علي الكاش
فرسان الكلام لا العمل في مؤتمرات القمة العربية
قُال كَعْب بن جعيل:
أرى الشَّام تكره أهل الْعرَاق وَأهل الْعرَاق لَهُم كارهينا
وكل لصَاحبه مبغض يرى كل مَا كَانَ من ذَاك دينا
(ثمار القلوب/595).
تتوالى مؤتمرات القمة وملتقيات المصالحة الوطنية دون أن ينضج ثمارها وغالباً ما توأد في نفس زمان ومكان عقدها، بسبب عدم وجود رؤية مشتركة بين أطرافها فالكل يجيد توجيه الاتهام الى غيره والكل يجيد نكران الاتهامات الموجهة اليه، والكل يجيد فن المحافظة على مصالحه، ويجيد نكران مصالح غيره، والجميع يشترك في رؤيته الضبابية لحقيقية الأحداث الدموية التي تمر بها الأمة العربية والادوار الخبيثة والمؤامرات التي تحيكها الولايات المتحدة والنظام الإيراني تجاه الدول العربية سيما الخارجة عن مدار ولاية الفقيه، انها مؤتمرات شعارات لا اكثر، مرة تشجب وتستنكر، ومرة تشيد بلا مبرر، ثلاث ساعات مدة المؤتمر، وكل يجمع أوراقه ويغادر القاعة، وربما يرمي بأوراقه في سلة النفايات، بعد ان انهى المهمة الموكلة له بكل قوة، مع ان المهمة لا تتجاوز كلمة تلقى والمستمعون نائمون او منشغلون بهواتفهم النقالة. ذكر الجبرتي" يقال شيئان إذا صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية". (عجائب الآثار1/22).
انهم يركلون كرة الإرهاب في سلة المجاهدين والرافضين لقوات الاحتلالين الأمريكي والايراني، مقدمين صورة ضبابية ومنخوبه من جميع جوانبها لما يحدث على الساحة العربية، تتداخل فيها المحن واهمها المحنة مع النفس ومكاشفة الذات، انهم رهط هجين ومهجن متشبث في فكره المريض لا يعترف بفداحة المأزق الذي ارتهنوا فيه العراق لقاء مقامرة خاسرة، تجيش صدورهم بالكراهية لحد اللامعقول واللاعقلاني للعراق وطناَ وشعباً، ويستنكروا ما يفعله الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر في غزة من هولوكوست فلسطيني أشد من الهولوكوست الذي تعرض له اليهود بمئات المرات، من قتل ومجاعات واعتقالات واغتيالات وتشريد وهدم المنازل وتجريف البيوت والمزارع والاعتداء على المقدسات الإسلامية وغيرها من الأهوال التي تشيب لها الابدان، يستنكرون منع الكيان المسخ بأرسال المساعدات الغذائية والدوائية الى المدنيين في غزو، ولا يجرأوا ان يقدموا لقمة لطفل فلسطيني او دواء لامرأة حامل او عجوز مريض، كأنما كلماتهم وثرثرتهم كفيلة بتوريد الغذاء والدواء لسكان غزة! في يوم انعقاد القمة قتل الكيان الصهيوني المسخ (70) فلسطينيا من المدنيين، دون ان يتحرك شارب زعيم عربي واحد، وما تزال المساعدات الغذائية والدوائية محط نقاش بين الوسطاء وكيان الإبادات الجماعية.
حكامنا مع الأسف دينهم وديدنهم الحفاظ على كراسيهم المتهرئة، وهذا يذكرني بقول الماوردي" حَكَى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عُزِلَ عَنْ وِلَايَةٍ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنِّي وَجَدْتهَا حُلْوَةَ الرَّضَاعِ، مَرَّةَ الْفِطَامِ". (أدب الدنيا والدين/244).
افعالهم تفضح اقوالهم، وما يعلونه جهرا، يخفونه باطنا، يمارسون الخداع بذكاء وتفنن على شعوبهم، ولو وضعتهم جميعا في ميزان القيمة والاعتبار لدى الولايات المتحدة في كفة، وطاقية الطاغية الإرهابي نتنياهو في الكفة الأخرى، ستجد ان كفة الطاغية نتنياهو ستترجح، هم ضعفاء مذلون مهانون.
لم يحركوا ساكنا واذرع الكيان تمتد الى سوريا الثورة بحجة حماية الدروز، ولا الى بيروت ولا اليمن متناسين ان ما يفعله الصهاينة يصب في خدمة النظام الإيراني، تخادم واضح لكل من له رؤية صحيحة وتحليل منطقي للأحداث. نحن لا ندافع عن حماس او حزب الله او الحوثيين او الدروز والعلويين، بل ندافع عن الأبرياء من المدنيين عموما الذين يتعرضوا للموت والتشريد وخراب المدن جراء العدوان الصهيوني الغاشم دون ان يكون لهم أي دور في الأحداث الجارية في بلدانهم. قال الامام الأوزاعيّ: المؤمن يقلّ الكلام ويكثر العمل. والمنافق يكثر الكلام ويقلّ العمل". ( الامتاع والمؤانسه1/242).
مع كل الجرائم والابادة البشرية التي يقوم بها الكيان الصهيوني فان الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوربية تقف متفرجة على جرائم الصهاينة، شأنها شأن الدول العربية المشاركة في القمم العربية، ولكن عندما ينتقد احده ما السامية يجرم فورا تحت عنوان (معاداة السامية)، اليس هذه هي الازدواجية السلبية في تقييم الأحداث؟ من يتشبث بحقوق الإنسان وتعزيز الحريات الشخصية اليوم في اوربا قد تجرد من شرفه وضميره ودخل في خانة الإرهاب، وهو يرى الممارسات الإرهابية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في المنطقة.
معاداة السامية جريمة كبرى في الولايات المتحدة والدول الاوربية، ولكن معاداة الإسلام يدخل في خانة (حرية الرأي) أمر مثير للسخرية فعلا، واعجب من ان الجامعة العربية ومؤتمرات القمة لا تضع بندا بعنوان (معاداة الإسلامية) لتجريم كل من يعادي الإسلام، ويحاسب وفق القانون اذا تخطت قدماه الدول العربية والإسلامية، كما هو عليه الحال في (معاداة السامية)، لكن هل ستجرأ الدول العربية والإسلامية على اتخاذ هذه الخطوة المهمة والسهلة؟
الحقيقة لا أظن ذلك! فسماتهم التخلف والجمود والطائفية والتعصب والتقوقع والذل والاستسلام منغمسين حتى أخمص اقدامهم كطفيليات في مستنقع العمالة الضحل.
هل يعلم الزعماء والملوك العرب ان القمة السابقة في بغداد علاوة على النفقات الباهظة التي تحملها العراق( معظمها دخلت في جيوب الفاسدين)، كلفت اهل السنة حياة (3000) شاب تم التحفظ عليهم من قبل رئيس الوزراء السابق الولائي نوري المالكي باعتقالهم خشية من قيامهم بأعمال شغب او إرهاب او التظاهر كما تصوره عقله الطائفي الوسخ خلال اجتماع القمة، وتمت تصفيتهم جميعا؟
هذه كانت من ابرز نتائج القمة السابقة. تصوروا ان عدد الحضور ربما لا يتجاوز المائة، لكن حكومة العميل الفارسي محمد شياع السوداني استوردت (4000) سيارة (نوع تاهو) حديثة الموديل بحجة خدمة الضيوف، ستوزع بعد القمة على الميليشيات وقادتها في الحشد الشعبي وازلام السوداني من المستشارين الطائفيين والفاسدين.
قبل بدء القمة أرسلت النظام الإيراني قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني الى العراقي في (زيارة معلنه لأول مرة) من تأريخ زياراته للعراق ليحمل رسال مبطنة لم يُعلن عنها، وربما منها تسمية الخليج العربي، لذا تجنب البيان الختامي للقمة الحديث عن هذا الأمر، ولم يتطرق البيان الختامي الى الحوثيين على الرغم من النقد الشديد الذي وجهه ممثل الحكومة اليمنية في كلمته خلال المؤتمر، وتجنب الحديث عن ازمة المياه في العراق الناجمة عن الموقفين التركي والإيراني، وهناك من زعم (من الاطار التنسيقي) ان زيارة زعيم فيلق القدس هو لتأمين حماية المؤتمر، وهذه طامة كبير ان يتم المؤتمر في ارض عراقية بحماية إيرانية، في ظل وجود ما يزيد عن مليون رجل أمني وعسكري عراقي، كان مجيء قاآني رسالة سلبية للحضور من القادة العرب وممثليهم، وتوضيح جلي بان نظام الإيراني ما يزال يفرض سيطرته على العراق.
صاحب المؤتمر هرج اعلامي لا يتناسب من الحضور من الزعماء ولا النتائج التي تمخض عنها المؤتمر، ولا النفقات الباهظة على المؤتمر، وتبين ان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قدم بطاقة دعوة مجانية للصحفيين الحضور وان تتحمل الحكومة العراقية مصاريف القدوم (بطاقة الطائرة ذهاب وعودة) والإقامة لمدة أسبوع في ارقى الفنادق مجانا مع عائلاتهم و تقديم هدايا ثمينة (ساعات يدوية ماركات عالمية غالية). لذا بوق الاعلاميون عن نجاح المؤتمر رغم فشله الواضح، وهذا ديدن الحكومة العراقية، تكريم الاعلاميين المأجورين الذين يمدحون السلطة من جهة، وتوجيه الذباب الالكتروني للهجوم على من يعارضوا العملية السياسية من جهة أخر، ليس من الغرائب قيام الإعلاميين المأجورين بتحويل الفشل الى نجاح، فطالما هم ـ ومن يدفع لهم ـ يحولون الهزائم الى انتصارات، ولنا في هزائم حزب الله وشبيحة الأسد والحوثيين والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية (في منطقة السيدة زينب) دليل وشاهد حي على هذا الأمر.
الحقيقة ان العراق لا يصلح أصلا لاستضافة اية قمة او فعالية عربية، ليس لأنه يدور في فلك ولاية الفقيه فحسب، بل لأنه يعادي معظم الدول العربية، فالعلاقات مع سوريا ولبنان والأردن والكويت والسعودية والامارات واليمن (الحكومة الرسمية) جميعها سيئة، والميليشيات الولائية تسيطر على القرار السياسي، علاوة على النواب الولائيين المعادين للدول العربية. والطريف ان شارع المطار زين بالعلمين العراقي وعلم الحشد الشعبي الشيعي الولائي، بمعنى ان هناك حكومتين عراقية وحشدوي. ناهيك عن الاخطار البروتوكولية مثل عدم التمييز بين العلمين البحريني والقطري، وعدم اعطاء الاسبقية في القاء الكلمات (يفترض الرؤساء الحاضرون أولا كمصر وقطر)، واستقبال الرئيس السيسي من قبل وزير الدفاع، وهكذا.
الخاتمة
ان مجرد تهديد من قبل الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني بالانسحاب من اتفاقيات التطبيع من شأنه ان يوقف العدوان الهمجي على غزة. لكن من يجرأ؟ مع انه مجرد تهديد.
للتذكير، كان في أصحاب الإسكندر رجل يسمى (منتصر) لا يزال ينهزم في الحرب، فقال له: إما غيرت اسمك، وإما غيرت فعلك. الحليم تكفيه الإشارة.
علي الكاش
1066 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع