بقلم: اللواء الركن المتقاعد / فؤاد حسين علي
في هذه الايام التي قلت فيها القراءة وشح في مجالها التأليف وعاد أنسان الوادي العريق الى أيام الحجامة وحكم العشيرة والتنجيم...
يتحفنا الدكتور سعد العبيدي كعادته بمؤلف جديد يتجاوز فيه العوده الى الماضي كي يعطي أملا في التوجه نحو الامام بطريقة المعالجة النفسية لأخطاء باتت راسخة بينها المخالفة ، التي تناولها موضوعا حساسا لم يسبق تناوله بهذه الطريقة التي دفعتني الى قرائته بامعان وتروي فوجدت بالمرور النافذ لفصوله السبعه موضوعا فريدا يستحق التوقف عنده وأعادة تجربة قرائته ثانية لمزيد من المتعة والمعرفة في آن معا ، ووجدت بضوء تجربتي العسكرية طويلة الأمد أن المزج بين تخصصين أولها عسكري مهني يتكلم عن قضايا التعبية ومهنة الميدان وثانيهما أكاديمي يعرض نظريات علم النفس والأجتماع في ميادين العمل والحياة مسألة ليست سهلة ،لكنهما في هذا الكتاب الذي يتأسس في الاصل على عملية المزج لهذين التخصصين كانت ميسوره قدمت بطريقة سلسه ، سهلت للقارئ المتخصص والعادي أستيعاب أصل المخالفة وسبل أكتسابها سلوكا بشريا موجودا في كل بقاع العالم وفي كل المجالات العسكرية منها والمدنية ،وبالعوده الى أصل الكتاب وفصوله وجدت في الفصل الاول عرضا للمخالفه من النواحي .
1.القانونيه،حيث العوده الى القوانين التي تضبط السلوك ومقادير العقاب التي أوجدها المشرعون العراقيون سبيلا الى الردع أي الحيلوله دون معاودة أرتكاب المعنيون المخالفة ،ودون لجوء الآخرين الى المخالفة سلوكا يعاقب عليه القانون .
2.العسكرية،بيئة يتضح في ساحتها السلوك المخالف بمقارنته مع السلوك السوي ويتضح مقدار تأثير حصوله سلما على مستوى تماسك الوحدة العسكرية وأكتسابها المهارات اللازمه لتكوين الأستعداد اللازم الى القتال ،وحربا على الأداء الفردي والجماعي الذي يحدد نتائج القتال .
أما الفصل الثاني الخاص بعوامل أرتكاب المخالفة النفسية والبيئية ،فقد ذكر الباحث عدة عوامل نفسية تقع وراء حصول السلوك المخالف، يسحبنا بالتدريج الى سبل تكوين الشخصية المخالفة أو السوية وتأثير عوامل الوراثة في صياغتها ،والى خصائص الشخصية وبعض أضطراباتها التي تسهم في تكوين السلوك المخالف خارج قدرة الانسان على التحكم في بعض الحالات ،دون أن يسقط من حسابات التأثير عوامل البيئه سواء تلك الموجوده في الوحدة العسكرية التي يعيش ضمن محيطها المنتسبون أفرادا وقادة وآمرون يقع على عاتقهم وأساليب قيادتهم العبئ الأكبر من أنتاج وتكوين السلوك المخالف أو أطفاءه بالمستوى الذي لايكون مستوى حدوثه في الوحده عامل تأثير سلبي على الأداء ، أو تلك التي تمتد الى تأثيرات العائلة والمدرسة ومجموعة الأصدقاء التي تترك كل واحدة منها بصمات على صاحب الشأن تسهم في تكوين سلوكه مخالفا أو ملتزما بأقل مايمكن من المخالفات أو بدونها في بعض الاحيان.
ومن بعد هذا جاء الفصل الثالث الذي تناول فيه الكاتب طبيعة المخالفة لمنظومة القيم السائده في البيئة العسكرية ، مؤكدا في عرضها أهمية الألتزام بالأمانة واحترام الاعلى والاخلاص والتضحية وروح الجماعة معايير قيميه تحكم السلوك وتحسن مستوى الأداء .ومن بعده فصلا رابعا تناول طبيعة المخالفات التعبوية أي تلك التي تحدث في الميدان ،بالتأسيس على القدرات الفردية والخواص المهنية ،مع عرض للسلوك وأتجاهات المخالفه في حالات الأجهاد القتالي التي يصل فيها المنتسب والجماعة الى
مستوى الأعياء حيث الفقدان الكلي أو الجزئي للقدره على تنفيذ المهام أو الاستمرار في تقديم الأداء المناسب .
أن الكاتب في عرضه لفصول متسلسلة لهذا المؤلف الثمين قدم معلومات دقيقة في الفصل ماقبل الأخير وبالتأسيس على واقع الحياة العسكرية العامة والمعطيات النفسية الخاصة عن معنى الثواب والعقاب بضبط السلوك المخالف ،ومسائل الخطأ والصح في الاستخدام التي تسهم في أنتشار المخالفة أو التقليل منها بالحدود التي تفقدها القدره على التأثير .
وجاء الفصل الأخير تتويجا لما تم تقديمه من معلومات في باقي الفصول أذ قدم الكاتب وبأسلوب واضح مقترحات عن كيفية الحد من المخالفة ،بالتأسيس على خبرة طويلة له في الحياة العسكرية ضابطا شغل عدة مناصب أكسبته معرفة مهنية جيدة ،وعلى تخصص في مجال علم النفس كان الوحيد من بين خريجي الكلية العسكرية العراقية اللذين أستطاعوا العبور الى هكذا نوع من المعرفة ،قدم من خلالها العديد من المؤلفات بينها هذا العنوان المهم الذي يضيف الى المكتبة العربية أضافة فريدة ومهمة ،تستحق بذل الجهد للأطلاع عليها ليس من قبل العسكريين فقط بل ومن الجميع دونما أستثناء .
799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع