مجيد ملوك السامرائي [*]
مكيشيفة – العراق درب السلطان العثماني للقوافل التجارية
مكيشيفة:مستوطنة ريفية تعود تسميتها نسبة الى أسم مقاطعتها الزراعية (12/مكيشيفة) حيث تتصف أراضيها بالانبساط العام الخالي من التلال والوديان، كما ان كثافتها السكانية كانت منخفظة مع قلة مساحات البساتين وكانت أغلب اراضيها رعوية ( فهي أرض مكشوفة .. وتصغيرها مكيشيفة )، ودرج تلك التسمية للمقاطعة المساح البريطاني/أستن عند إعادة تسجيل الاراضي الزراعية وفقا لقانون(50) لتسوية الاراضي 1932، وكما في عموم العراق.
تميزت اراضيها بموقع حيوي تاريخيا؛ إذ مرت عبرها الطرق القديمة ( درب السلطان العثماني للقوافل التجارية ) الموازي لمجرى نهر دجلة، كما تمر عبرها حالياً مسارات الطرق المعبدة الدولية1957 والسكك الحديد بغداد/موصل1942، وأنابيب النفط الخام والغاز الطبيعي وأسلاك الطاقة الفائقة والهاتف المحوري، وذلك ما سهل على سكانها الاتصال بمراكز الخدمات/المدن الرئيسة على الدوام.
أصبحت مكيشيفة مركزا اداريا لناحية دجلة ضمن قضاء سـامراء/العـراق، ولقدم استيطانها؛ فقد شهدت تحولات عديدة منذ مايقرب القرن، أذ شيدت مبكرا (مدرسة مكيشيفة الابتدائية للبنين 1938) وأمست نواة ( لمتوسـطة مكيشيفة للبنين 1970 ) ثم ( لثانـوية دجلة للبنين 1978 )، وشيد مستوصف مكيشيفة الصحي 1952، وفتح مستوصف مكيشيفة البيطري 1972، اما الكهرباء فتم توصيلها 1977، وماء الشرب 1979، وشيد أول مسجد 1975. أما مضخات مياه الري الكبيرة (رستون البريطانية) فتوالى تنصيبها عند شاطئ نهر دجلة بالتزامن مع مطاحن القمح والشعير ابتداء من 1936، اضافة الى محطة عبور سكة قطار بغداد/موصل 1943.
الموقع الجغرافي للناحية:
ناحية دجلة ومركزها مستوطنة مكيشيفة؛ وحدة ادارية استحدثت عام 1976 وأعيد استحداثها مجددا عام 2002، تقع شمالي سـامراء في الأجزاء الشمالية من وسط العراق ما بين نهر دجلة شرقاً و وادي الثرثار غربا، وفلكياً تقع ما بين دائرتي عرض (2ً 16َ 34ْ ) و( 15ً 24َ 34 ) شمالاً وخطي طــول (5َ 43ْ) و (43ْ) شرقاً، وتبلغ مساحتها 1797 كم2 وتضم المقاطعات 13/ ملحة و12/ مكيشيفة و8/ سموم و7/ حويصلات و28/ توينة و9/ جزيرة و43/ كيعيات و44/ موالي و45/أبتر.[1]
المظاهر التضاريسية والمناخية:
الوحدات الأرضية الرئيسة للناحية تتمثل؛ بنطاق السهل الفيضي الممتد على طول نهر دجلة وتصل مساحته إلى 80 كم2 وبأتساع 1- 5 كم وتم بنائه/ الحاوي بفعل الترسبات الحديثة جيلوجيا والمنقولة بالفيضانات المتكررة للنهر، ويلي هذا النطاق شريط الاكتاف القديمة جيلوجيا لنهر دجلة/العولة والذي تخترقه اودية غير عميقة تتمثل بمسيلات الامطار التي تنحدر من منطقة الجزيرة بأتجاه النهر ومنها؛ أودية الأضباعي والخطيطة وجمعان وسموم وحويصلات، أما الوحدة الأرضية الاخرى/ منطقة الجزيرة فتمتد ما بين النطاق السابق و وادي الثرثار وبمساحة تصل الى 1717 كم2 وتتألف جيلوجيا من سهول الجبكريت/ الجبس الثانوي التي تتخللها بعض المنخفضات/الهورات في مختلف الاتجاهات، كما تنتشر الأخاديـد/الوديان في أجزائها الغربية، فضلاً عن التلال التي لا يزيد ارتفاعها عن مستوى السهل المحيط بها باكثر من 30 م، ويمتاز سطح الناحية بالانبساط العام والانحدار التدريجي من الشمال إلى الجنوب ما بين خطي100 – 125 درجة، ولذلك تركز السكان في نطاق السهل الفيضي، وانتشاره في منطقة الجزيرة.
التكوينات السطحية تتمثل؛ بالتربة الفيضية وهي تـربة نطاق السهل الفيضي وتتــكون من الترسبات المزيجية الحديثة وتتضمن الرمل والطين والحصى الناعم والغرين ويزداد عمقها باتجاه مجرى نهر دجلة، وعليه تعـد من اخصب الترب لقلة الأملاح وصرفها الجيد مما جعلها من اكـثر المناطق استغلالاً بالزراعة واستيطاناً بالسكان، أما التربة الحصوية/الجبسية فهي ترب منطقة الجزيرة المكونة من مزيج من المواد الرملية والطينية والحصوية مع ارتفاع نسبة الجبس بنسية 60%، وفي الأجزاء الغربية من هذه المنطقة تسود الترب الضحلة العمق والمكونة من الرمل وحجر الـكلس، لذلك تتميز اراضيها بتشتت المساحات المزروعة القائمة على حفر الآبار للحصول على المياه الجوفية، وهـذا ما أدى إلى تشتت الاستيطان في مساحات شاسعة حول تلك الآبار.
المناخ الجاف السائد؛ يتميز بارتفاع درجات الحرارة التي لايقل معدلها السنوي عن 22مْ، وبفصلية متذبذبة للامطار التي لايزيد مجموعها السنوي عن 105ملم، والرياح السائدة هي الشمالية الغربية، لذلك تركز السكان عند ضفة نهر دجلة كمصدر دائم لمياه الري، وانتشر حول الآبار في المناطق البعيدة عن النهر.[2]
الخلفية التأريخية للاستيطان:
الخلفية التاريخية للاستيطان في أرضي الناحية يعود لقرون عديدة، اذ استوطن السكان في نطاق السهل الفيضي لخصائصه المكانية، وتـدل المواضع التاريخية على ذلك في كل من؛ (تل مهيجير) بالمقاطعة 13/ ملحة، وبالمقاطعة 7/ حويصلات (قصر الجص) المشيد0841م وهو قصر الخليفة العباسي المعتصم بالله، وجرت قربه لاحقا معارك جيوش البويهيين فيما بينهم0979م. كما لازالت الشواهد التخطيطية والشاخصة لنهر (الاسحاقي العباسي القديم) والمنجز قبل ما يزيد عن ألف عام؛ ومأخذه من نهر دجلة عند موضع مغارة الزلاية، أما مساره فـيمر بمناطق (تسميات محلية)؛ الكار وجمعان وخيط سمــوم وقصر الجص بجوار مسار سكة الحديد من جهة الغرب، وعليه فأن هذه الارضي شهدت نشاطاً زراعياً كثيفاً منذ ذلك الزمن رافقه استيطان السكان.
في زمن السيطرة العثمانية على العراق كانت المنطقة موئـلاً رئيساً لمحاصيل الحبوب، وكذلك الأخشاب المسوقة عبر نهر دجلة الى معمل البارود في بغـداد (وأرض المعمل حاليا ساحة باصات الميدان/باب المعظم)، وفي هذه الفترة أعتمد سكان الناحية على زراعة الشواطئ في أعقاب الفيضان كما أستخدموا الكرود/الدلو والنواعير.
درب السلطان العثماني للقوافل التجارية:
الدرب؛ مسلك أرضي تم تسطيحه من سالكيه راجلين او بعربات الدواب او الجمال والخيول والحمير(مدقات الحيوانات). لقد سلكت مسار درب السلطان منذ القدم الأقوام العديدة وجيوشها ومنهم؛ الاشوريين، والعرب المسلمين، والخلفاء العباسيين، والسلاطين العثمانيين، كما سلكته قوافل البريطانيين من أسراهم1916/ أسرى حصار الكوت، ثم قطعاتهم العسكرية 1918 في الحرب العالمية الاولى ضد العثمانيين. وقبل 500 عام ومنذ دخول العثمانيين الى العراق 1534 أمست أرضيها (الناحية حاليا)؛ ممراً لطرق القوافل التجارية عبر( درب السلطان/ العثماني ) والذي لا يبعـد مساره عن مجرى نهر دجلة اكثر من كيلو متر واحـد، وأتخذت القوافل التجارية من القصر القريب (العاشق/المشيد0881م) محطة لها، وذلك بعد تحول طرق التجارة الأقدم ما بين بغـداد والموصل إلى الجانب الغربي من نهر دجلة.
في منتصف القرن السابع عشر1650 شهدت المنطقة تغيرات في الوضع الاجتماعي/القبلي للاستيطان تمثل في نزول قبائل العـزة والقيسية وطي وأحلافها في هذه المنطقة والمناطق المجاورة إلا أن الظروف السياسية والعسكرية في ظل السيطرة العثمانية سرعان ما أدت إلى تغير ذلك الوضع، وبحلول منتصف القرن الثامن عشر1750 بـدأت مجاميع من القبائل والعوائل الأخرى تستوطن المنطقة، وفي مطلع القرن العشرين اتخذت تلك المجاميع مستقراتها عند شواطئ دجلة وامتلكت الأراضي رسمياً/ قانون تسوية الأراضي لعام 1932، وتم استخدام المضخات الكبيرة ومن ثم الصغيرة لأغراض الري وبذلك انتشرت المستوطنات بمختلف أحجامها على طول مجرى النـهر، كما أن تطور عمليات النقل بعد امتلاك السيارات الإنتاجية/لوري-بيكب، وتطور إمكانات حفر الآبار دفع السكان للانتشار في منطقة الجزيرة لأستثمار الأراضي البكر، وبحلول عام 1950 نشأة مستوطنات عديدة مبعثرة عـند الآبار.
الخصائص السكانية والأقتصادية:
خلال النصف الثاني من القرن الماضي حصلت تغيرات عديدة في حركة السكان والاستيطان، وتتمثل الأنماط التوزيعية للسكان؛ بالنمط المتجمع في مكيشيفة مركز الناحية/المقاطعة12 بقلب نطاق السهل الفيضي وضمن الحدود البلدية، والنمط الخطي ويتمثل بالمستوطنات المتقاربة والمنتشرة خطياً على طول النهر ومسارات الطرق الريفية، والنمط المبعثر ويتمثل بالمستوطنات المتناثرة في منطقة الجزيرة.
تعتمد الاقتصاديات المكانية على القطاع الزراعي حيث كان يعمل الى سنوات قريبة 75,8% من مجموع السكان الفعال/القوى العاملة في الزراعة التي عدت الحرفة الرئيسة لغالبية السكان والأساس الاقتصادي، وبالرغم من أن الأمطار هي العنصر الأضعف في نظام الـــري نتيجة لتدني معدلاتها السنوية وتذبذبها فأنها تشكل مورداً مائياً يحتل المرتبة الثالثة بعد مياه نهر دجلة والمياه الجوفية.
تعد منطقة الجزيرة من الأراضي الرعوية لتوفر الأعشاب الحولية التي تنمو في أعقاب سقوط الأمطار حيث يعتمد السكان على هذه الأعشاب في رعي الأغنام التي تنتشر تربيتها، كما تزرع ديما/بعلي الحبوب في مساحات صغيرة ومتباعدة، والنشاط الزراعي في منطقة الجزيرة يعتمد على المياه الجوفية حيث يصل معدل أعماق الآبار إلى10 أمتار وتبلغ نسبة أملاحها ما بين 0,3-1% وتزرع الحبوب/الحنطة والشعير والخضراوات/ الطماطم والخيار والرقي والبطيخ والباذنجان، وشهدت هذه المنطقة توسعاً في زراعة الأراضي خلال الاعوام 1950–1990 في أعقاب شيوع استخدام السيارات والمكننة الزراعية وتطور عمليات حفر الآبار.
نطاق السهل الفيضي ( الحاوي ) الممتد على طول نهر دجلة تاريخيا يعد المجال الحيوي الاقتصادي الرئيس للسكان وذلك لخصوبة التربة، وتطور نظام الارواء المستمر اعتماداً على نهر دجلة فبعد اعتماد الكرود والنواعير لسنوات طويلة تم اعتماد المضخات الكبيرة والصغيرة، وبحلول عام 1982 تم إنجاز مشروع ري دجلة المكون من قناته الرئيسة 18 كم وقنواته الفرعية 44 كم ومأخذه من نهر دجلة اعتماداً على المضخات الكبيرة المنصوبة في موضع يقع الى الشمال من قريــة البو عْـظّيم ويروي أراضى المقاطعات 13 و12 و8 بمساحة تصل إلى 16 ألف دونم، وعليه فأن نمط الزراعة الكثيفة هو السائد في هذه المقاطعات لمختلف المحاصيل كالحبوب والخضراوات واشـجار الفاكهة المختلفه والاعلاف.[3]
أرتبط التباين المكاني لتوزيع سكان الناحية وكأنعكاس لأعداده؛ بعوامل مختلفة وتعد الزراعة النشاط الاقتصادي الرئيس الذي يتركز في نطاق السهل الفيضي اعتماداً على مياه نهر دجلة حيث انتشرت المستوطنات بنمط خطي، واتبعت الطرق ذلك النمط فجذبت لاحقاً مستوطنات جديدة.
في منطقة الجزيرة تموضعت المستوطنات حول الابار بنمط منتشر واتجهت الطرق الترابية إليها عشوائياً، اما الخاصية الجغرافية المستقبلية للسكان فتتلخص في التوسع المتزايد للنشاط الزراعي مما ينعكس على الاستيطان في مستوطنات كبيرة ومتقاربة، مع تزايد الطلب على الخدمات في نطاق السهل الفيضي، و زيادة استثمار اراضي الجزيرة بفعل الزيادة السكانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*] مجيد ملوك السامرائي، جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.# ويكيبيديا.
المراجع:
1. مجـيد مـلـوك السـامـرائي، سامراء وتطورها الحضاري، المطبعة المركزية، جامعة ديالى،2013. دار الكتب والوثائق العراقية، بغداد (https;//www.iraqnal.gov.iq)، نسخه محفوظه، 2020،على موقـــع/ كوكب المنى للنشر/ القاهرة .
https://www.merefa2000.com
2. مـجــيد ملــوك السامرائي، ســـامــراء رؤية جغرافية للتأريخ، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان/ الاردن، 2022. منشور على موقع – نـيل وفـرات.
https:// www.neelwafurat.com
3. مـجــيد ملــوك السامرائي، الجغرافية والأقتصاديات المكانـية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان/ الاردن، 2022. منشور على موقع – نـيل وفـرات.
https:// www.neelwafurat.com
================
889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع