عبدالكريم إبراهيم
حمدية أم بُكلة ورشاقة نعيمة عاكف وجاذبية نيوتن
يقع الثقل الاكبر في الريف على الفتيات دون الرجال، فهن يقمن بالعمل اليومي من حصادٍ وخبزٍ واعداد الطعام وحلب الماشية .ولعل اكثر شيء تعباً ومتعة في نفس الوقت للفتيات الريف، هو جلب الماء والحطب على رؤوسهن من اماكن بعيدة، خلال هذه المسافة الطويلة يتبارين فيما بينهن أيهن تسبق الاخرى في الذهاب والاياب، والمرأة (الحوك) و(المعدلة) تلك التي تحافظ على ما حمل دون أن تقع.
تتميز (حمدية أم بُكلة)- كما يحب ان يطلق عليها أهل السلف لجمال شعرها الذي بانت ملامحه من خلف الشيلة - بقدرتها على حمل اكبر قدر ممكن مما ثقل، ولو قدر لها اليوم المشاركة في رياضة رفع الاثقال لحصل على المركز الأول على بنات جنسها. لم تكتفي (حمدية أم بُكلة) بحمل اكبر (كارة) حطب أو برميل ماء، بل كانت تطلق كلتا يديها في الهواء محافظةً على التوازن متحدية نظرية جاذبية نيوتن. وأحيانا يشدها الحماس وعفوان الشباب فتطقطق أصابعها بكل أريحية غير عابئة بما حملت. من الطرائف عن (حمدية أم بُكلة ) أنها دخلت في رهان مع أهل قريتها في أن تضع (ركية) على رأسها، وتجري بها مسافة لم يسبقها إليها من قريناتها دون أن تسقط من على رأسها.
تزوجت حمدية قريب لها، وسكنت مدينة الثورة ولكنها لم تنس جذورها الفلاحية، وكيف كانت تتفاخر على (جناتها) بأنها كانت تستيقظ في الصباح الباكر للعمل حتى المساء دون ملل أو تعب؟. وفي يوم من الايام (طكت حوصتها ) من كثرة تشكي (الجنات) من اعمال البيت، فأخذت قدراً كبيراً وملأته ماءً ووضعته على رأسها، وهي يدور ساحة البيت ذهاباً واياباً، وسط دهشة زوجات الابناء، وكيف استطاعت هذه العجوز أن تحمل كل هذه الكمية من الماء دون أن تسقط منه شيئا؟. واللافت للنظر أن أنها اطلقت يديها كما كانت تفعل أيام الشباب. وتحت تشجيع ودهشة (الجنات) اللاتي استغلن هذا الموقف الذي لا يتكرر عندما اطلق أحدهن لصوت المسجل ،وأغنية (مشحوفي طر الهور والفال بيدي). وما أن سمعت المرأة العجوز هذه الاغنية حتى ركبتها موجة الحماس فتطقطق اصابعها كأنها نعيمة عاكف بكل رشاقتها هي (تتنطط) على حبل السرك متحديةً جاذبية نيوتن.
1563 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع