الدكتور عبدالعزيز المفتي
( ان ما نسمع من المنتصر في الحرب الاسرائلية - الإيرانية وكيف يتم الإيقاف النهائي وعدم العودة للمناوشات بينهم)
هذه الأيام نسمع الكثير عن الحرب الإسرائيلية والإيرانية، كل منهم يقول أنا المنتصر، وهناك أخبار بعدم تدمير كل الأهداف الإيرانية النووية والصاروخية، وكذلك نسمع بأن هناك اتفاق بينهم وبرعاية أميركية بإيقاف الحرب، والآن نسمع باحتمال بدء الحرب بينهم. هل ممكن ذلك؟ وما أسباب هذه الشكوك؟ ومن المنتصر؟ وكيف يتم الاستمرار بعدم بدء مناوشات بينهم مستقبلاً؟
شهدت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة واحدة من أكثر الحروب “الرمزية والتكتيكية” في الشرق الأوسط، ليس فقط من حيث نطاقها وتكنولوجيتها، بل من حيث الغموض الذي اكتنف نتائجها وسبل إنهائها المفاجئة. لا تزال الأسئلة تُطرح حول ما إذا كانت الحرب قد انتهت فعليًا، أم أن ما جرى كان مجرد هدنة مؤقتة، رعتها الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية، لأسباب سياسية واستراتيجية. نعرض هنا تحليلًا مفصلًا لهذا المشهد المعقّد من عدة أبعاد:
أولاً: الحرب بين الادعاء بالنصر والحقائق الميدانية
في نهاية الحرب، سارع كل طرف إلى إعلان “النصر”:
• إسرائيل قالت إنها “حيّدت القدرات النووية والصاروخية الإيرانية” جزئيًا، وحققت أهدافها بعمليات دقيقة شملت تدمير مواقع في فوردو وأصفهان وطهران.
• إيران، من جانبها، ردّت بهجمات صاروخية كثيفة، أكدت فيها قدرتها على إصابة عمق إسرائيل، بما في ذلك أهداف قريبة من تل أبيب ومناطق صناعية وعسكرية.
إلا أن الحقيقة أن الطرفين تكبدا خسائر ملموسة:
• إيران لم تخسر كل بنيتها النووية، لا سيما أن بعض المنشآت تقع تحت الأرض أو في مناطق يصعب استهدافها حتى بالقاذفات الشبحية B-2.
• إسرائيل تعرضت لهجمات غير مسبوقة بالصواريخ والمسيرات، ما أثبت أن “القبة الحديدية” و”حيتس 3” ليست منظومات لا تُخترق.
ثانيًا: هل توقفت الحرب فعليًا أم أنها مؤجلة؟
ما حدث من إعلان لوقف إطلاق النار بعد أسبوعين من بدء الحرب لم يكن نتيجة لحسم عسكري، بل كان نتيجة ضغوط دبلوماسية كثيفة من:
• الولايات المتحدة التي كانت تخشى من اندلاع صراع إقليمي أكبر قد يشمل حزب الله وسوريا والعراق.
• دول أوروبية (مثل فرنسا وألمانيا) خشيت من تصعيد نووي إقليمي وفوضى اقتصادية.
• روسيا والصين اللتان تدخلتا سياسياً لمنع انهيار كامل للوضع الأمني في الخليج.
لكن هذا الوقف لم يكن نتيجة “اتفاق سلام”، بل مجرد “تفاهمات” مؤقتة تقوم على ثلاثة عناصر:
1. وقف مؤقت للأعمال العدائية.
2. الالتزام بعدم استهداف المنشآت العسكرية النووية مباشرة.
3. فتح قنوات تفاوض مستقبلية بضمانات أمريكية.
ثالثًا: لماذا الشكوك بعودة الحرب؟
1. لم يتحقق نزع كامل لقدرات إيران الصاروخية أو النووية، حسب التقارير الاستخباراتية.
2. إسرائيل ما زالت ترى في إيران “تهديدًا وجوديًا” خاصًة إذا ما استُأنف تخصيب اليورانيوم.
3. طهران من جانبها تعتبر ما جرى “إهانة” سيادية وتستعد لحرب طويلة غير تقليدية (استنزاف، طائرات مسيّرة، خلايا إقليمية).
4. فشل أطراف خارجية في فرض آلية مراقبة موثوقة للطرفين قد يُعيد الاشتعال عند أول احتكاك.
رابعًا: من المنتصر فعليًا؟
الجواب يتوقف على المعايير التي نقيس بها “النصر”:
• من الناحية العسكرية: إسرائيل حققت إصابات دقيقة ضد منشآت عسكرية ونووية حساسة، وهذا لا شك يعتبر تفوقًا تكتيكيًا، لكن رد الفعل الإيراني أظهر أن منظومة الردع الإسرائيلية يمكن النفاذ منها.
• من ناحية الصمود الوطني: إيران لم تنهار، ولم تسقط حكومتها رغم الضربات، وهذا يعتبر “نصرًا سياسيًا ومعنويًا”.
• من الناحية الاستراتيجية: لا أحد تمكن من “إخراج” الآخر من المعادلة، ما يجعل النتيجة أقرب إلى “التعادل الحذر”.
خامسًا: ما المطلوب لمنع عودة المواجهة العسكرية؟
1. إنشاء قناة تفاوضية دائمة بين طهران وتل أبيب بوساطة دولية (ربما عبر دولة ثالثة محايدة مثل عُمان أو سويسرا).
2. توقيع اتفاق غير معلن، يتضمن:
• عدم استهداف مباشر لأي منشآت استراتيجية.
• التزام متبادل بعدم استخدام “الوكلاء” (الميليشيات الإقليمية) للهجوم.
• إشراف أممي على المواقع النووية الحساسة، ولو جزئيًا.
3. تقوية آليات الإنذار المبكر والاتصال العسكري (Hotline) بين الطرفين، حتى لا تؤدي أي عملية خاطئة أو اعتداء مفاجئ إلى إشعال المواجهة من جديد.
4. دور أميركي أكبر بوصفها الطرف الذي يستطيع الضغط على إسرائيل، وفي الوقت نفسه الحوار مع إيران ضمن الحدود الممكنة.
سادسًا: موقف الشعبين والرأي العام
• في إيران: الشعب الإيراني مرهق اقتصاديًا ويعاني من العقوبات؛ لذلك فإن أي حرب طويلة تُفاقم الوضع الداخلي. الرغبة الشعبية تميل إلى “حماية الكرامة” دون الدخول في حرب مدمّرة.
• في إسرائيل: هناك انقسام؛ فبعض القوى اليمينية ترى في أي اتفاق ضعفًا، بينما ترى المعارضة أن الأمن لا يمكن تحقيقه بالقوة فقط بل بالتفاهمات.
• في الدول العربية والإسلامية: انقسمت بين التأييد الرمزي لإيران كقوة مقاومة لإسرائيل، والخشية من دخول المنطقة في مواجهة واسعة.
• أوروبا: حريصة على استمرار وقف إطلاق النار للحفاظ على استقرار المنطقة وتدفق الطاقة.
• روسيا والصين: يميلان إلى حل تفاوضي يحدّ من النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة دون أن يدعما إيران علنًا.
إذا :-
الحرب لم تنتهِ سياسيًا، بل عُطّلت عسكريًا. النصر لم يُحسم لطرف، وإنما سُجّل تعادل استراتيجي هش. استئناف الحرب ممكن جدًا إذا فشلت جهود التهدئة أو ارتُكبت أي عمليات خاطئة أو متسرعة. المستقبل يتوقف على النوايا، وعلى قدرة الدبلوماسية الدولية على ترسيخ “قواعد اشتباك” جديدة تمنع الانفجار، وعلى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات استراتيجية مؤلمة من أجل تجنّب حرب لا يستطيع أحد تحمّل تبعاتها في المنطقة.
الدكتور عبدالعزيز المفتي
٢٧ حزيران ٢٠٢٥
740 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع