ضحى عبد الرحمن
مباحث في الكتب/٣٨
أهم المكتبات في التراث العربي
عرف عن العرب حبهم للكتب وتجميعها على مستوى الفرد والدولة، لذا تميزت بوجود مكتبات كبيرة، ولعل أهمها حسب قول القلقشندي في خزائن الكتب المشهورة: يقال أن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن:
الأولى: خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد، فكان فيها من الكتب مالا يحصى كثرة ولا يقوم عليه نفاسة ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد فذهبت خزائن الكتب فيما ذهب.
الثانية: خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها جمعاً للكت النفيسة من جميع العلوم ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الايدي فلم يبق منها الا القليل.
الثالثة: خزانة خلفاء بني امية بالأندلس وكانت من اجل خزائن الكتب أيضاً ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف عليها. قال وأما الآن (أي في القرن الثامن) فقد قلت عناية الملوك بخزائن الكتب الكتف اكتفاء بخزائن كتب المدارس. وحب الكتب ليست ظاهرة اقتصرت على العرب بل تجد مكتبات ضخمة عند الهنود والروم والفرس والصينيين وغيرهم، من غرائب عشاق الكتب غليوم بودي (1467 - 1540) قال إنه اغتنم الفرصة يوم عرسه فمر بكتبه قبل أن يبني بعرسه ومع هذا رزق بنين وبنات وهو الذي يروى عنه أن خادمه جاءه يوماً وهو يلهث فقال أن لسان اللهيب أخذ يندلع على البيت وكان أمام كتبه بالطبع فأجابه قل لزوجي وهلا تعرف أنني لا أتداخل في أمور المنزل.. وأغرب من هذا ما أجراه أدرين تورنيب من مشاهير اليونان وأحد فلاسفة القرن السادس عشر (1512 - 1565) فإنه نسي يوم عرسه الذي يقضى عليه بأن يجتمع في يومه بالناس. وكذلك كان أمر فردريك مورل لجون من علماء فرنسا المشتغلين وكان يبحث في أخبار ليبانيوس السفسطائي اليوناني فجاءه رسول يقول له أن زوجته تريد أن تكلمه بضع كلمات وكان يحبها حباً جماً فقال له دعني الآن انظر هاتين الكلمتين لكن المهلة التي طلبها طالت واسبطرت فبعثت إليه برسول آخر قال له إن زوجتك كادت تفارق الحياة فحوقل وامتدح منها وردد بعض مآثرها وسيرتها الصالحة وعاد يغوص في بحر كتبه. وفي الغرب حصل نفس الشيء، مثلا، مكتبة الفرنسي (يعقوب غوبيل) فقد إستباح الرعاع مكتبته خلال حرب عصابات الكاثوليك فمات أثر ذلك. ومات أيضا صاحب أمبر مكتبة في ايطاليا وهو (القس كوجي) بعد إضطراره لبيع كتبه كمدا على فقدانها. بل ان هناك من إنتحر بعد ان أضطر لبيع كتبه مثلا الأمير(كاميراتا).
قال ابو الطيب الحسيني القنوجي" اعلم أن الأوائل من الملوك كانوا يهتمون بجمع الكتب وخزانتها فحدثت في الإسلام خزائن ثلاث:
إحداها: بمدينة دار السلام ببغداد وكانت فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة وقد ذهب الكل في وقعة تاتار ببغداد.
وثانيتها: خزانة الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها جمعا للكتب النفيسة ولما انقضت دولتهم باستيلاء الملك صلاح الدين على مصر فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ووقفها على مدرسته بمصر فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل.
وثالثتها: خزانة بني أمية بالأندلس وكانت من أجل خزائن الكتب أيضا ولما انقرضت دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس ذهب كلها". (أبجد العلوم1/529).
أهم المكتبات العربية
1. المكتبات العامة.
أ. مكتبة المستنصر
" في الأندلس كان الحكم المستنصر بن الناصر (ت 366هـ) محبا للعلوم مكرما لأهلها، مولعا بجميع الكتب على اختلاف أنواعها بما لم يجمعه أحد من الملوك قبله، فأنشأ في قرطبة مكتبة جمع إليها الكتب من أنحاء العالم، وكان يبعث رجاله إلى المشرق ليشتروا الكتب عند أول ظهورها قبل أن تقع في أيدي بني العباس. وقد بلغ مجموع ما حوته هذه المكتبة أربعمائة ألف مجلد". (نفح الطيب1/295). وقال ابو سهل الهروي" واقتدى بالحكم رجال دولته، ووجهاء مملكته، فأنشأوا المكتبات في سائر بلاد الأندلس، حتى إن غرناطة وحدها كان فيها سبعون مكتبة من المكتبات العامة". (اسفار الفصيح1/67).
ب. مكتبة العزيز الفاطمي
قال المقريزي" ثم أنشأ العزيز الفاطمي (ت 386هـ) بالقصر الشرقي الكبير مكتبة ضخمة زودها بأكثر من مليون كتاب في مختلف العلوم والفنون، وتميزت عن غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما تحويه من كتب نادرة". (الخطط المقريزية1/408).
2. المكتبات الخاصة
أ. مكتبة الصاحب بن عباد
قال الحموي " حكي عن الصاحب بن عباد (ت 385هـ) أنه جمع من الكتب ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر، وكان فهرس كتبه يقع في عشرة مجلدات ". (معجم الادباء/697).
ب. مكتبة وركا
ذكر ابن معصوم المدني" لقد اهتم ملوك هذه الحضارات بالكتاب والمكتبة حتّى قيل بأن الملك ( شرجينيا) أنشا مكتبة في وركا مملوءة بالكتب اللغوية والفلكية والشرعية والأدبية وغيرها ، ثمّ نسخت بعد إنشائها بخمسة عشر قرنا بأمر من أمير آشوري ، وحفظها في دار خاصة بها كما تحفظ المكاتب اليوم ، وعثر المنقبون على بقايا هذه المكتبة بين النهرين ونقلوها إلى المتحف البريطاني في لندن". (الطراز الأول1/16).
ج. مكتبة الأصمعي
قال ابو الفرج " قال لي الأصمعي لما خرجنا مع الرشيد إلى الرقة قال لي هل حملت معك شيئا من كتبك فقلت نعم حملت منها ما خف حمله فقال كم فقلت ثمانية عشر صندوقا فقال هذا لما خففت فلو ثقلت كم كنت تحمل فقلت أضعافها فجعل يعجب ". (الاغاني5/313).
د. مكتبة الفتح بن خاقان
ـ قال محمد بن شاكر" كانت للفتح بن خاقان خزانة كتب جمعها علي بن يحيى المنجم، لم ير أعظم منها كثرة وحسناً، وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة. قال أبو هفان: ثلاثة لم أر قط ولا سمعت بأكثر محبة للكتب والعلوم منهم: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسماعيل القاضي". ( فوات الوفيات3/177).
هـ. مكتبة ابن القفطي
قال محمد بن شاكر" جمع ابن القفطي من الكتب ما لا يوصف وقصد بها من الآفاق، وكان لا يحب من الدنيا سواها، ولم يكن له دار ولا زوجة، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين ألف دينار، وله حكايات غريبة في غرامه بالكتب، وهو أخو المؤيد ابن القفطي". ( فوات الوفيات3/118).
و. مكتبة أبو طالب الحسن ابن عمار
قال إبن شداد" كان أبو طالب الحسن ابن عمار من أعقل الناس، وأسدهم رأياً، فقيهاً على مذهب الشيعة. وكانت له دار علمٍ بأطرابلس، فيها ما يزيد على مائة ألف كتاب وقفا. وهو الذي صنف كتاب ترويح الأرواح، ومفتاح السرور والأفراح المنعوت( بجراب الدولة)". (الأعلاق الخطيرة/80).
ز. كتب الإهرامات
ذكر المراكشي " في الاهرامات من الكتب المستودعة فيها طرائف الحكمة وكمال الصنعة، ومن التماثيل الهائلة من الذهب الملون على رؤسها التيجان الفاخرة مكللة بالجواهر النفيسة، ما يستدل به على عظيم ملكهم". (الإستبصار/57).
ح. مكتبات القيروان
قال د. الحسين بن محمد شوَاط في حديثه عن مكتبات القيروان وفقدان معظم المصنفات" أهم عوامل فقدان هذه المصنفات ما يلي: سيطرة العُبيديّين الرّوافض على إفريقية لمدة ست وستين سنة، فإنَّهم منعوا من تداول المصنفات، وحجزوا ما وقعت عليه أيديهم، وأتلفوه، وعاقبوا من وُجدت بحوزته". وقدم أمثلة: كان لأبي محمد، عبدالله التُّجيبيّ سبعة قناطير كتب، فلما تُوفّي، أخذها حاكم العبيديين، ومنع الناس منها؛ كيداً للإسلام، وبغضاً فيه. وقيل: نجا ثلثها؛ لأنَّه كان عند ابن أبي زيد. لما مات أبو سعيد الوكيل، سطا العُبيديّون على داره، وأخذوا جميع ما فيها، ولا شك أنَّ كتبه من بين ما أخذوا؛ لأنَّه كان من أهل العناية بالحديث، يحفظ أربعة ألاف حديثاً ظاهراً. ورسل عُبيدالله الإسماعيلي، إلى سعود الخَوْلانِيّ بعض حرسه، فقيّده، ثم جمع ما في بيته من الكتب، ثم خرج به، وبكتبه، حتى وقف به على عُبيد الله. كما أنهم (العبيديين) وجدوا كتاب الموطّأ عند رجل، فضربوه بالسّياط، وطافوا به، وهذا في مصر". (مدرسة الحديث في القيروان2/803). واضاف" ثم إنَّ العبيدين لما رحلوا إلى ”مصر، نقلوا معهم ما تبقى من تلك المصنفات، التي استحوذوا عليها، ومنعوا الناس منها، وكل ذلك ساهم في إتلاف المصنّفات، وتعريضها للضّياع". (المصدر السابق).
ط. صوان الحكمة
قال ابو الطيب الحسيني القنوجي" لما رغب الخليفة المأمون في علوم الأوائل أرسل إلى الملك المذكور وطلب الكتب فلم يرسل فغضب المأمون وجمع العساكر وبلغ الخبر إلى الملك فجمع البطاريق وشاورهم في الأمر فقالوا: إن أردت الكسر في دين المسلمين وتزلزل عقائدهم فلا تمنعهم عن الكتب فاستحسن الملك فأرسلها إلى المأمون فجمع المأمون مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق وثابت ابن قرة وغيرهما فترجموها بتراجم مختلفة بحيث لا يوافق ترجمة أحدهم ترجمة الآخر فبقيت التراجم غير محررة إلى أن التمس منصور بن نوح الساماني من أبي نصر الفارابي أن يحررها ويخصها ففعل كما أراد ولهذا لقب بالمعلم الثاني وكانت كتبه في خزانة الكتب المبنية بأصبهان المسماة بصوان الحكمة إلى زمان السلطان مسعود لكن كانت غير مبيضة لأن الفارابي كان غير ملتفت إلى جمع التصانيف ونشرها بل غلب عليه السياحة ثم إن الشيخ أبا علي تقرب عند السلطان مسعود بسبب الطب حتى استوزره واستولى على تلك الخزانة وأخذ ما في تلك الكتب ولخص منها كتاب الشفا وغير ذلك من تصانيفه وقد اتفق إن احترقت تلك الكتب فاتهم أبو علي بأنه أحرقها لينقطع انتساب تلك العلوم عن أربابها ويختص بنفسه لكن هذا كلام الحساد الذين ليس لهم هاد". (أبجد العلوم1/529).
لنا لقاء آخر مع عالم الكتب.
577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع