مباحث في اللغة والأدب/ ٣٧

ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية

مباحث في اللغة والأدب/ ٣٧

الكتب في الأدب والتأريخ

 قال أحد الشعراء:

إذا شئت أن تحظى من الكتب كلها بأطيب مرويّ وأحسن مسموع
فطالع مجاميع التعاليق إنّها تفرّق من همّ الفتى كلّ مجموع
(المحاضرات والمحاورات/155).

تزخر كتب التراث العربي في مباحث أدبية عن هواية جمع الكتب وتأليفها وتجليدها ورموزها في الأحلام، واكبر المكتبات العربية، وغيرها من المباحث. سنتناول بعض الطرف والحكايات والحكم والأقوال المأثورة عن الكتب والمكتبات في الأدب العربي.
ـ قال الجاحظ" الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والمستميح الذي لا يستريثك، والجار الذي لا يستبطيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنّفاق، ولا يحتال لك بالكذب. والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بنانك، وفخّم ألفاظك، وبجّح نفسك، وعمّر صدرك، ومنحك تعظيم العوامّ وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر، ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، مع السلامة من الغرم، ومن كدّ الطلب، ومن الوقوف بباب المكتسب بالتعليم، ومن الجلوس بين يدي من أنت أفضل منه خلقا، وأكرم منه عرقا، ومع السلامة من مجالسة البغضاء ومقارنة الأغبياء". (كتاب الحيوان1/39).
لقد أكدا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة على أن القراءة هي مفتاح العلوم. ولا يخفى على أحد بأن وسيلة القراءة الرئيسة هي الكتاب ويليه التلقين بالدرجة الثانية، وغالبا ما يترافق التلقين مع الكتابة من قبل الطلاب. والكتاب هو وسيلة المعارف والعلوم، لذا فأن أسماء العلماء خلدت بالكتب التي خلفوها لنا، هم ذهبوا وكتبهم بقيت يتداولها القراء منذ قرون، لذا لم يكن غريبا أن يكون أكثر مبيعات الكتب في العالم لحد اليوم (قصة مدينتين) لشارلز ديكنز التي نشرها عام 1859 و (دون كيشوت) لميغيل دي سيرفانتيس التي نشرها على جزئين عامي 1605 و 1615 رحل المنتجون وبقي الإنتاج خالدا أبد الدهر.
الكتاب هو المصدر الأول للمعرفة، وأول سورة وردت في القرآن الكريم هي سورة العلق1 ـ 5 (( اقرأ باسم ربّك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربّك الأكرم . الّذي علّم بالقلم . علّم الإنسان ما لا يعلم )). والآية تخص القراءة من حيث الإشارة الى القلم، وهذا يعني ان الإسلام يحث المسلمين على طلب العلم، لذا جاء في الحديث النبوي" طلب العلم فريضة على كل مسلم". (أخرجه إبن باجه وصححه الألباني/220). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏‏ "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة". (أخرجه مسلم). من الجدير بالذكر إن البعض يستشهد بالحديث" إطلب العلم ولو كان في الصين"، وهذا حديث باطل مكذوب عن النبي (ص)، وقد أبطله العلماء المسلمين ومنهم إبن الجوزي والشوكاني وإن حبان (راجع الفوائد المجموعة/272 والمقاصد الحسنة/93).
ـ قال رزق الله" أرسل بعض الخلفاء في طلب بعض العلماء ليسامره. فلما جاء الخادم إليه وجده جالساً وحواليه كتب وهو يطالع فيها، فقال له: إن أمير المؤمنين يستدعيك. فقال: قل عندي قوم من الحكماء أحادثهم فإذا فرغت منهم حضرت. فلما عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك قال له: ويحك من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده. قال: والله يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد. قال: فأحضره الساعة كيف كان. فلما حضر ذلك العالم . قال له الخليفة: من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك، فأنشد:
يا أمير المؤمنينلنا جلساء ما نمل حديثهم ألباء مأمونون غيباً ومشهداً
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ورأياً وتأديباً ومجداً وسؤددا
فإن قلت أموات فلم تعد أمرهم وإن قلت أحياء فلست مفندا
فعلم الخليفة أنه يشير بذلك إلى الكتب ولم ينكر عليه تأخره". (مجاني الأدب3/140)
وذكر رزق الله أيضا" قال بالعتابي: ببكاء القلم تبتسم الكتب. والأقلام مطايا الفطن، قال أرسطاطا ليس: عقول الرجال تحت سن أقلامهم. قال ثمامة ابن أشرس: ما أثرته الأقلام. لم تطمع في دراسته الأيام. قيل في الكتاب: إنه الجليس الذي لا ينافق ولا يمل. ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشي سرك. قال بعضهم في فضيلته". (مجاني الأدب2/141)
ـ ذكر ابن الجوزي" حدثنا عبيد اللَّه بن عمر البقال: تزوج شيخنا ابن المحرم. قال: فلما حملت المرأة إليّ جلست في بعض الأيام على العادة أكتب شيئا والمحبرة بين يدي، فلم أشعر حتى جاءت أمها فأخذت المحبرة فلم أشعر حتى ضربت بها الأرض وكسرتها. فقلت لها: لم ذلك؟ فقالت: بئس‌ هذه أشر على ابنتي من ثلاثمائة ضرّة". (المنتظم14/193).
ـ ذكر ابن طباطبا" قال الجاحظ: دخلت على محمّد بن إسحاق أمير بغداد، في أيام ولايته وهو جالس في الديوان، والناس مثول بين يديه كأن على رءوسهم الطير، ثم دخلت إليه بعد مدّة وهو معزول، وهو جالس في خزانة كتبه، وحواليه الكتب والدفاتر والمحابر والمساطر. فما رأيته أهيب منه في تلك الحال" . (الفخري في الآداب السلطانية/12).
ـ قال الجاحظ" قد يذهب العالم وتبقى كتبه، ويفنى المعقّب ويبقى أثره. ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلّدت من عجيب حكمها، ودوّنت من أنواع سيرها؛ حتّى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلّا بهم- لقد خسّ حظّنا في الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصرت الهمّة، وضعفت النيّة، فاعتقم الرّأي وماتت الخواطر، ونبا العقل". (الرسائل الأدبية/250).

أقوال مأثورة عن الكتب
ـ قال ابن الطقطقي" إن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق ولا يمل. ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشي سرك". (مجاني الأدب1/18)
ـ قال أبو وهب محمد بن مزاحم قال: أول بركة العلم إعارة الكتب". (المحاضرات والمحاورات/311).
ـ ذكر ابن الدواداري" من كلام ابن المعتزّ: الكتاب فاتح الأبواب، جريء على الحجّاب، مفهم لا يفهم وناطق لا يتكلّم، به يشخص المشتاق إذا أقعده الفراق. والقلم مجهّز لجيوش الكلام، يخدم الإرادة، ولا يملّ الاستزادة، يسكت واقفا وينطق سائرا على أرض بياضها مظلم وسوادها مضيء. كأنه يقبّل بساط سلطان أو يفتح نوار بستان". (كنز الدرر وجامع الغرر5/327).
ـ قال أبو بكر الدينوري" عَنِ الْمُسَاحِقِيِّ؛ قَالَ: كَانَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ لا يُجَالِسُ النَّاسَ، وَنَزَلَ مَقْبَرَةً، وَكَانَ لا يُرَى إِلا وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ يَقْرَؤُهُ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ أَرَ أَوْعَظَ مِنْ قَبْرٍ، وَلا مُمْتِعًا أَمْتَعَ مِنْ كِتَابٍ، وَلا شَيْئًا أَسْلَمَ مِنَ الْوِحْدَةِ". (المجالسة وجواهر العلم22/143).
ـ قال أبو بكر الدينوري"عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ امْرَأَةً سَعْدِيَّةً قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ دَعَا رَجُلا؛ فَقَالَ: اذْهَبْ؛ فَأَحْرِقْ كُتُبِي". (المجالسة وجواهر العلم22/136).
ـ قال أبو بكر الدينوري" عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ قَال: كَانَ فِدْيُ أُسَارَى بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ أُمِرَ أَنْ يُعَلِّمَ صِبْيَانَ الأَنْصَارِ الْكِتَابَ". (المجالسة وجواهر العلم15/307).

فوائد القراءة
1. كل فرد في المجتمع يمتلك وقت فراغ بعد إنتهاء عمله او أيام العطل الإسبوعية وبقية العطل الدينية والدنيوية المعتمدة في الدولة، ومطالعة الكتب أفضل وسيلة لقتل الفراغ والتمتع به. فهي تملأ وقت الفرد بما يُفيده وتخلصه من الملل والسأم من روتين العمل.
2. بلا أدنى شك ان المطالعة تعتبر أفضل وسيلة لتنمية القدرات الذهنية، وتوسيع دائرة الفكر لمن يطلع على الكتب سيما في مختلف العلوم والمعارف، وتمكنه من إثراء خزين ذاكرته بكلمات جديدة.
3. زيادة رصيد المعلومات والتحول من مطلع الى مثقف يمكن أن ينفع نفسه والمجتمع. فقد ثبت أن القراءة تحفز العقل على التفكير السليم، والتركيز الجيد، والتأمل الإيجابي.
4. المساعدة في إحتضان أفكار جديدة تفيد القاريء في معالجة المشاكل الشخصية والعائلية والإجتماعية علاوة على تحديد السيناريو الأفضل لحياته أو مستقبله. فهي تزيد من القدرة على التركيز وتقوية الذاكرة
5. المساهمة في النهضة الوطنية، فالعلم هو أساس الحضارة، والكتاب وسيلة العلم وأساس المعارف البشرية. تعتبر المطالعة إحدى طرق نقل ثمار العقل الإنساني من آداب وفنون ومعارف وإكتشافات وإختراعات للآخرين.
6. التعرف على عادات وتقاليد الشعوب والأديان السماوية والوضعية والتقدم في العلوم والتطور التكنلوجي، وتوظيف ما يمكن توظيفه للفائدة الشخصية او الجمعية.
7. تهذيب النفس وبناء شخصية واثقة من نفسها ومؤثرة في المجتمع. ثبت علميا ان المطالعة المستمرة تخفض مستويات التوتر النفسي عند الفرد، كما انها تحفز العقل الباطن على التفكير السليم. كما إنها تشط عمليات التواصل الإجتماعي.
8. تمكن المطالعة الفرد من القيام بعمل مميز يتناسب طرديا مع مستوى ثقافته ومهارته، فهي تزيد من مخزون المفردات التي يمتلكها الفرد وتُعزز لغته وطريقة كلامه مما يُساهم في زيادة قدرته على الحديث والنقاش.، و تمده بالخبرات العلمية التي تفيده في حياته.
9. تعزيز الثقة بالنفس وتعمل على رفع مستوى القدرة التفاوضية للفرد والقابلية على إقناع المقابل بأفضل وأسرع ما يمكن، وتمنحه القدرة العالية على ربط الأمور ببعضها وتحليلها ووإستخلاص النتائج مسبقا.
10. أثبتت الدراسات الأكاديمية بأن المطالعة تؤمن الدماغ من مخاطر الزهايمر، فقد أكد (روبرت س. ويلسون)، أستاذ علم النفس العصبي في المركز الطبي لجامعة راش إنالمطالعة نؤمن الحماية الكافية للدماغ لمواصلة التفكير بشكل صحيح. وثبت علميا ان المطالعة سيما الأحاجي والألغاز ولعبة الشطرنج تحمي الفرد من الزهايمر. وأشار تقرير لجامعة ليفربول" القراءة المستمرة تخفف الأمراض المزمنة، وتؤثر بشكل جيد على العقل البشري أي تمثل (العلاج السلوكي المعرفي)، وهي
أحد طرق العلاج النفسي الشهيرة، يستخدم في الكثير من الحالات منها التعامل مع الآلام المزمنة
11. المطالعة المفيدة والسليمة البعيدة عن الظلال والزيف تعتبر أفضل طريفة للتخلص من الجهل المعرفي، وتؤمن له الإعتدال وتحميه من التطرف والمغالاة

آفات الكتب
هناك الكثير من الآفات التي تفتك بالكتاب منها بفعل العوامل الطبيعية كالحرائق والفيضانات، ومنها عوامل غير مفتعلة كالحشرات كالعث والنمل الأبيظ (الإرضه)، ومنها المفتعلة من قبل البشر. وقد عدد لنا عبد الصمد كنون بعض منها فقال:
عليك بالحفظ بعد الجمع في كتب فإن للكتب آفات تُفرقها
الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يخرقها واللص يسرقها
(الجراب الجامع). (زهر الأكم في الأمثال والحكم2/205)
ونسبها الثعالبي لطالب من طلاب الطبري بقوله" للأستاذ الطبري رسالة في آفات الكتب نظمها بعض تلامذته فقال:
عليك بالحفظ دون الجمع في كتب فإن للكتب آفات تفرقها
الماء يغرقها والنار تحرقهـــــــــا واللصّ يسرقها والفار يخرقها
( اللطائف والظرائف/69)
ـ كما قال الشاعر:
هي كتبي فليس تصلح من بعدي لغير العطار والإسكافِ
هي إما مـــــــــــــراود للعقاقير وأما بطائن للخفافِ (المخلاة/326)
ـ قال مجير الدين محمد الأشعري:
عرضت كتابي كي يباع بدرهم على مشترِ عند الوفاء شحيح
رأى خطه ذا علة فإعاده ومن يشتري ذا علة بصحيح (المخلاة/326)

تأليف الكتب
قال الجاحظ" ينبغي لمن كتب كتابا ألا يكتبه إلّا على أنّ النّاس كلّهم له أعداء، وكلّهم عالم بالأمور، وكلّهم متفرّغ له، ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتابه غفلا، ولا يرضى بالرأي الفطير، فإنّ لابتداء الكتاب فتنة وعجبا، فإذا سكنت الطبيعة وهدأت الحركة، تراجعت الأخلاط، وعادت النفس وافرة، أعاد النّظر فيه، فيتوقّف عند فصوله توقّف من يكون وزن طمعه في السلامة أنقص من وزن خوفه من العيب،". (كتاب الحيوان1/60). وأضاف" الكتاب قد يفضل صاحبه، ويتقدّم مؤلّفه، ويرجّح قلمه على لسانه بأمور: منها أنّ الكتاب يقرأ بكلّ مكان، ويظهر ما فيه على كلّ لسان، ويوجد مع كلّ زمان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار، وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع في المسألة والجواب. ومناقلة اللسان وهدايته لا تجوزان مجلس صاحبه، ومبلغ صوته. وقد يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره". (كتاب الحيوان1/59)

تجليد الكتب
قال الصفدي عن تجليد الكتب:
ملكت كتابا أخلق الدهر جلده وما أحد في دهر بمخلد
إذا نظرت كتبي الجديدة جلده يقولون لا تهلك أسى وتجلد
(مطالع البدور ومنازل السرور/238).

الكتب في الاحلام
يذكر ميلر" خزانة الكتب. إذا رأيت خزانة كتب في أحلامك فهذا يرمز إلى أنك ستصحب المعرفة في عملك ومتعتك. خزانات الكتب الفارغة تتضمن أنك سوف تتعرض لمضايقة بسبب فقدان وسيلة أو براعة العمل". (موسوعة تفسير الاحلام/60).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1162 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع