الفريق الركن الدكتور عبدالعزيز المفتي
كيف تم التعريب في العهد الملكي في كركوك الكوردية
كتب الدكتور نوري الطالباني عن بداية التعريب وتعريب منطقة حويجة في العهد الملكي قائلاً:
عملت الحكومة العراقية منذ البداية عام (1925) بالتعاون مع شركة النفط البريطانية العاملة في كركوك على جلب أعداد كبيرة من العمال من المحافظات الأخرى لاستخدامهم في شركة النفط ومن ثم إسكانهم في مدينة كركوك الكوردية ونتج عن ذلك خلال فترة قصيرة نسبياً نشوء أحياء شبه مستقلة ضمن الأحياء الكوردية القديمة في مدينة كركوك أو الأحياء الجديدة الخاصة بالآشوريين (الاثوريين) والأرمن والعرب خاصة في المناطق القريبة من شركة النفط وأنشأت شركة النفط مئات الدور للعمال والمستخدمين فيها وكانت نسبة العمال الأكراد أقل من الباقي، وكان معظم شاغلي تلك الدور من الأثوريين والأرمن والعرب والتركمان مما جعل الكورد يشعرون بالغبن.
اتخذت الحكومة العراقية العربية منذ أواسط ثلاثينات من القرن العشرين خطوة أخرى تهدف إلى توطين بعض العشائر العربية في سهل الحويجة الذي يقع في الجنوب الغربي من كركوك وذلك بإنشاء (مشروع ري الحويجة) عن طريق شق جداول فرعية منها في السهل كشبكة للري وقد خططت لذلك وزارة ياسين الهاشمي (وكان هو وأخوه طه الهاشمي من القوميين العرب) فكان ذلك وسيلة لإسكان عشيرتي العبيد والجبور العربية التين كانتا تعيشان في حالة البداوة والترحل في جنوب سهل حويجة الذي كان بسبب عدم توفر الماء فيه يصعب الاستقرار فيه واستيطانه (ولو أنها المنطقة كانت مسكونة في عصور ما قبل الميلاد على ما تشهد عليه المواقع الأثرية المسجلة في دليل المواقع الأثرية في العراق لسنة 1970 ص 205 ومنها ما سجل باسم (مدينة الأكراد) ولا ندري هل أنها هي مدينة (شهر كورد ـ شهر قرد) المسكونة حتى مجيء المغول وكانت تقع في منطقة حويجة أيضاً مدينة (بوازيج) ومدينة (سن) وذلك في العهد الإسلامي) وكانت عشيرة العبيد والجبور تصلان إلى الأقسام الجنوبية من حويجة سعياً وراء الكلأ لمواشيهم فوزعت الحكومة العراقية العربية الأراضي الكوردية المشمولة بمشروع الري (الحويجة) على عشيرتي العبيد والجبور وبعض العشائر العربية الأخرى وخصصت عدداً من المرشدين الزراعيين لتعليمهم كيفية الزراعة التي لم يمارسوها سابقاً ولم توزع الحكومة العراقية العربية الأراضي على الأكراد مثلهم أيضاً بل حرمهم منها فكان هذا أول استيطان عربي يخطط له في محافظة كركوك من قبل الحكومة العراقية العربية الجديدة.
بلغت نفوس عشيرة العبيد هذه (11000) نسمة بموجب إحصائية 1957 وقد تم توطين عشيرة العبيد في جنوب الفرع الغربي من المشروع (ري حويجة) إلى حدود قضاء كركوك وعلى مساحة تبلغ (1000) كيلو متر مربع تقريباً، أما عشيرة الجبور فبلغت نفوسها (12595) نسمة بموجب الإحصاء المذكور لعام 1957 وقد أسكنت في المنطقة الواقعة بين نهر الزاب إلى الفرع الغربي من مشروع الماء (ري كركوك) على مساحة من الأرض قدرها حوالي (900) كيلو متر مربع وأسكنت الحكومة العراقية العربية في حويجة أيضاً عشيرة (البوحمدان) العربية في (14) قرية واستقر عرب من التكريت والدور في مركز ناحية حويجة وفي خمس قرى أخرى، وقد بلغ مجموع أفراد العشائر العربية التي أسكنت في ناحية الحويجة (27705) نسمة بموجب إحصاء 1957 ثم حول النظام العراقي (ونظام حزب البعث) السابق الناحية (حويجة) إلى قضاء وقد شكلت الحكومة العراقية منذ سنة 1963 من هؤلاء العرب في الحويجة وحدات مسلحة غير نظامية باسم (فرسان خالد) واستخدمتها في القتال ضد الثورة الكوردية ولكن قسماً من عشيرة العبيد برئاسة الشيخ مظهر العاصي لم يشاركوا في هذه الوحدات (الفرسان/خالد) العربية ضد الشعب الكوردي ولم يحملوا السلاح ضد الأكراد( ) وكان الشيخ مظهر العاصي من أصدقاء الزعيم الكوردي الشيخ محمود الحفيد وقد وقع على مضبطة موقعة من قبل شخصيات السليمانية ورؤساء البيات ورؤساء عشائر كوردية قدمت إلى الحكومة العراقية مطالبين إطلاق سراحه (الشيخ محمود الحفيد) من المنفى وما زالت لأسرة الشيخ عاصي التي كانت المناوئة لنظام صدام حسين علاقات صداقة مع الأكراد وقد أعدم صدام حسين العميد غازي العبيدي من أقارب الشيخ مظهر العاصي.
هذا وكان متصرف كركوك في ذلك الوقت (سعيد قزاز) الرجل الإداري الكوردي الأشهر والشهير بجسارته عندما كانت الحكومة العراقية تعمل مشروع ري الحويجة لإسكان عشائر عربية مطلعاً (سعيد القزاز) على نوايا الحكومة العراقية العربية لتعريب المنطقة (حويجة) وقد حث العشائر الكوردية على المجيء إلى حويجة للاستيطان فيها وجاء سعيد قزاز بنفسه إلى مدينة كويسنجق ورانية واتصل بعشائرها الكوردية وطلب منها أن ترسل كل عشيرة كوردية مقداراً من أسرها للإقامة في منطقة الحويجة وقال لهم (سعيد القزاز) إن حويجة تخرج من يد الأكراد وسوف تعرب ولكنهم لم يلبوا طلبه إلا أن قسماً من أكراد منطقة كركوك ساروا واستقروا في أراضي المشروع ولكن النظام العراقي وصدام حسين أخرجهم ورحلهم من قضاء حويجة مع الأكراد الذين كانوا في منطقتها قديماً من عشيرة جولمه كي ودزه يي وجاف وشوان الكوردية( ) وفي قضاء حويجة نواحي التالية: العباسي والرياض والزاب.
لقد شردت وهجرت الحكومة العراقية (وحزب البعث) السابق أيضاً السكان الأكراد من قضاء (دوبز) المسمى دبس المتاخم لقضاء حويجة شردتهم وهجرتهم قسرا من قراهم البالغة (31) قرية وجلبت عشائر عربية وخاصة الجبور وأسكنتها في قراهم الكوردية تعريباً للقضاء الكوردي كما دمرت القرى الكوردية الواقعة في غرب وجنوب غرب كركوك باتجاه حويجة( ) وعربتها ايظا وذلك على مراحل ونقلت سكانها الأكراد قسراً إلى عدة مجمعات سكنية كانت قد شيدتها الحكومة العراقية ونظام حزب البعث لجمع الأكراد فيها وما هي إلا نوع من المعتقلات.
----------------
( ) الدكتور نوري الطالباني / منطقة كركوك ومحاولة تغييرها القومي ص 37 و40 – 43 كان الشيخ مظهر العاصي يستنكر ترحيل الأكراد من حويجة ويستنكر اضطهاد الأكراد واستنكر محاولة اغتيال الملا مصطفى البارزاني سنة 1970 وكان أخوه حسن العاصي ونزهان أحمد شكري العبيدي من أقاربه يحبان الأكراد وينتقدان سياسة صدام حسين، وكانت عشيرة العبيد تكره صداماً وكان هو يكرههم أيضاً وقد أحال صدام حسين عبد مطلك العبيدي على التقاعد وكان قائد الفرقة 24 أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
( ) تحدث عن تلك المحاولات المرحوم سعيد قزاز الكردي مع السيد اللواء جمال قادر وكمال قادر من كويسنجق وسمع ذلك من غيرهما وقد سمع من أناس كثيرين أن الفريق بكر صدقي (الكردي) الذي أتى على رأس السلطة في العراق نتيجة انقلابه العسكري في (29/10/1936) واغتيل في الموصل في (11/8/1937) بتخطيط من الأنجليز والقوميين العرب ـ حث العشائر الكردية إلى الذهاب إلى حويجة والتوطن فيها علماً أن هذا القائد الكردي (الفريق الركن بكر صدقي) كان يخطط لإقامة دولة كردية حسب الدلائل المتوفرة وكان يدخر مبلغاً عند المرحوم (توفيق قزاز) من شخصيات السليمانية للحركة الكردية مستقبلاً، أما (سعيد قزاز) فقد جمع بخصوصه أيضاً معلومات غير قليلة من الذين شاهدوه وقد كان وزير الداخلية عند قيام ثورة ة14 تموز 1958 في العراق وأعدم ظلماً وكان (سعيد قزاز) يحاول تعيين الأكراد في شركة نفط كركوك وعين عدداً منهم.
4807 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع