السلام الشيوعيين بعقد اجتماع حاشد او مهرجان في الموصل وأرسل قوات المقاومة الشعبية التي يقودها الشيوعيون من بغداد في قطارات السلام لتعزيز الثوار. وقد بلغت اعداد المشاركين في المسيرة من المعارضين للعروبة قرابة 100 ألف بمن فيهم الشيوعيين في الموصل والمتعاطفين معهم وخصوصا من ابناء الاقليات. لقد اندلعت اشتباكات بينهم وبين القوميين من ناصريين وبعثيين في الموصل بين 5-7 مارس/ آذار 1958 ( 7) . ولم يتمكن رفعت الحاج سري صاحب فكرة الانقلاب ومقره بغداد من تنظيم الخطة بحلول وقت الاضطرابات. ومع ذلك ، فتجاوز الشواف رفيقه رفعت وايضا آمره الطبقجلي .. وكانت المشاعر القومية والدينية لسكان الموصل قد وصلت أوج ذروتها وعنفوانها ضد الشيوعيين وانصار السلام والمقاومة الشعبية .ويخبرنا صديق اسماعيل الكتبي في مذكراته ان الشواف واركان قيادته قد اقترح ان تنّصب مدافع موجهة الى ساحة ملعب الادارة المحلية محل اقامة مهرجان انصار السلام ، وان يبدأ رميهم ، اذ لم تلق هذه الخطة اي تأييد، ولكن حدثت مواجهات صعبة في الشوارع وخصوصا في شارع المحطة وشارع الفاروق وشارع نينوى والنبي شيت .. اذ كانت مدينة الموصل قد انقسمت الى قسمين يفصل بينهما شارع نينوى شمال المدينة ومركزه المكاوي للشيوعيين وجنوب الشارع اي من باب السراي الى رأس الجادة ومركزه النبي شيت للقوميين والبعثيين !
2/ حركة الشواف الانقلابية 8 آذار / مارس 1959
أعلن الشواف حركته الانقلابية على قاسم في 8 مارس/ آذار 1959 ، وأذاع البيان رقم واحد من اذاعة جلبت عبر عين زالة من سوريا . وأكد لي عبد الباسط يونس ان بيان الشواف اذاعه فاضل الشكرة وهو بعثي معروف ، وقد حاكمه و اعدمه المهداوي لاحقا .. ويزعم محمود الدرة انه اذاع البيان بنفسه ! ورفع علم الجمهورية العربية المتحدة فوق قلعة الموصل. في إعلانه ، صرح الشواف علنًا أن قاسم "ألقى بآلاف المواطنين الأبرياء في معسكرات الاعتقال ، التي لم يُشاهد مثلها في ظل حكم نوري السعيد ..." ( 8) . وكان الوزراء القوميون قد اعلنوا استقالتهم الجماعية قبل يوم واحد من حركة الشواف وقبلت استقالاتهم يوم 7 آذار / مارس 1959 (9) ، ولكن لا علاقة للوزراء بالحركة .. كما قام الشواف على الفور باعتقال المشتبه بهم من الموالين لقاسم داخل اللواء الخامس وخصوصا في كتيبة الهندسة واغلبهم من الشيوعيين ، وكذلك عدد من المدنيين يعتقد أنهم من الموالين لقاسم. كما تم اعتقال الزعيم الشيوعي لحزب انصار السلام المحامي الموصلي كامل قزانجي وإعدامه شخصياً من قبل محمود عزيز نيابة عن الشواف أثناء توقيفه في الثكنة الحجرية (10) . تلقى التمرّد دعمًا من قبيلة شمر ومقاتليها الذين تمكنوا من الوصول إلى ضواحي الموصل قبل أن تقصفهم طائرات قاسم . كما حصل الشواف على دعم بعض القبائل الكردية ، لكن حركته الثورية واجهت أيضًا عناصر أكراد غير نظامية موالية للحكومة وأعضاء مسلحين من أنصار السلام.
3/ مصرع الشواف 9 آذار / ماري 1959 وفشل الحركة
في اليوم التالي ، 9 آذار / مارس ، أصيب الشواف بشظايا قصف الطائرات وهو في مكتبه الأعلى بموقع الموصل في الغزلاني ولم تكن هناك اية احتياطات امنية، ونقل وهو جريح إلى المستشفى العسكري ( في مطار الموصل وليس قرب الثكنة الحجرية – كما اشيع - ) ، فدخل ضابط صف مضمد الى غرفته في المستشفى وأطلق النار عليه من مسدسه (11)، وكانت تلك اللحظة الحاسمة لنهايته بعد ان سحلت جثته في الشوارع ، وانقلب الموقف رأسا على عقب بفرار الضباط المتآمرين والقبض على من تبقى منهم، وبدأ ينهار كل شيئ مذ قتل الشوّاف ، وافتقد الآمن رسميا وبقيت الموصل بلا ادارة ولا شرطة ولا امن .. فاستبيحت من كل الاطراف المناوئة ، وتشكلت الكميونات الشيوعية في كل من المركز العام ( مديرية الشرطة) والاعدادية الشرقية في قلب الموصل لآخذ الثارات من القوميين والثائرين وتصفية الحسابات معهم ، وينفي فخري بطرس عضو اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في كتاباته حدوث اية محاكمات من قبل الشيوعيين للقوميين ولا وجود لتلك الكوميونات ( 12) ، وكان قد هرب عدد من الضباط والمدنيين الى سوريا ومنهم من مات بتأثير جروحه في الطريق (13)، وانفلت الامن وبدأ السحل والقتل وتعليق الجثث على اعمدة الكهرباء ومجازر بشعة ونهب القصور والبيوت والاسواق وفرار السجناء ومهاجمةالبيوت وتم القبض على العديد من ضباط الشواف المشاركين معه وسفرّوا الى بغداد بالقطار وهم في اسوأ حال (14) تبع ذلك على الفور حملة واسعة قادها الشيوعيون للانتقام من المواطنين والجنود الموالين للشواف في الموصل (15) وبحلول نهاية الأعمال العدائية ، قُتل ما يقرب من 2000-3000 انسان عراقي واغلبيتهم من الموصل وهذه مبالغة كبيرة ، اذ ان اعداد القتلى المعروفين مع المعدومين كانوا بالمئات وليس بالالاف منهم من قتل في العلن ومنهم من قتل في السر ومنهم من اختفى .. وتدهورت العلاقات العراق مع عبد الناصر وبدأ جرح غائر بين القوميين والشيوعيين العراقيين لسنوات طوال ممثلا ذلك برمزين ( بطلين ) قادا حركة 14 تموز / يوليو 1958 قاسم للشيوعيين وعارف للقوميين.
تساؤلات واستنتاجات
ان إعلان العصيان من قبل الشواف في مدينة الموصل ضد مركزية بغداد، ومطالباً قاسم بالتنحي عن السلطة ليس عملا سهلا ولا عاطفيا ولا شعاراتيا ، فقد أمر عبد الكريم قاسم بضرب الموصل، وكانت ضحايا هذه العملية التي عرفت باسم حركة عبد الوهاب الشواف وسماها البعض بعصيان او تمرد او مؤامرة في حين كان القوميون والناصريون والبعثيون يمجدونها كثورة او انتفاضة كونها محاولة جر اذن لقاسم ، وانها مهدّت لازالة قاسم من السلطة ، ووصول البعث اليها لحكم العراق(16) .. وقدم قادة الحركة عدد من الضباط الأحرار إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة، ومنهم ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري، ونافع داود، وأحمد شهاب، ورعيل كبير من الضباط والطيارين الموصليين الى محكمة المهداوي كي يحاكموا علنيا وينفذ بهم حكم الإعدام رميا بالرصاص يوم 20 سبتمبر/ ايلول 1959م، في ساحة أم الطبول غربي بغداد ، ويسجن الآخرون . ومن باب تبييض الوجه ، تشكلت لجنة تحقيقية خاصة برئاسة القاضي سالم محمد عزت للتحقيق في حوادث القتل التي حصلت وعندما وصلت لجنة التحقيق الى الموصل وكان من ضمنها ضابط الشرطة سامي عبدالجبار صدقي، صادفت عدة مضايقات من قبل المسؤلين الجدد الذين خصصوا مكانا لها في الثكنة الحجرية وقد اعترضت اللجنة لدى الحاكم العسكري العام احمد صالح العبدي، فابدل المكان بالنادي العسكري وقامت سيارة جيب عسكرية مزودة بمكبرات الصوت في التجول في مدينة الموصل تبلغ الاهالي عن مكان اللجنة في النادي العسكري وتدعوهم للتقدم بشكاواهم وتوافد الناس للابلاغ عن اهاليهم المغدورين ،واستخدمت اللجنة صور عامة لتمكين الاهالي من التعرف على المجرمين الذين قدموا الى دارهم وكان منها صورة لاعضاء للمحكمة القصابية لدى لقائهم بالزعيم عبدالكريم قاسم.. اما مجزرة الدملماجة فقد ابلغ احد الجنود ضابط الاستخبارات عضو اللجنة بمكانهم ووجودا هناك الشهداء المغدورين لدى الكشف عن المكان(17).ولكن بدأت سلسلة الثارات ضد الشيوعيين من قبل عناصر قومية وناصرية وبعثية بحركة اغتيالات كان لها نتائجها الاجتماعية السيئة .
وأخيرا وليس آخرا ،
هل نستعيد انفاسنا قليلا لنسأل اسئلة تاريخية مركزة : اذا كنا قد عرفنا اسباب الحركة فما هي نتائجها التاريخية؟ هل المسؤول عنها شخص واحد اسمه عبد الوهاب الشواف ام مسؤولية بلد ومجتمع وحكومة باسرها ؟ اليست الحركة وليدة 14 تموز / يوليو 1958 ، وقد خرجت من عباءتها ؟ فقوى الصراع متنوعة وكلها قوى سياسية وحزبية تبلورت بعد اعلان النظام الجمهوري ؟ واذا كان الشواف يدرك خطورة الموقف في الموصل ، فهل يأتي العلاج منها ؟ هل كان عبد الناصر صادقا في تأييده الحركة ؟ وما دور اعلامه الصاخب في تأجيج الصراع ؟ وماذا انتجت الحركة على الارض لاحقاً ؟ حملة اغتيالات لمئات الاشخاص من قوى سياسية مختلفة لم تسكتها الحكومة عن قتل واغتيالات بقيت متلاحقة لسنوات حتى عام 1963 قام بها أناس عرفهم المجتمع فردا فردا وهم من الناصريين والبعثيين وكانت الحكومة ببغداد تعرف ما يجري بالتفصيل وتعرف الجناة ولكنها لم تقبض عليهم ولم تحاكمهم او تقتص منهم ! لقد قتل العشرات من الشيوعيين واليساريين واغتيل البعض بالخطأ، وكان ذلك سببا مباشرا في هجرة الالاف المؤلفة من اهل الموصل الى بغداد بالذات او الى الخارج جراء الاحتقان السياسي والاجتماعي في الموصل ابان حكم عبد الكريم قاسم . وبعد ازاحة قاسم عن زعامة جمهوريته (الخالدة) ، وصل البعثيون الى السلطة وقد جعلوا من حركة الشواف ثورة قومية بعثية احتفالية ، واقيمت المهرجانات والقيت القصائد والاشعار، واستقبل كل القوميين الفارين من الموصل عام 1959 مدنيين وعسكريين في مطار الموصل عام 1963 استقبالا اسطوريا .. اعود لأقول ان الجميع يعد مسؤولا عمّا حدث ، اذ كان الاحتدام حلقة من حلقات صراعات الحرب الباردة في العالم .. ان الاهم ان يتعظ الانسان من اخطائه لا ان يبقى يدور في دوامة التفاخر والامجاد ، او يدور في دوامة السبّ والشتم وصبّ اللعنات .
الملاحظات والمراجع
(1) حنا بطاطو ، العراق ( الكتاب الثالث ) : الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار ، ترجمة : عفيف الرزاز ، ط2 ( بيروت : مؤسسة الابحاث العربية 1999) ، ص 179 – 181 .
(2) صديق اسماعيل الكتبي ، العراق ... بداية النهاية : رواية الأحداث والمشاهدات الشخصية من 14 تموز 1958 الى 8 شباط 1963 كما يرويها أحد منفذيها ، ، ط1 ( الدار العربية للموسوعات ، 2006 ) .
(3) Kirk, George Eden (1961). Contemporary Arab Politics: A Concise History. Taylor & Francis.1961, p. 155.
(4) راجع : سيار الجميل ، تفكيك هيكل : مكاشفات نقدية في اشكاليات محمد حسنين هيكل ، ط1 ( بيروت & عمّان & لندن ، الاهلية للنشر والتوزيع ، 2000) ، وايضا : سيار الجميل ، العراق وعبد الناصر : الرهانات المستحيلة في الذاكرة العربية ( كشف وثائقي عن حقائق تاريخية جديدة ) ، ، ط1 ( بغداد : مكتبة دجلة ، 2022 ) .
(5) Rathmell, Andrew (1995). Secret War in the Middle East: The Covert Struggle for Syria, 1949–1961. Tauris Academic Studies.
(6) عبد الفتاح علي البوتاني ، القريب من تاريخ الموصل : قراءات في نصوص تاريخية معاصرة ، مراجعة وتقديم : جبار قادر ( اربيل : الاكاديمية الكردية ، 2021 ) ، ص 39 – 48 .
(7) LIFE, 1959, p. 35.
(8) "IRAQ: The Revolt That Failed". Time. 23 March 1959.
(9) عن الاستقالة الجماعية ، انظر : كتاب "تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968"، الصادر عن بيت الحكمة في بغداد. 2000 ( بتحرير نوري عبد الحميد العاني ) .
(10) هناك تفاصيل موسعة عن احداث الثكنة الحجرية ساعة بساعة تتضمنها وثيقة نادرة بخط اليد وهي تقرير مخطوط رفعه عريف كردي الى قيادة الحزب البارتي حول ما جرى للضباط والجنود الكرد والعرب اثناء حركة الشواف . لقد قرأته بدقة متناهية وهو بحاجة الى اعادة نشر مع دراسة متعمقة .
(11) جعفر عباس حميدي في مقالته ( شهود الدقائق الاخيرة : عبد الوهاب الشواف قتل ام انتحر ؟ ) المنشورة في مجلة (افاق عربية ) العدد 1-2 كانون الثاني -شباط 1999.
(12) سلسلة خمس مقالات نشرها فخري بطرس في الحوار المتمدن ردا على احد( المأجورين ) – على حد وصفه - وهو ينفي كل ما هو متداول لدى الناس عن حركة الشواف ، وينفي كل التهم عن الشيوعيين ويتهم المتآمرين بالقتل والسلب والنهب . وكأن كل ما جاء به من اعترافات الشيوعيين في " الكتاب الأسود " لا أساس لها من الصحة !
(13) معلومات مفصلة كتبها لي في رسائل الدكتور البرت رسام طبيب سنجار ارسلها لي منذ سنوات وستنشر قريبا .
(14) راجع كتاب صديق اسماعيل ، المرجع السابق .
(15) التفاصيل في : حازم حسن العلي، انتفاضة الموصل : ثورة الشواف 7 آذار 1959 ، ( الدار العربية للموسوعات ، 1987 ) .
(16) عن دور البعثيين في الحركة ، انظر : نديم احمد الياسين في مقالة له بعنوان ( ثورة الموصل ودور حزب البعث في التمهيد لها وتفجيرها ) المنشورة في مجلة (آفاق عربية ) العدد (5) مايس 1989.
(17) معلومات قدمها لي الاستاذ نعمان عّزت مشكورا نقلا عن اوراق المرحوم والده رئيس اللجنة التحقيقية وكان عضوا في محكمة تمييز العراق .
735 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع