إبراهيم الزبيدي
ماذا لو لم يكن صدام حسين في العراق عام 1980، ولو لم يكن هو الحاكم بأمره وحده والقادر على جر العراق والأمة العربية إلى حرب دامية تدوم ثماني سنوات؟ وماذا لو لم تنهض أمريكا وأموال النفط العربي لحماية ظهره ومنع الخميني من الانتصار عليه واحتلال العراق؟
سؤال آخر: هل تخلت القيادة الإيرانية التي ورثت جمهورية الخميني عن تطلعاتها العنصرية التي تعتبر الخليج والعراق أرض أجدادها المغتصبة من مئات السنين؟
وإذا ما تخلص النظام الإيراني من خناق العقوبات وامتلك عافيته الكاملة وتمكن من تحييد أمركا وأوربا في تحركاته العدوانية في دول الإقليم، كما أفلح في سوريا، ألا تكون حربه القادمة أكثر ضراوة في الخليج العربي لزعزة استقرار دوله، واحدة بعد أخرى، لفرض هيمنة وكلائه شيعة الخليج على حكوماتها كما يفعل في العراق ولبنان وسوريا؟
وبغض النظر عن تحريك طوابيره الخامسة في الخليج بالمظاهرات المسلحة بالمولوتوف، فإن غزوه القادم لن يكون عسكريا بقدر ما يكون تبشيريا وتهريجيا بوسائل الإعلام والثقافة والإشاعات الكاذبة وقصص التاريخ الملفقة. فتجربة حرب الثماني سنوات علمت ملالي طهران دروسا ثمينة في ضرورة تجزأة الحروب وجعلها حلقات وخطوات تلد الواحدة منها أختها التالية. مع امتلاك جيش قوي كبير ومهيب ومجهز بكل أسلحة الدمار المشروعة وغير المشروعة، فقط لإلقاء الرعب في قلب الفريسة.
وما فعله بملايين السوريين، و(معهم دول عديدة عربية وأوربية وأمريكية تدعي صداقة الشعب السوري)، كان مِرانا مُضافا نافعا تعلم منه أن إنهاك إرادة الشعوب، وتمزيق وحدة فصائلها المقاتلة، بسياسة النفس الطويل، وعلى مراحل، وبأسلوب الخطوة خطوة، أفضل وأنجع ألف مرة من غزو عسكري تقليدي لم يعد مسموحا به في العصر الحديث.
وما تفعله إيران اليوم في مقايضاتها وتفاهماتها مع أمريكا وأوربا ليس سوى خطوة أولى في حربها القادمة في المنطقة. رغم أن من غير المتوقع وغير المنطقي والمعقول أن تتخلى القيادة الإيرانية العنيدة عن طموحها النووي، مهما كان الثمن، ومهما كانت المغريات. والمماطلة والمراوغة والبراعة في كسب الوقت من أهم مواهب القيادة المعممة في طهران.
ويبدو أنها إيران بلغت في مسيرتها النووية نقطة متقدمة مطمئنة تستطيع التوقف عندها لالتقاط الأنفاس، واستعادة العافية الاقتصادية والسياسية بعد أن أنهكتها العقوبات، ولكن بما لا يقتل طموحها النووي، ولا يسلبها المعدات والمفاعلات واليورانيوم المخصب.
وقد تكون صادقة في وعدها بوقف نشاطها النووي العسكري والسماح للمفتشين الدوليين بدخول منشآتها. وقد يكون الغرب أيضا صادقا برغبته في ترطيب العلاقة معها، ولكن ما لا يمكن ضمانه أبدا ألا تعود حليمة، بعد عام من العافية، أو عامين أو ثلاثة، إلى حالتها القديمة، وتستأنف نشاطها النووي، حين لن يكون
في وسع أمريكا وأوربا منعهُا من صنع قنبلتها النووية إلا بغزو عسكري لم يعد متاحا لأحدٍ في ظروف العالم الجديدة القاهرة.
أما السؤال الملح الذي يعنينا هنا فهو ماذا سيحدث لو استعادت إيران عافيتها الاقتصادية واستعادت حريتها السياسية والعسكرية في فترة الاستراحة (المفترضة) بينها بين أمريكا وأوربا ؟
فإذا كانت، وهي محاصرة ومعاقبة، تمكنت من احتلال العراق وتمزيق وحدته الوطنية وتجويع أهله، وبالأخص في الجنوب الشيعي العربي، ثم استطاعت أن تفرض احتلالها لسوريا بالكامل، وأن تنشر الخوف واليتم والخراب في ملايين منازل السورييين واللبنانيين واليمنيين والبحرينيين، فماذا سيكون في قدرتها أن تفعل بعد أن يُرفع الحصار، وبعد أن تعتمدها أمريكا وأوربا صديقة، إن لم نقل حليفة؟
من هنا يصبح تحديد وجهة البوصلة الإيرانية وحساب اتجاهاتها المستقبلية التالية أسهل ما يكون. فبعد أن تمكنت من وضع العراق ولبنان وسوريا في قبضتها، في السنوات الماضية، يمكن الجزم بأن ساحة عملياتها القادمة لن تبعد كثيرا عن الخليج.
وليس متوقعا أن تتطوع أمريكا فتعطي دول الخليج العربية الحليفة أكثر من بيانات مبهمة متناقضة، خصوصا وقد أجازت وجود الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات العراقية في سوريا، بل رضيت بأن تكون إيران جزءً من الحل السوري، وهي أساس المشكلة.
ولا يبدو أن دول الخليج بعيدة عن هذه التوقعات، ولا غافلة عما يدور وراء أبواب أمريكا وإيران المغلقة.
ومع الإقرار بأن امتلاك أحدث الأسلحة من قبل دول الخليج أمر ضروري لجعل إيرات تفكر كثيرا قبل استخدام قوتها العسكرية في منطقة حساسة جدا ولا تحتمل أي حريق، فإن علينا أن نعترف بأن بأن أسلحة إيران في حروبها الجديدة لابد أن تكون ثقافية وإعلامية، بالدرجة الأولى، تحشد لها عشرات الفضائيات ومئات الإذاعات والمطابع ودور النشر والمواقع الألكترونية والصحف والمجلات والمؤتمرات والمظاهرات والكتابة على الجدران. وهدفها معروف، وهو المواطن العربي الشيعي، قبل سواه، لإقناعه بأن حربها تلك مذهبية مُبرأة من الغرض السياسي، غايتهُا حماية الطائفة، والدفاع عن حقوقها التي تزعم أنها مغتصبة من قرون.
واكتفاء دول الخليج بتوعية مواطنيها، وانشغالها بتحصين جبهتها الداخلية ضد هجمات خطيرة من هذا النوع، أمر حيوي وهام وضروري. ولكن الأهم والأكثر ضرورة هو الخروج إلى الساحة الأوسع، لا لمخاطبة المواطن في الدول العربية الأخرى فقط،، بل للتواصل مع جالياتنا المغتربة التي تستطيع جلاء الحقيقة لشعوب أوربا وأمريكا، وتصحيح الصورة وتوعية الرأي العام الأمريكي والأوربي بطبيعة الغزو الإيراني، وأبعاده الحقيقية الخافية على كثيرين.
إن حاجتنا في حربنا هذه إلى الكتاب والمقالة والأغنية واللوحة والصورة والمحاضرة والمظاهرة أكثر من حاجتنا إلى البندقية والقنبلة والصاروخ.
1762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع