علي الكاش
هل يفتقر العراق الى رموز وطنية؟
قال تعالى في سورة الاعراف/179((لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)).
التصريح الذي نزل على رأسي نزول الصاعقة، وكان وقعه على نفسي كبيرا هو قول رئيس جمعية قدامى المحاربين الإيرانيين" انا سعيد جدا عندما أرى جنودي في الجيش الإيراني الذين دافعوا عن ايران وحملوا السلاح ضد الجيش العراقي، اصبح ثلاثة منهم رؤساء وزراء في العراق، و(25) وزيرا، واكثر من (100) نائب في البرلمان العراقي". علاوة بالطبع على كبار قادة الجيش والمؤسسات الأمنية والمدراء العامون ورؤساء الجامعات وغيرهم.
هذا الكلام جعلني افكر مع نفسي هل توجد رموز وطنية عند شيعة العراق؟ حتى لو غضينا النظر عن مجيء قادتهم على ظهر الدبابات الامريكية، وتعاونوا مع قوات الاحتلال، وفتوى مرجعهم السيستاني بعدم مقاومة الاحتلال.
سوف نتناول ما يسمونهم بالرموز السياسية، والرموز الدينية على حد سواء، مع ان كل طرف منهم يخدم ويتخادم مع الطرف الآخر، وان ظهر الخلاف علنا، لكن القوم في السر، ليس كما هم في العلن، لأن نصرة المذهب وليس الوطن هي الهدف الرئيس للطرفين، وهذا ما لم يعد خافيا على أحد. صحيح ان المرجعية أغلقت الباب الأمامي أمام السياسيين الذين رشحتهم وباركتهم وحثت على انتخابهم وزكتهم أمام اتباعها، لكنها تتعامل معهم من الباب الخلفي، كل السياسيين على المسرح العراقي وفي الواجهة هم من نتاج الاحتلال البغيض ومباركة مرجعية النجف.
قبل التوغل في الحديث لابد من تحديد مواصفات الرمز الوطني، ونطبق تلك المواصفات على قادة الشيعة السياسيين والدينيين، اما الزعماء السنة فهم ليسوا رموزا وطنية، ولا توجد رموز دينية لأهل السنة في العراق، فزعمائهم السياسيين عبارة عن ذيول للساسة الشيعة، ووليهم الفقيه في ايران، لا يوجد زعيم سني اخذ منصبه الا بموافقة النظام الإيراني، وهذه حالة عامة وليست خاصة بدءا من محمود المشهداني رئيس البرلمان الحالي وانتهاءا بسلفه الحلبوسي، علاوة على رؤساء الوقف السني والوزراء والنواب، جميعهم ولائيون ومن اتباع الولي الفقيه، هم عبارة عن مجموعة من المهرجين في السيرك السياسي العراقي ليس الا، ولا قيمة لهم الا عند المستفيدين منهم.
الخامنئي رمز عراقي!!!
قال الامام ابن حزم" من العجائب ان الفضائل مستحسنة ومستثقلة، والرذائل مستقبحة ومستخفة". (الرسائل1/401).
أدلى الولائي في مجلس النواب العراقي عدنان الشحماني بتصريح نقلته قناة الحرة في 16شباط 2014علق فيها حول رسم ساخر للخامنئي نشرته صحيفة الصباح" انها جريمة ان يتطاول البعض على رموز العراق خاصة من هو ممثل الامام المهدي"، وقبلها صرح النواب الشيعة تصريحات نارية مشابهة حول صور الخامنئي والخميني التي تملأ شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية والفرات الأوسط، عندما طالب النائب حيدر الملا برفعها احتراما للشعب أو على الأقل لشهداء العراق وعوائلهم الذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية، التي رفض الخميني إيقافها رغم إعلان العراق منذ الشهر الأول من الحرب الموافقة على وقف إطلاق النار. لكن الملا تعرض الى المشاكل بسبب موقفه الوطني، وحُرم من الترشيح لمجلس النواب العراقي، وكان هذا برأيي الخاص في مصلحته، فقد تحول مجلس النواب الى مجلس دواب، وهو من أسوأ الدورات النيابية فلا تشريع ولا مراقبة.
لكن هل يا ترى الخامنئي والخميني وإبراهيم الجعفري ومقتدى الصدر وقيس الخزعلي ونوري المالكي وهمام حمودي وعمار الحكيم وحيدر العبادي وجزار ثور تشرين عادل عبد المهدي وبقية الشراذم الحاكمة في العراق سواء الأجنبية التجنس أو العراقية هم رموز وطنية لشيعة العراق؟ ثورة تشرين اثبتت انهم ليسوا رموزا للشيعة، فقد قمعت الحكومة الشيعية وأجهزتها القمعية الثوار وقتلت ما يقارب الألف من الثوار الشيعة وجرحت وعوقت (25) ألف ثائر شيعي، لأنهم طالبوا بوطن مستقل وقطع الأذرع الإيرانية.
من هو الرمز الوطني؟ وما هي صفاته؟ وهل يجوز اعتبار العراقي لعميل، والمتجنس بجنسية أجنبية رموزا وطنيا؟
ان المعايير الموضوعية للحكم على الرمز الوطني سواء السياسي أو الديني يمثل محورا مهما في طريق النهوض الوطني، لذلك لا بد من تحليل الموضوع بطريقة علمية ومنطقية بعيدا عن النزعات الشخصية، والاهواء والميول الدينية والسياسية. ان جدية الموضوع تولد ايمانا حقيقيا بصدق الرؤية.
صفات الرمز الوطني
الرمز الوطني كما هو معروف هو القائد الجماهيري الذي الذى يفكر بعقل جمعي، ويتحدث بلسان شعبي، ويعمل بكل جهد واخلاص وتفاني من اجل مصلحة وطنه وشعبه. وأن يكون هناك تناغم بين أفكاره وأقواله وأعماله، فجميعها تعزف لحن الوفاء على قيثارة الوطن.
الرمز الوطني يجاهد في كل المواقع، وليس من موقعه الوظيفي فحسب، ويدافع بضراوة عن المبادئ والثوابت الوطنية بكل حزم وثبات، ولا يتزحزح عنها قيد أنملة، مهما اشتدت الضغوط وطال الانتظار، وكثرت التضحيات، ولا يساوم عليها مهما بلغ حجم الإغراءات.
الرمز الوطني لا يملٌ ولا يكلُ من الدفاع عن الوحدة الوطنية وحماياتها من التقسيم والتشتت، لأنه على يقين تام بأنها المستهدفة دائما وأبدا من قبل الأعداء الذين يرومون تقسيم الوطن الى كانتونات هشة عرقية ومذهبية وعشائرية ليسهل ابتلاعها، وهذا ما ورد في الدستور المسخ بعد عام 2003. ذكرت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية في تقرير لها بتأريخ 12 شباط 2016 " في عراق اليوم الذي صممته اميركا تم إلغاء الهوية الوطنية وحلت محلها الطائفة والعشيرة والدين والعرق" وهذه هي الحقيقة بالتمام والكمال، والشواهد عديدة لا تخفى عن لبيب.
لأن الوازع الوطني من صفات الرمز، فهذا يعني بالنتيجة أن يكون متمسكا بالثوابت الوطنية كالسيادة التامة، والاستقلال السياسي والاقتصادي والأمن الوطني، علاوة على رفض التبعية الأجنبية والتدخل الخارجي في شؤون الوطن من أي طرف كان، وأن لا يرتبط بأجندة خارجية، بل يعمل وفق المصلحة الوطنية العليا. ويلاحظ ان الأمن الوطني يعني الأمن الغذائي والصحي والصناعي والزراعي والتجاري علاوة على أمن الطاقة.
لا بد أن يكون الرمز الوطني ذو عقلية عصرية، منفتح على العالم المتطور، ومتحررا من القوالب التقليدية الجامدة في التفكير والتدبير، فلا يعيش جسده في الالفية الثالثة وعقلة في بدايات الألفية الأولى. وان لا يكن عقله متكلسا وأفكاره متحجرة، أو سجينا لمصالح حزبه وعشيرته ودينه وقوميته، بل رمزا عاما لكل شرائح الشعب بلا تمييز أو تفضيل أو استثناء.
لابد أن يتصف الرمز الوطني بالنزاهة والصدق والأمانة والحكمة والإرادة القوية والشخصية المؤثرة في المقابل. فأي خلل في هذا الصفات يجرده من الرمزية، ويُنزله من المنبر الى عتبة العوام من الناس.
لعل أهم صفة من صفات القائد الرمز أن يكون من مواطني الدولة ويحمل جنسيتها الوحيدة، لأن ازدواج الجنسية يعني ازدواج الولاء. فالجنسية الأجنبية لا يحصل عليها الفرد إلا بعد أن يقسم بالولاء للدولة التي منحته جنسيتها. وهذا عُرف مألوف وطبيعي في كل دول العالم. والمواطنة الصميمية ترفض تفويض أمور الدولة الى أصحاب الجنسيات الاخرى حتى وان كانوا مواطنين في الأصل ولكنهم تجنسوا بجنسيات أخرى. فلا تجد مثلا في روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا من يشغل منصب وزيرا او قائدا او سفيرا من غير مواطنيها. كذلك الحال في بقية دول العالم ومنها الأقطار العربية. لكن بعد الفتح الديمقراطي الأمريكي للعراق، تجد مثل هذه الظاهرة الشاذة متفاقمة، لذلك انحلت قواه وانفصم عراه، وصار طنا على شفا جرف هار من البوار.
الرمز الوطني يفترض أن يكون هو ذاته الزعيم الوطني، ولكن ليس كل زعيم وطني يعتبر رمزا وطنيا. هناك الكثير من الزعماء طواهم الزمن بين صفحاته الصفراء وتراكم عليها الغبار، وتناسوهم مواطنيهم، في حين يوجد الكثير من الرموز الوطنية قد ماتت جسداـ ولكنها حاضرة الروح في حياة الشعوب. لأن الرمز الوطني لا ينتهي دوره بموته، بل يبقى عطائه الفكري مستمرا، وفعله مؤثرا، وإلهامه متواصلا. نبضه يدق مع نبض شعبه على نغمة واحدة. يشحذ الهمم، ويثبت المبادئ، ويرسخ روح المواطنة الحقيقية، خذ مثالا على ذلك جيفارا.
لدينا في التأريخ العراقي القديم والمعاصر الكثير من الرموز الوطنية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية وفي عدة مجالات، وهي معروفة للجميع ومصدر فخر كل العراقيين بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والقومية والمذهبية.
لكن من هم رموز العراق بعد عام 2003؟ وهل لدينا أزمة رموز وطنية حتى نجمع من هنا وهناك حثالات أجنبية لا دور إيجابي لهم في تأريخنا الحاضر، بل بعضها اساءوا الينا وحاربونا ومازالوا يحاربونا، أفسدوا علينا الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وعبثوا بالدين، وحطموا القيم الاجتماعية الأصيلة الرائعة، ومزقوا الخيمة التي كانت تضللنا جميعا، وأعادونا للعصر الجاهلي، ورمونا عراة في العراء طعاما سهلا للذئاب المفترسة. هذا رئيس البرلمان السابق والحالي الولائي محمود المشهداني يصرح بكل وقاحة وخسة خلال رئاسته السالقة للبرلمان " نحن مقاولين تفليش (أي هدم) وليس بناء". ويعاد انتخابه للمرة الثانية كرئيس للبرلمان، العجب العجاب تجده في العراق فقط.
صدق ابو بكر الازدي بقوله:
انَّ نجومَ المجدِ أمستْ أُفَّلاً ... وظلُّهُ القالصُ أضحى قدْ أزى
إلاَّ بقايا من أُناسٍ بهمُ ... إلى سبيلِ المكرماتِ يُقتدى
(امالي المرزوقي/59 )
للحديث بقية.. ان شاء الله؟
1267 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع