د. سعد ناجي جواد
خواطر في الذكرى الثالثة لانتفاضة شباب العراق واستمرار الفشل في تشكيل حكومة جديدة.. وحول الانتهاكات الجديدة لحرمة الاراضي العراقية.. وتحية للناخبين الكويتين
تمر اليوم الذكرى الثالثة لانتفاضة شباب العراق التي اقضت مضاجع قادة الاحزاب المتنفذة في العراق عند قيامها عام 2019، واجبرت رئيس وزراء غير منتخب على الاستقالة بعد ان تلوثت يداه هو واعوانه بدماء ما يقارب الف شهيد ناهيك عن العدد الكبير من الجرحى والمختطفين الذين لا يعرف مصيرهم. وما يؤسف له ان جذوة هذه الانتفاضة المهمة والجماهيرية قد خبت وانتهى تاثيرها او غاب الامل في ان ينتج عنها الاصلاح المطلوب ولعدة اسباب: اهمها القسوة المفرطةالتي استخدمت ضد المنتفضين السلميين العزل، وعدم وجود اية قوة لحمايتهم وعدم وجود قيادة واضحة ومنظمة لها، وخيانة العديد من الذين طرحوا نفسهم كقادة لتلك الانتفاضة، وذلك عن طريق قبولهم بالمغريات المادية والسلطوية لهم، مما جعلهم ليس فقط يتخلون عن الانتفاضة، بل ويعملوا على التامر عليها والتعاون مع السلطات والمليشات المسلحة لتصفيتها. وما تبقى من تحركات بسيطة لا يمكن التعويل عليها لتحقيق اي اصلاح حقيقي، ولو ان استمرارها يدلل على بقاء الرغبة في التغيير نحو الاحسن.
في المقابل فان الاحزاب والتكتلات والمليشيات المسلحة المشاركة في العملية السياسية لم تكتفِ بالتغافل عن مطالب الغالبية العظمى من الناس بالاصلاح ومحاربة الفساد ومحاكمة المفسدين، وانما وضعت العراق في دوامة سياسية دخلت في شهرها الحادي عشر، مع اصرار على تحدي ارادة الناخبين ومواظبة مقيتة على تدوير نفس الوجوه الفاسدة التي هيمنت على العملية السياسية منذ ما يقارب عقدين من الزمن. وهذا الامر يتشارك فيه جميع الاطراف المشاركة في العملية السياسية. فالسيد مقتدى الصدر امر النواب الذين يمثلون كتلته، والذين شكلوا الاغلبية بعد اعلان نتيجة الانتخابات، بالاستقالة من مجلس النواب، دون اي اعتبار لاصوات الملايين التي انتخبتهم، وبذلك حرم البرلمان من صوت مختلف ويمثل ثقلا في داخله، وبغض النظر عن حقيقة ان النواب المستقيلين كانوا صالحين او فاسدين، او انهم كانوا سيمثلون نموذجا رقابيا اصلاحيا. في حين ان حلفائه، وحرصا على مكاسبهم السياسية والمادية سارعوا الى التخلي عنه، على الرغم من انه نفعهم في بعض الدوائر.
اما الاطراف المختلفة مع السيد الصدر فانها اصرت، وبصورة غير قانونية او مشروعة، على مليء المقاعد الشاغرة باشخاص تابعين لها كانوا قد خسروا في الانتخابات، بكلمة اخرى لم ينتخبوا من قبل المشاركين في عملية التصويت، يضاف الى ذلك صغر نسبة الناخبين (لم تتجاوز نسبة المشاركين في الانتخابات ال 20% من مجموع الذين يحق لهم المشاركة في التصويت).
اما القضاء فلقد وقف شبه متفرج ولم يتخذ موقفا حازما من كل التصرفات التي ادت الى خلق ازمة سياسية مستمرة، وعندما تدخل كان تدخله لصالح جهة ضد جهة اخرى. وفي النهاية اصدر قرارا اعتمدت عليه الاطراف الخاسرة في الانتخابات واعتبرته تفويضا لها لتشكيل الحكومة القادمة. والاهم انه لم يعط رايا في سلامة وضع مجلس النواب الحالي من الناحية الدستورية. وهكذا ربما ستكون هذه المرة الاولى في تاريخ التجارب الانتخابية التي سيقوم فيها نواب فاشلين في الانتخابات، (سمح لهم بالحصول على مقاعد انتخابية بصورة غير قانونية او شرعية)، بتسمية رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء والموافقة على الوزراء الذين سيختارهم الاخير. وستكون هذا الحكومة ممثلة ل 10% فقط او اكثر بدرجة من الشعب العراقي. وليس هنا المجال للحديث عنالتزوير او التلاعب بالاصوات او شبهات الفساد التي طالت قادة هذه المجموعة، والتي سبق وان تم التطرق لها في مقالات سابقة، (طبعا هذا لا يعني ان الاطراف الاخرى اكثر نزاهة).
ويبقى العراقيون حابسي انفاسهم خشية من التوتر الذي يسود الوضع العراقي الداخلي في هذه الايام، وخوفا من السلاح السائب والمتوفر بكثرة لكل الاحزاب والتكتلات السياسية.
في آخر اجراء لرئيس الوزراء الحالي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، والذي فشل لحد اللحظة في اتخاذ موقف حازم مما جرى ويجري، وخاصة منذ ان اعلنت نتائج الانتخابات في نهاية العام الماضي، تم وضع القوات المسلحة العراقية في حالة الانذار والتاهب، وان هذه القوات اخذت على عاتقها حماية امن البلاد وارواح المواطنين، وستمنع اي تنظيم مسلح غير مرخص من العبث بالامن الداخلي، وانها لوحدها سيكون لها تواجد على الارض، وكل مظهر مسلح غير الجانب الحكومي سيتم التعامل معه بحزم. الغالبية العظمى من الناس ارتاحت لهذه التصريحات، ولكن هل سيثبت السيد رئيس الوزراء على موقفه هذا، وفي وقت تتصاعد فيه احتمالية وقوع مواجهات عنيفة بين الكتل المتصارعة في ذكرى انتفاضة تشرين وفي سبيل عرقلة عقد الجلسة التي قد ينتج عنها انتخاب حكومة جديدة. وهل سيقدم على انتهاز هذه الفرصة لكي ينهي وجود السلاح المنفلت والمليشيات التي تعمل خارج القوات المسلحة العراقية؟ ام انه سيتراجع في اخر لحظة كما فعل في المرات السابقة؟
من ناحية اخرى فلقد تعرضت بعض اراضي كردستان العراق لهجمات صاروخية ومن قبل طائرات مسيرة مرة اخرى، مما ادى الى وقوع خسائر من المدنيين الابرياء وفي الممتلكات. واعترفت ايران بقيامها بهذه التجاوزات، وهذه الحادثة ليست الاولى وبالتاكيد لن تكون الاخيرةوفي ظل التشرذم الذي يمر في العراق منذ عام 2003، ومرة اخرى تطالب فيه حكومة الاقليم الدولة المركزية بالقيام بواجبها في حماية ارواح ابناء الشعب العراقي من الاكراد، وهو حقيقة ما يجب ان تقوم به الحكومة، ولكن هذا الامر يستدعي تعاون بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم، وهذا لن يتم اذا ما استمر الاقليم باتباع سياسة الناي بالنفس عن كل تعاون مع السلطة المركزية ومنع الجيش العراقي من الدخول الى المحافظات الشمالية. صحيح ان تغيرا طفيفا قد طرأ على تصريحات بعض قادة الاحزاب الكردية، من ناحية التركيز على الاخوة العربية – الكردية، ومن ناحية التركيز في الاحاديث على العراق كدولة واحدة، الا ان الامر يحتاج الى خطوات عملية اكبر لترسيخ هذه العلاقة بل والاخوة وتمتينها بعد ما اصابها من تصدع بسبب تصرفات السياسيين من الطرفين.
اخيرا وبعيدا عن العراق فلابد من توجيه التحية للناخبين الكويتين، ليس فقط لانهم تمكنوا من اجراء انتخابات نيابية مثالية وسلمية، وليس لانهم نجحوا في انتخاب نسبة عالية من الوجوه التي تمثل المعارضة الوطنية، او هكذا تطلق على نفسها، وانما، وهذا هو الاهم، انهم افشلوا محاولة من ظل يطبل ويزمر للاعتراف باسرائيل للوصول الى البرلمان، ليثبتوا مرة اخرى، وبغض النظر عن ما تقوم به بعض الحكومات، ان الغالبية العظمى من الشعب العربي في كل مكان ستبقى واقفة ومؤيدة وداعمة للحق الفلسطيني ورافضة لوجود الكيان المغتصب. ونبقى ننتظر من البرلمان الكويتي الجديد ان يتصدى للاصوات التي تحاول الاضرار بمصالح العراق،او تسعى الى شراء ذمم بعض السياسيين او المسؤولين العراقيين الفاسدين لتمرير مشاريع تضر بمصلحة العراق.
واعتقد ان هذه الاشارة السريعة كافية لتوضيح موقف اغلب العراقيين.
401 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع