ضحى عبد الرحمن
مباحث في اللغة والأدب/٤٢
حب الكتب وذمها في التراث العربي
تعتبر هوية قراءة وجمع الكتب واحدة من أشهر الهوايات منذ القدم، وسنأخذ بعض آراء الكتاب والشعراء الإيجابية بشأن الكتاب، فهناك من مدح الكتاب وهم الأكثرية، وآخرين ذموا الكتاب وهم أقلية:
ـ قال محمد بن عبد الملك: بالقلم تزف بنات العقول إلى خدور الكتب" .(البصائر والذخائر5/45).
ـ قالوا " الكتاب مفيد، هو علم من سلف، باقٍ لمن خلف". (البصائر والذخائر5/45).
ـ قال الجاحظ" خير الكتب ما إذا أعدت النظر فيه زادك في حسنه، وأوقفك على حده!". (رسائل الجاحظ3/42).
ـ قال التوحيدي " كان ابو القاسم الكاتب غلام أبي الحسن العامري مشغولا بطلب الكيمياء من أبي الطيب الكيميائي الرازي، مملوك الهمة في طلبه، والحرص على إصابته، مفتونا بكتب أبي زكريا وجابر بن حيان". (المقابسات/60).
ـ قال المرزوقي" قال إبراهيم بن العباس: الكتاب بلا تاريخ نكرة بلا معرفة، وغفل بغير سمة". (الأزمنة والأمكنة/467).
ـ قال الجاحظ" قال بعض الحكماء: الكتب بساتين العلماء. وقال آخر: ذهبت المكارم إلا من الكتب".( المحاسن والأضداد/21).
ـ قال حسن اللؤلؤي" عمرت أربعين عاما ولا بت ولا اتكأت إلا والكتاب موضوع على صدري وكان يقال إنفاق الفضة على كتب الآداب يخلف عليك ذهاب الألباب". وقرأ أبو الحسن بن طباطبا في بعض الكتب، الكتب حصون العقلاء إليها يلجئون وبساعتهم فيها يتنزهون. وقال بديع الزمان الهمذاني ما رأيت جارا أبر ولا رفيقا أطوع ولا معلما أخضع ولا صاحبا أظهر كفاءة ولا أقل خيانة ولا أزهد في مال ولا أكف عن قتال من كتاب. وقال الزمخشري ما رأيت قرينا أحسن موافاة ولا أعجل مكافأة ولا أخص معرفة ولا أخف مؤنة ولا أطول عمرا ولا أطيب ثمرا ولا أقرب مجتنى من كتاب. وكتب ابن نباتة إلى بعض الأجلاء يستعيد كتابا في عريته ويسأل إرسال الكتاب الذي أشرقت بمولانا حروفه وأينعت في الأوراق قطوفه وأصبح لفظه الباسم، كما قال العباس يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى وقد عزم المملوك على السفر حيث يجلي صدأ الغياهب ويتسلم الغرب وديعة الشرق من در الكواكب ويستحب ذيل الفجر المجرور ويتلو لسانه على الأفق سورة النور والله تعالى الخليفة على مجد مولانا الغريب وفضله القريب وشخصه الذي لولاه في هذا البلد لم يلف بها غريب".(مطالع البدور ومنازل السرور/236).
ـ قال الخفاجي" قال أحمد بن إسماعيل: الكتاب مسامر لا يبتدئك في حال شغلك، ولا يدعك في حال نشاطك، ولا يحوجك الى التجمل له، وهو جليسك الذي لا يطريك، وصديقك الذي لا يملك، وناصح لا يستريبك". (كتاب طراز المجالس/256).
ـ قيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته: ما تشتهي؟ فقال: النظر في حواشي الكتب". (المخلاة/9)
ـ قال العاملي « نظر المأمون الى بعض ولده وهو ينظر في كتاب، فقال له: يا بني ما كتابك؟ فأجابه: بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحشة. فقال الحمد لله الذي رزقني ذرية يرى بعين عقله، أكثر مما يرى في وجهه". (المخلاة/10)
ـ قال الجاحظ: وأنا أحفظ وأقول: الكتاب نعم الذخر والعقدة، والجليس والعمدة، ونعم النشرة ونعم النزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل والزميل، ونعم الوزير والنزيل".( المحاسن والأضداد/21)
ـ قال مصعب بن الزبير: إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، ويكتبون أحسن ما يسمعون، فإذا أخذت الأدب فخذه من أفواه الرجال، فإنك لا ترى ولا تسمع إلا مختاراً ولؤلؤاً منظوماً".( المحاسن والأضداد/30)
ـ قال الجاحظ" الكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر، ولا يعتلّ بنوم، ولا يعتريه كلال السهر. وهو المعلّم الذي إن افتقرت إليه لم يخفرك «3» ، وإن قطعت عنه المادّة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك، وإن هبّت ريح أعاديك لم ينقلب عليك، ومتى كنت منه متعلّقا بسبب أو معتصما بأدنى حبل، كان لك فيه غنى من غيره، ولم تضطرّك معه وحشة الوحدة إلى جليس السوء. ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلّا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارّة بك". (كتاب الحيوان1/39)
ـ قال الغزولي" خير جليس في الآنام كتاب هو النديم الكريم والخدن الأمين البريء من الذنوب السليم من العيوب الذي إن أدنيته لم يباعدك وإن أقصيته لم يعاودك وإن واصلته حمدته وإن هاجرته أمنته وإن استنطقته أسمعك وإن استكفيته أقنعك وإن استنكفته كف وإن استثقلته خف وإن دعوته لباك وإن استعفيته أعفاك لا يعصى لك أمرا ولا يحملك أصرا عرضك معه وافر وهو لسرك غير ناشر أنيق المنظر طيب المخبر جميل المشاهد كثير المحامد يملأ العيون قرة والنفوس مسرة يضحك الحزين اللهف ولهى الغضبان الأسف يجتلب السرور ويشرح الصدور ويطرد الهموم والأحزان وينفي بواعث الأشجان مجاورته أحسن مجاورة ومسامرته أحلى مسامرة ومجالسته أنفع مجالسة ومؤانسته أمتع مؤانسة فيه مدعاة إلى الطرب ومسلاة من الوصب وثعله لذي الغرام وتلهية لقلب المستهام وأنس للمستوحش وري للمتعطش وعمارة للمجلس وحلية للمؤنس تلقى القلوب محبتها عليه وتميل النفوس بكليتها إليه ليس بينه وبين حبات القلوب حجاب ولا يغلق بينه وبين سويداءاها باب".(مطالع البدور ومنازل السرور/237).
ـ قال شهاب الدين العمري" كان محمد بن مسلم القرشي الزهري إذا جلس في بيته وضع الكتب حوله يشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته- يوما-: والله، لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر". (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار5/386).
ـ مر رجل بعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وهو جالس في المقبرة وبيده كتاب، فقال له: ما أجلسك ههنا؟ قال: إنه لا أوعظ من قبر، ولا أمتع من كتاب". (العقد الفريد2/80).
. ذم الكتب
ذكر أحمد " رأى النبي (ص) بيد عمر - رضي الله عنه - كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي (ص) حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه". (مسند أحمد3/387).
3. إعارة واستعارة الكتب
في لقاء مع إحدى زميلات العمل وهي تحمل شهادة الدكتوراة في الأدب الفرنسي، كنا نتحدث فيها عن ضياع الكثير من الكتب بسبب الاستعارة، ثم ذكرت لها قول الفيلسوف الأيرلندي برنارد شو" مجنون من يَعِر كتابا، والأكثر جنونا من يرده الى صاحبه". فقالت: هناك مثل فرنسي أشد منه وهو "أعطني اليد التي تعير كتابا لأقطعها". والحقيقة إن الإعارة واحدة من آفات الكتب، ومعذور من يحتفظ بكتبه ويحصر إعارتها لمن يستحقها ويحافظ على الكتاب، ويحترم صاحبه. من منا لا يحتفظ بخزين من المشاعر المؤلمة لأنه فقد كتابا عزيزا عليه! مازلت أذكر بعض الكتب التي فقدتها وتألمت على فقدانها على الرغم من قلة إعارتي الكتب.
ـ قال أحمد بن علي بن ثابتٍ" استعار رجلٌ من أبي حامدٍ أحمد ابن أبي طاهر الإسفراييني الفقيه كتاباً، فرآه أبو حامدٍ يوماً قد أخذ عليه عنباً، ثمّ إنّ الرّجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً، فقال له: تجيءُ إلى المنزل، فأتاه، فأخرج الكتاب إليه في طبقٍ وناوله إياه.
فقال الرّجل: ما هذا؟
قال له: هذا الكتاب الذي طلبته، وهذا الطّبق تضع عليه ما تأكله؛ فعلم بذلك ما جنى". (أخبار الظراف/130).
ـ قال الغزولي" استعار الصنعاني كتابا (سفينة) من صاحب له فكتب إليه لما ردها على معيرها: رأيت السفينة مشحونة علوما، وصاحبها الحبر بحرا، وكان من الرأي ردى إليه سفينته، فهي بالبحر أحرى". (مطالع البدور ومنازل السرور/236).
ـ قال بعض الشعراء:
إنّي حلفت بربّ البيت والحرم هل فوقها حلفة ترجى لذي قسم
أن لا أعير كتابا فيه لي أرب إلا أخا ثقة عندي وذا كـــــــــرم
(محاضرات الأدباء1/151)
ـ قال الشيخ أبو القاسم رحمه الله: كتبت إلى أبي القاسم بن أبي العلاء أبياتا استعير منه شعر عمران بن حطان وضمّنتها أبياتا لبعض من امتنع من إعارة الكتب إلا بالرهن، وأبياتا عارضها بها أبو علي بن أبي العلاء في مناقضة فقلت:
يا ذا الذي بفضله أضحى الورى مفتخرة
أصبحت يدعوني إلى شعر ابن حطّان شره
فليعطينه منعما عارية لأشكره
مقتفيا والده ألبس ثوب المغفرة
عارض من أنشده إذ رام منه دفتره
هذا كتاب حسن قدمت فيه المعذرة
حلفت بالله الذي أطلب منه المغفرة
أن لا أعير أحدا إلا بأخذ التذكرة
بنكتة لطيفة أبلغ منها لم أره
فقال والقول الذي قد قاله وحبّره
من لم يعر دفتره ضاقت عليه المعذره
يقبّح في الذّكر وفي السّماع أخذ التذكرة
ما قال ذاك الشعر إلا ماضغ للعذرة
فامنن به مصطفيا سلوك طرق البررة
فأجابني بأبيات منها:
حبر شعرا خلّتي أنشر منه حبره
يريدني فيه على خليقة مستنكره
مستنزل عن عادة عوّدتها مشتهره
أن لا أعير أحدا لا رجلا ولا مره
لا أقبل الرهن ولا تذكر عندي تذكره
ولو حوت كفّى بها فضل الرّضا والمغفرة
كان لشيخي مذهب من مذهبي أن أهجره
خالفت فيه رسمه معفيا ما أثره
ولو أتاني والدي من بيته في المقبرة
يروم سطرا لم يجد ما رامه وسطّره
(محاضرات الأدباء1/152)
ـ كتب بعض الأدباء إلى صديق له يطالبه بردّ دفتره:
ما بال كتبي في يديك رهينة حبست على مرّ الزمان الأطول
ائذن لها في الانصراف فإنّها كنز عليه إذا افتقرت معوّلي
ولقد تغنّت حين طال ثواؤها طال الوقوف على رسوم المنزل
(محاضرات الأدباء1/153)
ـ قال سعد الدين التفتازاني.
ألا يا مُستعير الكتب دعني فإن إعارتي للكتب عارُ
فمحبوبي من الدنيا كتابـي وهل أبصرت محبوبا يُعار؟
فأجابه السيد الشريف الجرجاني:
ولا تمنــع كتابا مستعيرا فإن البخل للإنسان عار
ألم تسمع حديثا صححٌوه جزاء البخل عند الله نار
(الكشكول لابن عقيل/135). (كتاب الصبابات/119)
944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع