د. محمود الحاج قاسم
زواج ثان من أجل الابن
في ثمانينات القرن الماضي وفي عصر يوم ربيعي جميل دخل أبو حازم غرفة الفحص في عيادة الدكتور ( أ ) ، وأبو حازم هذا المريض الريفي الوقور من أبناء الستين والمصاب بقرحة المعدة كان زبوناً كثير المراجعة ومعروفاً لدى السكرتير والطبيب من كثرة تردده وكرمه وطيب كلامه وحسن تصرفه . ولكن في هذه المرة لم يكن وحده كمراجعاته السابقة وإنما كانت ترافقه فتاة ريفية في ريعان الشباب .
وقبل أن يسأله الطبيب بادر قائلاً : هذه زوجة ابني ، تزوجها حازم منذ ثلاث سنوات وولدت له بنتين وكما تعرف نحن أبناء الريف أكثر منكم أبناء المدينة نرغب وبإلحاح أن يكون لنا ذرية من الذكور ، لأنهم الذين سيستمر بهم اسم العائلة والعشيرة ويكونون حماة لها .
لذا قررت تزويجه من امرأة ثانية علها تنجب له ولداً ذكراً . رجائي أن تزودني بتقرير تؤيد فيه إصابتها بمرض يمنعها من ممارسة الحياة الزوجية .
كانت القوانين يومها لا تسمح للزوج بالزواج ثانية إلاّ إذا وافقت الزوجة الأولى أو إذا قدم الزوج دليلاً مستنداً إلى تقرير طبي يثبت فيه إصابة الزوجة بمرض يعيقها من القيام بمتطلبات الحياة الزوجية .
وكان زميلنا هذا من الأطباء المؤمنين بالله القائمين بحقه العاملين بأوامره المراقبين له في السر والعلن والعارفين بأن حياة المولود وتحديد نسله من الله ، وكان صادقاً إن قال أو كتب تقريراً أو شهادة ، لا تدفعه نوازع المودة والمادة إلى أن يدلي بشهادة أو بتقرير أو بحديث يعلم أنه مغاير للحقيقة .
قال له الطبيب : لا يمكنني أن أكتب تقريراً إلاّ بعد التأكد من وجود مرض حقيقي بإجراء فحوصات مختبرية وإن تأكد عندي عدم إصابتها بأية علة ، يؤسفني أن أرفض طلبك .
عندها انتفض أبو حازم قائماً وقال هناك فلان وفلان من الأطباء يسعدهم أن يكتبوا التقرير مقابل أجرة الفحص .
وقبل أن يغادر الغرفة استدرك الطبيب : مهلاً أبا حازم أنت رجل مسلم وصاحب دين يجب أن ترضى بما قسمه الله لأن موضوع جنس المولود مرتبط بإرادته فهو وحده الذي يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء ذكوراً ، وكل شيء عنده بمقدار ، كما أريدك أن تعرف بأن مسؤولية تحديد جنس الجنين علمياً هي مسؤولية كرموسومات الزوج وليس الزوجة .
فأرجوك أن لا تستعجل فقد ترزق زوجة ابنك بذكر في حملها القادم إن شاء الله .
أجابه : وبانزعاج بأنه سوف لن يأخذ بكلامه وإنما سيذهب إلى الطبيب ( فلان ) وسوف يحصل منه على التقرير مقابل 10 دنانير .
عندها أشار الطبيب للسكرتير بإرجاع مبلغ الفحص له وكان حينها 5 دنانير أخذها ومن دون تحية الوداع غادر الغرفة وبرفقته زوجة ابنه التي لم تنبس ببنت شفة . وكانت تلك آخر زيارة له للعيادة التي كان يزورها على الأقل مرة كل شهرين .
وبعد سنتين دخلت غرفة الفحص تلك الشابة الريفية وكانت تعاني من آلام في المعدة ومعها حماتها وبعد أن اطلع الطبيب على الملاحظات التي كان قد دونها في بطاقتها القديمة لدى مراجعتها مع حماها ، تذكر قصتها وقصة التقرير الذي كان سبباً لقطيعة زبونه .
ولدى سؤالها عن موضوع زواج زوجها قالت ، ذهب والد زوجي كما ذكر إلى الطبيب ( فلان ) وحصل على التقرير الذي أراده دون أن يأخذني معه وزوج ابنه بزوجة ثانية ، وكانت مشيئة الله أن تحرم الثانية من الحمل لعاهة في مبيضها ، وأما هي فقد حملت بعد مراجعتها له بأيام ورزقت بطفل ذكر بفضل الله ورحمته ، وسمته باسم الطبيب تقديراً منها لموقفه النبيل ، وأردفت قائلة والآن حدثت مشاكل بين زوجها ووالده من جهة وزوجته الثانية من جهة أخرى ... وربما ينتهي زواجه الثاني بالطلاق .
ضحك زميلنا بملء شدقيه من عجلة الإنسان وقلة صبره ، وأكبر صبر تلك الشابة الريفية وشجاعتها وذكائها وحمد الله على ما قام به من التزام بقواعد السلوك الطبي الإسلامي الصحيح ودعا بالصلاح لزميله الذي همه الدينار ، لا يتحرى أمن حلال جاء أم من حرام ؟
948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع