د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
في الذكرى ١٠١ لتأسيس شرطة العراق
تحتفل الشرطة العراقية في التاسع من كانون الثاني من كل عام بذكرى تأسيسها ففي التاسع من كانون الثاني عام 1922 تشكلت الشرطة العراقية، لتنهض مع شقيقها جيش العراق الباسل بمهمة حماية امن الوطن، وكان للجيش والشرطة العراقيين عبر التاريخ مواقف خالدة ومشهودة، وبطولات ترسخت في تاريخ حافل مجيد امتدَّ عقوداً من الزمن، قدّم فيها كل من الجيش العراقي الباسل والشرطة الوطنية العراقية بمختلف تشكيلاتهما أمثلة رائعة في التضحية والفداء والايثار والحرص على أمن الوطن.
وفي الحقيقة التاريخية أن الشرطة العراقية كانت موجودة قبل الاحتلال البريطاني وقبل تأسيس الحكم الوطني العراقي، ففي العهد العثماني كانت هناك تنظيمات لقوة الشرطة وتحكمها نظم البوليس العثمانية، وكانت ترتبط بالوالي العثماني، الذي كان يعين قائد الشرطة. وحين تم تأسيس الحكم الوطني بعد الاحتلال الانكليزي تم اعادة تنظيم الشرطة العراقية من قبل الانكليز وكانت في البداية تضم ضباط انكليز ومراتب من العراقيين والهنود.
في الرابع من آب عام 1919 أصدرت قيادة قوات الاحتلال البريطاني (بيان البوليس) رقم 72 لسنة 1919 لغرض تنظيم وتحديد واجبات وصلاحيات الشرطة بعد انشاء دولة العراق الحديثة آنذاك والذي ألغى نظام البوليس العثماني المؤرخ في 2 مايس 1908. وتعليمات واجبات البوليس صدرت باللغتين العربية والإنكليزية وتتألف من 15 مادة موزعة على 13 صفحة تتناول واجبات وصلاحيات الشرطة وسلطاتهم في القبض والتوقيف ووسائل الاجبار على الحضور.
وفي التاسع من كانون الثاني عام 1922 ومع تأسيس مديرية الشرطة العامة وتعيين العقيد نوري السعيد (خريج الكلية العسكرية العثمانية) مديرا عاما لها، وتم اتخاذ مبنى الوالي العثماني في السراي مقرا لها. فقد تم تعيين عدد من العراقيين كضباط في الشرطة العراقية وبوشر تدريجيا بالاستغناء عن الضباط الانكليز واليهود في هذا المرفق الحيوي في حياة المواطنين العراقيين واحلال ضباط عراقيين بدلاً عنهم في واجبات وخدمات الشرطة.
وقد سبقت هذا التاريخ، وتحديدا ما بين عامي 1920 و1922 عدة مراسلات ومخاطبات مهمة بين أركان الدولة العراقية آنذاك، سبقت تاريخ تأسيس الشرطة العراقية. فبعد انهيار الدولة العثمانية وسقوط العراق بأيدي قوات الاحتلال البريطانية، ومن ثم تأسيس الحكم الوطني في 23/8/1921 كانت هناك اجتماعات ومراسلات أعقبت البيان الذي أصدرته دائرة القائد العام لقوات ما بين النهرين (ميسوبوتاميا) على أثر عقد اجتماع موسع في 2/1/1921 اوضحت فيه ان المجتمعين وجدوا ضرورة تشكيل مديرية للأمن العام Public Security في نطاق وزارة الداخلية.
واستمر العقيد نوري السعيد بمهمته كمدير عام للشرطة من 9/1/1922 لغاية 1/6/1922 أي لمدة اقل من (6) أشهر، وجاء بعده العقيد إسماعيل الصفار لمدة سنة واحدة تقريبا ومن بعده العقيد الحاج محمد سليم (الذي استمر بالمنصب من 17/6/1923 لغاية 9/4/1931) وهي أطول مدة يمضيها مدير عام بالمنصب. وتوالت الشخصيات العراقية المرموقة على تولي المنصب القيادي للشرطة العراقية.
في عام 1924 أصدرت وزارة الداخلية العراقية (تعليمات الشرطة) واستمر العمل بها لحين صدور أول قانون لخدمة الشرطة وانضباطها رقم (7) لسنة 1941 والذي أعقبه قانون خدمة الشرطة رقم 40 لسنة 1943 وتعديلاته. وفي عام 1968 صدر قانون خدمة الشرطة رقم 148 لسنة 1969 الذي حسَّنَ من اوضاع الشرطة ورواتبهم وجعل رتبهم مثل رتب الجيش وتعيين الضباط يتم بمرسوم جمهوري. وقررت الحكومة تنفيذ القانون من بداية السنة المالية الجديدة 1 نيسان 1969 وعليه واحتفاء بالمنجز الذي تحقق للشرطة العراقية تم في بداية السبعينات اتخاذ قرار بجعل يوم بدء تطبيق القانون الجديد (الأول من نيسان) عيدا للشرطة وتم تغييره فيما بعد الى يوم 9/1 وهو يوم تأسيس الشرطة العامة عام 1922.
لقد كان للرجال الوطنيين الذين تسلموا مهام قيادة وزارة الداخلية ومديرية الشرطة العامة مآثر وطنية حافلة سجلها لهم تاريخ العراق، بالمواقف المخلصة والنزيهة تجاه الوطن والشعب ووضعوا حجر الأساس لقوة الشرطة ومعها مختلف التشكيلات الوطنية التي تفرعت عنها (مثل الأمن العامة والجنسية والمرور والدفاع المدني وكلية الشرطة)، كي تقدم الخدمات للمواطنين وتحفظ أمنهم وسلامة أرواحهم وممتلكاتهم والدفاع عن القيم والقوانين. وظلت على مدى عقود كثيرة تسير بفكر وطني والتزام أخلاقي وشعورٍ عالٍ بالمسؤولية القانونية والأخلاقية.
وشهدت الشرطة تطورا وتقدما ملحوظا واهتماما برعاية شؤون منتسبيها وتطورت مؤسسات الشرطة حتى باتت الشرطة العراقية يشار اليها بالبنان بين سائر الأقطار العربية، وشهدت معاهد وكليات الشرطة والأمن العراقية ومؤسساتهما التدريبية والتعليمية استقبال العديد من رجال الشرطة العرب للتدرّب والتعلم وكسب الخبرات، حيث استقبلت موفدين من أجهزة الشرطة العربية (الأردن وسلطنة عمان واليمن والسودان والمغرب والجزائر والصومال وموريتانيا وغيرها)، وكنا نفتخر حين نلتقي بالأخوة قادة الشرطة وكبار ضباط الشرطة العرب في المؤتمرات والندوات العربية والدولية حين نسمعهم وهم يفخرون بكونهم من خريجي العراق، لأن العراق كان مدرسة للعرب ومصدر اشعاع حضاري وعلمي.
وللأسف تعرضت مسيرة الشرطة العراقية كحال غيرها من أجهزة الدولة، بعد احتلال العراق 2003 والقرارات المتخبطة من قبل سلطة الاحتلال، في محاولة بناء شرطة جديدة تم على أسس خاطئة وفوضوية، باعتماد معيار الكم على حساب الكفاءة والمواطنة.. وكان قرار زج الميليشيات وعناصر الدمج في الشرطة هو أسوأ قرارات بريمر وما زال جهاز الشرطة ووزارة الداخلية يدفع ثمن ونتائج أخطاء سلطة الاحتلال في إدارة الملف الأمني في العراق.
تهنئة من القلب وتحية لشرطة العراق في الذكرى 101 لتأسيسها عام 1922 تحية لرجال الشرطة الابطال الذين ضحوا بأرواحهم من اجل امن الوطن والمواطنين.. تحية لرجال الشرطة الذين سطروا المفاخر والبطولات وهم يقارعون الجريمة والانحراف والمجرمين ويقدمون الخدمة الصادقة للمواطنين... ورحم الله شهداء الشرطة الأبرار.
1383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع