سمير عبد الحميد
هل القصرالعباسي ببغداد هو دار المسناة
يقول الدكتور مصطفى جواد رحمه الله في الصفحة 186 من كتابه (دليل خارطة بغداد المفصل في خطط بغداد قديما وحديثا) من من مطبوعات المجمع العلمي العراقي سنة 1958: ((في الجانب الشرقي من بغداد بقايا قصر ضخم مرمم يرجح انه من المباني التي شيدت في العهد العباسي الاخير الذي لايتقدم على تاريخ المستنصرية بكثير من السنين هو القصر المسمى اليوم باسم ((القصر العباسي)) ويقع على ضفة دجلة اليسرى شمالي بناية مجلس الامة ))....ويقول بعد الانتهاء من الوصف العمراني :(واشهر الاقوال وادعاها الى التصديق انه(دار المسناة ) التي انشاها الناصر لدين الله واقام فيها خزانة كتب جليلة لمفاوضة العلماء فيها فهي على التحقيق دار علم ولذاكانت بنايتها اقرب الى بنايات المدارس قد اقتبس من تصميمها المعمار الذي شيد المستنصرية ).....ثم يمضي الدكتور قائلا: (ذكرنا انه توصل المعنيون بشؤون خطط بغداد القديمة الى ان البناية المذكورة هي القصر الذي ذكره ابن جبير حين قال: انه راى الناصر لدين الله ينحدر من منظرته في الجانب الغربي الى دجلة صاعدا في الزورق الى قصره باعلى الجانب الشرقي على الشط ).بعد ذلك قال الدكتور (وقد ذهب احد مؤلفي الكتاب (الدكتور مصطفى جواد) وكذلك الاستاذ يعقوب سركيس الى ان بناية القصر هي الدار التي ورد ذكرها في كتاب الحوادث باسم (دار المسناة )مستندين بذلك الى ان وصفها في الكتاب المذكور جاء موافقا لوصف ابن جبير اي انها باعلى بغداد على شاطئ دجلة (حوادث سنة 680 هجرية وقد وصفت ايضا انها بجوار خندق السور مما يلي الدار وبعد ذلك يقول ان الناصر لدين الله انشا خزانة كتب جليلة في هذا القصر لمفاوضة العلماء ومشاركتهم كما كان المامون يفعل في ايام خلافته انتهى كلام الدكتور. اما الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فيقول (في تحقيقه كتاب الحوادث طبعةدار الغرب الاسلامي سنة 1997 الصفحة 74: يتضح من هذا الخبر ان هذه المسناة كانت الى الشمال من دار الخلافة العباسية فهي في اعلى بغداد ورسو شبارة للخليفة فيها يدل على وجود قصر له هناك وهذا مايتفق والنصوص التي سيوردها المؤلف فيما ياتي عن وجود دار تسمى (دار المسناة) في اعلى بغداد قرب خندقها الشمالي. ثم يقول: ان سبط ابن الجوزي قد صرح (ص 419 من طبعة شيكاغو 1907) ان من عمارات الناصر دار المسناة.ثم يردف قائلا: ويتفق عدد من الباحثين على ان هذه الدارليست الا العمارة الفخمة المعروفة الى اليوم بالقصر العباسي والواقعة على الشط .انتهى كلام الدكتور وباتفاق مع الدكتور مصطفى جواد على ان القصر العباسي هو دار المسناة وانه دار علم !ولكن بالرجوع الى كتاب مضمار الحقائق وسر الخلائق لمحمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه الايوبي 567-617 هـــــــجري الصفحة88 من تحقيق الدكتور حسن حبشي الصادر عن عالم الكتب في القاهرة عام 1968 حوادث سنة 578 هجري يقول :((وفيها كان الفراغ من بناء دار المسناة التي على شاطئ دجلة وكان المتولي عمارتها الحاجب الاعز وهي اول دار شرع الخليفة في عمارتها للتنزه والفرجة وهي اول دار فرشت طوابيق ملونة ازرق واحمر وسائر الالوان وكان الخليفة كثير الملازمة لها والحضور فيها وهي من الدور المستحسنة بنيت على طرف السور مما يلي دجلة قد غرم عليها اموالا جمة ولما تم عملها نقل اليها فرشا كثيرة وانية من ذهب وفضة ورتب فيها جماعة من المماليك والخدم لحفظها وحراستها يلازمون الخدمة فيها دائما والى الان فأن كان راكبا في دجلة او على ظهر واراد الدخول اليها تكون مهياة للقعود فيها والسكنى بها وجعل لهذه الدار حرمة قاطعة كحرمة التاج الشريف بحيث لايقدر احد يقعد تحتها ولايدنو منها الا ان كان سائرا في سفينة فحسب...من هذا النص المهم تبين لنا ان دار المسناة هي (دارتنزه وفرجة وليست دار علم) والدكتور مصطقى جواد معذور بعدم امتلاكه هذا المصدر كونه كان مريضا جدا اذ توفي رحمه الله في عام 1969 ولا اعلم لماذا لم يشر الى هذا المصدر الدكتور عماد عبد السلام رؤوف رحمه الله علما ان الاستاذ بدري محمد فهد قد كتب في مجلة المورد عدد كانون الثاني سنة 1971 مقالا تعريفيا لكتاب مضمار الحقائق ونوه ان الكتاب من المصادر التي لها اهمية خاصة بالنسبة لتاريخ العراق في العهد العباسي الاخير مؤثرا الاشادة بالكتاب وبمحققه الذي بذل قصارى الجهد في اخراجه للنور.هذا وان اخر خبر ورد لدار المسناة ذكره صاحب كتاب الحوادث ففي سنة 696 هجرية امر السلطان محمود غازان بن ارغون بقتل مظفر الدين علي بن علاء الدين(عطا الملك الجويني) صاحب الديوان وامر بدفنه في دار المسناة التي باعلى بغداد.اما القصر العباسي (قصر التاج)مقر الخليفة الرسمي فقد ذكر سليمان افندي بجوي:( ان السلطان سليمان القانوني دخل عام 941 هجري بغداد الى القصر عالي البهجة الذي كان داخل سور بغداد والذي كان ماوى ومنزل الخلفاء السابقين واستراح فيه) .فقصور دار الخلافة ظلت ماثلة عامرة ينزلها المحتلون حتى القرن العاشر للهجرة اي بعد ثلاثة قرون من زوال الخلافة العباسية فقد ذكر صاحب كتاب الحواث الصفحة 362 طبعة بشار ان الامير قراغا قد وصل بغداد بعد احتلالها من قبل هولاكو وعين عماد عماد الدين القزويني نائبا عنه وسلمت مفاتيح دار الخليفة الى مجد الدين محمد بن الاثير وجعل امر الفراشين والبوابين اليه.
1398 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع