من الفاليوم الى الموغادون!!

                                       

                        سيف الدين الألوسي

كتبت هذا الموضوع وأنا أتألم بشدة لما يحصل لبلدي العراق اليوم من ضيم وتخلف , وخصوصا بالنسبة لمستقبل كل أجياله وكل الحالات التي نراها اليوم وفي كل مجالات الحياة الكريمة .

أن العراقيين لو أتيحت لهم الفرصة والبيئة المناسبة للعيش الطبيعي الكريم والتعلم لكانوا السباقين في مختلف المجالات العلمية والانسانية , وما سمعنا عنه ورأيناه سابقا هو دليل ملموس على ذلك .

من سوء حظ العراق وأهله موقعه الجغرافي فهو كان ولا يزال وسيبقى محاطا بدول وشعوب تعتبر أن لها حق في تقرير مصير شعبه ومصيره ولأسباب كثيرة معلومة للجميع .

أن تلك الدول ومن يوجهها من الدول الكبرى قد لعبت دورا كبيرا في تدمير العراق وشعبه واليوم تمارس كل النفوذ لتوزيعهم الجغرافي حسب ما تريد ولغايتها الأخيرة بتقسيمه وأضعافه والاستيلاء على ثرواته ,وبأسماء مختلفة منها الدين أو المذهب أو غيرها , وجعل( شعبه يائسا) لديه طريقين للبقاء SURVIVAL , وهي أما الهجرة أو الذل وبكل الوسائل الممكنة .

لو رجع بنا الزمن ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان لرأينا الانحدار المبرمج للمجتمع ومؤسسات الدولة ولو بخط بياني بسيط أزداد بصورة أكبر في أيام الحصار واليوم وصل الى ما دون نقطة الصفر .

لقد تسلط على هذا البلد المحسود وبأشكال مختلفة سياسيون وبأسماء أحزاب مختلفة لتسيير أموره حسب ما خطط لهم من قوى كبرى وحسب منهج مبرمج أصبح واضحا للجميع اليوم .وكما هو في دول أخرى !!

أنا هنا لا أهاجم أحدا ولا أريد الانتقاص من أحد ولكن أروي ما شاهدته وعشته طيلة نصف قرن من الزمان وقد أنعم الله تعالى لي بتذكر تلك الفترات ولكوني لست سياسيا ولا توجد لدي عداوة مع أي مخلوق , ولكنني عراقيا وسأبقى .

في العهد الملكي وحسب ما سمعنا كانت هنالك حريات للرأي وأنتخابات ولو نصف صحيحة وبرلمان ولو غير متكامل وصحف معارضة ودولة مؤسسات تعتمد على الكفاءة والمهنية وحسب ما سمعنا وقرأنا ولكن لم نراها , أستمرت تلك الحالة بأستمرارية ( فيزياوية ) في الستينيات وبقيت الى فترة 1968 مع تأثر كبير بتحول البلد من طريقة الاقتصاد الحر الى الاقتصاد الاشتراكي وكانت بدايته في التأميم للمؤسسات والشركات والبنوك والتي كان مهندسها الدكتور خير الدين حسيب في سنة 1964 . ( لا أرى في هذا التحول مفيدا في دولة غنية كالعراق وتفرق عن مصر والأتحاد السوفيتي والصين بعدد السكان والثروات والخيرات ) .

بعد سنة 1968 حدث تحول آخر وهو حكم الحزب الواحد والذي حاول تجميل الوضع السياسي في البداية بالسماح لبعض الأحزاب الأخرى ولكن لم تكن النيات سليمة من الجميع ! أخذ الوضع العام يتجه للتضخم الأقتصادي بسبب الاموال الطائلة التي جناها العراق من تأميم النفط وأرتفاع أسعاره , ولكن ؟ عند بدأ المجتمع بالنهوض العلمي والثقافي والصناعي مجددا تم تغيير المسار سنة 1979 وبدأ في نفس الوقت أعطاء المجتمع جرعات بسيطة من مهدأ الفاليوم 2 لتهدأته و البدأ أولا بأشغاله بمشاكل داخلية وقيود على أفراده مثل تقييد الحريات الصحفية والتعيين المركزي , والخدمة العسكرية ( تمت هجرة الكثيرين وهروبهم بسببها ) , وتفضيل الحزبيين على غيرهم وخصوصا من يقدم الولاء المطلق بعدم قناعة للقائد! وحتى أعضاء كبار في حزبه , كذلك تم شراء عدد من المجلات والصحف العربية لمصلحة النظام والتمجيد به ومقابل أمتيازات مالية وأستثمارية في العراق ومنهم وليد أبو ظهر ومجلته كل العرب والوطن العربي وغيرها وأغراق الأسواق المركزية بأنواع المعلبات والأجبان المفتخرة والأثاث والكهربائيات الرصينة من أحسن المناشئ , وبدأ المجتمع ككل حائرا وتعجبا بما يجري من تحول !! ولحين بدأ الحرب العراقية الأيرانية , حيث أزدادت جرعة الفاليوم الى 5 ملغم وبدأ بتوزيع السيارات للضباط (تم توزيع الأستمارات قبل الحرب بأشهر ), والمراتب المطوعين والشهداء والمعوقين بالماليبو والمتسوبيشي والسوبر لاحقا وتيوتا كورونا للشهداء ومحورة منها للمعوقين , وكذلك بتوزيع الاراضي وأنواط الشجاعة للمقاتلين وغيرها من الأمور التي تمكن من ديمومة الحرب وتقليل التذمر عند البعض من أصحاب القرار , مع عدم أبداء الرأي الشخصي بكون تلك الحرب كانت صحيحة أم خطأ وما هي نتائجها ولكوني غير متخصص ولا عسكري محترف ولا سياسي أستراتيجي ومحلل , ولكنها أفرزت تغيرات كبيرة في المجتمع منها روح الأنتهازية والمصلحية والأيقاع بين الأفراد وخصوصا من قبل ضعاف النفوس , وكذلك سببت مشاكل أثرت على النمو الاقتصادي والعلمي والعمراني و بسبب تلك الطاحونة للدماء والأموال وهي الحرب الملعونة .

أنتهت تلك الحرب بعد كل تلك التضحيات وخرج منها العراق قويا محترما عربيا ودوليا وبفضل دماء شهدائه وتضحيات أهله جميعا ولتربته خصوصا ولوطنهم ككل وليس لأحد منة فيه غير هؤلاء الابطال , ومن ثم تأمل الجميع بأن هذا الدرس سيكون محفزا لأعادة العراق الى الصدارة في العالم العربي والشرق الأوسط !! هكذا كان تصورنا وفرحتنا وأملنا !! ولكن !

تم أيجاد وحفر نفقا آخر وهو دخول الكويت وكأن العراق راعي بقر وقاتل محترف ينفذ ما هو مطلوب منه وبدماء شعبه وأهله جميعا , وبدأت الجرعة الثالثة من مهدأ الفاليوم 10 ملغم حيث أطلق العنان للفاسدين

والمطبلين والانتهازيين بسرقة ما يمكن سرقته وإغراق الأسواق بالبضائع المسروقة ومن الأغذية الى المكيفات الى السيارات الى غيرها من الأمور والاشياء . وكانت تلك الحالة المؤسفة هي من الحالات التي يجب الوقوف عندها كثيرا حيث كسرت حاجز القيم الكبيرة التي تعلم عليها المجتمع , وكأننا في غزوة لأحدى العشائر القوية في زمن الجاهلية لعشيرة أضعف !! ( كان أحد مقدمي البرامج من لابسي الزيتوني يهز ركبة ويقلد على الجيوش التي ستهاجم العراق وبكونهم نازكين ويستعملون كريم نيفيا ضد الشمس التي ستحرقهم وفي أحدى الحلقات في الكويت مع قطعات الجيش ثم هرب هذا المذيع في التسعينيات ليفتش عن بريل كريم لشعره وووو !!! ) .

كذلك أستمر أعطاء الفاليوم 10 للشعب بالتقلبات الدولارية أيام الحصار , وباخرة السكر وغيرها من الأمور السياسية والأجتماعية وحتى أصبح العراق ومجتمعه يضعف كأنه تفاحة حان وقت قطفها أو سقوطها مثل تفاحة نيوتن !!

حصل الأحتلال وحصل ما حصل وتم أختيار البدلاء حسب المنهج المقرر , ولكون الفاليوم لم يعد يؤثر في العراقيين لتعودهم عليه , فقد تمت تجربة الموغادون المنوم للبشر وبأسم الديمقراطية والتحرير والمظلومية والشفافية وغيرها من التعابير الجديدة عليه والذي بدأ مفعوله تدريجيا وحتى دخل الشعب في سبات طويل سوف لن يتركه الا بعد حين !!

المشكلة اليوم في برلمان أنتخبه الشعب النائم الحالم بكل شفافية , وأخذ هذا البرلمان يطالب بأدوية أخرى لأعضائه المنتخبين ديمقراطيا مثل البروكتوهيل للبواسير لبعض أعضاؤه , والفياغرا لشيابه , والهرمونات الأنثوية لعضواته التي غطى عليهم هرمون التيستيستيرون !!! ومن أموال هذا الشعب وأيتامه ومظلوميه ........!! أحلام سعيدة بفضل الموغادون والى البيثيدين والمورفين قريبا حيث خشيتنا أن تكون نومة بلية كعدة .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

691 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع