فيروز: (أنا لا أنساك فلسطين)، وعيوننا ترحل اليك كل يوم

علي المسعود

فيروز: (أنا لا أنساك فلسطين)، وعيوننا ترحل اليك كل يوم

قال عنها محمود درويش: “هي الأغنية التي تنسى دائما أن تكبر. هي التي تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر".

وقال عنها أنسي الحاج: (بعض الأصوات سفينة. بعضها شاطئ. بعضها منارة. وصوت فيروز هو السفينة والشاطئ والمنارة).

صوت فيروز كان جزءأ من فطورنا الصباحي قبل ذهاب الأباء والأمهات الى الدوام والأبناء والبنات الى مدارسهم. وأصبحت بالنسبة الى أجيال عديدة طقس الوصول الى العمل وطقس الاستراحة من عناء يوم شاق. فنانة ملتزمة غنّت فيروز للكثير من الأوطان والشعوب، غنت لبيروت ولبغداد ولدمشق وللقدس ولمكة ولبعلبك ولتدمر، وتكاد تكون فيروز هي الوحيدة من المطربين العرب الكبار التي لم تذكر الرؤساء والملوك في أغانيها ، وهذا جعلها على مسافة واحدة من معظم التيارات السياسية، الأمر الذي ضمن لأغانيها الوطنية عمراً أطول من الأغاني الوطنية لكثير من المغنين الآخرين. أغاني فيروز لوطنها لبنان كانت مميزة، حتى أنها لم تترك لبنان خلال الحرب اللبنانية ، وهذا أحد أسباب حب اللبنانيين لفيروز وتمجيدهم لها، و أصبحت رمز لبناني هام، لأنها رفضت النزوح عن أرضها، ممثلة بذلك أعلى درجات حب الوطن والانتماء، وحتى عندما فقدت ابنتها ليال بعد أن تعرض منزلها لقصف صاروخي ظلت على موقفها، وبقيت فيروز طيلة فترة الحرب منقطعة عن الغناء في لبنان، حتى لا تُحسب أنها منحازة لفئة ضد أخرى . وغنت لفلسطين واقتربت من الشارع الفلسطيني، وغنت لشوارع القدس العتيقة، اخلصت فيروز لفلسطين كما لم يفعل غيرها من الفنانين العرب وقدمت مع الرحابنة سلسلة من الاغاني الوطنية لم يقدمها الفلسطينيون أنفسهم، اغاني طبعت في وجدان الشعوب العربية وترسخت كلماتها في ذاكرتهم.

(انا لا انساك فلسطين).

أغنية (القدس العتيقة)، مستوحاة من قصة حقيقية حدثت لفيروز، ففي عام 1964 زارت فيروز وزوجها عاصي الرحباني وصهرها منصور الرحباني، مدينة القدس للمرة الثانية للمشاركة في احتفالية تراتيل بمناسبة زيارة البابا بولس السادس للمدينة المقدسة والتي كانت وقتئذ تحت الحكم الأردني. وأثناء تجولها في شوارع القدس تجمع حولها الناس، واخذوا يشكون همومهم لها، ومعاناتهم المستمرة منذ النكبة، وتقدمت منها احدى السيدات، وبدا الحزن عليها أثناء حديثها مع السيدة فيروز فتأثرت فيروز ولم تتمالك نفسها فبكت، ولم تجد تلك السيدة شيئا تعطيه للسيدة فيروز، لتعبر عن حبها لها وفرحتها بلقائها، فقامت السيدة بشراء (مزهرية) وقدمتها كهدية للسيدة فيروز، وبعد عودتها من زيارتها تلك قصت فيروز إلى عاصي ومنصور هذا الموقف، وقام صهرها منصور الرحباني بكتابة هذه الكلمات من وحي تلك الحادثة، وأسمعها إياها، وقام زوجها عاصي بتلحينها، وتم تسجيل هذه الاغنية في استوديو التلفزيون اللبناني عام 1965.


مرَّيتْ بالشَّوارع.. شَوارع القدس العتيقة
قدَّام الدَّكاكين.. الـ بقيِتْ من فلسطين
حْكِينا سوى الخبرية.. وعطيُوني مزهرية
قالولي هيدي هدية.. من الناس الناطرين
ومشِيت بالشَّوارع.. شَوارع القدس العتيقة
فيروز صاحبة الرسالة الراقية، والمعاني السامية، والثورة النسائية بصوت مخملي، كانت تغني فيه " سيفٌ فليشهر"، وهل أروع من هذا المقطع الذي تتحرك له القلوب وهي تقول " أنا لا أنساكِ فلسطين ويشدُ يشدُ بيّ البعدُ. أنا في أفيائك نسرينُ، أنا زهر اللوز أنا الوردُ...

" فلسطين "عيوننا اليك ترحل كل يوم

الغضب الساطع ات وانا كلي ايمان، ودعت في أغاني للإيقاظ الضمير نحو فلسطين وزرع الأمل على العودة والتحرير، وأصبحت تلك الأغاني خالدة.

لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن
يا زهرة المدائن
يا قدس يا قدس يا قدس
يا مدينة الصلاة أصلي

عيوننا إليك ترحل كل يوم
ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد

وغنت فيروز للقدس كما راتها من خلال تفاصيل يومها العادي كالشوارع والابواب والبيوت فيروز جارة القمر لقرية فلسطينية هي بيسان وهي احدى التي لم تعد كما كانت بعد النكبة. وبحرقة والم وحزن غنت فيروز وحزن؛" وحدن بيبقوا" عن ثلاثة شبان قاموا في عملية فدائية واحدهم كان شاب عراقي في احدى المستوطنات شمال فلسطين المحتلة وهي قصيدة كتبها الشاعر طلال حيدر ولحنها زياد الرحباني :

وحدهُن بيقطفوا وراق الزمان
بيسكّروا الغابة
بيضلّهُن متل الشّتي
يدقّوا على بوابي
يا زمان
يا عشب داشر فوق هالحيطان
ضوّيت ورد اللّيل عَ كتابي
برج الحمام مسوّر وعالي
هجّ الحمام بقيت لحالي
يا ناطرين التّلج ما عاد بدكُن ترجعوا
صرّخ عليهُن بالشّتي يا ديب بلكي بيسمعوا

، ولم تنس فيروز اللاجئين الفلسطينيون والساكنين في مخيمات بيروت القابعين على حدود ارضهم
القابعين على حدود ارضهم التي طردوا منها فغنت لهم سنرجع يوما وهي الاغنية التي كتبها الشاعر الفلسطيني هارون هاشم الرشيد الملقب بشاعر اللجوء والمخيم:

سنرجع يوماً إلى حينا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلاً ولا ترتمي
على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غداً

وكان صوت فيروز الملائكي يصدح ب "الغضب الساطع آتٍ "،

الغضب الساطع آت
وأنا كلي إيمان
الغضب الساطع آت
سأمر على الأحزان
من كل طريق آت
بجياد الرهبة آت

من كل طريق آت
بجياد الرهبة آت
وكوجه الله الغامر
آت.. آت ...آت

وغنت السيدة فيروز لعاصمة الدولة الفلسطينية المرتقبة،
البيت لنا والقدس لنا
البيت لنا والقدس لنا
وبأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام
بأيدينا للقدس سلام

للقدس سلام آت
للقدس سلام آت
للقدس سلام آت... آت...أت

وفى العام 2017 عادت فيروز بترنيمة خاصة عن فلسطين، تتضرع فيها إلى الله، وتشكو إليه معاناة أهل فلسطين وما يجري في القدس من تهويد واستيطان، تحت عنوان "إلى متى يا رب"، ونشرتها ابنتها ريما في قناتها على يوتيوب. لاستماع لفيروز ليس ترفا كما يظن البعض لكنه أصبح حاجة في زمنٍ تلوث وتشوه فيه كل شيء، في زمن نحن بحاجة فيه إلى أن نعيش لحظة نقية مع أنفسنا من خلال صوت فيروز.

علي المسعود

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

693 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع