ا.د حلمي الفقي
الإلحاد رد المحكمات واتباع المتشابهات
الإسلام دين الفطرة الإنسانية السليمة ، والإسلام هو دين الله الذي ارتضاه للبشرية ، والإسلام دين يقوم على توحيد الله فى ربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ، والمسلم يعبد ربه حبا لا خوفا ، فالمسلم يعبد الله لأنه عرف أسماءه وصفاته ، وعرف أن الله يجب له كل كمال ، ويجب تنزيهه عن كل نقص ، والمسلم يعبد ربه لأنه عرف جماله ، وكماله ، وعظمته وجلاله .
ولم يكن المجتمع المسلم يوما ما بيئة صالحة لبذور الإلحاد ، التى تنكر وجود الله ، ولكن الإلحاد نما وترعرع ، فى المجتمعات الغربية ، نتيجة للقهر والاستبداد ، الذي مورس ضد الجماهير قرونا متعاقبة ولاسيما في العصور الوسطى المظلمة ، فلما بدأ العلم يخرج من القمقم ، ويشد طريقه لإنارة حياة البشر ، مع فجر النهضة الأوربية الحديثة ، ويرى المؤرخون أن بداية هذا العصر كان مع صدور كتاب "عن دوران الأجرام السماوية " للعالم الفلكي والرياضي البولندي كوبر نيكوس [1473- 1543] والذي أثبت فيه وبالحسابات الرياضية ، أن الأرض مجرد كوكب في المجموعة الشمسية ، يدور حول الشمس ، وجاء من بعده عالم الفلك الإيطالي الشهير جاليلو [ 1642- 1727 ] ليؤكد من خلال استخدام التيلسكوب ما توصل إليه كوبر نيكوس ، وارتقت الجهود العلمية مرتقا عاليا علي يد عالم الفيزياء البريطاني الشهير إسحاق نيوتن [ 1642- 1727م ] ليخرجوا على العالم بحقائق علمية ، لم يعرفها من قبل ، فتصدت لهم الكنيسة بأنواع من الاضطهاد ، والتعذيب ، والتنكيل لم يعهدها الإنسان من قبل ، بتهمة الهرطقة ، ونصبت لهم محاكم التفتيش ، ولكن العلماء صابروا ، ورابطوا، حتى انتصروا في النهاية ، علي الممارسات القمعية ، فكان هذا الاضطهاد والقمع الواقع علي رؤوس العلماء كنسيا ، واحدا من أهم أسباب نمو موجة الإلحاد ، في المجتمعات الغربية .
الإلحاد المعاصر كما الإلحاد القديم ، يزعم كذبا وزوراً بأن الكون نشأ تلقائيا ، نتيجة لأحداث عشوائية ، بلا صانع ، ولا خالق ، وينكرون البعث بعد الموت ، وينكرون وجود إله في الكون ، ولكن الإلحاد ظهرت عورته ، و أباطيله منذ القدم ، ليناقض الملاحدة أنفسهم آلاف المرات ، فيما عجزوا عن الإجابة عن أسئلة بسيطة ، تهدم الإلحاد رأسا علي عقب منذ أول وهلة ، ومن المسائل المهمة التي فتت في عضد فكرة الإلحاد ، أمام كل إنسان سليم العقل صحيح القلب .
مناقضة الإلحاد لمسلمات وأساسيات العقل والمنطق ، ومن هذه الأساسيات ، إذا كان من المستحيل وجود إبرة أو حذاء في هذا الوجود بلا صانع ، فكيف تقولون : إن الوجود كله ، والكون كله ، بما فيه من جلال وجمال , وحكمه وإبداع , وعبقرية وذكاء ، قد وجدت صدفة بلا خالق ، فكيف يصدقون أنفسهم في هذا الكذب الذي لا يقبله عقل ، ولا يستسيغه منطق .
وإذا كان الملاحدة يقولون : بعدم البعث بعد الموت ، وبعدم وجود الجنة ولا نار ، وليس لديهم أي دليل علي ما يقولون ، وقديما قال الشاعر :
قال المنجم والطبيب كلاهما ... لا تبعث الأموات قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر ... وإن صح قولي فالخسار عليكما
فهنا الحكمة والعقل يوجبان الأخذ بالأحوط , فلم يذهب إنسان إلى عالم البرزخ ، ثم عاد ليخبرنا بوجود الجنة والنار ، أو عدم وجودها .
فإذا لم يكن لديكم دليل علي عدم البعث بعد الموت ، وعلى عدم وجود الجنة والنار ، وبالتأكيد لا دليل لديكم ، فإذا كان من المحتمل وجودهما ، ولا يستحيل وجودهما ، فلماذا لا تسلمون لله رب العالمين ، وتأخذون بالأحوط ، لأن كلامكم إن كان صحيحا فأهل الإيمان لم يخسروا شيئا ، وإن صح إدعاء أهل الإيمان - وهو صحيح بلا أدنى شك - فخسارة الملحدين هي الخسارة الأكبر في الدنيا والآخرة ، فأين عقلكم، وأين حكمتكم ، وأين ذكاؤكم ، حتى تعرضوا أنفسكم لخسارة هي الأكبر ، في الوجود كله .
ويجب أن يعلم كل ملحد بأن دعوى الإلحاد هي فى حد ذاتها نشر للظلم والرذيلة في العالم كله ، على أفحش الأشكال والوجوه ، فإذا لم يكن بعث بعد الموت ولم يكن هناك جنة ولا نار فلم لا يظلم الناس بعضهم بعضا ولم لا يأكل القوى الضعيف ، إن دعوى الإلحاد تنزع الفضيلة والتراحم من العالم ، لتزرع مكانها القسوة والظلم ، والعذاب ، وتجعل حياة البشر أسوأ من حياة الحيوان.
693 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع