سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية
علاقات أميرك وإيران.. بين غاز المتوسط ومسيرات أوكرانيا
يسود توجهان نافران ومتنافران ساحة العلاقات الأميركية والأوروبية من جهة، والإيرانية من جهة أخرى.
هذا ما يبينه تتبع التطورات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تبرز ملامح تسوية "الخطوة خطوة" بين الولايات المتحدة وإيران، في ملفات بعينها.
فهذه التسوية التي تناقض كل الشعارات "الممانعة" التقليدية، من طهران تجاه واشنطن، هي منبع كل الوفاق المقرون بحلول تتدفق في أكثر من اتجاه، سواء كانت مرتبطة بإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أو بتعيين رئيس جمهورية العراق وتسمية رئيس الحكومة بعد شلل أطاح بمفاعيل الانتخابات التي لم يتقبلها الجانب الإيراني وحلفاؤه، في حينه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى مساعي السفيرة الأميركية في العراق إلينا رومانوسكي، منذ أن حصل محمد شياع السوداني على أوراق تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وحرصها على أن "تنجح جهود القوى السياسية.. وضرورة تشكيل حكومة تسهم في استعادة الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، لأن الفشل هذه المرة سيكلف العراق تداعيات خطيرة"، مقابل الأريحية التي تسود حركة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في ترتيب مصالح إيران العراقية بالتزامن مع جهود السوداني لتشكيل حكومة تستطيع الصمود في حقل ألغام هذه المصالح.
ويبقى الحدث الأهم في ملامح هذه التسوية، والذي تترجمه زيارة وفد من حركة "حماس" الفلسطينية إلى دمشق، بعد قطيعة استمرت عشرة أعوام، وذلك بعد مصالحة للفصائل الفلسطينية في الجزائر، يفترض أن تمهد ليس لمقاومة ما برعاية محور "الممانعة"، ولكن لترسيم حدود بحرية بين قطاع غزة وإسرائيل للتنقيب عن الغاز في حقل مارينا التابع للقطاع.
وفي حين يتم تبرير هذه التطورات، بأنها تسهيلات لا بد منها لتأمين الغاز من حقول شرق المتوسط البحرية لدول الاتحاد الأوروبي المهددة بالعتمة والصقيع، يأتي التدخل العسكري الإيراني على جبهة الحرب بين روسيا والولايات المتحدة ليكرس التناقض في المواقف والعلاقات وازدواجية المعايير.
فالاتحاد الأوروبي تسعى دوله، وتحديدا فرنسا، بكل جهودها وطاقتها الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين الأميركيين والإيرانيين بغية التوصل إلى اتفاق ينهي مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، ويسمح لهذه الدول بمعاودة التعامل الاقتصادي مع إيران، بعد رفع العقوبات عنها، ما يخفف من أزمات القارة العجوز الاقتصادية المتفاقمة بعد كارثة "كورونا" وحرب الروس والأوكرانيين.
إلا أن مواقف هذا الدول بدأت تتعرض للاهتزاز والضبابية والحيرة بمواجهة إقدام إيران على تزويد روسيا بمئات المسيّرات، التي استخدمت في تنفيذ ضربات استهدفت المدن والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا.
والأرجح أن تتفاقم هذه الحيرة، على الرغم من تداعيات الضربات العسكرية ومؤشراتها التي تمس بأمن أوروبا، وذلك بعد تسجيل فتور الرد الأميركي على هذا التدخل، ومن دون إغفال تصريحات واشنطن "الناعمة نوعا ما" والمتعلقة بالورطة الداخلية لإيران التي تصارع لإخماد الاحتجاجات الشعبية العارمة والمستمرة إثر مقتل مهسا أميني بعد اعتقال شرطة الأخلاق لها، والتي تدخل أسبوعها الخامس، وتحديدا بعد تسجيل عبارة: "ندعم المحتجين في إيران لكننا لا نريد إسقاط النظام"، التي جاءت على لسان المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي.
بالتالي، لن يكون مفاجئا أن يسود غموض وتذبذب وارتباك إعلامي في الساحة الدولية تعليقا على التوجهين النافرين والمتنافرين بين الشرق والغرب في المقاييس الأميركية لجهة التعامل مع إيران، ما سوف يؤدي إلى وجود أكثر من خطاب، لتبدو المواقف رمادية وخاضعة لمبدأ "تقسيم أدوار" ترقبا لتطورات الوضع برمته وتوخيا لمبادرات تنهي هذه المعاناة وتعيد التوازن إلى العلاقات مع روسيا وتطوى صفحة هذه الحرب.
ولكن هذا الحلم لا يزال بعيدا. وبالنظر الى خلفية كل ما يحصل من تباينات، يبدو أن واشنطن ليست مستعجلة للحسم بشأنها، ما دامت تمنحها أوراق ضغط يمكنها أن تستغلها وفق مروحة واسعة من الاستخدامات التي تصب في مصلحتها وتعزز وجودها أينما تشاء.
636 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع