د.حسيب شحادة
الصوْمُ حسنٌ للصحّة
قصّة مسعودة ابنة عزّات إسماعيل الستريّ 1936-2004
Fasting is Good for Health
A Story by Mas˓ūda, Daughter of Shafīq al-Sutri 1936-2004
בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון 2021, כרך ב’ עמ’ 494–497.
”طبيب“ أمِ الأصحّ - قصّاب
شتّانَ بين ما كان في الماضي وما يحدث اليوم. ها نحن، عند سماعنا سُعالًا قليلًا لمولود جديد، سُرعان ما نكون على أهبّة الاستعداد، نستدعي حالًا أفضلَ طبيب متاح، فيُجري للطفل سلسلة مطوّلة من الفحوصات، يسجّل الأدوية المناسبة، وينتهي الأمر بسلام حتّى السعال القادم.
لو كان في الماضي علاج كهذا، وتوفّرت لنا الإمكانيّات، لما كانت وفَيات الأطفال كثيرة. هل يجِب أن أروي لك، كم كان عدد الأطفال الذين فقدناهم، نحن أمّهات الطائفة السامريّة الصغيرة، إلى أن حظينا ببنين وبنات معافين؟ آنذاك لم تكن الإمكانيّات كما هي اليوم، المال لم يكن متوفّرًا، والطبيب ما كان دائمًا طبيبا. ربّما تسميته قصّابًا في مسلخ تكون أكثرَ ملائمة له. اِتّكلنا على الله، إلّا أنّه كان قد أوضح لنا، أنّ مساعدتَه مضمونة لمن يساعد نفسَه فقط.
طبيب يهوديّ للخلاص
هذا يذكّرني بقصّةِ بنت عمّي رمزيّة، ابنة صبري إسماعيل الدنفيّ. كانت وحيدتَه، إذ توفّي كلُّ إخوتها في طفولتهم بسبب انعدام العلاج الملائم. ابنة وحيدة، كانت بمثابة بؤبؤ عينه وعين زوجته العمّة، شمسة حلمي الشلبيّ. إنّهما غَمراها بحبّهما الجمّ، وراقبا كلّ تغيير بصحّتها. لقد عهِد والدُنا عزّات إلينا، أختي وديعة وأنا، بالحِفاظ عليها وتلبية كلّ ما تحتاج إليه. كونها ابنةً وحيدة، غدت مدلّلةَ عمِّها الكبير، أبينا عزّات. اِهتمّ بها بلا انقطاع، وأحيانًا كثيرة أغدق عليها هدايا صغيرة.
ذات يوم مرِضت رمزيّة، وكلّ الأطبّاء، والأصحّ تسميتهم بالغِربان أو القصّابين، الذين استدعاهم أبوها، لم ينجحوا في خَفْض درجة حرارتها العالية. بدأتِ الطفلة بالغرق أمامَ ناظريْنا المرعوبين. هل سيضرب القدر المريرُ عمَّنا صبري وعمّتنا شمسة من جديد؟ تهامسنا بوَجَل شديد.
قرّر أبي نقل الطفلة على جناح السرعة إلى تل أبيب، بعد فشل أطبّاء نابلس. كان أبي وإخوتُه قد سكنوا في تل أبيب لبضع سنوات، قبل أن طفقوا عائدين للسكن في نابلس. وفي تل أبيب، تعرّفوا على أحد أمهر الأطبّاء إنّه، على ما أذكر، الدكتور روزنبرغ.
حرارتها كانت عالية جدًّا، وجهها أخذ يسودّ، حمَلها والدي بين يديه المحبّتين، في وقفة يوم الغفران ورافقه والداها المهمومان المتألّمان. فحصها الطبيب مليًّا وقال إنّ وضعَها صعبٌ، سجّل اسم الدواء المناسب. قال لأبي: هي لن تتعافى إن لم تحرِص على تناولها هذا الدواء مع كأس ماء، كلَّ أربع ساعات.
ولكن يا دكتور، صاح أبي، هذا المساء يوم الغفران، هل من الممكن أن تبدأ بتناول الدواء غدًا مساءً؟ أجُننتَ، ردّ الطبيب بصوت عالٍ، إنّنا نتكلّم عن طفلة! حقًّا، لقد سمِعت عنكم أيّها السامريّون، بأنّ أطفالكم يصومون صومًا كاملًا، ولكن اسلكوا كما ترون، أمامنا من جهة واحدة، حالة خطر الموت. إن لم تأخذِ الدواء في المواعيد المعيّنة فإنّها ستموت.
صومُ يوم الغُفْران شافٍ
اِرتعب أبي وعمّي عند سماعهما قولَ الطبيب. حمل أبي رمزيّة بذراعيه، وكان كلّ جسمها ما زال ملتهبًا بالحرارة. عادوا إلى نابلس، وحتّى حلول المساء، كانت رمزيّة قد تمكّنت من ابتلاع الدواء ثلاث مرّات. والدنا استدعاني أنا وأختي وحذّرنا بألّا نغض الطرف عن رمزيّة طوالَ يوم الغفران، وأوصانا بحضنها وتدليلها وألّا ننزلها عن أيدينا ولو لهُنيهة. كلّ اهتمامنا يجب أن يكون منصبًّا عليها طيلةَ يوم الصوم.
اِتّخذ أبي قرارًا بأن يتّكلَ على الله تبارك اسمه، بعد أن قام بكل المطلوب من أجل شفائها. وقد وافق عمّي صبري على قرار والدي القاضي بصوم رمزيّة بنته الوحيدة، وبؤبؤ عينه، يوم الغفران كاملا. بالنسبة له، كان الله الأوّلَ وشقيقه الأكبر عزات الثاني.
قضينا صومًا صعبًا جدًّا حقًّا مع رمزيّة، وهي بحِضْني ابنتي عمّها. من حين لآخرَ، كان أبي يعود من الكنيس ليطمئنّ عليها. كان يحملها، يرفعها عاليًا بحذر، يمنحها ابتسامته المشرقة ويتطلّع لابتسامتها، إلا أنّ الطفلة لم تقو على القيام بردّ فعل، بالرغم من أنّ عناقات أبي لها قد أحسنت لها. يا الله، كم وددنا، أنا وأختي، بأن تتغلّب رمزيّة على مرضها وعلى الصوم معًا، مع أنّنا تعجّبنا كيف سيقوم بذلك جسمُها الضئيل.
اُنظروا أيّة أعجوبة، كلّما مرّت ساعات الصوم، أخذت حالة رمزيّة بالتحسّن، علت الحُمرة خدّيها بدلًا من اللون الأسود، وفي زيارة أبي الأخيرة قُبيلَ انتهاء الصوم، بدأت حتّى تبتسم. توقّف بكاؤها تمامًا وشعرنا أنّ حرارة جسمها عادت طبيعية.
عند الاتّكال على الله
في الوجبة الفاخرة بعد الصوم، التهمت رمزيّة كلَّ ما قُدّم لها، وطلبت بصوت عالٍ جدًّا المزيد والمزيد، ولولا خوف أبي على صحّتها لناولها عن طيب خاطر كلَّ ما طلبت. أصدرت رمزيّة أصواتَ فرح، وبدا أنّها قد تعافت كلّيًّا من مرضها. لم يثق والدي بتشخيصه وتشخيص والديها وأقاربها. في اليوم التالي ليوم الغفران، استأجر سيّارة أجرة في مركز نابلس وسافرنا كلّنا لتل أبيب، إلى الدكتور روزنبرغ ثانية. بالكاد تمكّن الطبيب منِ انتزاع رمزيّة من ذراعي والدي المحبّتين. فحصها وهَمْهَم برضًا تامّ.
”إنّك ترى ماذا يحدُث عندما تقومون بتعليمات الطبيب؟“ قال دكتور روزنبرغ مبتسمًا ابتسامة عريضة، ونظارتاه تلمعان- الطفلة شُفيت تمامًا.
أبي وعمّي صبري، اِبتسما دون أن ينطِقا ببنْت شفة. نظر الطبيب إليهما بحَيرة - لماذا تبتسمان، أقلتُ ما يُضحكُ؟ بدأ أبي وعمّي بالضحك، وعندما يضحك أبي، فضحكه كان يجرّنا كلنا للضحك. لم يدرِ الطبيب ما يقول.
”إسأل أخي صبري“- قال أبي للدكتور روزنبرغ - ”هل خالفتْ هذه الطفلة فرائضَ الله بأيّ شكل منَ الأشكال؟“
رمزيّة انضمّت هي للضحك العامّ أيضا. الدكتور روزنبرغ فقط لم يضحك. رافَقَنا إلى الباب وهو يُتمتم لنفسه ويدُسّ إصبعه بأسفل جبينه - ”أنتمُ السامريّون معتوهون تمامًا، معتوهون تماما“.
”لسْنا مجانين“ - سخِر منه أبي - ”ولكنّنا نؤمنُ بالله الطيّب الشافي من كلّ مرض، والمؤمن يلقى أجرَه، ها نحن جميعًا أبناء وبنات الله إلهنا.“
747 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع