خمس وسبعون عاما على النكبة كيف ضاعت فلسطين

اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس

خمس وسبعون عاما على النكبة كيف ضاعت فلسطين

يحل علينا هذا اليوم 15 مايس/ مايو 2023 ، وتحل معه الذكرى الخامسة والسبعون لأعلان تأسيس إسرائيل بشكل رسمي في فلسطين العروبة يوم 15/ مايو / 1948 . وحيث انني الان في المراحل الأخيرة من الانتهاء من مسودة كتابي الجديد عن دور العراق والجيش العراقي في حرب فلسطسن عام 1948، والتي يسميها الصهاينة حرب الاستقلال، وجدت من المناسب ان ارفق خلاصة معدلة لما كتبته في الفصل الأول من كتابي المشار اليه، ففيه كما اعتقد إيضاح مناسب عن الموضوع ، ولاسيما لشبابنا واجيالنا الجديدة التي نشأت بعد النكبة وعانت ما عانته من احداث وسياسات طالت كافة اقطار الوطن العربي ونحن في عام 2023، فابعدت تفكيرهم عن نكبة فلسطسن وما جرّته من مصائب ومآسي على العرب ، بل على العالم اجمع ، والتي مازالت نتائجها تتفاعل حتى يومنا هذا متمثلة بالعدوانات الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين وما تبقى من ارضهم مثل قطاع غزة والضفة الغربية تحت الاحتلال والهيمنة الاسرائيلية ، حيث يريد غلاة الصهاينة الان محو اسم فلسطسن من الخارطة، وهناك تصريح اشد غرابة من وزير اسرائيلي متطرف هو بن غفير هو يقول ليس هناك شعب أسمه فلسطينين العرب هم من اوجدوا هذه التسمية بل انهم نادوا بحرق ومحو قرى وبلدات عربية فلسطينية دون حياء، كما طالب مؤخرا احد غلاة متعصبيهم بمحو بلدة (الحوارة ) لانها كانت منطلقا لشباب فلسطين المناضل ليدافع عن ارضه وحقه في الحياة . وهذا يثبت ان فلسطين لم تضيع والنكبة لم تحدث بسبب تقاعس الفلسطينيون عن الدفاع عن وطنهم، بل لاسباب أخرى خارجية وداخلية لعل أهمها المؤامرة الاستعمارية الكبرى لتجزئة الوطن العربي وتشتيت شمل العرب التي تبلورت بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة والتي تم تتويجها بمعاهدة سايكس بيكو المعروفة سيئة الصيت وأسباب عربية ذاتية لعل أهمها الخلافات بين حكومات الدول العربية التي هبت للدفاع عن فلسطين، وفقدان القيادة الموحدة التي يمكنها تحشيد الطاقات العربية وتوجيهها نحو غاية التحرير، وكانت إمكاناتها تمكنها من ذلك لو اجتمعت تحت راية واحدة وقيادة عربية موحدة ، لكن هذا لم يحدث ، وكان السبب الأساس في خسارة تلك الحرب، وانتصار اسرئيل واستقلالها كما يحلو لهم وصف تلك الحرب . ويشير الكتاب العسكرييون الإسرائيليون ومؤرخيهم الى هذه الحقيقة بكل وضوح.

اعود الان الى ما كتبته حول هذا الموضوع وكما مبين ادناه
فلسطين ارض العرب التاريخية، اغتصبتها الصهيونية العالمية متذرعة بشتى الادعاءات التي لا تمت للحقيقة بصلة، وعملت على تثبيت هذه الادعاءات في ضمير وتفكير العالم الغربي وخصوصا بريطانيا وأمريكا، فقدمتا التسهيلات للصهاينة واليهود الأوروبيين للهجرة إليها اعتبارا من القرن (19) ولاسيما بعد ظهور الحركة الصهيونية . كما أصدرت الحكومة البريطانية وعد بلفور المشؤوم عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعدها وُضعت فلسطين عام 1922 تحت الحماية البريطانية حيث تزايدت أعداد اليهود في فلسطين من بضع آلاف إلى ما يقارب الـ (650,000) عام 1948 وكلهم مسلحون ومدربون على القتال ضمن ما يعرف بمنظمات (الهاغانا) "التي أصبحت فيما بعد الجيش الصهيوني" وعصابات (البالماخ) و(شتيرن) الارهابية.
وعلى اثر صدور قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود بتاريخ 29/11/1947 من هيئة الأمم المتحدة، رفضه العرب رفضا قاطعا ، فيما رحب به الصهاينة باعتباره المرحلة الأولى من مراحل إنشاء كيانهم. إن الرفض العربي وان كان قوياً في الجانب العاطفي إلا انه كان يتميز بالضعف والتردد في الجانب السياسي، لذا لم يتمخض هذا عن موقف سياسي موحد (فاعل وعملي) للعمل على حماية فلسطين العربية.
اتقدت المشاعر القومية والدينية لدى الشعب العربي في اقطاره المختلفة، بضرورة الحفاظ على فلسطين ومنع الصهاينة من الاستيطان فيها، ناهيك عن إقامة دولة لهم هناك. واجبرت هذه المشاعر الشعبية ، الحكومات العربية على الاستجابة بشكل وآخر، والتي تبلورت بشكل اجتماعات متكررة ومتعددة للجامعة العربية وفي اكثر من عاصمة، وتشكيل لجان سياسية وعسكرية ومالية لمعالجة الوضع. لكن كل تلك الاجتماعات التي بدأت فعليا قبل صدور قرار التقسيم عام 1947، وتوالت بعد صدوره ، كانت تؤكد على ان مهمة الدفاع عن فلسطين انما تقع على عاتق الشعب الفلسطيني نفسه وعلى المناضلين من المتطوعين العرب الذين يودون المشاركة مع الفلسطينيين في الدفاع عن فلسطين وان مهمة الدول العربية هي تقديم الاسناد السياسي واللوجستي فقط ، لذا تشكلت قوات تحرير فلسطين بقيادة فوزي القاوقجي والتي ضمت الكثير من شباب العرب المتطوعين للقتال في فلسطين ، ولا زلت أتذكر حتى هذه اللحظة منظر المتطوعين العراقييين في شهر اذار ونيسان 1948 الراغبين بالانظام الى جيش التحرير الفلسطيني وهم يتوافدون عالى مركز التطوع الكائن في شارع ام الربيعين في محلة نجيب باشا في الاعظمية وكان مركز تجمعهم في ساحة حديقة ام الربيعين الموجودة هناك آنذاك ، ولا زالت بعض بقاياها موجودة حتى الان وتحول جزء منها الى جامع عبد الرزاق الدهان وولده . المهم في الامر صدرت قرارات مجلس الجامعة العربية في (16/3/1948) بإرسال الجيوش العربية النظامية لكل من العراق وسوريا ولبنان ومصر وبعض القوات السعودية والفيلق العربي الأردني بقيادة (غلوب باشا) الانكليزي – وكذلك تم تشكيل جيش الإنقاذ من المتطوعين العرب بقوة (8) أفواج بقيادة فوزي القاوقجي كما أنشئت منظمات أخرى عربية داخل فلسطين مثل منظمة الجهاد المقدس تحت اشراف وسيطرة مفتي فلسطين أمين الحسيني. وقررت الجامعة العربية إنشاء قيادة عسكرية موحدة لقيادة القوات الفلسطينية ومقرها دمشق، وانيطت القيادة الى القائد العراقي أمير اللواء الركن (إسماعيل صفوت) وكان آنذاك يعمل بمنصب معاون رئيس اركان الجيش العراقي، إلا أن هذه القيادة بقيت غير فعالة، وذلك لعدم توفر الإرادة السياسية لدى الدولة العربية في حينه لتفعيل دورها والتعاون معها. مما جعل القائد إسماعيل صفوت يُكلف بواجب قيادة قوات الفلسطينين فقط، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن حقيقة المواقف السياسية للدول العربية، وهل كانت متجهة فعلا نحو حماية وتحرير فلسطين ومنع إقامة الدولة اليهودية، أم استجابة للضغوط الشعبية الداخلية لامتصاص مشاعر الشعوب العربية ثم القبول بقرارات التقسيم؟ وبكل الأحوال فبما أن الإرادة السياسية كانت غائبة، إذن لم يمكن تفعيل العمل العسكري الجدي في المستويات الإستراتيجية العليا، بل تُركت الجيوش تعمل بشكل مستقل، وان كل ما تم هو تقسيم مسرح العمليات (فلسطين) إلى قواطع خصص كل قاطع منها إلى جيش أو قوة معينة عربية، وبعدها تُركت هذه القوات لتعمل كما تريد دون تنسيق ودون إستراتيجية موحدة. ومع ذلك فقد اصر العراق على ضرورة تشكيل فيادة عسكرية ميدانية عربية موحدة ، فتم ذلك وعيِّن امير اللواء الركن نور الدين محمود ( من الجيش العراقي) قائدا لها ، مع هيئة ركن عراقية أساسا ، وتضم ضباط ارتباط من كافة الجيوش العربية، وفعلا فقد انقتحت هذه القيادة في المفرق – شرق الأردن- يوم 8/ 5/ 1948، وبعدها انتقلت الى الزرقاء ، قبل دخول الجيوش العربية الى الأراضي الفلسطينية.
بدأ القتال في (15/5/1948) وكانت الجيوش العربية متفوقة بكل شيء (الأسلحة والتجهيزات والمعنويات) لكنها كانت متخلفة في وحدة القيادة ووحدة الهدف، وانتهت الحرب في عام 1949 والصهاينة متفوقون بكل شيء، وعقدت الهدنة الدائمة، وحل ما حل بفلسطين العربية.
وضمن هذا الإطار فقد عملت القوات المسلحة العراقية (الجيش، والقوة الجوية، والشرطة الوطنية، والقوة السيارة) بكل ما عُرف عنها من بسالة وشجاعة متناهية، وإخلاص منقطع النظير، بكل إخلاص وتفان، بل أن العراق ارسل جميع قواته العسكرية المتوافرة لديه آنذاك للقتال في فلسطين / حيث بلغت النسبة حوالي 4/5 من مجموعها الكلي .
ولم يبق في العراق الا مقر لواء واحد في الجنوب هو ل مش 15 وبأمرته فوج واحد، واخر في الشمال وبامرته فوج واحد، بل اشتملت التعزيزات على أفواج من شرطة القوة السيارة ايضاً.
خاضت القوات العراقية المعارك العنفية ضد الصهاينة، وقدمت الشهداء، وحررت أراضي قواطع العمليات المخصصة لها، بل أنها وصلت في تقدمها إلى مسافة لا تزيد عن (6) أميال عن ساحل البحر المتوسط (في منطقة ناثانيا) وكادت تقطع الكيان الصهيوني إلى قسمين، واحتفظت بهذه الأماكن حتى نهاية الحركات في فلسطين، ولم تتمكن القوات الصهيونية من انتزاع أي شبر من هذه الأرض إلا بعد انسحاب القوات العراقية إثر توقيع كل من مصر والاردن وسوريا ولبنان معاهدة لوقف إطلاق النار الدائم مع الكيان الصهيوني، ومن ثم تم تسليم بعض هذه المناطق ولاسيما القريبة من ساحل البحر تجاه ناثانيا، والتي ضحى الجيش العراقي بدماء أبنائه للاحتفاظ بها، إلى الصهاينة دون قتال بموجب بنود معاهدة الهدنة الدائمة . فكان الجيش العراقي هو الجيش العربي الوحيد الذي احتفظ بالأرض التي كانت لديه ولم يتمكن الصهاينة من انتزاعها منه ولم يسلمها مطلقا.
فلسطين واطماع اليهود فيها
الخلفية السياسية :
كان الصهاينة يعرفون منذ البداية، أي منذ القرن (19) وبداية حملات استياطنهم بشكل جدي ومتدرج ، أن وجودهم في ارض فلسطين سيقاومه العرب اعنف مقاومة ، لذا فإنهم بدأو حال تأسيس مستوطناتهم ومستعمراتهم في فلسطين، بتشكيل قوات للدفاع الذاتي عن هذه المستعمرات. وكانت هذه نواة قوات (الهاغانا) التي تشكلت فيما بعد والتي تحولت واصبحت نواة الجيش الإسرائيلي ليلة 14/ 15 / مايس ، مايو 1948، ومعها ومع مرور الوقت تشكلت عصابات (البالماخ) و(شتيرن) الارهابية المتطرفة للقتال ضد العرب المحليين من أهل فلسطين الشرعيين لإرهابهم.
الفلسطينيون يقامون ويثورون
لم يقبل الفلسطينيون بهذه الاطماع فثارت ثائرتهم وابتدأت المظاهرات والثورات العارمة واعمال المقاومة التي انظم لها مناضلون من جميع الدول العربية ، ومن العراق خاصة. وابتدأت تلك المظاهرات منذ عام 1920 ضد قوات الانتداب البريطاني واليهود، واعقبتها ثورة البراق المشهورة عام 1929 ، عندما قال الصهاينة أن المسجد الأقصى انما تعود ملكيته لهم ، ولعل اشهر الثورات هي ثورة 1936 والتي امتدت حتى عام 1939 . بل ان الثورات والانتفاضات استمرت حتى يومنا هذا وسيل الشهداء الفلسطينيون شبابا وشيبا مستمر بالتدفق ولن يتوقف حتى يتم التحرير ان شاء الله ولو بعد حين .
اليهود يكتسبون الخبرة العسكرية
تزايدت اعداد القوات اليهودية بمرور الزمن، حيث تطوع الكثير من اليهود في صفوف الجيش البريطاني والامريكي أثناء الحرب العالمية الثانية من اجل اكتساب الخبرة العسكرية، وتم تشكيل لواء خاصا بهم سمي اللواء اليهودي ، شارك في القتال ضد الألمان في ايطاليا عام (1944). وفي هذا يقول هيرتزوغ في كتابه (الحروب العربية الإسرائيلية) " إن خبرة الحرب التي اكتسبها حوالي 30,000 متطوع يهودي في كافة صنوف القوات البريطانية البرية والبحرية والجوية، أثبتت فيما بعد فائدتها الكبرى في إنشاء قوات الدفاع الإسرائيلية، إذ أنها أمنت أسس التنظيم، والتدريب، والخلفية التقنية التي كانت تفتقر إليها قوات (الهاغانا) حتى ذلك الحين. وفي الوقت الذي تم فيه للحلفاء دحر القوات الألمانية لروميل عام 1942 كانت قوات (البالماخ) اليهودية وهي الذراع المقاتل لمنظمة الهاغانا، في فلسطين قد وصل تعدادها بحدود (3000) شخص. وعند صدور قرار التقسيم عام 1947 ،كان لدى هذه القوات أكثر من (4000) مقاتل داخل الأراضي الفلسطينية. وفي منتصف عام 1947 أي قبل قرار التقسيم (قام بن غوريون – مدير الوكالة اليهودية لفلسطين – التي كانت بمثابة حكومة السكان اليهود في فلسطين) بتهيئة قوات (الهاغانا) للحرب المتوقعة. وقبل اندلاع الحرب كانت المناطق اليهودية قد أعدت وقسمت إلى ستة قطاعات حربية توزعت على محاور التعرض العربية المحتملة وكان لديهم ستة ألوية مقاتلة وأعقبها إنشاء ثلاثة أخرى في الأشهر الثلاثة التي أعقبتها. أي ان تعداد القوات الإسرائيلية كان بحدود 9 الوية مقاتلة يوم 15/5/ 1948، وهو معادل بل يفوق تعداد جميع القوات العربية التي دخلت فلسطين ذلك اليوم ( الجيش العراقي آنذاك 2 لواء / الأردني 2 لواء/ السوري 1 لواء/ المصري 1 لواء / اللبناني 1 فوج ) مع بضعة اعداد من المتطوعين السعوديين واليمنيين .
إذن فالصهاينة كانوا يعلمون جيداً أن الحرب واقعة بينهم وبين عرب فلسطين وأهلها لأنهم يعلمون انهم مغتصبون للأرض، وابتدأوا بالتهيؤ للحرب والتدريب وإعداد القوات. وفي الوقت الذي يدعي فيه الصهاينة إن قواتهم لم تكن تزيد عن (15000) رجل وامرأة مقاتلين، إلا أن المعلومات المتوفرة من مصادر أخرى تشير إلى أن قواتهم كانت تتألف بالحقيقة من (65000) رجل وامرأة مع فصيل جوي مع عدد من الطائرات الخففية وأخر بحري مع عدد من الزوارق. وقد تنامت هذه الصنوف خلال الهدنات التي عقدت اثناء القتال وعددها هدنتان ، بحيث امتلك الصهاينة عند نهاية الحرب قوة جوية ضاربة وقوة بحرية مماثلة.
الخطة ( داليت ) د D :
كانت الوكالة اليهودية في فلسطين وهي بمثابة الحكومة التي تنظم اعمال المستوطنين اليهود والمستوطنات والمستعمرات خلال فترة الانتداب، قد اعدت خطط طوارئ لتطبيقها حسب الظروف وتطوراتها من اجل السيطرة على الأراضي في فلسطين وتمكين الدولة العبرية المزمع اقامتها من العيش والاستمرار. وكانت هذه الخطط قد أُعطيت أرقاما وأسماء رمزية ابتداء من الخطة ( أليف –آ- مرورا بالخطة بيت –ب- والخطة جيميل –ج- وصولا الى الخطة داليت – د- والأخيرة هي الأكثر تفصيلا) . وكانت غاية الخطط جميعها كما قلنا الاستيلاء على اكبر ما يمكن من الأراضي وضمها الى أراضي الدولة العبرية قبل اعلان الاستقلال ( كذا) بالرغم من القرارات الدولية .
وهكذا وبعد إصدار قرار التقسيم واندلاع الاضطرابات في فلسطين بين العرب واليهود زاد عدد القوات الصهيونية وزادت فعالياتهم الإرهابية في قتل العرب وتشريدهم والسيطرة على مناطقهم بموجب الخطة داليت ( د) المشار اليها ، حيث تم احتلال حيفا ويافا واللد والرملة والناصرة وصفد وغيرها من المدن العربية، والاستيلاء على المناطق المحيطة بالقدس وتأمين الطريق بين القدس وتل ابيب، وغيرها من المدن والقرى العربية في فترة الأشهر الستة ما بين اعلات قرار التقسيم في 29/ نوفمبر 1947 وانسحاب قوات الانتداب البريطاني ليلة 14/15 مايس 1948. وارتكبت خلال هذه الفترة مجازر وحشية مثل مجزرة دير ياسين ، وابيدت قرى وبلدات عربية كاملة وهجر أهلها ، وبدأت أفواج اللاجئين الفلسطينيين تتدفق الى الأردن وسوريا ولبنان. اما الإجراءات العربية في هذه الفترة فلم تتجاوز كما سبق وقلنا عقد الاجتماعات المتكررة والمتباعدة للجامعة العربية وتشكيل اللجان المختلفة التي لم تكن تتشكل إلا لتفشل في تحقيق مهماتها لعدم التزام الدول العربية في تنفيذ متطلباتها، كما لم تتدخل الجيوش العربية قبل انتهاء موعد الانتداب، وهكذا ضاع الوقت الثمين ما بين صدور قرار التقسيم في (29/11/1947) وبين قرار الجامعة العربية في (30/4/1948) الذي أجاز استخدام القوات العربية النظامية لمقاومة هذا القرار ومحاربة اليهود وإنشاء القيادة العربية، اي بضياع خمسة أشهر على ذلك.
العرب يدخلون الحرب مشتتين عمليا ودون قيادة موحدة
وحتى بعد تشكيل القيادة العربية العامة استمرت خلافات الدول العربية، حيث أسندت القيادة أول الأمر إلى امير اللواء الركن (إسماعيل صفوت) (العراقي)، والذي لم يتمكن حتى من إنشاء هيئة ركن له، لعدم تعاون العرب معه، فكلف بقيادة القوات غير النظامية الفلسطينية ( فوزي القاوقجي وقوات امين الحسيني وغيرها) . وبعدها أسندت هذه القيادة أمير اللواء الركن ( العراقي) نور الدين محمود على ان يكون أمير اللواء الركن إسماعيل صفوة رئيسا لهيئة الأركان علاوة على واجباته كقائد للقوات الفلسطينية غير النظامية . وقد طالب الملك عبد الله ان تكون القيادة له ، وسبب ذلك مشاكل حيث لقي معارضة شديدة من كل من مصر و سوريا ، تم التغلب عليها بان سُميّ القائد العام ، وان يكون امير اللواء الركن نور الدين محمود هو وكيل القائد والمنفِّذ الحقيقي، كونه ضابط مهني. وقد شكلت القيادة العربية العامة من موارد الجيش العراقي من كافة الوجوه، وفُتحت في المفرق يوم 8/5 ومن ثم انتقلت الى الزرقاء يوم (13/5/1948) . لكن هذه القيادة بدورها لم يكترث لها احد ولم تُنفذ أوامرها. لذا فان القائد (نور الدين محمود) اعتبر نفسه ومجموعته بمثابة هيئة ركن عراقية تعمل مع القوات العراقية فقط. وهكذا دخلت القوات العربية فلسطين موحدة ظاهريا ، وبموجب خطة منسقة على الورق والخرائط فقط، ولكن مشتتة ومتفرقة بالواقع.
وهنا يجدر بنا أن نطلع على ما قاله الصهاينة أنفسهم حول اختلاف العرب في هذا المجال. يقول حاييم هيرتزوغ في كتابه (الحروب العربية الإسرائيلية) ص22، ( باقتراب موعد الانسحاب البريطاني من فلسطين. اتخذت الجامعة العربية قرارها بان تقوم الدول الأعضاء فيها بالتدخل عسكرياً في فلسطين، لكن استحضارات العرب للحرب ضد الدولة الإسرائيلية الوليدة كانت تجري على خلفية الخلافات بين الدول العربية والتي لا سبيل إلى الخلاص منها، ومؤامرات ومناورات مختلف الحكام العرب ضد بعضهم البعض. ففي شهر نيسان عام 1948 قرر العرب تسمية الملك عبدالله ملك - شرق الأردن- أن يكون قائداً عاماً للجيوش العربية التي ستدخل إلى فلسطين، فهو بالإضافة لحقيقة كونه القائد الذي تتبعه أكثر القوات العربية تاثيراً في حينه المتمثلة بالفيلق العربي (تسمية الجيش الأردني في حينه)، فانه كان يتمتع بأفضلية مهمة، ألا وهي أن جزءاً من قواته كانت موجودة فعلا داخل فلسطين، ضمن إطار القوات البريطانية هناك، " إن الدول العربية كانت أكثر انقساما بدلا من التوحد، وكانت قضيتها المشتركة التي دخلت الحرب من اجلها محدودة بمعارضة قيام المستعمرات اليهودية في فلسطين وإقامة الدولة اليهودية. إن هذا النمط من العلاقات هو النمط الذي استمر عبر السنوات القادمة.) انتهى قول هيرتزوغ .
الإستحضارات العربية والخطة العامة:
جيش الإنقاذ وقوات الجهاد المقدس والخلاف على الزعامة بين الفلسطينيين
بعد تشكيل القيادة العربية العامة كما سبق وأوضحنا، تم تشكيل (جيش الإنقاذ). وعهدت القيادة العامة إلى امير اللواء الركن (إسماعيل صفوت)، ووضعت بإمرتها كافة القوات العربية، وكذلك جيش الإنقاذ الذي عُهدت قيادته إلى (فوزي القاوقجي)، كما عُهد إلى الفريق الركن (طه الهاشمي) أن يكون مشرفاً عاما على إعداد هذه القطعات. لكن الحقيقة لميدانية تمخضت عن عدم انضواء الجيوش العربية تحت لواء هذه القيادة فوجدت نفسها تسيطر على جيش الإنقاذ فقط، والذي لم يزد تعداده عن (6,500) مقاتل من المتطوعين العراقيين والسوريين وبعض اللبنانيين والفلسطينيين وقليل من السعوديين واليمنيين. ولقد ثارت الخلافات حالاً بين هذا الجيش وبين قوات (الجهاد المقدس) التي يرأسها مفتي القدس (أمين الحسيني)، لذا تم التفريق بينهما بأن عُهد إلى جيش الإنقاذ العمل في القاطع الشمالي، بينما خُصص القاطع الوسطي إلى قوات الجهاد المقدس لتلافي الحزازات والمنافسات التي لا طائل تحتها.
الخطة العربية العامة:
كانت الخطة العربية العامة قد وُضعت بعد عقد مؤتمر رؤساء أركان الجيوش العربية في عمان يوم(30/4/1948)، وكان من ضمن متطلباتها أن يكون حجم القوات (5) خمسة فرق عسكرية كاملة التسليح والتنظيم تسندها (6) أسراب من الطائرات القاصفة والمقاتلة وان تخضع جميع هذه القوات لقيادة موحدة وكانت الملامح الرئيسية لهذه الخطة [ راجع المخطط رقم (1) المرفق] كالأتي:
أ- الجيش اللبناني- يتحرك على الطريق الساحلي من رأس الناقورة نحو عكا.
ب- الجيش السوري – يتحرك من مرتفعات بانياس وبنت جبيل نحو صفد والناصرة والعفولة.
ج- الجيش العراقي- يعبر حدود فلسطين عن طريق جسر ( المجامع – غور بيسان)، ثم محور جنين- العفولة- الناصرة، وكذلك محور نابلس – طول كرم- قلقيلية لقطع الاتصالات بين حفيا وتل أبيب.
د- الجيش الأردني (الفيلق العربي) بقيادة (غلوب باشا): يزحف برتلين.
أولاً: جسر دامية – شيخ حسين – جنوب بيسان – العفولة مارا بشمال جنين.
ثانياً: اتجاه وادي الباب عن طريق رام الله.
ثالثاً: بعد الالتقاء بالقوات العراقية في العفولة- الاندفاع نحو الساحل واحتلال (المغيرة) و (ناتانيا) وبذا تشطر فلسطين الى شطرين.
ه- الجيش المصري – يجتاز الحدود عند رفح العوجا ويتجه نحو غزة والمجدل وعسقلان.
و- جيش الإنقاذ القيام بغارات على اليهود في حفيا.
ز- منظمات الجهاد المقدس- تقاتل في داخل المدن الفلسطينية وخاصة في القدس ويافا والعباسية.
الأداء العسكري
الاستراتيجية العربية:
يلاحظ الدارس ان الجيوش العربية قد دخلت الحرب وهي تعمل على الخطوط الخارجية ( من الناحية الاستراتيجية) لانها كانت تحيط بفلسطين وبمسرح العمليات من كل الجهات. وهذه الاستراتيجية تعطي افضلية للقوات المتفرقة بان تهاجم مختلف مناطق الجبهة بنفس الوقت مما يشتت جهود الخصم المقابل والذي سوف يصعب عليه مجابهة كل القوات بوقت واحد .
لكن من الجدير بالذكر ان نقول ان استراتيجية العمل على الخطوط الخارجة هذه ، لم يكن قد خُطط لها من قبل الجانب العربي لأن الجانب العربي لم يفكر بهذا المستوى اصلاً ، ليس بسبب عدم امتلاك عسكريية المعلومات العسكرية بالمستوى الاستراتيجي ، بل بسبب عدم وجود المنظومة ( القيادة) التي تجعل من الممكن تحويل الأفكار والنظريات الى خطط ومن ثم اصدار الأوامر الى القوات والاشراف على تنفيذ تلك الخطط. ولو افترضنا انه قد خطط لها، فلم تكن لدى العرب الاليات ولا المنظومات ولا المواصلات والتشكيلات القيادية لتمكنها من تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تعتمد على التفوق الكمي للقوات والأسلحة.
الاستراتيجية الإسرائيلية :
بنيت هذه الاستراتيجية على أساس العمل على الخطوط الداخلة ، والتي تحتم على القوات الإسرائيلية ان تعالج جبهة واحدة، في حين تثبت او تشاغل الجبهات الأخرى . وتمكن الصهاينة من تنفيذ هذه الاستراتيجة بنجاح لامتلاكهم البنية التحتية الملائمة من حيث القيادة الموحدة ، والقوات المرنة وخففية الحركة، ومنظومة الاتصالات ، وشبكة طرق المواصلات التي تساعد القوات على التنقل ما بين الجبهات، وقبل كل ذلك وجود تصور استراتيجي واضح وتصميم معركة ملائم للقتال .
سير الحرب والتنفيذ
يلاحظ الدارس ان هذه الحرب قد جرت بشكل متقطع ، فكان هناك في البداية قتال استمر لمدة تقارب من الشهر ، أي من يوم 15/ 5 حتى يوم 11/6 / 1948 اعقبها هدنة لمدة شهر اعتبارا من يوم 11/6 وحتى يوم 10/ 7 /1948 ، ثم حدث قتال لمدة 10 أيام ، عقدت بعدها الهدنة الثانية يوم 18/7 ( والتي التزمت بها الجيوش العربية) في حين لم يكترث لها الصهاينة وخرقوها كما شاؤوا واعتبارا من يوم 8/ 8/ 1948 حيث استمرت إسرائيل في هذا الخرق حتى يوم 18/ 11 / 1948 عندما استولوا فيها على أراضي كثيرة وهاجموا فيها القوات المصرية هجوما شرسا في الجنوب محاصرين قسم كبير من الجيش المصري فيما عرف بجيب الفالوجة ، وأخيرا وحتى بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة الدائمة عمد الصهاينة الى احتلال جميع مساحة النقب وما فيها من قرى وبلدات واحتلوا أيضا نقطة ام الرشراش الكائنة على قمة خليج العقبة ، والتي انشأوا فيها ميناء ايلات فيما بعد ، بل انهم اصبحو يدعون خليج العقبة بخليج ايلات .
اذا ما عدنا الى الخطة العربية التي ذكرناها أعلاه ، فان تنفيذها قد تعثر بسبب عدم تنفيذ بعض الجيوش لما جاء فيها ، فمثلا لم يأمر غلوب باشا قواته بالتحرك بالارتال تجاه جنين والعفولة وآخر من اتجاه وادي الباب ، بل ركز عمل قواته حول القدس ومقترباتها. أدى ذلك الى عدم تمكن قوات الجيش العراقي من استمرار التقدم من جسر المجامع – بيسان – عفولة كما خطط له ، بل الى تبديل محور التقدم والعودة للعبور من جسر دامية وجسر شيخ حسين باتجاه نابلس . وادى ذلك الى تأخير في سير العمليات وإنجاز الأهداف. وبالرغم من ذلك تمكنت القوات العراقية من التقدم والوصول الى مسافة 6 اميال فقط عن ساحل البحر المتوسط في منطقة ناتانيا واحتلال طولكرم.
معركة جنين
شن الصهاينة هجوما نحو جنين ونابلس لاجبار العراقيين على الانسحاب من طول كرم والمناطق الكتقدمة القريبة من ناثانيا على ساحل البحر المتوسط بمسافة 6 أميال ، وتمكنوا من احتلال جنين، لكن القوات العراقية لم تتراجع عن خطوطها الامامية ، بل شنت قواتهم هجوما مقابلا شديدا استعادوا بموجبة جنين وما حولها فكانت معركة جنين الخالدة يوم 4-7/ حزيران / 1948 ، واستقر الوضع في الجبهة العراقية هكذا حتى نهاية الحرب.
وفي الجبهات الأخرى، تمكنت القوات الأردنية من الدفاع عن القدس الشرقية والاحتفاظ بها وبالمناطق المحيطة بها . ومنع اليهود من فتح الطريق للوصول الى الحي اليهودي هناك ، ووصول الجيش المصري الى اهدافة بالقرب من الخليل وعلى طول الساحل أيضا حتى اشدوت، وتمكن القوات السورية من الاحتفاظ بمواضعها في منطقة سمخ والجليل الأعلى. أي خلاصة القول كانت حصيلة المعارك التي حدثت في الشهر الأول حصيلة جيدة، وهي بصورة عامة بصالح العرب الذين لم يكن من مصلحتهم إيقاف القتال وعقد الهدنة، بل ان ذلك كان من مصلحة اليهود الذين كانوا قد تكبدوا خسائر جسيمة، وكانوا بحاجة الى الوقت لاعادة التنظيم واستيعاب الأسلحة والمقاتلين الجدد الذين نجحت الجهات الموالية لهم في إقامة شبكة شراء واسعة في أوروبا لشراء الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية واستقدام المتطوعين الجدد من المقاتلين ذوي الخبرة في القتال واستخدام الأسلحة والتجهيزات الجديدة . وهنا تم فرض الهدنة الأولى اعتبارا من 11 / 6 / حتى 10/ 7 / 1948.
الهدنة الأولى
وافقت الدول العربية على الهدنة، والتي دخلت حيز التنفيذ في 11 حزيران / يونيو 1948، وكان المستفيد الأول منها هو الجانب الصهيوني، الذي استعاد أنفاسه خلالها، ورتب أوراقه من جديد، وجعلها نقطة تحول خطيرة في تاريخ حرب عام 1948 حيث تمكنوا فيها من تعزيز قواتهم وتزويدها بمختلف الاحتياجات. راجع الملحق ( آ) المرفق
قتال الأيام العشرة 9-19/ تموز / 1948
نفذ الصهاينة استراتيجيتهم بالعمل على الخطوط الداخلة فانفردوا أولا بالقوات السورية في منطقة الجليل الأعلى وشرق طبرية وسمخ، وبعدها انفردوا بالقوات اللبنانية ، بل انهم دخلو الى داخل الأراضي اللبنانية. وحاولوا اجبار القوات العراقية على الانسحاب من المناطق الامامية القصوى التي وصلوها تجاه ناثانيا، حيث احتلو طول كرم وما حولها وتوجهوا الى الساحل ولم يبق بينهم وبين الساحل الا 6 اميال ، وفشلت كل محاولات الصهاينة في إعادة العراقيين الى الخلف. وفي جبهة الجيش المصري في الجنوب جرت معارك شرسة ركز فيها اليهود جهودهم لاخراج الجيش المصري من النقب، فكانت معارك طاحنة ، وكان حصار قسم من القوات المصرية فيما عرف بجيب الفالوجة.
الهدنة الثانية
بعد عشرة أيام من القتال فرض مجلس الامن والدول الكبرى الهدنة الثانية وبتاثير من الوسيط الدولي برنادوت . وقد وافقت عليها الدول العربية وإسرائيل . وكما في الهدنة الأولى تمكن الصهاينة من ترسيخ حكمهم وتمسكهم بمناطقهم بل وتعزيز وتعظيم قدراتهم ليس في المجال العسكري وحسب ، بل في المجال السياسي والدبلوماسي ، وازدادت ثقة إسرائيل بنفسها كدولة ، فاخذت تفكر في حدود آمنة بدلا من التفكير بمناطق تتخذها كوطن توسس فيه الدولة العبرية . اما في الجبهة الجنوبية فقد استغل الصهاينة الهدنة الثانية التي التزم بها العرب وهاجموا القوات المصرية التي استفردوا بها ، بل انهم عبروا الى داخل سيناء وهاجموا القوات المصرية من الخلف لاجبارهم على الانسحاب من منطقة غزة والنقب والشريط الساحلي، وكادو ان ينجحوا. وقد أجبرت مصرعلى القبول بوقف اطلاق النار ومن ثم الدخول بمفاوضات لعقد هدنة دائمة وجرت هذه المفاوضات في رودس كما هو معلوم .
انتهاء الحرب بالتوقيع على معاهدات رودس والهدنة الدائمة
كانت مصر اول الموقعين وذلك لتخليص قواتها المحصورة في الفالوجة ، والانسحاب بشكل منظم الى الأراضي المصرية في سيناء، تبعتها كل من الأردن وسوريا ولبنان، مما انهى الحرب فعلا ً، وتعين على القوات العربية ومنها الجيش العراقي العودة الى بلادها في ربيع عام 1949 . وترسخت اقدام إسرائيل في فلسطين كما بينا وابتلعت مساحات واراضي تجاوزت ما نص عليه قرار التقسيم . ومن الجدير بالذكر هنا ان نبين ان الحكومة العراقية لم توقع على معاهدات او اتفاقيات رودس للهدنة الدائمة ، وان الجيش العراقي عند انسحابه سلم مواضعه الى القوات الأردنية متخذا إجراءات الحماية المشددة لتجنب ما قد تقوم به القوات الصهيوينة من اعتداءات بحجة ان القوات العراقية لم تكن قد وقعت اتفاقايات وقف اطلاق النار.
هذه باختصار لمحة سريعة عن سير الحرب ، ويلاحظ هنا ان الصهاينة استغلوا الهدنات لتعزيز قواتهم وتزويدها بالأسلحة والذخائر المتيسرة في الأسواق الاوربية والأمريكية بإقامة شبكات واسعة لشراء الأسلحة وجلب المتطوعين والمقاتلين للقتال الى جانب اليهود ، فكانوا بعد كل هدنة يظهرون اكثر قوة وافضل تجهيزا، ولاسيما في جوانب الأسلحة الثقيلة كالدروع والمدفعية واليات النقل ، وكذلك في تسليح قواتهم الجوية بالمقاتلات الفتاكة والتي يقودها طيارون خبراء كفاة ، بل وفي الحصول على قاصفات ثقيلة مثل قاصفات بي-17 ، وكذلك تنمية قواتهم البحرية . في حين ان العرب خضعوا لقرار مجلس الامن الذي منع الدول من تزويدهم ليس بالأسلحة وحسب ، بل حتى بالذخائر لما كان لديهم من سلاح ، ويكفي مثلا ان نذكر حال طائرات القوة الجوية العراقية ، التي كانت قد استلمت طائرات فيوري المقاتلة الحديثة قبل اندلاع الحرب بقليل ، لكن الانكليز امتنعوا من تزويد العراق بالذخيرة والعتاد اللازم لهذه الطائرات بحجة تطبيق قرارات مجلس الامن بمنع تزويد الأطراف المتحاربة بالأسلحة والعتاد والذخيرة . وهكذا استمر عدم التكافؤهذا بين الجانبين ، والتي كانت نتائجها ، توقف القتال وعقد اتفاقات الهدنة الدائمة ، وعودة القوات العربية الى اقطارها ، وإعادة توزيع القوات الأردنية لمسك ما اصبح يعرف بالخط الأخضر الذي شكل الحدود الامامية القصوى لخطوط وقف اطلاق النار فيما اصبح يعرف بالضفة الغربية والتي بقيت حتى عام 1967 ، حيث حدثت النكسة التي أعقبت النكبة فتم ابتلاع فلسطين اجمعها من قبل اليهود ، بل انه تجاوزوها الى ابتلاع مرتفعات الجولان وسيناء. عندها جاءت حرب عام 1973 ، لتمهد الطريق الى واقع جغرافي وسياسي واستراتيجي جديد , ولهذا قصة أخرى .

العبرة
ان العبرة التي يمكننا استخلاصها هي أن تحشيد الجهود وتوحيد الأهداف والاستخدام الأمثل للموارد هو سبيل النصر وتحقيق الأهداف. وان العرب فشلوا بسبب تشتتهم سياسيا وتفرقهم بين قيادات وأنظمة مختلفة الميول والاتجاهات ، وانهم ان كانوا موحدين في الشكل الا انهم متفرقين موضوعيا . وسيبقى الامر هكذا ما دامت الوضعية مستمرة هكذا. وعلي من يريد الاعتبار ان يعتبر .

خارطتان تظهران بوضوح المناطق التي خصصها قرار التقسيم الصادر عام 1947 لليهود والأراضي التي تمكنت إسرائيل من ضمها الى دولتها عند نهاية حرب عام 1948

-------

1-https://www.aljazeera.net/encyclopedia
2-حاييم هيرتزوغ ، الحروب العربية الإسرائيلية ، كتاب باللغة الإنكليزية الصادر عام 1982 والمحول الى صيغة الكترونية عام 2021
3-القرار رقم 181 في 29 نوفمبر 1947 . https://ar.wikipedia.org/wiki/-
4-هيرتزوغ ، مصدر سابق ، ص 22

5-يقصد هيرتزوغ بالاسطر أعلاه ان العرب دخلوا الحرب وهم مشتتون دون قيادة عسكرية مهنية موحدة.

-https://www.arab48.com/6

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

939 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع