عائشة سلطان
يوم قرر نجيب محفوظ أن ينتحر!
عمر الحمزاوي بطل (الشحاذ) محامٍ ناجح ورجل اجتماعي يعيش حياة صاخبة، تنتابه هواجس تفسد عليه حلاوة أيامه وعلاقاته، فإذا به يتخبط بين الضيق والملل والقلق، هذه المشاعر التي أفسدت الحياة الوادعة التي كان يعيشها في صحبة أسرته وأصدقائه، فما الذي طرأ على حياة عمر الحمزاوي ليقع فريسة هذا كله، ما جعله يترك الحياة ويعتزل كل شيء ويختفي تماماً؟
إنه الشعور بعبثية الحياة، وعدم وجود معنى لحياته، والذي سماه نجيب محفوظ «الحموضة» التي تفسد العواطف، والوقت. لكن هل كان عمر الحمزاوي مجرد شخصية في رواية فلسفية وجودية لا أكثر؟
في ظني أن محفوظ دارس الفلسفة، والموظف الروتيني المنضبط والكاتب الملتزم الذي لا يحيد ولا ينقاد لمزاجه وما يدور حوله، عاش بالفعل مرحلة الحيرة والضجر والقلق، والأسئلة الوجودية، كما عاشها الحمزاوي والتي ظهرت في العديد من رواياته.
وبلا شك فإنها قد أفسدت عواطفه وتماسك أيامه، لكنه لم يفكر بالاختباء كما فعل عمر الحمزاوي، بل فعل ما أكبر، لقد ذهب بمعية صديقه لينتحرا وينهيا معاناتهما تماماً، وقد ذكر محفوظ هذه الحكاية لكنه لم يذكر اسم صديقه. إلا أن الصديق كشف عن نفسه عندما أعلن الكاتب أنيس منصور أنه هو من كان في صحبة محفوظ عندما ذهبا للانتحار بإلقاء نفسيهما في مياه النيل من أعلى الجسر.
لكن وفي اللحظة الحاسمة، تراجع منصور وتبعه محفوظ، لأن (الماء كان بارداً ويجب الانتظار حتى تصير المياه أقل برودة) فتأجلت الفكرة ثم تلاشت نهائياً، وقد حكى منصور تفاصيل كثيرة عن تراجع محفوظ عن الفكرة بسبب العراف الذي قال له إنه سيصبح أعظم كاتب في مصر.
لا شيء يؤكد ذلك، إلا أن الحكمة من ذلك هي أن الإنسان في لحظة فارقة في حياته يكون بحاجة لدفعة بسيطة، لكلمة، وربما لكذبة أو لأمل بخفة ريشة أو كلمات عراف يبيع الأوهام.
الحمد لله أن نجيب محفوظ في تلك الأيام ما قبل الثورة لم يكمل مشروعه السوداوي ليعيش ويعطينا هذا المشروع الأدبي العظيم.
1498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع