مجيد ملوك السامرائي*
الأشراف الهاشميين نقابة أم نقابات؟؟
الجغرافية التأريخية لنـقـابة السادة الأشراف الهاشميين بدأت من سرمن راى عاصمة الدولة العربية الاسلامية العباسية لتنتشر على مدى أكثر من ألف ومئة سنة عبر العالم الإسلامي من الهند الى المغرب، والنقيب عريف القوم والجمع نقباء والعريف وهو شاهد القوم (ابن منظور/ لسان العرب)، ونقابة الأشـــراف؛ مؤسـسة اجتماعية ينظـوي تحت لوائها الأشراف الهاشميين؛ وهــم الذين ينتسبون إلى آل بيت النبي محمد() بن عبدالله بن عبدالمطلب/ هاشم، ومنهم العلويين نسبة للإمام علي إبن أبي طالب()، والعباسيين نسبة للعباس عــم النبي محمد()، وقد سمي الهاشمي بالسيد الشريف.
شيدت سرمن راى بعد تولى الخليفة المعتصم بالله أبن هارون الرشيد للخلافة في العاصمة بغداد ثم إنتقل الى شماليها لبناء العاصمة الجديدة (221/222ه-836 م)، وبعد ما يزيد عن خمسون سنة وبقيادة ثمانية من الخلفاء العباسيين عـاد مقر الخلافة مجدداً إلى العاصمة بغداد في ظل سيطرة تامة لقادة الجيش الترك، وقد أرتبط استقرار العباسيين في سرمن رأى لإتخاذها عاصمة للدولة ومنهم الخلفاء والأمراء وأسرهم وأقربائهم، وكان الدافع القوي لاستقرار للعلويين قيام كل الخلفاء بمد جسور من الصلات مع أبناء عمومتهم منذ عهد الخليفة السفاح ثم المأمون واستمر ذلك أثناء خلافة المعتصم وابنه الواثق، وفي بداية عهد الخليفة المتوكل تعرضت هذه العلاقة الى التدهور ودعي الإمام علي الهادي() للقدوم إلى سرمن رأى (235ه/849م) من المدينة المنورة على أثـر وشاية آنذاك إلا أن هذه العلاقة سرعان ما تحسنت، ولم يكن قـدومه فرديا وانما اصطحب معه العـــديد من أبناء أسرته وأتباعه وبما يقرب من مئتي نسمة.
تمثل الاهتمام الرسمي لسلطة الخلافة العباسية بالأشراف عبر أستمرار رعايتهم لآل أبي طالب وعـموم مشايخ الهاشميين وأظهر الخليفة المنتصر ابن المتوكل مـيلاً أكثر لعموم الأشراف، وتاريخـياً تشكلت في سرمن رأى نقابة السادة الأشراف الهاشميين لأول مـرة (249ه/863م) بـأمـر مباشر من الخليفة العباسي المستعين أبن محمد أبن المعتصم الذي أهتم كثيراً بالعلويين وأستقدم العديد منهم لاعتماده على الهاشميين في مواجهة القادة الترك وأعوانهم الذين أمسـوا ذوي نفوذ واسع شكل خطراً حقيقياً استهدف مؤسسة الخلافة ذاتها، وأمـر بتنصيب أول نقيب للاشراف وهو النسابة السيد الشريف الحسين ابن أبى الغنائم ابن عمر أمير الحج ابن يحيي المحدث ابن الحسين ابن زيد الشهيد وأمره بتعيين النقباء في عموم الدولة، كما أمـر المعتز ابن المتوكل (252ه/866م) بنقل العديد من الأسر العلوية من مدينتي بغداد والفسطاط/ مصر الى سرمن رأى تفادياً لاتصالهم بأبناء عمومتهم الثائرين على الخلافة في إقليم طبرستان ببلاد فارس, وفي عهد المعتمد (273ه/887م) ابن المتوكل بلغ العــدد الإجمالي للأشراف بسرمن رأى على ما يربو من أربعة آلاف نسمة، كما أطلق ولي عهد المعتمد/ أخيه الموفق الأرزاق/ الرواتب للعلويين، واستمر المعتضد (279ه /893م) ابن الموفق في ذلك والذي كان أول من سنّ (نقابة خاصة للعلويين) في العراق ومن أبرز نقبائها الشريف الرضي وأخيه الشريف المرتضى. وتولى في هذه الفترة بمصر على بن الحسين بن طباطبا أمر النقابة (281ه /895م) بعهد خمارويه بن احمد بن طولون.
بعد انتقال مقر الخلافة من سرمن رأى الى بغـداد تصاعد اهتمام الخلفاء بالأشراف في بغداد حتى سقوط الدولة العباسية، وتوسعت مؤسسة نقابة الأشراف بفروعها العديدة بالرغم من مركزيتها في بغداد لتشمل نقابة العلويين والعباسيين وأحياناً نقابة السادة من غيرهم، كما تم استحداثت العديد من المهام لكل من النقابة ونقابة النقابات، والنقيب ونقيب النقباء، وعليه أصبح للنقباء الكلمة الفصل في أمور سياسية واجتماعية عديدة فقد كان مشايخ الأشراف من المتصدرين لأختيار الخليفة المتقي/ الحفيد الثالث للمتوكل (326ه/940م)، وفي عهد الخليفة الطائع/ الحفيد الرابع للمتوكل أطلق عضد الدولة البويهي (366ه/980م) الأرزاق/ الرواتب لكافة الأشراف المستقرين في المدينة المنورة ومكة المكرمة وبغداد وسرمن رأى وتـــبرع الخليفة المستنصر حفيد الناصر(634ه /1236م) لفقراء آل أبي طالب في كل من المدينة المنورة وكربلاء والكوفة وبغداد والكاظمية وسامراء وقـدم ثلاثة آلاف دينار لنقيب نقباء الطالبـيين وهـو الشريف حسين/ قطب الدين ابن الاقساسين لتوزيعها على العلويين كما أقـام مشروعاً اروائياً جنوبي مدينة سامراء/ نهر الدجيل المستنصري وخصص عوائده لفقراء الأشراف, وقبيل سقوط الدولة العباسية على يد هولاكو بسنوات أمــر الخليفة المستعصم (641ه/1243م) بتوزيع الاموال والدقيق/الطحين والاغنام على الأشراف عامة والعلويين خاصة. وبقيام الدولة الفاطمية/ العبيدية في القاهره/ مصر تولاها (360ه /971م) المعز لدين الله العبيدي.
في مدينة سامراء الحديثة/الحالية وبعد انتقال مقر الخلافة الى بغـداد أمست نقابتها تتبع نقابة بغداد والتي تولاها كل من النقباء؛ سعد الله حسين حسن الحسيني1180م في عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وأسرة آل طاووس الحسيني وأولهم جمال الدين أبن أحمد ابن موسى آل طاووس الحسيني1242م في عهد الخليفة العباسي المستنصر، وبعد احتلال هولاكو لبغداد سنة 1258م واستقرار الأوضاع, تم إعادة تشكيل النقابة وتولها علي أبن أبي جعفر أبن هبة الله أبن سعد الله الحسيني، وفي 1260م تولاها محمد حسن موسى آل طاووس الحسيني وهو أبن عم جمال الدين الذي تولاها قبله بثمانية عشر سنة، ثم صفي الدين محمد رضي الحسيني 1281م، وعلي محسن الحسيني 1286م ، وفي 1373م تولتها مجدداً أسرة آل طاووس الحسيني، وفي ظل سيطرة البويهون والدول المتنافسة معها (القرن15م) تولها كل من نجم الدين عبد الله الحسيني، وصغير الدين عــمر قوام الدين الحسيني، وعزيز شاه أبن أبي القاسم محمد الحسيني. وفي بقية المدن العربية الاسلامية تم تعين السيد حسن بافقيه (693ه/1295م) في المدينة المنورة، وفي (697ه/ 1299م) عين السيد إسماعيل أفندي في مكة المكرمة ، كما تم تعين أحمد بن سعد الحسيني (985ه/1585م) في المدينة المنورة، وفي حمص/ سورية تم (985ه /1585م) تعيين السيد يحي أفندي.
بعد احتلال العثمانيين لبغداد 1534م، كان السلاطين يصدرون الفرمانات/ المراسيم بتعين النقباء في المدن الرئيسة لعموم ولايات الدولة، وهناك إشارات ضعيفة لمتوليها، وأهم الوثائق المتوفرة ذات العلاقة هي تلك التي لدى (الشيخ الدكتور صقر القاسمي حاكم الشارقة الحالي) والتي تعود إلى سنة 1656م, حيث تم أعتبار نقابة الأشراف وظيفة إدارية يشرف عليها ويديرها نــقيب أشــراف بغـداد أيام الوالي محمد باشا الخاصكي بعهد السلطان محمد الرابع ابن مراد الرابع.
عـلى مدى سنوات عديدة تدهور حال النقابة في معظم البلدان العربية والاسلامية، وانصب الاهتمام على الانساب الشريفة لهم، وذلك لأسباب عديدة ذات علاقة بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والعسكرية، مع تراجع ملحوظ من رعاية معظم السلطات، وقد استمرت التجمعات والروابط والمؤسسات والنقابات ذات العلاقة بالـسادة الأشـــراف، ومنها؛ تــــلــك الموزعة في بعض مدن العراق والمغرب والاردن ومصر والسودان، ولبنان والمدينة المنورة ومكة المكرمة، ففي العراق تشكلت نقابات عديدة ترأسها العديد من السادة الاشراف، ومنهم؛ عبد الرحمن (النقيب) ابن علي الكيلاني، رئيس وزراء العراق 1921م. وطالب النقيب الرفاعي البصري1923م. وفي مطلع القرن (21م) تم تشكيل النقابة بمستويات عديدة لتوثيق الانساب وضمت؛ نقابة السادة الأشراف الهاشميين في العراق برئاسة السيد الشيخ عباس فاضل الحسني، ومجلس العراق للسادة الاشراف، ورابطة نقابة السادة الأشراف الهاشميين في العراق والعالم الاسلامي. وفي الحجاز كان العمل بها مستمرا على مرّ العصور حتى بعد نهاية وسقوط الحكم العثماني 1916 وفي عهد حكومة الأشراف والذي لم يستمر طويلاً كان هناك مسمى لوظيفة رسمية لنقيب الأشراف، وبعد ذلك غابت النقابة بشكل رسمي وفاعل، اما في بلاد الشام فتولى نقابات دمشق آل الحمزاوي والعجلاني وفي حلب آل الزهراوي وحجازي والكواكبي والصيادي والرفاعي وفي حمص آل الجندلي الرفاعي والزهراوي وفي حماة آل الحراكي والعلواني والكيلاني والحريري الرفاعي وفي بعلبك آل مرتضى وألغيت النقابة رسميا في سوريا 1969، ومن نقبائها المعاصرين في مصر محمد الببلاوي لغاية الغائها 1953م وفي 1991 تم إعادتها بتولي محمود كامل ياسين الرفاعي. وهناك كل من الديوان العالمي، والامانة العامة لانساب الاشراف.
جغرافيا تـوزع الـسادة الأشـراف في مختلف البقاع ويصعب إحصاء اســرهم وعشائرهم أذ ان أصل هؤلاء أفرادا تكاثروا في المدن وفي البادية ونالوا الحرمة إلا أن مجموعاتهم قليلة لا ترقى إلى الأعداد الكبيرة، ومنهم وفي العراق؛ الـمـــواجــد الحسينية، السوامره الحسينية والحسنية والعباســيـين، الصميدع، الحياليون، الــقواسم، النعـيم، آل ياسر، العناكشة، المحانية، البو صعر، آل طبيخ، آل السيد مهدي، آل زوين، العذاريون، آل مكوطر، البو زيــد، الألوسين، الرفاعية، الحديدين، الأعرجية، المشاهــدة، آل هندي/ النجف، آل الجلالي/ بــلد، آل القاضي/عانه، العباسـيـين ومنهم آل السويدي وآل مدلل والبهدنانيين/ العمادية / الموصل وآل عالي/ البصرة. وآل قــتـاده ابن السيد ادريس أمير مكة ومنهم الاشراف الهاشميين مــلوك وامراء العراق والمملكة الاردنية الهاشمية، وذريـة السيد عبد الله، وعلي، وذريـة محمد ابن السيد ادريس/مكة المكرمة/المدينة المنورة، والـقـــواسـم/الشارقة، وذريـة كل من احمد البدوي وابراهيم الدسوقي والجعـافـره/اسوان/مصر، والميرغـنه والدغافله/ جزيرة الاشراف/ السودان، والاسرة الملكية من آل الحسن في المغرب، وآل النصير ابادي/ الهند، وآل غياث الدين العباسي/ كشمير/ باكستان.
هكذا يتضح بان نقابة الأشراف حضيت باهتمام الخلفاء والسلاطين والامراء وبرعاية دائمة للسادة المنظوين تحت لوائها وعلى مدى أكثر من ألف ومئة سنة مضت من الان، وشهدت النقابة تطورات عديدة تبعـاً للمتغيرات السياسية والعسكرية والاجتماعية كما توسعت وامتدت في عموم العالم الإسلامي وأخذت تعمل على مر العصور والعهود حتى توقفت العمل فيها في الكثير من البلدان بنهاية العهد العثماني وبقيت فروعها العديدة تركز نشاطاتها بموضوع الانساب الشريفه، الامر الذي يتطلب اعادة مهامها السامية لخدمة المجتمعات ضمن اوطانها المختلفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مجيد ملوك السامرائي، جغـرافـي/ كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.
# ويكيبيديا.
848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع