سناء الجاك
عقارب الساعات اللبنانية.. وأفاعيها
مفاتيح التوقيت في لبنان تعرضت إلى عملية تخريب متعمدة، أدواتها التعصب الطائفي الذي يتمسك به فريق لا يستهان به من اللبنانيين ومن طوائف عابرة للهوية الوطنية ومتغلبة عليها، بإمرة قادة هذه الطوائف.. وعن سابق تصور وتصميم.
وهكذا قامت ساعة الصيف والشتاء اللبنانية ولم تقعد لتستفيق عقارب الجهل والتحريض. وكأنه كان يكفيها إيعاز رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بتسريب "دردشة" عفوية بينه وبين "صديقه" رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بشأن عدم الانتقال إلى التوقيت الصيفي إلا بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.
وبالطبع، تجاوب ميقاتي مع رغبة الصديق الصدوق، الحريص على إراحة صائمين لا يملكون الإمكانات ليفطروا حتى على بصلة، مع أنه يقفل مجلس النواب بوجه انتخاب رئيس للجمهورية، ويحول دون إعادة الانتظام إلى الحياة العامة والإدارات والمصارف والمدارس والجامعات.
وكأن الساعة كانت تنتظر قيامتها بفعل هذا القرار ليدق زعماء الطوائف نفيرهم وتلتحق الجيوش الالكترونية بفضاءاتها الافتراضية، فيتحول كل ما في البلد إلى مهزلة حقيقية تكشف عورات اجتماعية وأخلاقية خطيرة، من شأنها أن تدحض كل إدعاءات التغني بالعيش المشترك وقبول الآخر.
وقمة المهزلة هي في قدرة مؤسسات تربوية وإعلامية ومالية وحتى رسمية على التمرد حيال القرار العشوائي لرئيس الحكومة، وتصويره وكأنه سيطيح بالمصالح العامة والخاصة، واستخدامه لتبرير تقسيم مذهبي بغيض، في حين أنه كان من الأجدى بجميع المعترضين التمرد على الجرائم الموصوفة للطبقة السياسية التي حوّلت اللبنانيين إلى متسولين للخبز والدواء والعلم والأمان المعيشي والسياسي والأمني، والإطاحة بهذه الطبقة التي لم تترك للشعب إلا الهرب من الجحيم الوطني بالهجرة الشرعية وغير الشرعية أو الانتحار.
لكن المفاجئ والمهين هو استخدام الخصومة السياسية في كيديات تدميرية، وكأن القرار العشوائي المتعمد هو ما قسم البلد، أو كأن رفض القرار واستخدام لغة طائفية محمومة ومسمومة هي السبب، في حين أن ما هو موجود أصلا في النفوس هو ما انفجر أو كأن للتوقيت مذاهب تتقاسمها الجماعات اللبنانية.
فتغيير الساعة أو عدمه ليس المسألة، ولا يساهم في فداحة الأوضاع، بالتالي فإن اتهام فريق بعينه أنه قائد تيار التخلف لا يهدف إلى اللحاق بركب التطور، وإنما بتبرير الرغبة بتحطيم الجسور بين الجماعات الفاقدة مستقبلها والمتمسكة بانتماءاتها المذهبية والحزبية المنبثقة من الطوائف.
وبعيدا عن تصريحات المسؤولين غير المسؤولة وعن الغارات التي تشنها الجيوش الافتراضية، تستمر الطبقة السياسية في تهريب صفقات الفساد، وآخرها في مطار بيروت الدولي من خلال قرارات لم تخضع لقرار مجلس الوزراء ولتمحيص المؤسسات الرقابية على المال العام.
كذلك يستمر تجاهل تقرير صندوق النقد الدولي وتغييب أجراس الإنذار التي أطلقها بوضعه نقاط الحقائق الكارثية المرة، التي اصابت وستصيب لبنان، كونه "حالياً على مفترق دقيق، حيث بقي على مدى أكثر من ثلاث سنوات، يواجه أزمة منقطعة النظير، حيث أدى التخلخل الاقتصادي الحاد، والانخفاض البالغ في قيمة الليرة اللبنانية والتضخم غير المسبوق"، إلى أضرار فاقمتها حالة اللامبالاة وأطاحت بمتوسطي الدخل الذين انضموا إلى من هم دون مستوى خط الفقر.
وكان يفترض، ودائما وفق تقرير الصندوق، "على الحكومة ومجلس النواب والبنك المركزي سوياً، اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، للتصدي للضعف المؤسسي والهيكلي طويل الأمد، لتحقيق الاستقرار للاقتصاد وتمهيد الطريق أمام تعاف قوي ومستدام..".
لكن ما يفترض أن يحصل ولم يحصل لتنهار إمكانات لبنان الاقتصادية على المدى الطويل، لم يستفز المواطنين كما استفزهم قرار التوقيت المشبوه ودود الفعل المشبوهة أكثر بشأن عقارب الساعة.. وأفاعيها.
927 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع